Friday, 8 May 2009

قلب أمك

إتجار كيريت

ترجمة: نائل الطوخي

حنيني لكيسنجر

قالت لي أنني لا أحبها فعلاً. أنني أقول أنني أحبها، أنني أعتقد أنني أحبها، ولكنني لا. سمعت عن أناس يقولون أنهم لا يحبون فلاناً، ولكن أن تقول لفلان أنك لا تحبه؟ هذا لم أسمع به. فير. أستحق هذا. من ينام مع النتنين لا يبكي لأن أولاده معفنين. لنصف سنة تشخ لي في دماغي، تدفع أصابعها إلى كسها بعد النيك حتى تعرف إن كنت قد انتهيت بالفعل، وأنا بدلا من أن أقول لها شيئاً. أقول :"هذا جميل، كلنا غير متأكدين بعض الشيء"، والآن تريدنا أن نفترق، لأنها قررت أنني لا أحبها. ماذا أقول لها؟ لو زعقت في وجهها وقلت أنها غبية وطلبت منها أن لا تربك لي مخي، فسوف يكون هذا بالنسبة لها دليلاً إضافياً. "افعل شيئاً يثبت لي أنك تحبني"، تقول لي. ما الذي تريد مني فعله؟ ماذا؟ لتقل فقط. ولكنها لا. لأني لو كنت أحبها فعلاً سيتوجب علي أن أعرفه وحدي. ولكن يمكن لها أن تشير لي، أو تقول لي ما الذي لا أفعله. واحد من اثنين، يمكنني الاختيار. طلبت منها أن تخبرني بما ليس علي أن أفعله، على الأقل نعرف شيئاً. ومن إشاراتها بدا واضحا أنني لن أفهم شيئاً. "ماذا يعني ما ليس عليك أن تفعله"، تقول: "هذا ليس شيئاً يتصل بالتقليل من عيوبك، كأن تقلع عينك أو تُنزل أذنك، لأنك حينها تؤذي شيئاً أنا أحبه، وتؤذيني أنا بشكل غير مباشر أيضاً، وأن تؤذي شيئا قريباً مني فهذا ليس دليلاً على الحب." فير، في حياتي لم أكن لألمس نفسي حتى لو لم تقل هي. ما الصلة بين قلعي لعيني والحب؟ وماذا إذن؟ هي غير قادرة على اكتشاف أن هذا ليس جيداً حتى عندما أفعله لأبي أو لإخوتي وأخواتي. أتنازل، وأقول لنفسي أنه ليس هناك ما يمكن فعله، لا شيء يسعفني. ولا شيء يسعفها. ومن يلقي بالألغاز على زنوج مدمنين ستكون نهايته أن يستيقظ وعظامه مكسورة. ولكن بعد هذا، عندما نتضاجع، وتغرز نظرتها المعمقة عميقاً داخل حدقتي عيني (هي أبداً لم تكن تغلق عينيها أثناء النيك، حتى لا أدفع داخل فمها بلسان شخص آخر)، أفهم فجأة، هكذا، مثلما في لحظة تنوير "هل هي أمي؟" أسألها، وهي ترفض الإجابة "لو كنت تحبني فعلا كنت ستعرف من نفسك." وبعد أن تتذوق أصابعها التي سحبتها من كسها تنفجر: "ولا تأتي لي بأذن أو بإصبع أو بشيء ما كهذا. قلبها هو ما أريد. هل تسمعني؟ قلبها."

أسافر حاملاً سكيناً طول الطريق إلى بيتاح تكفاه، أوتوبيسان. سكين بطول متر ونصف، يحتل مقعداً مزودجاً. اضطررت لأن أدفع له تذكرة. ما الذي لن أفعله من أجلها، ما الذي لن أفعله لأجلك، يا حياتي؟ مشيت على رجلي طول طريق والسكين أحمله على ضهري كأنني عربي انتحاري. كانت أمي تعرف أنني قادم، ولذا فلقد أعدت لي طعاماً، بتوابل من الجحيم، كما تتقن التتبيل بالضبط. آكل وأسكت، ليس لدي كلمة واحدة سيئة. من يبلع الصبار بشوكه فعليه ألا يشكو من البواسير" "وما أخبار ميري؟ تسألني أمي: "هل هي جيدة، العسولة، لا زالت تزق أصابعها السمينة في كسها؟" "بخير"، أقول لها: "فعلا بخير. لقد طلبت مني قلبك. تفهمين، حتى تعرف كم أحبها." تضحك أمي: "احضر لها قلب باروخ. هي لن تنتبه للفارق أبداً." أغضب: "أوف يا ماما، نحن لا نعيش في الأكاذيب. أنا وميري نعيش في الصدق." تتنهد أمي: "جيد. إذن احضر لها قلبي، لا أحب أن تتشاجرا من أجلي، وهو ما يذكرني: وماذا عن دليلك لماما أنك تحبها أيضا في المقابل!؟" أرمي بقلب ميري على الطاولة بغضب. لماذا لا يصدقاني؟ لماذا دائما ما يختبراني؟ والآن علي مرة أخرى أن أعود عن طريق أوتوبيسين حاملاً نفس السكين، وقلب أمي. وهي بالتأكيد لن تكون في البيت، سوف تعود مرة أخرى إلى صديقها القديم. أنا لا أتهم أحداً، فقط أتهم نفسي.

