نحو هدم الحواجز
منذ
سنوات، يأخذ في التبلور داخل إسرائيل
خطاب لليهود الشرقيين، الآتين من أصول
عربية غالبًا، بمقتضاه كانت
الصهيونية، كحركة سياسية، وبالًا
علي الفلسطينيين وعليهم في ذات الوقت.
يحاول
الخطاب تحدي الروايات الصهيونية
والإسرائيلية الرسمية.
ومع
فوز تحالف "القائمة
المشتركة"
الفلسطيني،بقيادة
أيمن عودة، في انتخابات الكنيست في
العام الماضي، بدأ تقارب من نوع ما
بين بعض من مثقفي وفناني اليهود الشرقيين
وأعضاء »القائمة
المشتركة«،
مما نتج عنه منذ أيام قيام مبادرة
"الشرقية
المشتركة"،
تحاول الربط بين الفلسطينيين واليهود
من أصول عربية، لمواجهة واقع التمييز
والفصل العنصري وسلب الأراضي، ولتحدي
حكومة "الهاوية
السياسية"
لرئيس
الوزراء نتنياهو.
نُشر البيان التأسيسي للمبادرة في موقع "هاعوكتس"، وننشر نحن الترجمة العربية للبيان، لا بهدف الإدانة أو الدعم، وإنما لإلقاء الضوء علي توجهات جديدة تدور داخل المجتمع الإسرائيلي، وعلي حركات سياسية وفكرية قد يقدّر لها أن تغير خارطة التحالفات في الشرق الأوسط يومًا ما.
ترجمة: نائل الطوخي
في
مقابل واقع الخوف، التمييز، الفصل
والتحريض ارتبطنا بهدف قطع العهود،
وخلق الشراكات، لعبور الحدود الجماعية
والإثنية والجندرية والذهنية ولإيقاظ
الأمل.
الشراكة
التي نبحث عنها ليست حلاً بسيطًا
وسهلًا لأمراض هذا الزمن .
وإنما
تطالب بالتزام وتحمل طويل للحمل الذي
يلزمنا به اللقاء.
نحن
نقترح السير المشترك لكل الجماعات
المقموعة في المجتمع الإسرائيلي:
الفلسطينيون،
اليهود الشرقيون، الإثيوبيون،
متحدثو الروسية، أبناء وبنات العٌشر
الأدني، كل من أبعد للضاحية وللهوامش
الاجتماعية وكل من يطمح لتغيير الوضع
القائم من جذوره ولمقاومة القمع.
هذه
الجماعات التي تنشغل أحيانًا كثيرة
بمعضلات مشابهة وإن لم يكن دائمًا بنفس
الشكل، ونؤمن أنه بمقدور الشراكة
المحترِمة والمتواصلة التغلب علي
المطالبين بالفصل والتحريض.
"الهوية
الشرقية ليست طائفة، وإنما وعي"،
قالها إيلي حمو رحمه الله، نشط
اجتماعي ومن مؤسسي "حركة
الخيام".
يبدو
من كلماته أن هذا موضوع للاختيار، ونحن
نضع هذا الاختيار كأساس لعهد نسعي إليه.
الأديان
التوحيدية الثلاثة تكونت علي شواطئ البحر
المتوسط، ولدت العبرية في أنحاء
الشرق، ورغم محاولة إنساء الجمهور
هذا، فدولة إسرائيل تقع في الشرق
الأوسط.
لهذا،
نري في الهوية الشرقية باباً للأمل
لتمدين المجتمع الإسرائيلي.
نؤمن
أنه يمكن للهوية الشرقية التعددية،
المسؤولية المشتركة والتشارك في النضال
لإنهاء الفظائع والقمع، أن يكونوا
مهمة حياة جامعة ومصدر إلهام وإصلاح لكل
سكان هذا البلد.
وفق
هذا الإيمان نعلن عن أنفسنا كشرقيين
وكشرقيات:
سواء
ولدنا لعائلات يرجع أصلها للشرق الأوسط
وشمال أفريقيا أم لا، سواء احترقنا
في المصهر الإسرائيلي أو اخترنا النضال
ضد القمع.
كلنا
نناضل لسنوات طويلة لتغيير المجتمع
لإسرائيلي وليس لنا بالضرورة بيت حزبي
بارز.
