ولد في شتاتال، القريبة من جيتومتير، بحدود الإمبراطورية الروسية "أوكرانيا اليوم". انتقل في سن السابعة عشر للإقامة في مدرسة فولوجين الدينية، بغرض الحصول على ثقافة عامة. وأصيب بالإحباط عندما اكتشف أنه لا يتم تدريس سوى التلمود في هذه المدرسة، وليس العلوم الدنيوية. وفي النهاية انضم إلى المجتمع "التنويري – المسيكيلي" في المدرسة وأصبحت له شعبية مبيرة بين الطلبة التنويريين. يصف زميله آبا بلوشر شخصية بياليك ومكانته الاجتماعية داخل الجماعة فيقول: "ضيف شائع في هذه الغرفة، سواء في اجتماع أو بدون اجتماع، شاب دعوه في المدرسة باسم "الجيتوميري"، وناداه الآخرون باسم "حاييم نحمان"، لم يُعد من بين المتعلمين المخضرمين وإنما من التنويريين، وصارت له سمعة بوصفه دارساً للتوراة واللغة، منجذبا للقلم وأديب عندما يريد. في ساعة الاجتماع يصبح هو أول المتحدثين، أول المبتدئين وآخر المنتهين، وكان الجميع يصغون لكلماته التي كانت دائما مهمة للغاية". في هذه المدرسة (اليشيفا) كتب قصيدته "إلى العصفور"، كما عد من بين مؤسسي الاتحاد الصهيوني السري "نيتسَح يسرائيل". في عام 1892 التقى بالمفكر اليهودي الصهيوني إحاد هعام، وهو من أثر على أسلوبه كثيراً. في هذه الفترة نشر قصيدته الأولى "إلى العصفور".
عام 1893 تزوج مانيا، وبدأ في العمل بتجارة الأشجار، وكتب قصائده الأشهر ساعتها، ومنها "على عتبة بيت هامدراش"، "موتى الصحراء الأخيرون". كما كتب قصيدته "على عشب الشعب"، والتي اعتبرت قصيدة إدانة، وكتبها على خلفية الأيام التي سبقت انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول ببازل. أقام حتى عام 1921 في أوديسا بالاتحاد السوفييتي. في هذا العام، وفي أعقاب تدخل الأديب الروسي مكسيم جوركي وبأمر خاص من لينين، مُنح بياليك التصريح بمغادرة الاتحاد السوفييتي مع عدة أدباء يهود. انتقل لبرلين، حيث عمل بالنشر باللغة العبرية في دار نشر "دفير". وانتقل إلى بادهمبورج حيث التقى بشموئيل يوسف عجنون وإحاد هعام، وهناك تعرف على الرسامة وكاتبة الأطفال توم زيدمان فرويد، وهي ابنة أخي سيجموند فرويد، وأقاما معاً دار "أوفير"، وهي دار لكتب الأطفال بالعبرية. وتم حل الدار بعد خلاف بينه وبينها.
هاجر بياليك إلى فلسطين عام 1924، وانتقل للإقامة في بيت تم بناؤه من أجله خصيصاً في تل أبيب. بلوغه الستين عام 1933 كان حدثاً هاماً، إذ أقام شموئيل بلوم كتروما مسرح "أوهَل شيم" تكريماً له في ذكرى مولده الستين. كما احتفل الاستيطان الصهيوني في فلسطين بهذا الحدث. وصدرت طبعة خاصة من كتبه كما صدر كتب "قصائد وأغان للأطفال"، برسومات ناحوم جوتمان.
توفى عام 1934 وشارك في جنازته حوالي مئة ألف شخص. ودوماً تم لوحق بتهمة العداء لليهود الشرقيين والعرب.
من كتبه: "قصائد" 1901، "قصائد" 1908"، "الدجاجات والثعلب" 1918، "كل كتابات حاييم نحمان بياليك" 1923،
قصائده المنشورة هنا "إلى العصفور"، "بعد موتي"، و"اطويني تحت جناحك"، هي من أهم قصائده. بالتحديد قصيدة "إلى العصفور"، التي يعبر بها عن حنينه كشاعر يهودي إلى فلسطين "أرض إسرائيل.. إريتس يسرائيل".
حاييم نَحمان بياليك
ترجمة: نائل الطوخي
إلى العصفور
حمداً على سلامتك، يا عصفورتي اللطيفة
في عودتك من البلاد الحارة إلى شباكي-
إلى صوتك الذي طالما تاقت روحي إليه
في الشتاء، عندما هجرتِ حصني
غني، احكي، يا عصفورتي الغالية
عن البلاد البعيدة الرائعة،
هل سترنمين، هناك أيضاً في الأرض الحارة، الجميلة
بالأخبار السيئة والمعاناة؟
هل حملتِ لي سلاماً من إخوتي بصهيون،
من إخوتي البعيدين والقريبين؟
السعداء! هل يعرفون
أني أعاني، أعاني الآلام؟
هل يعرفون كم هم كثيرون أعدائي،
وما أكثر من يقومون ضدي، ما أكثرهم؟
غني، يا عصفورتي، عن عجائب وطن
الربيع به يثمر العالم.