الناس نوعان: هؤلاء الذين يحبون النوم بجانب الجدران، وهؤلاء الذين يحبون النوم بجانب هؤلاء الذين يدفعونهم من على السرير.


جيد جداً

جلس إيتسيك على طرف السرير، لم يكن يرتدي غير بنطلون البيجامة وحذائه النهاري، وينظر مشدوهاً من الشباك. الشمس كانت مشرقة في الخارج. وكان يشعر أنه أحمق. كان من المفترض للسعادة أن تصل اليوم، منذ خمس دقائق فقط تلقي معلومة من المخابرات بخصوص هذا، وكل ما يفعله هو أنه يجلس هنا على السرير مثل الصندوق، لا يفعل شيئاً. تذكر المرة السابقة، عندما جاءت السعادة، كيف فتح أبوه الباب لها في لامبالاة، وهو، طفلاً صغيراً وشاحباً، جلس بجانب طاولة المطبخ، يلصق الأوراق الملونة، ولا يخاف شيئاً.

بدأ جسده في الارتعاش. لا ينبغي السماح لها بالدخول، همس، هذا ممنوع ببساطة. لو نجح في إبقائها بالخارج فسوف يكون كل شيء جيداً. قفز من على السرير. جرى إلى الدولاب وبدأ في دفعه باتجاه الباب. عندما سده نهائياً سحب بندقية الصيد من مخبأها وبدأ في ضخ الخراطيش داخل الماسورة. سوف يكون مستعداً هذه المرة. والوضع لن يكون كما كان في المرة إياها، في بيت والديه. لن يجعلوا منه زومبي مبتسماً، يحب مسلسلات الصابون في التليفزيون أو ماركس، ويبوس أمه فورما يكون هذا متاحاً. أين الصديري بتاعه؟ كس أمه. نبش في الصندوق الموجود تحت الحوض حتى وجده، ثم لبس بادي عليه. بعد هذا قام بدق المفكات وسكاكين التقطيع في المدفأة كي يتوجه اللهيب إلى أعلى. لو كانوا أذكياء لهذه الدرجة ليأتوا من خلال المدخنة. سوف يعلمهم أيضاً شيئاً أو شيئين عن السعادة. خمس سنوات في club med. خمس سنوات يا متناك. مع بنت يحبها، نوع من الجنس الفمي. المال مثل الزبالة. لقد تجاوز هذا بصعوبة عندما أصبح ممكناً. يعرف هذا. لو لم تمت أمه كان سيظل مغروزاً فيه حتى اليوم.

في البداية جاءت الفرصة، كانوا دائما ما يرسلونها في البداية. مثل أي مستطلع بدوي. شي إز إكسباندابل. طرقت على الباب. ثم جربت المطرقة التي كانت مكهربة. الضربة طيرتها إلى الأرض، دائخة. وعندئذ، قام إيتسيك بتحطيم الشباك بالدبشك ومد خارجاً ماسورة البندقية. "فكري في شيء ما جيد يا شرموطة. في الطريق إلى الجنة. لن أستسلم بدون معركة. أنا لست أباي. لن تجرونني خارجاً في العربة مع بالونات ورسومات والت ديزني وأرسم أنا ابتسامة على وجهي." أطلق رصاصة على الفرصة التي بلا ملامح.

فجأة تذكر ما كان يقوله جرنبرج. عن خدعتهم ذات الكابلات. كس أمه. هو يجلس هنا مثل أي هاو، ينشغل بالجثث ويدير ظهره لقناة العائلة، كأنه لم يسمع أبداً عما فعله الـ HBO لحركة القمع السرية عندئذ في سياتل عام 87. أية حماقة. دار وطرق مرة على التلفزيون. قبل أن يقبل كوسبي ليزا بثانية واحدة. لا ينبغي فقدان الوعي، كرر لنفسه. في أي حالة، لاينبغي فقدان الروعي.

أخذ يفكر في الصومال بالتحديد عندما سمع صوت خشخشة أوراق الشجر. إنها المتعة المحضة تمسك ببيتزا تيك آواي ومجلات سكس وتتحرك بقرب الجدار المزروع. لم ينجح في إدخالها في إطار مهداف البندقية. وهي من جانبها لم تحاول الاقتراب.

