Thursday, 26 August 2010

Pulp Fiction

غرائز، مجد، سفر الأمثال، يوم الكيبور، حبات الفلفل الحار، حاخامات واتهامات، كل هؤلاء يقومون بالبطولة في الدعوى التي تؤكد أن ريجن قد قامت بالسرقة الأدبية. القضية تكشف عن موضوع أهم، وهو البيئة التي تنتمي إليها الكاتبة المتهمة والكاتبات اللائي اتهمنها بالسرقة، وهي مجتمع اليهود المتدينين (الحريديم)، وضوابطه ونواهيه وتابوهاته الأدبية.


Pulp Fiction

شموئيل ميتلمان

ترجمة: نائل الطوخي

كان يمكن لقضية الدعوى المرفوعة ضد ناعومي ريجِن، والمتهمة بالسرقة الأدبية من قبل ثلاث كاتبات مختلفات، أن تتحول بسهولة لحبكة فيلم باسم "المحاكمة". غير أن هذا العنوان قد التقطه كافكا قبل مئة عام. هنا أيضا تقوم بالبطولة في الحبكة غرائز ملتهبة، غيرة، تهديدات، اتهامات واتهامات مضادة – بل وإن بعض الحاخامات المعروفين قد وجدوا أنفسهم متورطين. حتى وقت قريب كان الصراع محدودا بين ريجِن والكاتبات اللائي قمن برفع الدعوى عليها في المحكمة. ولكن من الآن، دخلت الشرطة أيضاً في الصورة.

اضطرت شرطة القدس للشروع في تحقيق للاشتباه في شبهة تهديدات، وعرقلة خطوات القضاء وتعطيل بهدف منع الإدلاء بالشهادة، بعد أن تقدمت كاتبتان من الثلاث كاتبات، وهما سارة شبيرو وسوزي روزنجرتن، بشكوى من وصول خطابي تهديد إليهما تم إرسالهما، وفق دعواهما، من قبل ريجِن. ادعت كل من الاثنتين أنها تلقت مظروفا مجهولا على صندوق بريدها، في القدس وفي بني باراك، تلوح منه، وفق زعمهما، رسالة تهديد بخصوص ما ينتظرهما بسبب الدعوى التي قاما برفعها. "نحن نشعر بالتهديد بسبب هذين الخطابين ونأمل أن تنجح الشرطة في تعقب أثر من أرسلهما." قالتا للمحققين.

تم تقديم الشكاوى لشرطة القدس في 24 يونيو من هذا العام. قالت كل من شبيرا وروزنجرتن أنها قد استلمت قبل أيام، مظروفا مجهولا وعليه طابع بريد، وبداخله منشورات وقصاصات جرائد تتحدث عن موت الأديب ريتشارد لي، والذي رفع دعوى منذ عدة سنوات على دان براون، مؤلف الكتاب العالمي الأعلى مبيعا "شفرة دافنشي"، متهما إياه بسرقة حقوق الملكية الفكرية. وفق كلام شبيرا وروزنجرتن، ففي النص الذي استلماه أحيط بعلامة حمراء السطر الذي يشير إلى التزام لي، والذي مات، بدفع نفقات المحاكمة البالغة حوالي ستة ملايين دولار بعد أن تم رفض دعواه. بحسب كلام الكاتبتين ففي هذه المادة المرفقة تكمن رسالة واضحة، بأنهما سيعانيان من نفس المصير الأسود الذي عاني منه المدعي في محاكمة دافنشي. قالتا للمحققين إنهما فهما كون الرسالتين تخبرهما بأنه من المفيد لهما التنازل عن الدعوى.

بالإضافة لهذا، قالتا، فقد تم إلحاق خبر آخر بالمظروفين، يحمل عنوان: "وضعا في فم الأطفال فلفلا حاراً – زوجان من مدينة "ييهود" متهمان بالتنكيل بأطفالهما الأربعة." في شكواها قالت شبيرو أن إرفاق هذا الخبر قد يعد مفتاحا لتعيين هوية مرسل الخطابين. في كتابها "أن أكبر مع أطفالي – يوميات امرأة يهودية"، ضمنت شبيرو مشهدا يحكي عن نصيحة من مستشارة تعليمية بأن تضع حب الفلفل في فم ابنها عندما يقول ألفاظا نابية. كتبت شبيرو في الكتاب أنها جربت هذه الطريقة مع أطفالها ولكنهم قاموا بإخفاء الفلفل.

قبلها بعدة أشهر، كما أشارت شبيرو، في إحدى الجلسات بالمحكمة الإقليمية بالقدس، أدلت ريجن بشهادتها قائلة، فيما يشبه اللمزة: "وبالمناسبة، رأيت في الأسبوع الماضي أن من يضع فلفلا على لسان الطفل، يدخل السجن. كان هذا أمرا مثيرا لاهتمامي جدا." وفي شهادة سابقة، بتاريخ 1 يونيو 2008، سُئلت ريجن عن صحة تماهيها مع التجارب التي قرأت عنها في كتاب شبيرو. فأجابت: "مع بعضها، فلا يمكن لتلك التجربة التي تضرب فيها أطفالها وتضع فيها فلفلا بداخل فم الطفل، أن تعلمنا شيئا ما."

ادعت شبيرو أن ريجن فقط، وهي التي اعترفت بأنها رأت الخبر عن سجن الأبوين، كان يمكنها القيام بهذا الربط بين ذلك المشهد في كتابها وبين مضمون الخبر المفلفل.

في حوار مع "معاريف" أنكرت ريجن أنها هددت الكاتبتين، ولكنها أكدت على فعل إرسال الخطابات. "صحيح، تم التحقيق معي في الشرطة ولكن هذا كان هراء"، كما قالت. "زوجي تقريباً كان هو من أرسل لهما مقالا من صحيفة أمريكية، يشير إلى أن من رفعوا دعوى على دان براون قد دفعا الكثير من المال بعد أن خسروا الدعوى. أرسلنا لهما هذا لأنني لا أعتمد على أن يحكي لهما محاميهما، جلعاد كورينالدي، عن هذا. أردنا أن يعرفا هذا. لم يكن خطابا، لأن زوجي لم يكتب فيه حرفا. لم يضف كلمة واحدة. لقد قام بفعل جميل معهما، كي يعرفا ما الذي ينتظرهما. زوجي أرسل لهما هذا، وماذا إذن."

وبخصوص موضوع الفلفل الحار قالت: "ليست لدي أدنى فكرة، لأنني لم أرسل لهما شيئاً. في الشرطة قلت الحقيقة وقاموا بإعادتي للبيت."

يضيف الخطابان المجهولان - سواء كانا خطابي تهديد أو تذكيراً بين الأصدقاء، على حسب ما نتحدث عنه –بالتأكيد فلفلا للقضية المستمرة، والتي تختلط فيها العداوات الشخصية، الغيرة الأدبية والصراع على المجد في الشارع الحريدي. ومثل النساء الثلاث اللائي رفعن عليها الدعوى، فإن ناعومي ريجن أيضا هي أديبة من أصل أمريكي تقيم حياتها وفق أسلوب حريدي. ذات مرة انكشفت المشاعر المستعرة في جلسة المحكمة، وبينما كان كل طرف يتهم الطرف الآخر بالكذب وتدبير المؤامرات القذرة والفهم المعيب للأدب. ادعت شبيرو وروزنجرتن أنه، مثلا، في إحدى الجلسات خرجت ريجن الغاضبة من قاعة المحكمة وانقضت عليهن، وهن جالسات على الأريكة في الممر، وقالت: "لا أسامحكن إلى أبد الآبدين، حتى في يوم الكيبور! سوف تضطررن لزيارة قبري لطلب الغفران. كي يحفظكن الرب من اللعنات التي أوجهها لكُنّ... أنتن متدينات؟ أنتن غير متدينات."

الحاخام أراد الخير

ولكن ريجن لم تكن الوحيدة التي تمسكت بقداسة يوم الكيبور لأجل الصراخ بعدالة موقفها. في حوار معها قبل عدة سنوات اعترفت شبيرو أنها اعتادت سابقا كل ليلة كيبور على ترك رسالة في الأنسر ماشين ببيت ريجن، تقول: "الآن ليلة يوم الكيبور، وأنا لا أغفر لك." وفق كلماتها، فلقد توقفت عن هذا عندما رأت أن ريجن لا ترد.

ريجن: "أي أديب هو اسفنجة. كل ما يقرأه، يسمعه، يتعلمه، كل حوار في الأوتوبيس، كل شخص التقاه، الأديب يستوعب كل هذه الأشياء بسعادة داخل الاسفنجة. هو ببساطة يضع كل شيء داخل البئر. وعندما يبدأ شخص في كتابة كتاب فهو يضع مغرفة الخيال بداخل البئر الذي يضم كل ما قرأه وسمعه، ويكتشف أشياء يناسبه أن يحكيها. بخصوص كتاب "ناشز" فلقد قرأت في البداية بصحيفة "معاريف" قصة عن امرأة في بني باراك، كانت لها قصة زنا مع جارها الحريدي، و اكتشفتها شرطة الأخلاق[1].... خيالي خلب بهذه القصة المنشورة على صفحتين بالجريدة، وعلى أساسها وُلد الكتاب الذي يضم حوالي 400 صفحة."

المحامي كورينالدي: "هل كتبت بالاستعانة بالبئر أم من المخزون المعرفي؟ هل كتبت وأنت تتخذين قراراً بأنه يوجد لديك مخزون معرفي في رأسك؟"

ريجن: "إنه بئر. البئر هو مخزون معرفي. هذا تعبير أدبي. كأديبة فلقد استلهمت من مخزوني المعرفي، من بئري، وحاولت فهم القصة التي أخذتها من "معاريف"، حاولت تفهم الشخصيات."

كورينالدي: "هل كتبت الفصول بالتسلسل"؟

ريجن: "لقد كتب الكتاب بالتسلسل من الفصل الأول وحتى النهاية. ولكن هذه كانت الصيغة الأولى. وبما أنك لست أديبا ولا تفهم شيئا في الأدب، فلقد أردت أن أشرح لك شيئا، كي تصبح بالفعل خبيرا كما تصف نفسك."