لأحيان
كثيرة كان علينا الاختيار بين أحزاب تدعي
التمسك بالايديولوجيا اليسارية بدون
مشاركة فلسطينية يهودية ذات بال،
بدون تمثيل شرقي وبدون انشغال بالنضال
الشرقي، وبين التصويت الشرقي الذي
يعني الاكتفاء بالتمثيل الرمزي ودعم قمع
الفلسطينيين.
كثيرًا
ما أدي بنا هذا الاختيار للتصويت
التضامني لأحزاب فلسطينية، حتي عندما
لم تنشغل هي بالنضال الشرقي.
نلاحظ
فرصة تاريخية في قيام حركة "القائمة
المشتركة"
لتأسيس
شراكة غير منقوصة، وإنما اختيار
ذي معني يمكن سبك مضامين جديدة فيه.
يشكل
قيام حزب "
القائمة
المشتركة"
فرصة
مفتوحة لأن نتخيل سويًا حلم البيت الشرقي
المتوسطي المفتوح والشامل والقائم علي
التطلع للعدل.
من
قلب الواقع المحبط، داخل حالة الحصار،
الحرب، العنصرية والقمع، ندعو
لخلق حلف بين كل من يريدون مقاومة النظام
المجتمعي الليبرالي الجديد والقوي
المعادية للديمقراطية التي تقوم علينا
لإبادتنا.
يستند
هذا الحلف علي افتراض أن خبرة القمع
ونتائجه لا يُشعر بها ولا تترك بصمة بشكل
متشابه علي جميع الجماعات، ولكن خطوة
بخطوة، يخلق أي تدرج لعدم المساواة
والمعاناة والفظائع معاناة وفظائع
إضافية.
خلق
تراتبية القمع يخدم هندسة الحيز بقوة
الذراع وعنف حكومات إسرائيل.
كأبناء
للحيز نرفض فكرة العزلة الاستعمارية داخل
هذه الفيلا المتخيلة في الغابة.
علينا
التحلي معًا بالشجاعة للعمل علي أن نفكك
من جذورها سلسلة الغذاء الإنسانية التي
تأسست هنا منذ 48،
والتي تصنف بتراتبية مرعبة أبناء وبنات
هذه الأرض بوصفهم بشرًا أعلي وأدني،
وتحرض هؤلاء علي هؤلاء.
معارضة
هذا هي الأمر الأخلاقي والالتزام السياسي
لنا كشرقيين وشرقيات، يهوديين
ويهوديات، وكأبناء وبنات لهذا
البلد.ولكن
بخلاف هذا، فهذه أيضًا مصلحتنا،
ومصلحة كل جماعة، لأنه صحيح أن النضال
ضد عدم المساواة والفظائع التي تعاني
منها مجموعات في إسرائيل علي أساس جندري،
قومي وإثني يتطلب من بعضنا التنازل
عن بعض الامتيازات، ولكنه في نفس الوقت
يسهم في خلق حياة آمنة وثرية غير مشبعة
بالحواجز التي تعرضنا جميعا للخطر.
الفاشية
تتسلل إلي العلاقات في الحيز العام والحميم
في المدن والضواحي والأحياء، ولأحيان
كثيرة إلي داخل العلاقات العائلية،
وضحاياها الأساسيون هم قبل كل شيء
النساء والأطفال.
علي
مدار سنوات تشكُلِ الدولة القومية
اليهودية بلورت الصهيونية بنية تراتبية
اجتماعية قائمة علي الاستغلال والطرد،
محو الحقوق ومنح الامتيازات.
بجانب
القمع السياسي، الثقافي والاقتصادي
لليهود الشرقيين علي يد الهيمنة
الإشكنازية، فقد أعطينا حقوقًا زائدة
بوصفنا جزءًا من الجماعة اليهودية،
علي حساب ساكنات الأرض الفلسطينيات.
نعي
حقيقة أنه علي مدار الـ 68
عامًا
الأخيرة ، ورغم الفظائع التي
أحدثتها الصهيونية ضد اليهود الشرقيين
في إسرائيل، فجمهور اليهود الشرقيين
يرتبط بالمشروع الصهيوني وأصبح أغلبه
مشاركًا نشطًا فيها.