"اسمعي يا عروسة، أنا أكره أن تكون البيتزا بتاعتي باردة"، صرخ. ولكنها لم ترد. من فوق الكوخ مرت الآن هليكوبترات بمكبرات صوت عملاقة وكانت تردد أغان بول ويليام تحض المتفائلين، وأغاني التكنو الشعبية. أغلق أذنيه وتذكر بيوت يهود فولين والنساء مبتورات الأثداء، والمشردين الذين يرتعشون من البرد في الصقيع النيويوركي. وبرغم أنه ابتسم قليلاً، فلقد ظلت الموسيقى بالخارج. ولكن هذا الموضوع كان شيئاً مشكوكاً فيه. بدا كل شيء سهلاً للغاية. الهليكوبترات، المتعة المحضة بلا حراك. يجب أن تكون هذه محاولة لصرف الانتباه. السقف، سب فجأة، إنه السقف. أطلق عدة طلقات عمياء من خلال القرميد. سقط شيء ما من المدخنة وتمزق على المفكات. كان هذا هو النجاح. وكان يمسك بيده رزمة أوراق يانصيب رابحة. سكب عليه صفيحة بنزين، ثم ألقاه لداخل المحراب الطوبي مع الولاعة.

احترقت الجثة فوراً. وكذلك الأوراق الرابحة. مضغها اللهب كثيراً قبل أن يتمكن من نثرها في أنحاء الكوخ. الدخان ملأ الغرفة الآن، واختلطت به رائحة أخرى، رائحة ذرة ساخنة، رائحة الآيسكريم القديم، رائحة ماما عندما كانت تأتي لتقبلنا قبلة المساء. جاز. زحف على الأرضية، محاولاً الوصول إلى أدوات التدمير الشامل. الإيدز، فكر في نفسه. الرجال يسيئون معاملة الأطفال في العالم في هذه اللحظة. الأطفال، لطفاء جداً، كم كنت أتمنى أن يكون لي أطفال. مع امرأة. تحبني، تعذيب في أقبية جهاز الأمن الداخلي - حاول. ليست هناك فرصة. الاتسامة اتسعت واتسعت، وهددت بابتلاعه. ثلاث مشاعر نجح في تحديدها أحاطت به، خلعت عنه الصديري، ومحت بلعابها الرقم من على ذراعه، استبدلت بادي الـ why بآخر مكتوب عليه "DON'T WORRY, BE HAPPY "لا تقلق. سيكون كل شيء على ما يرام"، حاول تشجيع نفسه عندما جروه للخارج. سوف تكون هناك، تنتظرك، وسيكون الوضع بينكما جيداً. ستكون لديكما سيارة. من فرط التوقع شعر بركبتيه كأنهما جيلي. سوف يكون كل شيء على ما يرام عندكما، كس أمه، على ما يرام.

دموعه الحبيسة في حلقه كانت قد تبخرت. الأشجار كانت خضراء باتجاه الخارج، والسماء. الجو ليس حاراً جداً ولا بارداً جداً، والآن تنتظره بجانب السلم سيارة متوجة بصور آل سمبسون وإعلانات الشقق.

_____________________________________________________________

ولد إتجار كيريت في عام 1967. أغلب إبداعه هو قصص قصيرة ويعمل أيضا بكتابة السيناريوهات والمسرحيات وقصص الكوميكس. نجحت كتبه كتابا شديدا ورآه الكثيرون باعتباره الشخصية الأساسية في جيل الأدباء الإسرائيليين الشباب، وبالتحديد ذلك الجيل الذي بدأ ينشر في منتصف التسعينيات. نشر كيريت كتابه الأول "أنابيب" عام 92 ولم يحظ باهتمام، ولكنه بعد نشر كتابه "حنيني لكيسنجر" ونجاحه بيعت طبعات متتالية من "أنابيب"، تأثر به عدد من الكتاب الشباب ولكنهم لم يحظوا بالنجاح الذي حققه. ترجمت قصصه إلى الأسبانية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية. يلقي محاضرات منذ عام 1995 في قسم السينما بجامعة تل أبيب، كما يحاضر في جامعة بن جوريون بالنقب. القصتان المترجمتان هنا من مجموعته "حنيني لكيسنجر".

5 comments:

  1. حلوة صحراء النقب اللي اترميت فيها دي... زائر دائم بعون الله

    مودتي

    ReplyDelete
  2. الناس نوعان: هؤلاء الذين يحبون النوم بجانب الجدران، وهؤلاء الذين يحبون النوم بجانب هؤلاء الذين يدفعونهم من على السرير.

    خالص تحياتي

    حوريه البحر

    ReplyDelete
  3. طب ما خمسة شعر يا نائل

    ReplyDelete
  4. هدى توفيق
    الصديق العزيز نائل شكراً على إهتمامك وإرسالك بكل ماهو جديد فيما يخص المدونة التى قمت بإرسالها
    لك تحياتى ومحبتى وشكرى العميق

    ReplyDelete


  5. مررت بالصدفة القراءة لك متعة

    ميم

    ReplyDelete

comment ya khabibi