كورينالدي: "سيدة ريجن، أريد أن أضيف لك أنني أديب. فلقد نشرت كتابا مؤخرا، بل وفي دار النشر الخاصة بك، كنيرت-زمورهفيتان (الحديث هو عن كتاب "قضية إغلاق"، عن الصراع القضائي الذي أداره كورينالدي من أجل إنقاذ المعابد في مستوطنة جوش قطيف – ش.م) وأنا أعرف قليلا عن عملية الكتابة."

ريجن: "حسنا، ولكن هذا ليس أدبا بالتحديد، أن تكتب عن ملفك القضائي في المعابد."

كورينالدي: "أنا سعيد لسماع أنك تتابعين إصداراتي."

(من محاضر المحكمة)

ميخال تال كانت أول من رفع الدعوى. في عام 2007 ادعت أن ريجن نقلت موتيفات وأفكارا من كتابها " The Lion and the Cross " الذي نشرته في الولايات المتحدة، وربطتها برواية "في يديك أترك روحي". فيما بعد رفعت سارة شبيرو من جانبها دعوى تزعم فيها أن ريجن نقلت أجزاء كاملة من كتابها الأوتوبيوجرافي "أن أكبر مع أطفالي – يوميات امرأة يهودية" وضفرتها بكتابها "ناشز " والذي نشر في البداية بالولايات المتحدة وتمت ترجمته للعبرية تحت عنوان "وإلى زوجك يكون اشتياقك" وطالبتها بمليون شيكل. زعمت شبيرو أنها توجهت في البداية للمحكمة الدينية بالقدس والتي دعت الطرفين للنقاش. ولكن بعد أن رفضت ريجن التعاون مع هذه العملية، قررت التوجه للمحكمة الإقليمية.

قبل عدة أشهر رفعت أيضا سوزي (سينتيا) روزنجرتن، وتبلغ 78 عاما، وهي حريدية تعد من جماعة حسيدوت بوبوف في مدينة بني باراك، دعوى ضد ريجن بزعم أنها نقلت منها كتابها "وساطة من السماء"، والمنشور بالإنجليزية وقائم على الوساطة الحقيقية لابنها. وفق دعواها، فلقد طعّمت ريجن قصتها العائلية الخاصة بكتابها "الافتداء بتامار"، بدون إذن منها. روزنجرتن قالت أنها لم تقرر رفع دعوى مدنية إلا بعد أن سمعت عن دعوتي تال وشبيرو. طلبت من ريجن مليوني شيكل ونصف. الثلاث كاتبات قمن بتوكيل المحامي جلعاد كورينالدي، المختص بمواضيع حقوق المبدعين والملكية الثقافية.

ريجن هي واحدة من الكاتبات الأكثر نجاحا في سوق الكتب الإسرائيلي بل وفي السوق اليهودي خارج البلاد أيضاً. جميع الكتب الثلاثة المذكورة في الدعوى المرفوعة ضدها – "وإلى زوجك يكون اشتياقك"، "بيديك أترك روحي"، و"الافتداء بتامار" – هي من الأعلى مبيعاً. أنكرت ريجن جميع الاتهامات الموجهة ضدها وزعمت في السابق أنها مطاردة من قبل عناصر مختلفة في المجتمع الحريدي الذي يعارض كتبها. وقامت بتوكيل المحاميين تامار جليك ويارون حنين من مكتب ليفليك موزار (قبل أن يتم تقديم وثيقة دفاعية في دعوى روزنجرتن).

من بين الدعاوى الثلاث فتلك الخاصة بسارة شبيرو هي التي تقوم بالبطولة في الجلسات. الحديث فيها عما لا يقل عن 190 سطرا تم نقلهم، وفق المدعية، من كتابها. في تصريحات أدلت بها اعترفت ريجن أنها تعرف كتاب شبيرو بل وقرأته قبل أن تكتب "وإلى زوجك يكون اشتياقك" (ناشز).

تابت شبيرو في سن 22 عاما في بني باراك[2]. اللقاء الأول بينها وبين ريجن حدث في مناسبات لطيفة بشكل خاص. في 1990، بعد أن تم نشر كتابها الأوتوبيوجرافي "أن أكبر مع أطفالي"، أرسلت ريجن إلى شبيرو خطابا أغرقت فيه بالمديح الأديبة الشابة على ضوء تفتحها الفريد كأم حريدية، وشجعتها على مواصلة الكتابة. "أريد أن أضع في علمك إلى أي درجة استمتعت بها بكتابك وإلى أي درجة هو مكتوب جيدا"، كتبت ريجن، "أعتقد أنه لديك قدرة عملاقة على وصف الوضع وتقديمه بشكل حي. لديك أيضا حس جيد بالدعابة." بل واستضافت شبيرو في بيتها أيضاً.

تزعم ريجن اليوم أن خطاب المديح الذي أرسلته لشبيرو لم يكن بمبادرة منها، وإنما أرسلته بعد أن أعطاها الحاخام موشيه دمبيجل نسخة من "أن أكبر مع أطفالي" الصادر في دار النشر التي يديرها هو نفسه "ترجوم"، وطلب منها كمعروف شخصي أن تكون على صلة بشبيرو وأن تشجعها في كتابتها. في أعقاب طلبه، وبسبب الاحترام البالغ الذي كانت تكنه له، فعلت هذا، بل ودعتها لبيتها من أجل تشجيعها في كتابتها."

سواء هذا أو ذاك، فلقد سعدت شبيرو بالإطراء، ولكن بعد سنوات ذهلت لاكتشاف أن أجزاء من "أن أكبر مع أطفالي"، والذي لاقى إعجاب ريجن، قد شقت طريقها، كما تدعي، إلى "وإلى زوجك يكون اشتياقك."

في الكتاب، والقائم على حياتها، تحكي شبيرو عن امرأة يهودية تائبة من نيويورك، تتعايش مع الحلقة العائلية الكبيرة ومع المصاعب اليومية المرتبطة بإدارة عائلة كبيرة وبتعليم الأطفال. في مقابل هذا فكتاب "وإلى زوجك يكون اشتياقك"، هو رواية خيالية قائمة، وفق ريجن، على خبر تم نشره في معاريف – عن امرأة تقيم علاقة جنسية مع رجل متزوج، وعقابا لها يتم طردها على يد "الشرطة الأخلاقية" إلى الولايات المتحدة.

"ارتجفت عندما فتحت كتاب ريجن، ورأيت هناك كلماتي، وبشكل خاص أفكاري على لسان عدد من الشخصيات... حتى ذلك الحين لم أكن قد عانيت أبدا من السرقة الأدبية" كما قالت شبيرو في شهادتها. وفق كلماتها، فلقد نقلت ريجن أجزاء من حوارات أدارتها مع الحاخام وفيها كشفت عن مخاوفها من الدخول في تجربة حمل أخرى، بالإضافة إلى حوار آخر.

ريجن: "أي أديب هو اسفنجة. كل ما يقرأه، يسمعه، يتعلمه، كل حوار في الأوتوبيس، كل شخص التقاه، هو يستوعب كل هذه الأشياء داخل الاسفنجة. هو ببساطة يضع كل شيء داخل البئر. وعندما يبدأ شخص في كتابة كتاب فهو يضع، بالاستعانة بخادمته، مغرفة الخيال بداخل البئر الموجود." بعد أن قرأت الأجزاء في كتاب "وإلى زوجك يكون اشتياقك"، اتصلت شبيرو بريجن وطلبت منها محوها من كتابها. أنكرت ريجن أنها قامت بالنقل، وتوجهت لدار نشرها، وبعد الدراسة تم تجاهل طلب شبيرو. مرت عدة سنوات، وفقط بعد أن سمعت بالدعوى الأولى التي رفعتها ميخال تال، قررت شبيرو السير في نفس الطريق.

ترفض ريجن الاتهامات الموجهة ضدها. وتدعي أن الحديث هو عن "اختراعات ضالة، خيالات وخبائث"، تنبع من الغيرة، وتقول أن الاستخدامات التي قامت بها في كتابها هي قانونية تماماً. وفق دعواها، فحتى لو تواجدت هنا أو هناك موتيفات وجمل متشابهة، فإن الحديث ليس عن نسخ متعمد وأنه يحتمل أنها تأثرت بشكل غير واع من كتب ومصادر أخرى قرأتها – ومنها كتابات رافعة الدعوى.

مع هذا فريجن لم تنف إمكانية أن تكون "أصداء بعيدة" من كتاب شبيرو قد "تم نقشها في لا وعيي، وبدون تعمد، وشكلت إلهاماً لدى كتابة كتابي"، كما قالت في تصريحها. وادعت أن الدعوى "هي جزء من معركة أعلنتها ضدي عناصر في الجمهور الحريدي الذي يستخدم شبيرو كأداة في يده، سواء بسبب كتابتي عن مواضيع تعد بمثابة تابو في المجتمع الحريدي أو بسبب صراعي القضائي ضد منع الاختلاط[3] في الباصات."

المحامي جلعاد كورينالدي ادعى من الجانب المضاد أنه في الحالة التي أمامنا فثمة سرقة أدبية لأن الأجزاء التي استخدمتها ريجن كانت "جوهرية وحاسمة وأثبتت نقاطا متخيلة كثيرة ومجتمعة". بالإضافة لهذا، يقول، كان لدى ريجن اتصال وعلاقة بالإبداعات محل الحديث، واعترفت هي بنفسها بالتشابه بين الأجزاء المنقولة والاستخدامات التي قامت بها. ريجن، من جانبها، شرحت أنه على الأكثر فلقد تأثرت بـ"نسبة لا تكاد تذكر" من المادة، وهو ما لا يعد إخلالا بحقوق الملكية الفكرية.

كورينالدي: "عندما كتبت كتابك "ناشز"، هل كان كتاب شبيرو "أن أكبر مع أطفالي"، على طاولة كتابتك؟"

أجابت ريجن في البداية بأنها "تعتقد أنه كان موضوعا"، ولكنها أشارت على الفور: "لا، لم يكن على الطاولة، ولكن يحتمل أنه كان في خزانة البيت."

كورينالدي: "هل كان الكتاب مفتوحا أم مغلقاً"؟

ريجن: "يصعب علي تذكر ما الذي كان موضوعا على طاولتي منذ 18 عاما. بشكل عام فأنا لا أكتب وهناك كتب مفتوحة، ولكن أحيانا قد يحدث هذا."