لهذا
فنحن غير قادرات علي الوقوف اليوم
أمام أخواتنا وإخوتنا الفلسطينيين والزعم
بأن أيدينا غير متورطة.
نعترف
أن إصلاح هذه الفظائع مرتبط بحق عودة
اللاجئات واللاجئين من بنات وأبناء الشعب
الفلسطيني والاعتراف بالمسئولية
الإسرائيلية عن طرد اللاجئين، وهذا
بدون خلق مجتثين آخرين، وفق الرؤية
التي بمفادها لا يجوز إصلاح الخطأ
بخطأ آخر.
ادعت
سيمون بيطون، مخرجة سينما وثائقية،
في عام 1996
في
أعقاب المؤتمر النسوي الشرقي الأول:
"نحن
نعترف بالقمع من جميع الاتجاهات، وبكل
ألوانه...
لهذا،
ففي اليوم الذي نبدأ فيه فعلًا محاربة
القمع، سواء كنا ضحاياه أو مستفيدات
منه، لن تكون هناك منصة أكثر تقدمًا
وثورية من هذا البلد".
نحن
غير قادرات علي إنقاذ الأطفال من المسارت
التعليمية الموجهة لنضمن لهم مستقبل
المحتلين الممتازين، نحن غير
قادرات علي إعلان أننا لن نُقمع بعد
اليوم، حتي نضمن بنفسنا أننا لن نقمع
الآخرين.
من
الواضح لنا أكثر من أي وقت مضي أن أي مجتمع
لا يمكنه الوجود علي طول الزمن علي
أساس القمع وسلب الحقوق والاستغلال
والتمييز.
اقتراحات
الشراكة الشرقية الفلسطينية رُفضت
مرات كثيرة من قِبل عناصر كثيرة من الجانبين
ووصفت بعدم الواقعية أو عدم الأصالة.
عرفت
حياة الجيرة بين اليهود والمسلمين في
الشرق الأوسط وخارجه لحظات قاسية من الفصل
والإهانة المتبادلة، ولكنها ولدت
تقاليد عميقة وواسعة من الشراكة والحوار،
تستند علي الدعوة للسلام والعدل بين كل
البشر، وهي الدعوة الموجودة في كل
الكتب المقدسة.
لا
نعمي عن حقيقة أنه في هذا الوقت فالتوراة
أصبحت حيلة واللغة الدينية أصبحت عنصرًا
يبدو بالتحديد وكأنه يعوق خلق الرابطة
الشرقية الفلسطينية، ومع هذا
فنحن لا نريد بناء هذه الشراكة علي إنكار
العالم الديني، الكامن في البنية
التحتية للمجتمعات المختلفة في منطقتنا.
في
مقدور المعترفين بالصلة الدينية التقليدية
الصلبة بين اليهودية والإسلام، إعطاء
أساس إضافي للطريق المشترك والمساعدة
علي بلورة موقف نقدي ضد الوضع القائم.
لا
نتنصل من الارتباط اليهودي بهذه الأرض
ولا من حقيقة أن "حب
صهيون"،
كان دومًا جزءًا جوهريًا من الهوية
اليهودية، ولكننا نرفض ربط العلاقة
بهذه الأرض بنظام سياسي قائم علي تعريف
المنظومة التمييزية الممنوحة لجماعة
إثنية قومية دينية واحدة
علي حساب السكان الأصليين للبلد.
هكذا
نطالب بحل اللغة الدينية من الحمولات
التي شحنها بها الفكر الصهيوني، والتأكيد
علي نخرها للرؤية القومية السيادية
الحصرية علي الأرض.
من
داخل هذا التقليد ندعو للحياة في هذا
البلد، لا كأصحاب البيت، وإنما
كأبناء وبنات للبيت.
يدعو
الواقع السياسي والاجتماعي الهوية
اليهودية الشرقية والهوية الفلسطينية
لجدول أعمال جديد.