هل حملت لي سلاماً من ثمار الوطن،
من الوهاد، من الوديان، من رؤوس الجبال؟
هل أشفق الرب على صهيون، رحمها،
أم أنها لا تزال متروكة للقبور؟
ووادي الشارون وتل اللبونا-
هل أعطيا مرَّهما وناردينهما؟
هل أيقظ العائد في الغابات
جبل لبنان النائم النعسان من نومه؟
هل نزل الندى على جبل حرمون كالجواهر،
أم سال وسقط كالدموع؟
وما أخبار الأردن ومياهه النقية؟
وأخبار كل الجبال والتلال؟
هل انزاح من عليها السحاب الثقيل،
الذي يغطيها بالظلام والعتمة؟
غني يا عصفورتي، عن بلاد وجد بها
أجدادي الحياة، والموت!
ألم تذبل بعد الزهور التي زرعتها
عندما ذبلت أنا نفسي؟
أذكر أياماً كنت مزهراً مثلها،
ولكنني الآن شخت، وهنت قوتي.
احكي يا عصفورتي، أسرار كل فروع الشجر،
وما همسَتْ لك به أوراقها؟
هل بشرَتْ بالعزاء وبالأمل في أيام،
ستأتي وتثمر كجبل لبنان؟
وما الذي أحكيه لك أنا يا عصفورتي اللطيفة؟
ما الذي تريدين سماعه من فمي؟
من الأرض الباردة لن تسمعي أغنيات،
إلا أغنيات الحداد، والنواح المرير.
هل أحكي عن المعاناة، المعروفة
في البلاد ويسمع بها الجميع؟
ها، من يَعُدُ المصائب التي مرت
والمصائب التي ستأتي ونحسها؟
طيري يا عصفورتي، إلى جبلك وصحرائك!
من حظك أنك تركت خيمتي،
لو سكنتِ معي، كنت أنت أيضاً، يا جناح الأغنيات،
ستبكين، ستبكين بمرارة على مصيري.
ولكن لا البكاء ولاالدموع سيشفيانني
ولن يخففان وجعي،
لقد ذبلت عيناي، دموعي ملأت قربة
قلبي الآن كعشب مقطوع .
لقد انتهت الدموع، انتهت الأشواك
ولم توضع النهاية على حزني.
مرحبا بعودتك يا عصفورتي الغالي
افرحي وغني ورنمي!
بعد موتي
بعد موتي قوموا بتأبيني:
"كان هناك رجل، وانظروا – هاهو لم يعد موجوداً
قبل زمنه مات هذا الرجل،
وأغنية حياته توقفت في منتصفها،
وللأسف! فقط مزمور واحد كان لديه-
وها هو ضاع هذا المزمور للأبد،
ضاع للأبد!
وللأسف الشديد! كانت لديه قيثارة–
روح حية تتكلم
والشاعر دوماً ما كانت كلمته بها
كل أسرار قلبه أخبرها بها،
وكل النغمات تحدثت بها أنامله
ولكن سراً وحيداً في قلبه أنكره،
تدور تدور أصابعه عليها وتتواثب
نغمة واحدة ظلت خرساء
خرساء ظلت حتى اليوم!
وللأسف الشديد، الشديد!
طول أيامها ترتعش هذه النغمة،
ترتعش بصمت، ترتجف بصمت،
حنيناً لمزمورها، وهو أبوها مخلصها،
تاقت، ظمأت،حنت، اشتاقت،
كما يحن القلب لمن ينتظره،
وإن تأخر، فهي تنتظره في كل يوم،
وفي زئير تختفي استغاثته
والمزمور يتلكأ ولا يجيء
لا يجيء أبداً!
وعظيم جداً، جداً الألم!
كان هناك رجل، وانظروا – ها هو لم يعد موجوداً
قبل زمنه مات هذا الرجل،
وأغنية حياته توقفت في منتصفها،
وللأسف! فقط مزمور واحد كان لديه-
وهاهو ضاع هذا المزمور للأبد،
ضاع للأبد!"
.....................................
نشرت قصيدة "بعد موتي" لأول مرة عام 1904 في صحيفة "هاتسوفيه" التي كانت تصدر بوارسو. والصيغة الأصلية للقصيدة كانت تحمل عنوان "في ذكرى ف." والتفسير الشائع لهذا أن القصيدة تم إهدائها لذكرى الأديب مردخاي زئيف فايربرج، المجايل لبياليك، والذي كانت قد مرت وقتها خمس سنوات على رحيله. وعندما قام بياليك بنشر قصيدة في طبعة ديوانه عام 1908، غير العنوان إلى "في ذكرى م"، ويقال إن هذا كان المقصود به اسمه هو، "نحمان".
اطويني تحت جناحك
اطويني تحت جناحكِ
وكوني لي أماً وأختاً،
وليكن حضنك مأوى رأسي،
عشاً لصلواتي البعيدة.
وفي وقت الرحمة، في الغسق
اِنحني لأكشف لك سر ألمي:
يقولون: ثمة صبا في العالم –
أين صباي؟
باق سرٌ واحدٌ أعترف لك به:
روحي تحترق لهيباً
يقولون: ثمة محبة في العالم –
ما هي المحبة؟
خدعتني النجوم،
كان هناك حلم – ولكنه أيضاً ماضِ
الآن لا أملك شيئاً في العالم –
ليس لديّ شيء.
اطويني تحت جناحكِ
وكوني لي أماً وأختاً،
وليكن حضنك مأوى رأسي،
عشاً لصلواتي البعيدة.