كوريناليدي: "أذكرك بتلك الجملة من سفر الأمثال: "ومن يقر بها [خطاياه.. المترجم] ويتركها يُرحم". هذا تعبير عن التسامح، عن التوبة وتغيير الموقف، أنا أتيح لك بأن ترفعي كفك وتفعلي شيئا يناسب هذا التعبير، إما أن أواصل التحقيق."

ريجن: "سيد كورينالدي، هل لديك الوقاحة لتسألني سؤالا كهذا؟ أنا أتيح لك نفس الفرصة الآن لاستخدام نفس المثل بعد كل ما فعلته بي، وكل الأكاذيب... إجابتي هي لا"!

كورينالدي: "هل توافقين أنه من المحتمل أن يكون التشابه المحدد بين عملك وعمل السيدة شبيرو نابعاً من كونك قرأت كتابها بالتزامن مع الوقت الذي كتبت فيه كتابك " ناشز

ريجن: "نعم".

كورينالدي: "سعدت لأن أعتبر تصريحك اعترافا يوفر العمل على المدعية. تكتبين: "أثناء كتابة كتابي " ناشز" لم يكن مستحيلاً، وبشكل غير واع، أن تخطر على بالي أصداء من أجزاء محددة قرأتها في يوميات المدعية ونقشت في لا وعيي، وبشكل غير مباشر، وغير متعمد، شكلت بالنسبة لي مصدرا للإلهام بالنسبة لتلك الأجزاء." أنا محام ولست محللا نفسيا، ولكنني أريد أن أسألك ما هي تلك الأصداء البعيدة التي نقشت في لا وعيك بشكل غير متعمد؟ لم أفهم؟

ريجن (بغضب): قبل كل شيء، أريد القول أن كل ادعاءاتكم تشكل واحدا في المئة فقط من كتابي. واحد في المئة فقط! ليست لديكم ادعاءات. كل الكلمات التي أخذَتْها (شبيرو – ش.م) في كتابها من الحاخام وآخرين، ليست لدي حقوق بشأنها. إذن، فإذا كانت هناك نسبة لا تكاد تذكر داخل البئر – عندما قرأت كتابها، في وقت قريب للغاية من كتابتي لكتابي – فهي صغيرة جداً. إذن أعترف، أنه عندما وضعت المغرفة بداخل البئر دخلت بعض القطرات الضئيلة مما قرأته في كتاب سارة شبيرو داخل كتابي."

كورينالدي: "كيف وصلت الجمل، كلمة كلمة، إلى داخل بئرك، من طبخة السيدة شبيرو؟"

ريجن: "أنا أتحدث عن نفس الموضوع. أصف الحياة الدينية بداخل عائلة الخادمة دينا الدينية. صاحبة البيت تقول لها "أنت لا تفهمين الأمريكان"، وتقول لها دينا "في بيتي لا يرفع أحد صوته". جملة "أنتم لا تفهمون الأمريكان" هي مثل يمكنني أن أريه لكم في عشرات الكتب. هذا ما يقوله الأمريكيون بشكل عام للأجانب. هي أجنبية."

القاضي يعقوب شبيرا: "ولكن سيدتي، السؤال ليس عن هذا. في صفحة 348 من كتابك.. وفي صفحة 341 من كتاب السيدة شبيرو، تظهر بالضبط نفس الجملة بنفس الكلمات."

ريجن: "هذا صحيح."

شبيرا: "جميل. ما تفسيرك إذن؟"

ريجن: "ما قلتُه هو التفسير. قرأت كتاب سارة شبيرو ويحتمل أنه كان في رأسي الحوار بين المرأة الأمريكية والأجنبية. هذا مختلف تماما في كتابي، ولكن شيئا ما من أصداء الحوار بين الأجنبية والأمريكية."

كورينالدي: "أعجبك؟"

ريحن: "لم يعجبني. وإنما ذكرني بالشيء الصحيح في الحقيقة، أن الأمريكية تقول للمرأة التي تزورها "أنت لا تفهمين الأمريكيين". هذا من ضمن الواحد في المئة، الذي يدعي بشأنها المحامي كورينالدي، وأعترف، أنني أخذت المغرفة، واخترعت أشياء. كان هذا قريبا جدا من الوقت الذي قرأت فيه كتاب سارة شبيرو. محتمل جدا أن تكون هناك أشياء متشابهة ولكنها لا تتجاوز المسموح به في حقوق الملكية الفكرية."

(من محاضر القضية)

جوهري للأبداع

بخلاف الصراع الشخصي بين الأديبات فلقد طولبت المحكمة بالحسم في مسألة مبدئية: متى يعد استخدام مادة من داخل عمل أدبي سرقة أدبية وانتهاكاً للحقوق الفكرية، ومتى يمكن اعتباره مصدر إلهام مشروع للكاتب.

يقرر القانون أنه من أجل إثبات انتهاك الحقوق الفكرية في العمل الأدبي الأصلي، فينبغي إثبات أنه تم نسخ منه "جزء واضح". النقاش بالطبع يتمحور حول، ماهو ذلك "الواضح" بالتحديد؟ لغة القانون تقرر أن التمييز ليس كمياً بالضرورة. يكفي أن تكون المادة المنقولة هامة وجوهرية بالنسبة للعمل. كل جانب في القضية استعان بخبراء معروفين من أجل إثبات موقفه.

البروفيسور ويليام كولبرنر، المتخصص في شكسبير بجامعة بر إيلان، والذي شهد لصالح شبيرو، قال: "بالنظر إلى الشخصيات في البنية القصصية، والاستخدام اللغوي والشخصيات في حلقات "أن أكبر مع أطفالي" لشبيرو وفي "ناشز" ("وإلى زوجك يكون اشتياقك") لريجن، فإن التفسير الوحيد المقبول هو أن ريجن قد استولت على نص شبيرو من أجل عملها.. ريجن هي متخصصة في مجال الاحتكار. لقد نقلت أجزاء جوهرية وذات معنى من عمل شبيرو مستولية عليها لنفسها.. التشابه بين العملين هو جوهري، لدرجة أن أي تفسير، باستثناء السرقة الأدبية، لا يصبح مقبولا."

خبير آخر من جانب شبيرو، البروفيسور أفيجدور شنئان، وهو من قسم الأدب العبري بالجامعة العبري، يقرر: "يبدو لي بوضوح شديد لدرجة اليقين، أن واحداً من العملين قد عرف العمل الآخر واستخدمه بشكل واع وبحجم كبير. الأمر يبدو واضحاً سواء من أنواع بنية الحبكة أو من الاستخدامات اللغوية."

في مقابلهما، فالبروفيسور إميلي بوديك، رئيسة قسم الدراسات الأمريكية بالجامعة العبرية، تقف لجانب ريجن. "نعم أرى في بعض الأجزاء محل الدعوى بكتاب ريجن، تشابها معينا بأجزاء هامشية، مهملة وغير مهمة بيوميات شبيرو. ولكنها أجزاء غير جوهرية وغير حاسمة... ينبغي تذكر أن شبيرو ليست لديها ادعاءات فيما يخص 98 في المئة من كتاب ريجن.. اعتماد المبدع على جزء من كتاب مبدع آخر لا يثبت انتهاك الحقوق الفكرية، بشكل خاص عندما يكون الحديث عن موضوع غير هام مثلما هي الحالة هنا والأمر يسري بشكل مضاعف عندما يكون استخدام الأجزاء المستعارة تم من خلال تغييرات، وتحويل."

_______________________

التحقيق الصحفي منشور بالعبرية في صحيفة معاريف. على هذا الرابط. الصورة الأولى هنا هي للكاتبة ناعومي ريجن، والثانية لغلاف كتابها "وإلى زوجك يكون اشتياقك".



[1] ترجمة غير حرفية لـ"משטרת הצניעות" وهي منظمة غير رسمية في المجتمع الحريدي، هدفها الحفاظ على أمور الأخلاق، وأحيانا بطرق عنيفة. يرجع تأسيسها إلى جماعات مقربة من جماعة "ناطوري كرتا" مع قيام دولة إسرائيل.

[2] مصطلح التوبة חזרה בתשובה في المجتمع الحريدي يعني تحول اليهودي العلماني إلى يهودي متدين يسير في حياته وفق الشريعة.

[3] المصطلح الحرفي هو "خطوط الاحترام" ويشير إلى قانون شرع في تطبيقه بالمجتمع الحريدي يرمي إلى تخصيص عربات للنساء وعربات للرجال.


Friday, 20 August 2010

شالوم عليخم وشباب الأدب الإسرائيلي




البروفيسور دان ميرون يقرأ أدبنا المعاصر ويحن لشالوم عليخم

داليا كربل

ترجمة: نائل الطوخي


في الرواية القصيرة التي تحطم القلب "قصص ألف ليلة وليلة"، يحكي يعنكيل يوفنر الذكي وحاد الذهن قصته على آذان الأديب شالوم عليخم، الاثناا متواجدان على متن سفينة مشحونة باللاجئين اليهود، وتشق طريقها في مياه البحر الشمالي والمحيط الأطلنطي إلى أمريكا. "هذه الدولة التي خلقها الرب من أجل اليهود، حتى يصبح لهم مكان يهربون إليهم، في ساعة الضيق"، كما يقول يوفنر.

يوفنر هو قامة بارزة، رب عائلة ثري في مدينته كروشنيك، في جنوب غرب بولندا، بالمنطقة القريبة من الحدود الغربية لروسيا القيصرية. عندما اجتاح جيش ألمانيا في بداية الحرب العالمية الأولى، اكتسحت الفوضى كل شيء، وكارثة يوفنر كانت أثقل من أن يتحملها أحد. ضاع ابناه. الأول قتل في ساحة المعركة والثاني، الذي حظى بثلاث شارات امتياز في جيش القيصر الروسي، تم إعدامه على ما يبدو رميا بالرصاص. ماتت زوجته من فرط الحزن وانكسار القلب وابنته الوحيدة فقدت صفاء ذهنها بعد أن قتل زوجها أيضاً في المعارك. كانت إشاعة أن الابن لم يتم إعدامه وإنما نجح في الفرار والهروب إلى أمريكا هي الدافع وراء رحلة يوفنر.

مع كل هذا فقد ظلت بعض من ممتلكات يوفنر معه، مثل حس الدعابة لديه، صورته المتماسكة عن نفسه، والأمل أيضا. يفكك كارثته الشخصية إلى 14 مونولوجاً، يلقيهم على آذان الأديب الييديشي المعروف، ويأمل أن تبقى قصة حياته في الذاكرة على مر الأجيال.