مثلا:
توسيع
حدود سيطرة مدن التطوير والمدن العربية،
النضال ضد نسبة الحبس الزائدة للشرقيين
والفلسطينيين ، النضال ضد منظومة
التعليم التي توجه وتميز.،محاربة
محو ثقافتنا وتاريخنا، النضال ضد عنف
الشرطة والعنصرية، التشارك في اللغة
العربية والثقافة العربية، توسيع
احتمالات التعبير عن الهوية، معارضة
قمع الأمهات اللائي بلا أزواج والعنف
اليومي ضد النساء بشكل عام والنساء
المنتميات لمجموعات مُضْعفة بشكل خاص،
النضال ضد غياب الموارد الموجهة
لمحاربة هذا العنف، والنضال المشترك
ضد سياسية تخطيط نيو ليبرالية تمكّن من
ناحية من الحفاظ علي عمليات القمع واجتثاث
السكان الفلسطينيين في المدن وتطويرها،
ومن ناحية ثانية تبرر إقصاء السكان
الفلسطينيين (مثل
مجموعات أخري أيضًا)
للخارج
في الأحياء المُضْعفة تحت شعار "التجديد
المديني".
بدون
تجاوز الحواجز بيننا لن نتمكن من النضال
سويًا وفق جدول أعمال مشترك.
اجتياز
الحواجز ليس معناه محو هوية كل واحد
من هذه الجماعات، مع طبقاتها التاريخية،
وإنما ربطها بالحياة والعمل المشترك
الذي يعبر عن التضامن المدني.
نعتبر
أنفسنا نواصل طرق مجموعات وأفراد أرادوا
في لحظات مختلفة خلق ومأسسة شراكة شرقية-
فلسطينية.
شراكة
جذورها عميقة وتتغذي علي التاريخ الطويل
للعلاقات والاستعارة، للإثراء والتعلم
المتبادل بين اليهود والمسلمين، بين
اليهود والعرب.
كما
كتب المنشد المولود في المغرب، الحاخام
دافيد بوزجلو في نشيده "أنتم
الخارجون من الغرب"،
بمناسبة عيد الميمونة:
"ثم
عرب وعبريون، معًا جميعهم يحتفلون/
وقلوبَهم
يطربون، بأدوات الغناء والعزف/
ولبست
العبرية، ألبسة عربية...
ولم
يتنكر العبري، لأخيه ابن هاجر/
سواء
مدينيًا أو ريفيًا، أرواحهم جميعا
سليمة/
هناك
امحت الحدود بين إسرائيل والشعوب/
لولا
رجال الدماء، علي رأس الدولة".
نحن
مؤمنون ومؤمنات أن اللحظة مواتية والساعة
مناسبة للعودة إلي المكان المشترك،
حيث "أرواحهم
جميعًا سليمة"،
لتأسيس شراكة بمقدورها تضميد الجراح
الدامية لسكان هذا البلد.
ندعو
لخلق شراكة اجتماعية مواطنية واسعة تحارب
الأسس المعادية للديمقراطية للنظام
والاقتصاد السياسي في إسرائيل.
هذا
المعسكر المدني سيؤدي لإعادة تقسيم
الموارد بعد عشرات السنوات من الاستغلال
والثراء، بجانب إنهاء القمع والاحتلال.
فقط
هكذا سيمكننا التحرر الثقافي الشرقي
والفلسطيني من الحدود الضيقة والتي
تحدد وتمنع الحوار الحر مع المنطقة.
نؤمن
أنه للمجتمع المدني القدرة علي تطوير
تحالف يهودي فلسطيني لا يستند علي
موقف الضحية وإنما يرضع من القوة
الرهيبة للأخوة بين أبناء وبنات المكان،
علي أساس المساواة والعدل.
في
مقابل حكومة نتنياهو الرابعة، حكومة
الهاوية السياسية، الاقتصادية
والاجتماعية والإنسانية، نتطلع لمسيرة
الحق والتصالح بين الجماعات القومية
التعددية، الفلسطينية واليهودية،
بهدف بناء بيت مشترك هنا.
معًا
سنعترف بالجراح العميقة لكل ضحايا سفك
الدماء، العنف الاقتصادي والجندري.
بروح
نداء الشاعر محمود درويش الذي كتب في
مقدمة كتابه "حالة
حصار":
"نربي
الأمل"،
علينا تربية الأمل حتي نتمكن من عرضه
علي المجتمع كله، علي أولادنا والأجيال
القادمة.
___________________________