من المعروف أن اليهود الأوائل قد وصلوا شمال أمريكا في عام 1645، ولا تزال جملة "الرب خلق أمريكا من أجل اليهود" تفاجئنا، كأن شالوم عليخم قد تنبأ بالصلة بين أمريكا – اليهودية – الصهيونية. الفظائع التي تنبأ بها، والمستترة خلف النبرة الخافتة التي يصف بها البطل كوارثه، مثل وصف إعدام حاخام المدينة على عمود بميدان السوق، تولد لدينا الإحساس بأن الأديب الييديشي قد عايش الهولوكست.

"قصص ألف ليلة وليلة" هي العمل الأول في أدب الهولوكست"، يقول دان ميرون، "هذه هي المحاولة الأولى لوصف الإبادة. بهذا المفهوم، فشالوم عليخم قد سبق جميع الأدباء، وهو يصف مدنا تم تدميرها وعائلات تنهار، وبشكل ساخر. القصة المكتوبة عام 1915 هي آخر قصة كبيرة كتبها. بطله، يوفنر، يسلم بالواقع ولكنه لا يعيش به. هو يتحدث كأنه لا يزال سيدا ذا مكانة وليس لاجئا يسافر لأمريكا وهو غير متيقن أبدا من نجاته في الرحلة. بل وتنتظره في أمريكا حياة مأزومة في جيتو المهاجرين اليهودي بنيويورك. مثل الأدباء الروس الكبار، فشالوم عليخم ينشغل باستراتيجيات النجاة في عالم غير محتمل."

من خلف الدعابة

حتى البروفيسور دان ميرون، وهو باحث ومحلل ومترجم، وجد نفسه في أمريكا. يحظى بكرسي للأدب العبري والأدب المقارن (والييدش في أساسه) بجامعة كولومبيا بنيويورك. لم يعد يقوم بالتدريس في إسرائيل.

ارتباطه الوثيق بكتابات شالوم عليخم بدأ قبل حوالي خمسين عاماً. ترجم عندئذ للعبرية بعضا من كتابات الأديب العبقري. فصلا من قصص مناحيم مندل، وفيما بعد ترجم أيضاً "قصص القطار". دفعته هذه القصص لدراسة الييدشية ثم لإعداد رسالة الدكتوراه عن الأدب المقارن في جامعة كولومبيا.

في السنوات الأخيرة أخذ يترجم شالوم عليخم بدأب. في 2008 صدرت محتارات "قصص الغضب" (عام عوفيد)، في 2009 حظينا بـ"طوبيا الحلاب"، وفي هذه الأيام يصدر مجلد "قصص الفوضى" (كيتير)، مع قصص يوفنر. بعد سنة تقريبا سوف نهنأ أيضا بـ"مناحم مندل".

يرفض ميرون الصورة القديمة لشالوم عليخم، والذي تمت ترجمته وفهمه بوصفه الخال اليهودي الطيب الذي يحكي نكاتا عن البلدة اليهودية وأبطالها، ويغني أغاني خفيفة ("لو كنت روتشيلد"). المسئول عن هذه الصورة هو صهر شالوم عليخم، الأديب والمترجم يـ. د. بركوفيتش. يتذكر ميرون هذا الأسبوع كيف أن بركوفيتش غضب لدى سماع السؤال عن سبب عدم ترجمته قصة "الرجل من بوينس آيرس" إلى العبرية.

"لقد هجم علي وقال، "أنتم تريدون تدنيس اسمه"، يقول ميرون، "الفكرة هي أنه يجب على شالوم عليخم الحديث عن الحاخامات وعن النساء والرجال الصغار في شتايتل، السذج والطيبين. إحدى القصص "ثلاث أرامل"، تنشغل بشخص مثلي جنسيا له شبكة علاقات مع نساء يريد الزواج بهن، ولكن بشكل ما ينتهي هذا عندما يتزوجن رجالا آخرين يلاقون إعجابه. اهتم شالوم عليخم بهذه الأمور وتفهمها. وبركوفيتش لم يوافق على أن تتم ترجمة القصة وفي النهاية قام آرييه أهاروني بترجمتها وضممتها أنا إلى مجلد "قصص الغضب".

"بركوفيتش كان يعتقد أيضاً أنه من غير المرغوب ترجمة "قصص الفوضى" إلى العبرية لأنها لا تلائم الجمهور الإسرائيلي. لقد آن أوان التحرر من هذا المفهوم. شالوم عليخم كتب عن اليهود في بلدة صغيرة ولكنه عرف واقع الحياة والبشر، وقام بدور يشبه قسيس اعتراف يتفهم هؤلاء الذين يشعرون أنهم قاموا بأشياء فظيعة."

يقترح ميرون نظاما جديدا: "علينا مسح الصدأ من على كتابات شالوم عليخم. لقد كان الأديب الأكبر للضعف، بدون أي وصفة أيديولوجية لكيفية التخلص منه. هو أديب عديمي الأصل الذين يفعلون أشياء لا يفعلها أحد، مثلما في قصة "الرجل من بوينس آيرس"، حيث زنقت الحياة بطله المحدود في الركن وخرج منها كجرذ. شالوم عليخم هو الفرضية الضدية للقصة البطولية اليهودية الحديثة."

بمعنى؟

"الشعب اليهودي مسكين، ضعيف وفاشل ومضطهد، يجلس على حِجر التاريخ ولا يفعل شيئاً. هذا الشعب عليه أن يمسك مصيره بقرنيه ويخلص نفسه. يقول شالوم عليخم، أنه، أولاً، فهذا الشعب لا يستطيع، وثانيا، فهذا لا يعنيه كأديب. هو يركز على اليهود الغارقين في دوامة رهيبة من الحياة ويتساءلون كيف يمكن النجاة. أبطاله هم أطفال على مدار أيامهم انهار على رأسهم مثل سمك التونة البيضاء. ضربتهم الأم لأنها تكره الأب الذي لم يقف بجانبهم لأنه يخاف منها. والأخ أو الأخت لم يساعداهم والأقارب اختفوا أيضاً. الأسلوب الاحتجاجي الوحيد لدى طفل كهذا هو أن يحمرّ أنفه وينزف طول الوقت، وهكذا يستطيع تعكير فرحة الوليمة."

ومع كل هذا، يبدو أنه نجح في بناء نصب تذكاري رائع لعالم الأمس.

"هو يقول: لن أحاكم أبطالي. سوف أمكنهم من التعبير عن أنفسهم. سأدعهم يخادعون، مثل هذا اليهودي من بوينس آيرس الذي يعمل بتجارة النساء اليهوديات. أبطاله يكذبون طول الوقت. الكذب يخلب لب شالوم عليخم لأنه يريد أن يسمع من داخله الألم والغضب والإحساس بأن الحياة الواقعية هي مدفونة عميقا بداخل الفوضى. هذا جوهر الحياة. أنا أعتبره أديبا متفردا رفض سلسلة كاملة من الروايات الإيجابية التي اقترحتها ثقافة هذه الفترة. كان هذا اختيارا من أديب عبقري لديه حدس حساس جدا بهؤلاء الناس الذين لم يكن بعيداً عنهم. كان بإمكانه وضع نفسه بينهم والتحدث من داخلهم.

شالوم عليخم كان أقرب من أي أديب يهودي حديث آخر، باستثناء كافكا وعجنون، للاتصال الأصيل بالفوضى وفهمها مخبرة إنسانية معيارية.

ما هي أهمية كتاباته في حياتنا؟

"الإسرائيليون يستطيعون العثور على أنفسهم في قصصه. "طوبيا الحلاب" تم تلقيه بشكل جيد، هناك استعداد لسماع هذا الصوت الآتي من عمق الخبرة التاريخية، خبرة الحياة من اليوم للغد وأن تبقى على قيد الحياة بشكل ما. صوته لا ينبغي أن يحل محل صوتنا الثقافي، الذي بح لأنه لم يحافظ على هذا الثراء وهذه الحكمة. يقول شالوم عليخم أن الرؤية العنيفة للواقع لن تساعدنا. علينا التعايش مع الضعف. هذه حكمة يهودية عتيقة نسيناها. الأديب اليهودي الأكبر يقف بجانب كافكا، الذي عرف هذا، ويقول لنا: ادرسوا الضعف لأنه هو الأمر المهم. أنت خاضع لظروف لا يمكنك التحكم فيها. يتم ضربك من اليمين ومن اليسار وعليك تعلم التعايش مع هذا."

ترجمة ميرون هي عمل فني. لقد قرر أن يترك في القصص كلمات وتعبيرا باللغة الأصلية، بولندية وروسية، بأحرف عبرية، بما فيها مجموعة شتائم. "أردت أن تظل البلبلة كما هي في الأصل. لقد عاش اليهود في منطقة ضبابية لغوياً تحدثوا فيها ثلاث أو أربع لغات. لقد أبقيت على الحركة بين اللغات التي تعبر سواء عن الثراء أو عن التنوع."

نحو واسع

في السنوات الثلاث الأخيرة أنقص ميرون 18 كيلو من وزنه. كانت لديه مشاكل في الركبتين احتاجت عملية، وبعد شفائه قرر الاهتمام بنفسه، وأخذ يزور صالة الجيم ثلاث أو أربع مرات في السبوع. في نوفمبر القادم سيصل إلى عام السادس والسبعين، ولكن الرياضة أحسنت إليه. يبدو كرجل أصغر. ويسارع بالحديث عن إنجازاته البحثية.

"أنا أعمل كثيرا. سيصدر لي كتاب عن الآدب اليهودي قريبا عن دار نشر ستانفورد"، يقول، "أبطال الكتاب هم كافكا وشالوم عليخم. لست متألقاً. لا يجب أن نبالغ. أنا أعمل كثيرا عندما أكون في أمريكا، بالتحديد بالليل. أقوم بعمل الترجمة فقط بعد العاشرة مساء. منذ عشت وحدي وأنا أملي على نفسي إيقاع الوقت. أترجم لأربع أو خمس ساعات، أنام حوالي أربع ساعات وأذهب للقيام ببعض التمرينات الرياضية والتدريس في كولومبيا. لدي إيقاع سريع. لا توجد لدي عقد أو مشاكل كتابة. لا أتصارع مع هذا. هو يأتي. وإذا لم يأت، فأنتظره وفي هذه الأثناء أقوم بشيء ما آخر."

كيف تعرف إذن أنه أتي؟

"هو يحتك بأطراف الأصابع، يقدم نفسه، قل هذا وقل هذا، إنه إحساس."

يبدو أن الثقافة الأمريكية التي تحتقر الشيخوخة قد أثرت عليك؟

"لا شك أنني تعلمت من الثقافة الأمريكية أنه من نقطة معينة فصاعدا لا يجب عليك أن تظل محايدا إزاء هذه المسيرة. أنت مضطر لتشغيل المخ. هذا هو مفتاح كل شيء. أنا أقرأ كثيرا وأتفحص نفسي طول الوقت وأحيانا أذهل لكم الأشياء التي أتذكرها. أقوم بتمرين مخي. أقرأ نصا من 300 صفحة وأضعه جانبا- والآن، قل لنفسك ماذا قرأت في الواقع. أفحص إلى أي درجة أستطيع استعادة الادعاء الأساسي بدقة. أكثر من مرة أقوم بهذا الفحص وأنا أجرى على عجلة الركض."

كيف تعرف أنك نسيت؟

"أنا ألاحظ الثقوب أو إذا كانت هناك أية بقعة وأعود عندها للمقال. أفعل هذا منذ سنوات وهذا التمرين مفروض علي. مثلا أقول لنفسي "في هذه السيمفونية أو تلك، ما هو موتيف الفصل الثالث، رجاء دندنها، اثبت لي أنك تتذكرها، أنه يمكنك كتابتها بالحروف." العمل الأساسي الذي أقوم به هو على مخي."

"أنت تقيم في البلد عدة أشهر في السنة."

"لدي أصدقاء هنا ولدي مشروع في مؤسسة بياليك يربطني بالمكان هنا بالمفهوم النفسي. أنا أنتمي للثقافة الإسرائيلية. لكل هذه الأسباب فهذا هو محجري. ولكن قبل أي شيء فأنا هنا بفضل وبسبب العبرية، واللغة أيضا هي المحيط."

اللغة في الشارع أصبحت ضحلة وركيكة.

"أنا أحب لغة الشارع وأحب الحديث مع البشر. أذني الداخلية تتصلب عندما تسمع خطأ لغويا مثل "أنا يذهب" 'אני ילך' ، ولكنني أقول لنفسي أن هذا هو الأمر وأن اللغة يجب أن يتم إحياؤها طول الوقت. ليست هناك نماذج جامدة. الصحيح في عصر ما هو غير صحيح في عصر آخر. العهد القديم نفسه مليء بكلمات سيتم اعتبارها أخطاء وفق نحو توراتي صارم. في نشيد الأنشاد يقال عن بنات أورشليم، "أن لا تنهضن الحبيبة ولا تنبهنها حتى تشاء" , 'אם תעירו ואם תעוררו את האהבה עד שתחפץ'. عبرية غير جيدة عندما تقولين اذهبوا תלכו وليس فلتذهبوا תלכנה. عندما يقول حفيدي "احضر لي" 'תביא לי' بدلا من "اعطني" 'תן לי'، فهذا ليس بالضبط مريحا لي ولكنني لا أنكره. هذه ليست عمليات يمكن تقسيمها باعتبارها سيئة أو جيدة. وهي مفضلة بدون أي مقارنة على أية صورة من الحذلقة.

"اللغة هي أداة مريحة للكذب بواسطتها، وهي إحدى الصور التي يمكنك بها التعبير عن الحقيقة بمفهوم ما يشعر به الإنسان ويفكر به. اللغة تعبر عن الوضع الثقافي وأعتقد أن ينبغي أن نكون أقل حكما على الأمور. اللغة تقدم نوعا من الحياة في الشارع التي أحبها."

يغرقوننا بعشرات من كتب السرد. هل تستطيع ملاحقة الإيقاع؟

"بالنسبة لإيقاع النشر، من بشكل عام يستطيع توهم أنه يقرأ كل شيء؟ أنا أقرأ الكثير ومتعمق بشكل كاف. موضوع الكم هو ذو مغزى. شيء ما جوهري تغير في البنية التحتية للكتابة والنشر. الأعداد الرهيبة للمنشورات والتي هي في الغالب Non-books وإنما أوراق مغلفة، هي إشارة على تغير ذي مغزى. وبديهي أن يتردد صريخ من نوعية نزلنا، ضعنا، ضعفنا، غرقنا، ولم يعد هناك أدب عبري. خطاب مناحيم بري كان مثل مقطوعة لمغنية أوبرا عجوز تعتزل خشبة المسرح وتقول إنه بما أنها لم تعد تؤثر، فلن تكون هناك أوبرا بعد. كل 20-30 عاما سيوجد من يقول "لقد ضاع الأدب". قالها بياليك في 1907، في مقاله "شعرنا الشاب": "عواء أبناء أوى من جانب ورقص الكباش من ناحية آخرى: ليس هناك أدب عبري!" وهي مقولة غير مرتبطة بتغير الذوق. عندما تغير الذوق في الشعر من قصيدة ألترمان إلى زاخ، لم يقل أحد أنه ليس هناك أدب عبري. أوري تسيفي جرينبرج صرخ: "لا يوجد أدب، لا يوجد قراء، لا يوجد لا يوجد لا يوجد"، أستطيع أن أعرض عليك خطاباته التي كتب لي فيها أنه كان هناك أدب ولم يعد موجودا ولن يتواجد بعد ذلك."

إذن ما الذي تغير؟

"قوانين اللعبة تتغير. هناك جمهور آخر وبنية اقتصادية أخرى ونحن غارقون في عز ثورة ولها كل أنواع التجليات وبينها بعض التجليات المركبة. خذي الشعر مثالا. دائما ما ظهرت الدواوين الشعرية السيئة ولكن الآن تندلع ثورة رهيبة للكتب عديمة التأثير والأهمية. الآن يداعب كل من الشعراء الآخر، يحتفي وينشر بعضهم لبعض على طريقة الفيسبوك. هناك شعر جيد جدا وسرد مثير للاهتمام أيضاً. ما ينقصنا هو التمييز. الغبار كسى اللوحة. نحن لا نرى أن ثمة شعرا هاما، وأنا أتحدث عن أبناء الثلاثينيات والأربعينيات."

من أفضلهم؟

"ليئور شترنبرج هو مثال جيد. لن يحاول أحد تركيز تفكيره والقول لماذا يحرك ديوان شترنبرج الأشياء إلى الأمام. فقد النقد قدرته على إعطاء صورة مرتبة، تقييمية وحكمية على ما يوجد وما لا يوجد. بمعنى آخر، ينقصنا النقد الذي ينبع من فهم الواقع والأدب كجزء من الواقع."

لماذا فقدنا هذا النقد؟

"الناقد الموهوب الذي أضيف لنقاد الأدب لا ينشغل بالأدب العبري وإنما بالألماني. اسمه جاليلي شَحَر. النقد ذو المعنى اختفى بمفهوم أنه لم يعد يقول "لا" بشكل مبرر. النقد الجيد لا يمكنه الاعتماد على الانطباع أو على سمعة الكاتب. عليه أن يشرح ويقدم نموذجا لشكل تفكير الكاتب وأن يقدم ادعاء. داخل هذه الفوضى يتم خلق أهمية ومفاهيم لقيم متخيلة تماماً. يتجول شاعر بوظيفة عميحاي جديد. اسمه ألموج بيهَر وأقرأ الكثير من المدائح النقدية المبالغ فيها له. وأقول لنفسي يا إلهي، ماذا يحدث هنا؟ شاعر يقوم بالتعويض طول الوقت عن ضعف بيته الشعري وعن عدم قوة وشدة جملته الشعرية وبواسطة هذا يكتب المزيد والمزيد من الأبيات الهشة. قصيدته مليئة بـ"قصائد الشرح" لنفسه."

هشة؟

نموذج من قصيدته "فأس الشجرة" (من كتابه "خيط يمتد من اللسان"): "وعندما تُبتر غابة كاملة في ربيع فأس ما/ يظهر شجن الحلم الحسيدي الذي سعى إليه/ بمساعدة الحزن العظيم في كسر اليأس العظيم."

"ما معنى ربيع فأس؟ فقط الغابة تكون في ربيعها. وما هو الحلم الحسيدي ومن أين ظهر فجأة هذا التعبير؟ ليس لدى هذا الشاعر شيء غير عظيم. "كل الأحلام التي حلمتها حياتي بمعمعة النوم/ يمكن أن يتم تفسيرها الآن/ كل الكلمات تسير وراء الأحلام" (من قصيدة "يجاهد هذه الليلة"). هذا الشاعر لديه الإمكانية لأن يقول أن "الإنسان يفدي نفسه بأفعال صغيرة"، ماذا يقصد؟ "الذكريات التي يتذكرها عندما ينسى/ الجميع، الجروح التي يعانيها عندما يسعد/ الجميع/ لحظات الصمت التي يصمتها عندما يضحك/ الجميع" (من قصيدة "أفعال صغيرة"). هذا الشخص الذي يهتم بالصغائر، ويحظى بمقالات امتداحية في كل الصحف."

أمثلة أخرى؟

هناك مثال أقترب منه بخوف، أب فقد ابنه ولن يكون شاعرا ابدا واسمه جيورا فيشر. يكتب تأملات عن معلمه، ويكتب عن فقدان ابنه في جنين عام 2002. كتاب "بعد هذا" حظى بموجات من المديح التي خلقت ظاهرة اجتماعية. الكتاب الذي صدر في عدة طبعات تحول إلى كتاب طقوسي وجزء من ثقافة الثكل الإسرائيلية. أقرأ، ورغبتي الداخلية تقول لي ألا أقترب منه لأنه أب فقد ابنه. لا يهمني إن كانت تلك قصائد. وإنما أن ثمة هنا نوعاً عميقاً جداً من النرجسية، وهذا يذهلني.

"ليست هناك في هذا الكتاب أي وقفة أمام هوية الابن. أي إنسان كان وما الذي كان قريبا من قلبه. فقط قصيدة مبتذلة تهتم بكم كان وسيما في صورة جواز السفر. شخص ميت وهو ليس فقط ابنا لشخص ما، هو خسارة لأنه كان موجودا ولم يعد موجودا. القصائد – واحدة بعد الأخرى – تركز على قوة التضحية والرحمة الشخصية لدى من فقد، الأب. وهذا يتزايد مع أوهام أدبية واقتباسات من العهد القديم. "دموع تسيل/ من داخلي كالينبوع/ هوة عميقة/ وفي النهار أصبح صخرة/ لا تخرج مني/ العصا/ الضاربة/ نقطة/ نواح من فمي." مربك. هذا كتاب كان ينبغي المرور عليه بصمت.

اعطنا شيئا إيجابيا من فضلك.

"شاعرة ممتازة، يوديت شَحَر، أصدرت ديوانا أول لامعا "هذه أنا تتحدث". كما أحببت جدا الكتب الأخيرة ليسرائيل إليراز. ومؤخرا صدرت "أشياء مستعجلة"، وهي مختارات ضخمة وجميلة اختارها درور بورشتاين، وهو رجل موهوب يكتب روايات مثيرة للاهتمام. شمعون أَدَف بديوانه "أفيفا – لا"، عن موت أخته وهو كتاب ممتاز. حتى اللغة تعمل هناك لساعات إضافية.

الكل متورط

حتى في بحر كتب السرد التي يتم طبعها هنا سنويا، يحدد لنا ميرون نقاطا مضيئة.

"انتهيت من قراءة رواية تاريخية سياسية مثيرة للاهتمام بعنوان "أناس طيبون"، لنير برعام، قائمة على بحث متعمق ومكتوبة بعبرية ناضجة، متحضرة، ليست متجملة وبدون تأرجحات بين المونولوجات الداخلية اللا نهائية. في زمنه قال جورج لوكاش، الفيلسوف والناقد، أنه باستثناء العباقرة، فالكتابة هي طريقة لتقطير صناديق قمامة النفس، وفي الكتب الإسرائيلية بالسنوات الأخيرة يمكننا العثور على بضاعة مكدسة لا نهائية لكتاب يكتبون عما يشعرون به بجانب خلجاتهم وتأملاتهم. هذا مقرف وممل. نحن نحتاج قصة واضحة وناضجة مكتوبة جيدا بدون مجانية لغوية."

مثل؟

"صوت خطواتنا" لرونيت متلون أثار اهتمامي جدا. "على مسئوليتنا" لنوريت جيرتس ممتاز ويخلق جنسا أدبيا جديداً أيضاً. طبقة من الخيال والتاريخ غير شائعة لدينا. أحببت "اللنبي" لجادي طاوب. كتاب طبيعي قوي. لقد درس اللغة والناس وتناول بجدية البيئة المعينة التي قرر دراستها."

مئات من الكتب المكتوبة بالعبرية رأت النور في السنوات الخمس الأخيرة.

""الأدب الجيد لا يحتاج كميات. عدد التلاميذ الأذكياء الذين توراتهم هي عقيدتهم يفوق اليوم كل التلاميذ الأذكياء الذين كانوا من أيام ربي عقيبا حتى 1950. هذا هو الوضع مع الكتب. ثمة في السنوات الأخيرة في البلد روايات تفوق ما كتب في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كله. وبينهم كما هو معروف روايتان أو ثلاث تستحق القراءة."

آلون حيلو، أمير جوتفرويند، إشكول نفو، إتجاركيريت، جيل هرئفين، أوفير توشا جفلا...

"بيت دجاني"، كتاب حيلو، هو عارٌ. رجل يحاول الكتابة ويستشهد بأسلوب الفترة بينما هو لا يفهم أساسيات لغة تلك الفترة، يخلق شيئا مصطنعاً ومضحكاً. هو أيضا يفسر "هاملت" بوصفها البنية الأساسية في قصة بيت دجاني. الكتاب غارق في النفاق والإحساس بالذنب على الطريقة السياسوية الصائبة لليسار.

"لا أحتمل كتابة أمير جوتفرويند بشكل خاص عندما يتطرق إلى الهولوكست والناجين من الهولوكست. أفهم أن هذا له قراء. كان هذا ليكون على ما يرام، إذا كان هناك في إسرائيل تمييز حاد بين الأدب الرفيع وأدب التسلية المخصص للقراءة الجماهيرية، لو قال النقد، "لدينا أدب كهذا لأغراض محددة ولكن في المقابل فلدينا مكان تحاول لغة وفكر الأدب البحث عن تعبير لهما فيه." كتب يوخي برندس هي نموذج على هذا الأدب وهناك الكثير مثلها. إشكول نفو ينتج كتبا مثل تلك. من البديهي في أمريكا أن ثمة أعداداً ضخمة من الكتب التي تباع بكميات رهيبة وهناك أدباء جادون يغيرون وجه التاريخ. هنا قمنا بخلط كل شيء."

وإتجار كيريت؟

"كتاب للمدرسة الثانوية. كل كتابته تنتمي للمدرسة الثانوية. هو الطفل خفيف الظل وحاكي قصص الفصل الدراسي. لا أتعامل معه بجدية."

وماذا عن هؤلاء الأدباء الذين تم تصنيفهم في الماضي كأدباء أساسيين في الأدب العبري؟

"تحدثنا عن شالوم عليخم الذي كان عبقرياً ويفهم كنه الواقع، وماهية الحياة وماهية البشر. ليس هناك شيء من هذا لدى عاموس عوز أو أ. ب. يهوشواع. لا شيء يقارب شالوم عليهم ولا شيء يحتاج للاقتراب أيضاً. يجب على الأدب أن يكون إسرائيلياً. لديه تقاليد. لدينا يعقوب شبتاي وقد يكون لدينا أديب آخر. في زمنه قرأت "غرفة" ليوفال شمعوني التي لم تنشر منذ عشر سنوات. لقد عثر على لقمة عيشة من تحرير الكتب ولا يزال محتارا إن كان عليه أن يكتب رواية جديدة. "غرفة" هي رواية كبيرة."

تم وصف يشعياهو كورن بأنه اكتشاف جديد.

"هو أديب متطور ومثير للاهتمام ومحدود جدا، من اكتشفوا هذا كان معهم حق، ولكن لا يمكن وصفه بحجر الأساس في الأدب الإسرائيلي. ولكننا مليؤون بمبالغات كتلك. قرأت منذ فترة قصيرة أن مناحم بري قال أنه يضع ألترمان في مرتبة العُشر الثالث من الشعراء الإسرائيليين. هذه محاكاة ساخرة".

ليئاه إيني؟

"أديبة موهوبة قامت بخطأ كبير في تصورها أن البطلة سوف تصبح أكثر وضوحا أمامنا إذا قامت بتفصيل عالمها الداخلي أمامنا بلا نهاية. خطأ يقوم به أدباء إسرائيليون."

عدنا مزي؟

"كاتبة مسرح متوسطة وقاصة أقل من متوسطة."

ربما تكون أنت من لا تتصل بالواقع؟

" لا أعتقد أن الأدب الإسرائيلي قد ضاع ولا أريد أيضا التنكر لجيلي. كنت شابا كناقد وكنت عدوانيا وركضت على الحواجز في الستينيات والسبعينيات. هذا مضى. لا أهتم بهذا الآن ولكنني أشعر أنني أسمع وأنصت لما يحدث في الأدب الإسرائيلي. ثمة ما يمكن سماعه وهناك أيضا الكثير من الضجيج الكمي وغير الكمي."

هل تشعر بالحنين لأدباء مثل ساميخ يزهار وعماليا كهانا كرمون؟

"رونيت متلون تثير اهتمامي ليس أقل من كهانا كرمون. تأثرت وقتها بـ"يجئال آلون: أفيف حلدو" لأنيتا شابيرا، وكانت الرواية الأكثر إثارة للاهتمام التي قرأتها في نفس السنة. بني موريس، في كتابه "1948" يقدم كتابة أدبية جيدة. أقرأ الكتاب الآن وهو يكتب بشكل يعطينا صورة واضحة للأوضاع والعلاقات. ترى الأشياء لدى تبلورها. "سنوات الإبادة، 1945-1939"، لشاؤول فريدلندر هو الأدب في أفضل أحواله. تعريف الأدب عليه أن يصبح أكثر مرونة."

ماذا نسينا أيضا؟

"هذا غير مهم"

كل هذه السنوات وأنت تعيش ولا تعيش هنا، ويبدو أن النظام جيد بالنسبة لك.

"أنا أقرأ الصحف وأرى من هناك ما الذي يحدث في إسرائيل. نحن نبدو بشكل رهيب وأنا لا أضيف جديدا عندما أقول هذا. وجودي هناك يمكنني من الهدوء والحفاظ على المسافة. ثمة جانب آخر لهذا وهو الانفصال والابتعاد. لديّ هنا صديقة ونحن سوياً، منذ ثماني سنوات وتزورني في نيويورك وأنا آتي هنا، ومع هذا فنحن لسنا معاً أغلب أشهر السنة. ابني إيتام كبر هناك، وليست لدي أية جرأة أو وقاحة لكي أتوقع أنه لن يعيش هناك. هو يعرف العبرية ويستطيع قراءة "قصص الفوضى" المهداة له، ولكنه أمريكي برغم أنه يحلم الآن بالذهاب للجيش. لدي ابنان في إسرائيل وأحفاد. إذن أنا هنا وأنا هناك."

لا يمكن إغلاق هذا الحوار بدون سؤالك عن كارثة حياتك. عن الحادثة مع زوجتك التي تم وصفها بالعنف.

"يعجبني الشكل الذي اهتمت فيه بابننا. انفصلنا قبل خمس سنوات ونصف وكانت تلك سنوات صعبة على الطفل. اليوم هو في وضع ممتاز. لقد قامت بالصواب. كانت هناك فترات لم يرغب فيها في رؤيتي وكانت هناك فترات كان يرغب فيها، كما يحدث في هذه الأحوال. اليوم هو في وضع يجعله سعيدا وعلي أن أشكرها. الأمور بيننا انتظمت ونخن نقيم علاقة مناسبة تتمحور حول الطفل."

أسس الفوضى

في خاتمة كتاب "قصص الفوضى" يكتب دان ميرون أن إبداع عليخم يلعب "الغماية" مع الفوضى. "هاهو يلوح ويظهر، هاهو يعود ويختفي لوقت ما، يرضع من مصادر مختلفة، شخصية وأدبية" أحد هذه المصادر هو السيرة الذاتية لشالوم عليخم، وتحليلها. "هذا التحليل، وهو نفسي وجمالي في نفس الوقت، مثالي وقصصي بنيوي، تم التعبير عنه في نصوص كثيرة، عكست بشكل مباشر أو غير مباشر حياة المؤلف أو وعيه بذاته على امتداد الوقت والحيز."

شالوم رابينوفيتش، ولد عام 1859 في بريسلاف بأوكرانيا. عندما كان شابا تُركت في يده الوصاية على تركة حميه ودخل إلى عالم الأعمال في كييف، بل ونجح، ولكن بعد مرور سنوات قليلة فقد كل شيء. "في حياة شالوم عليخم حدثت سقطات مروعة هو من تسبب فيها"، يقول ميرون، "رجل غير حذر فقد كل المسئولية عن أسرته واضطر للهرب. من هذا الفصل ولدت عبقريته. ما كتبه قبل هذا مضحك ويعبر عن موهبته، ولكننا لا نتذكره اليوم. في 1890 عاد إلى أوديسا بعد أن باعت حماته مجوهراتها وتساوت بأصحاب الديون.عندئذ كتب "طوبيا الحلاب" و"مناحم مندل" وبعدها كتب أعماله الأخرى.

في صيف 1908 انهار شالوم عليخم في جولة قراءات من أعماله بأوكرانيا وروسيا البيضاء. أصيب بالدرن، وأقام على مدار ثلاث سنوات في مراكز علاجية بأوروبا. عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى، هرب شالوم عليخم وأبناء عائلته من برلين إلى الدنمارك، ومنها هاجروا على سفينة إلى نيويورك. تركا ابنهما الوحيد، ميشا، والذي أصيب بالدرن، في سويسرا، مضطرين. الخبر المعلن عن وفاته عام 1915 عجل بنهاية الأديب الذي مات بعدها بعام، في مايو 1916، بينما كان يبلغ 57 عاماً.

___________________________________________

الحوار منشور أصلا في صحيفة هاآرتس بنفس العنوان

Friday, 13 August 2010

قصة فلسطين.. بالعبرية


أدباء عرب يكتبون بلغة العدو:


قصة فلسطين.. بالعبرية


نائل الطوخي


ما الذي يعنيه أن يكتب أديب فلسطيني إبداعه بالعبرية؟

روايتان صدرتا مؤخراً لكاتبين فلسطينيين، من عرب الـ48، "ضمير المخاطب" لسيد قشوع، و"إلى يافا" لأيمن سكسك، تطرحان هذا السؤال. الروايتان مكتوبتان بالعبرية، والكاتبان الشابان معروفان جيداً في إسرائيل بوصفها من الأصوات الأعلى مبيعاً، ويقبل على قراءتهما كل من الجمهور اليهودي و الجمهور الفلسطيني من متحدثي وقارئي العبرية، في فلسطين الـ48. السؤال هنا: لماذا يكتب أديب فلسطيني بالعبرية؟ ما الذي ستضيفه هذه اللغة للأديب؟ والأهم، هل ثمة خيار سياسي في هذه الكتابة؟ نطرح السؤال، ونلقي الضوء على ظاهرة شديدة التعقيد في الأدب الفلسطيني الحديث. ظاهرة سواء اختلفنا أم اتفقنا معها، فإنه يتوجب علينا مناقشتها.

بوضوح يرد سكسك على سؤال الخيار السياسي في اختيار العبرية لغة للكتابة. يقول لـ"أخبار الأدب" أن خيار الكتابة بالعبرية هو خيار أيديولوجي، فكتابه الأخير: "يطرح قضية الهوية القومية للفلسطينيين الذين يعيشون بداخل إسرائيل (عرب 48)، وهو جمهور غير مرئي بالنسبة للمجتمع الإسرائيلي، وبالتالي فهناك تجاهل لوجوده واحتياجاته وصوته السياسي. هدفي هو إجبار الخطاب المجتمعي في إسرائيل على التعامل مع هذا الجمهور، ومع مشكلة هويته القومية، بحيث يضطر المجتمع الإسرائيلي للإجابة على بعض الأسئلة التي تطرحها هذه المشاكل. وكي يحدث هذا، يجب على النقاش أن يتم بالعبرية، فهي اللغة التي يدار بها الحوار الثقافي في إسرائيل، سواء كان هذا الأمر جيدا أو سيئاً.."

***

الظاهرة قديمة، ربما تبدأ من الستينيات.

بعد أن نشر الأديب الفلسطيني، المولود في الجليل، عطا الله منصور، روايته "وبقيت سميرة"، عام 1962، باللغة العربية، عاد في عام 1966 لينشر روايته الثانية "على ضوء جديد"، بالعبرية، وقد تكون أولى الروايات العبرية التي يكتبها أديب فلسطيني. الرواية تحكي عن يوسي، وهو شاب عربي يعيش في كيبوتس ويحب ربيكا، الفتاة اليهودية، وعن المصاعب التي يواجهها كي يتم قبوله في الكيبوتس، وتمت ترجمتها للإنجليزية عام 1969. عطا الله منصور غير معروف بشكل جيد في البلدان العربية، نشرت عنه النيوزيك الأمريكية مقالا وصفته فيه بالأديب النبي غير المعروف في بلده.

ولد منصور بقرية الجش الجليلية عام 1934، ودرس في هذه القرية، سافر عام 46 للدراسة بلبنان، وعاد عام 50 لإسرائيل، بعد إعلانها كدولة، بصفة متسلل، وبقي هناك بشكل غير شرعي – من وجهة نظر الدولة العبرية – حتى عام 1960، ثم طلب الحصول على الجنسية الإسرائيلية وتمت الموافقة على طلبه. روايته الأولى "وبقيت سميرة" المنشورة بدار النشر العربي بتل أبيب، نالت هجوما لاذعا. قال منصور ذات مرة أن النقاد اليهود اعتبروها معادية لليهود ولإسرائيل، أما النقاد العرب فاعتبروها رواية ترسخ نموذجا لبطل عربي منهزم وسلبي.

***

لا يمكننا في هذا الصدد تجاهل الشاعر والروائي الفلسطيني أنطون شماس، وهو واحد من أشهر وأبرز الفلسطينيين ممن كتبوا بالعبرية، كما عمل بالترجمة من العربية للعبرية، ترجم "متشائل" إميل حبيبي وأعمالاً أخرى. نشر شماس عام 1986 روايته "أرابيسك" بالعبرية، لتعد منذ ذلك الحين علامة فارقة في الأدب العربي المكتوب بالعبرية، وفي الأدب العبري بمجمله أيضاً. ولد عام 1950 بكفر فسوطة بالجليل. هاجرت أسرته إلى حيفا وهو يبلغ 12 عاما، ثم أقام في القدس. هاجر من إسرائيل، تحت ضغط اليأس من "تغييرها من الداخل" ربما، يقيم في الولايات المتحدة الآن ويحاضر في جامعة ميتشجن.

تمكنه من العربية والعبرية والإنجليزية يؤهله للكتابة باللغات الثلاث، وفق كلماته فهو يشعر بنفسه منفيا في العربية، وهي "لغته الأم"، ومنفيا بداخل العبرية وهي "لغة زوجة الأب". ويصف نفسه، كما يقول موقع الويكيبيديا، كأديب فلسطيني/إسرائيلي. كتب بالعبرية أيضاً "أرض مشاع"، "الكاذب الأفضل في العالم" و"قصة شعبية عربية" بالإضافة إلى "أرابيسك.

وصفه لنفسه كأديب إسرائيلي فلسطيني وارد في موقع الويكيبديا، وقد تكون السنوات وهجرته من إسرائيل قد غيرت هذا المفهوم عن هويته. تكتب الناقدة الإسرائيلية الشهيرة أريانا ملاميد عن روايته "أرابيسك" في صحيفة يديعوت أحرونوت: "قبل أن ييأس من إسرائيل كتب شمس قصة حربه وفشله، وهي ملحمة عن عائلة عربية تأخذ في التفتت والاختناق تحت السلطة الصهيونية المستنيرة!" تكتب ملاميد هذه الكلمات في سياق موضوع منشور بصحيفة "يديعوت أحرونوت" عام 2001، تحت عنوان دال "53 عاما، 53 كتابا"، أي عن الكتب الخمس وثلاثون التي أثرت في الأدب العبري المكتوب من 53 عاما هي عمر الدولة العبرية.

أما الناقد الإسرائيلي حنان حيفر، فيتحدث عن تأثير الرواية على الثقافة الإسرائيلية قائلاً: "أرابيسك"، بوصفها رواية عن فلسطيني يعيش في إسرائيل، هي اجتياح تقوم به الهوية العربية عن طريق اللغة العبرية للكيان السيادي الذي يسمي نفسه "الأدب العبري".

***

ولد الشاعر الفلسطيني نعيم عرايدي عام 1950، بقرية المغار لعائلة درزية، درس الأدب العبري المقارن في جامعة حيفا، وكانت رسالة الدكتوراه الخاصة به عن الشاعر الإسرائيلي أوري تسيفي جرينبرج، نشر ديوانه بالعبرية "كيف يمكن أن نحب" عام 1972، وحاز عام 2008 على جائزة رئيس الوزراء للأدباء العبريين. أي أنه حاضر بقوة داخل مشهد الأدب العبري في إسرائيل. له قصيدة شهيرة، لحنها الملحن الإسرائيلي عِران تسور بعنوان "القدس حبيبتي"، تقول كلماتها: "كان يا مكان/ بنت جميلة/ بنت جميلة/ كأنها من السماء/ كانت فتانة/ وكان اسمها القدس/ الكل أحب البنت/ وأنا أحببتها أكثر/ وعندما كبرت حاول الكل/ تقسيمها لاثنتين/ وبكت من الحزن/ كي لا يخرب المقص/ عن شيئين لم تتنازل/ عن الصلاة والسماء/ كان يا مكان بنت جميلة/ والآن هي أكثر جمالا."

يعي عرايدي مشكلة كونه فلسطينيا يكتب بالعبرية. يقول في مقال له بهاآرتس مشيرا إلى قصيدة له: "القصيدة السابقة تصدرت ديواني الأول الصادر عام 1972، "الكتاب الأول المكتوب بالعبرية على يد شاعر عربي في إسرائيل." عملي الأول تحول إلى موضوع للجدل داخل المجتمع الإسرائيلي، هل يمكن لشاعر غير يهودي أن يكتب عملا بالعبرية؟ لماذا يفعل هذا؟ هل هناك رسالة معينة في فعل الكتابة بالعبرية؟ ثم يأتي السؤال المضحك: بأي لغة تحلم؟ بأي لغة تحكي؟ وبرغم هذا فقد أربكتني هذه الأسئلة لفترات طويلة، حتى تعلمت استغلال سذاجتي اللعينة في مواضيع نثرية أيضا."

عرايدي يكتب بالعربية والعبرية. تسأله الشاعرة – من أصل عراقي - دفنا شحوري في صحيفة معاريف، متى يختار هذه ومتى يختار تلك في التعبير، فيجيب بشكل معمم وغير دقيق – إن لم نقل استشراقي - عن الكتابة والثقافة والمحرمات العربية: "إذا أردت النقاش مع الله فأنا لا أستطيع فعل هذا بالعربية، لأن كل المتدينين، المسلمين والدروز، سوف يثورون ضدي، وسوف يقومون بنفيي. في مقابل هذا، فليست لدي مشكلة في النقاش مع الله بالعبرية. وكذلك إذا أردت أن أكتب قصيدة إيروتيكية، لن أكتبها بالعربية وإنما بالعبرية. هذا يعني أن الثقافة العربية لازالت لا تحتمل أشياء كتلك. ثمة قيم ومواضيع لا تنفتح عليها اللغة العربية. يمكن الكتابة بها عما لا يمس المحرمات."

***

ولد أيمن سكسك عام 1984 لعائلة مسلمة في يافا، والتي يقيم بها اليوم. أكمل إعداد الماجستير في قسم الأدب الإنجليزي بالجامعة العبرية بالقدس. نشرت قصته الأولى وهو يبلغ 18 عاما في ملحق "سوف شافواع – نهاية الأسبوع" بصحيفة معاريف. بعدها بسنة نشر قصة أخرى في مسابقة القصة القصيرة بصحيفة هاآرتس، وشارك كمحرر في الأنطولوجيا الشعرية "لا تخبروا في جت. النكبة الفلسطينية في الشعر العبري 1948 – 1958." والتي نشرت أخبار الأدب عرضا لها منذ أسابيع. موضوع هوية فلسطينيي الـ48، كان لافتا في المقالات التي تناولت روايته الأخيرة "إلى يافا"، كتبت الناقدة يوديت شَحَر في صحيفة هاآرتس قائلة:

"ما الذي يفعله طالب عربي مثلا، أثناء تلقي المنح، عندما يتم عزف النشيد الوطني مع كلمات: "لنكن شعباً حراً في أرضنا."، وما الذي تشعر به حبيبته عندما تتلقي منحة دراسية من إدارة خزانة "رواد الاستيطان اليهودي في إسرائيل". يقدم لنا سكسك مرآة أمام وجوهنا، عندما يصفنا كبهلوانات وجوههم مدهونة بمسحوق السكر اللزج المتبقي من فطائر عيد الحانوكا، ويشعرون بالإهانة في أعماقهم عندما يجرؤ شخص على رفض العجينة الدهنية."

تضيف شَحَر: "في الكتاب يظهرنا سكسك، نحن اليهود، عاريين، كمن يميزون بين العربي الجيد، العربي الذي هو صديق شخصي، العربي "الذي يخصنا"، وبين "العربي" العام - والذي لعدم معرفتنا به يتحول في أعيننا بشكل تلقائي إلى مشتبه به، شيطاني، مهدد."

***

في حوار لهاآرتس، بمناسبة صدور كتابه "ليكن نور"، يتحدث سيد قشوع عن العنصرية الإسرائيلية ضده كفلسطيني يقيم تحت الحكم الإسرائيلي، وهي المشكلة التي لازمته منذ طفولته. يحكي قصة دالة استدعاها من طفولته: "ركبت خط 23 من المدرسة الداخلية للوصول لشبكة مواصلات "أجد". ولكن في الأوتوبيس كان ثمة أطفال من المدرسة المجاورة، مدرسة "بولانسكي"، وبمجرد إدراكهم أنني عربي بدأوا في الغناء بالأوتوبيس "الموت للعرب". نزلت من الأوتوبيس والتقطت تاكسيا لـ"أجد"، واستقللت أوتوبيساً. ولكن عندما وصل الأوتوبيس بجوار المطار، قام الحراس بإنزالي وحدي للفحص الأمني. كانت تلك إهانة مرعبة."

مفروض على قشوع، كما يضيف الحوار، أن يكون "الآخر" في كل مكان. هو لا يكتب إلا بالعبرية، وهذا نتيجة لدراسته في المدرسة الداخلية والجامعة العبريين. يقول: "أنا أكتب العربية كما أتحدثها، باللكنة الفلسطينية الإسرائيلية، هذا أمر مستحيل. لا تتم الكتابة إلا بالفصحى، وأنا لا أعرفها بما فيه الكفاية. أنا أقرأ الكتب العربية لدى ترجمتها للعبرية."

يشكو قشوع أنه على الرغم من اعتباره الجريمة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين هي الجريمة الأكبر في المنطقة، وأكبر من دكتاتورية القادة العرب، فإنه تلقى ردود فعل مسيئة من جانب بعض العرب، الذين أذوه وأذوا عائلته، كما يدعي: "ثمة صحيفة محلية متوسطة القيمة تصدر في قرية الطيرة كتبت عن وجهي القبيح."

هذه هي مشكلة الكاتب الفلسطيني الذي يكتب بالعبرية، حيث يتم تلقيه داخل جمهوره العربي بشكل سلبي للغاية. يشكو قشوع: "كيف يصفني كل النقد المكتوب بالعبرية وفي الخارج بأنني ألقي الضوء على معاناة العرب وفجأة أصبح أنا العدو بعيني العرب؟!"

نفس السؤال يجيب عنه أيمن سكسك قائلاً لأخبار الأدب:

"يحزنني كثيرا الادعاء أن الكاتب الفلسطيني الذي يكتب بالعبرية يخون هويته. الحقيقة على الأرض هي أن كل الكتاب الفلسطينيين الذين يكتبون بالعبرية، وأنا من ضمنهم، ينشغلون بالأساس بهويتهم، هم يستخدمون العبرية كوسيلة من أجل فحص هويتهم المركبة كأفراد بداخل المجتمع الإسرائيلي الممزق، والمليئ بالتناقضات. أي أن اللغة العبرية في الواقع تخدم الصوت الفلسطيني في هذه الحالة. إنها تخرجني من سياقها العربي وتأخذني بعيدا - بحيث يمكن لي أن يتم سماعي بداخل تجمعات أخرى. من وجهة نظري فإن الخوف الإسرائيلي من الأديب الفلسطيني الذي يقوم بإسماع صوته، هو شيء ما على كل أديب فلسطيني يكتب بالعبرية التعامل معه: ثمة مقاومة وخوف من صوته بالحيز الإسرائيلي، وسوف يظل هذا الصوت غريبا للأبد، وغير متوقع."

***

النموذج الأخير لدينا هو الشاعر سلمان مصالحة، والمولود، مثل نعيم عرايدي، لعائلة درزية في قرية المغار، عام 1953، يعمل أيضا بالترجمين من وإلى العبرية، ترجم للعبرية ديوان "ذاكرة للنسيان" لمحمود درويش" و"الصبار" لسحر خليفة، بالإضافة لشهادات عن انتهاكات حقوق الإنسان ضد المواطنين في الضفة الغربية، ونشر ديوانا شعريا له بالعبرية بعنوان "واحد من هنا"، بالإضافة إلى دواوين أخرى بالعربية.

يشبّه مصالحة الكتابة بلغتين، بالعازف الذي يستطيع العزف على آلتين موسيقيتين، وبالتالي فإجابته تختلف عن إجابة سكسك، الذي يركز على السياسي. فالتشبيه عند مصالحة فني وتقني، وإجابته كذلك: "لا أعتقد أن هنالك من يتّهم مغاربة، جزائريين، أو لبنانيين لمجرّد أنّهم يكتبون باللغة الفرنسية على سبيل المثال. من جهتي، فقد ذكرت أني أعزف على آلتي اللّغوية العربية، وعلى آلتي العبرية المكتسبة هي الأخرى، ولو امتلكت آلة، لغة أخرى وكنت واثقًا من امتلاكي لها بعمق، لعزفت عليها أيضًا."

يضيف مصالحة بانوراما للأدب الفلسطيني المكتوب بالعبرية. يتحدث عنه وعن الهدف منه:

"هنالك نوعان من هذا الأدب، ويجب الفصل بينهما. النوع الأول هو عبارة عن رواية فلسطينية بشخصياتها وأجوائها وأحداثها، ولكنها مكتوبة بالعبرية من قبل كاتب فلسطيني. وثمّة نوع آخر وهو كتابة لكتاب فلسطينيّين بالعبرية تحمل في طيّاتها ذلك التوتر القائم لدى الأجيال "الفلسطينيّة الإسرائيلية"، إذا ما استخدمنا هذا التعبير لتوصيف حالة الفلسطينيين من مواطني إسرائيل. ولمّا كانت كل هذه الأجيال على العموم الآن تقرأ العبرية، فإنها أضحت تقرأ عن ذاتها بلغة أخرى غير لغتها الأم."

"من جهة أخرى، فهذه الكتابات الأدبية، الشعرية والروائية، على القارئ العبري، الإسرائيلي اليهودي، مرآة بانورامية عاكسة لمساحات أوسع في الساحات الخلفية للفضاء الإسرائيلي. وهي مساحات ما كان ليراها هذا القارئ لولا هذا النوع من الكتابات."

"وفي جميع الأحوال، فإن في هذا النوع من الكتابة الأدبية ما يمكن أن أُطلق عليه إصابة عصفورين بحجر واحد. فمن جهة، تقوم هذه الكتابة بتوسيع فضاء "الفلسطيني الإسرائيلي" من خلال تخطي الكثير من الرقابات الاجتماعية، الدينية والثقافية التي تتسم بها الكتابة العربية. ومن الجهة الأخرى فإنها تفرض نفسها على القارئ العبري، شاء ذلك أم أبى. إنها تفرض عليه الخروج من بوتقته المُغلقة وتقوم خلال هذا بعملية هدم لجزء من الحدود الإثنية اليهودية للأدب العبري".

__________________________

المقال منشور بالأصل في صحيفة أخبار الأدب، بتاريخ 15-8-2010. والصورة المرفقة للشاعرة الفلسطينية نداء خوري وهي من أعمال الفنانة الإسرائيلية إيريس نيشر