Friday, 30 April 2010

ألمان جيدون

ولد نير برعام عام 1976، أديب وكاتب مقالات، حائز على جائزة رئيس الوزراء للأدباء العبريين عام 2010، هو ابن وزير الداخلية الإسرائيلي السابق عوزي برعام، وبرغم هذا فهو يصنف يساريا، وفي عام 2006 كان واحدا من المبادرين بكتابة عريضة الأدباء الشباب، مع دودي بوسي، ماتي شموئولوف، شمعون آداف وآخرون للمطالبة بإيقاف حرب لبنان. وكان واحدا من مؤسسي "الحركة الجديدة"، وهو تنظيم سياسي يساري أقيم من أجل الاتحاد مع حزب ميرتس، ولكن برعام انسحب في النهاية قائلاً أن دعم الحركة الجديدة وحزب ميرتس للحرب على غزة 2008 يمثل فشلا أخلاقياً.

يحرر برعام سلسلة 972 في دار نشر عام عوفيد. وهي السلسلة التي تعني بالكتب البحثية المكتوبة من وجهة نظر نقدية. ويحرر سلسلة الكلاسيكيات في دار عام عوفيد، والتيتهدف لنشر الكلاسيكيات الغربية الأدبية. كما يكتب في ملحق "الكتب" بصحيفة "هاآرتس. من كتبه، احكي لي قصة حب بنفسجية، 98، أطفال الحفل التنكري، 2000، معيد الأحلام، 2005، أناس جيدون، 2010. الفصل المترجم هنا مأخوذ من روايته الأخيرة "أناس جيدون" وتم نشره في صحيفة يديعوت أحرونوت تحت عنوان "ألمان جيدون"، ويحكي فيه عن ألمانيا أيام الحرب العالمية الثانية.


نير برعام

ترجمة: نائل الطوخي


ألمان جيدون

الناس يلتقون بالناس. أغلب القصص تحدث هكذا. وطالما أنك لم تلفظ نفسك الأخير، فحكم العزلة نهائي. ترى العالم ينفجر من كثرة الناس، وتميل لتصديق أنك ستذيب عزلتك بسهولة. لأي درجة يصعب هذا؟ يقترب شخص من شخص آخر، والاثنان يتأثران بـ"غسق الآلهة"[1] ومن العرض الأخير لهاوفتمان، وكلاهما تلقى سهماً من("Thompson Broken-Heart Solutions" "القلب هو وباء القرن العشرين"). وهكذا تعقد المعاهدة. هذا وهم يفيد الدولة، المجتمع، والسوق. وبفضله فحتى الوحيدون يستلمون ملابس، أسهم، سيارات، يلبسون ثيابا فاخرة استعداداً لحفل راقص.

من خلف النافذة رآها مغطاة بمعطف فرائي لبسته لدى خروجها من هذا البيت للمرة الأخيرة. لم تغادر برغبتها، فالعالم بالخارج لم يقدم لها شيئاً. ولكن لم يكن لديهم مال لتشغيلها. أطلقوا سراحها، وأعطوها معطفا فرائيا أبيض هدية، تحول مع الأيام إلى رمادي جداً. الفراق هو الفرصة للولادة من جديد: ربما يحدث شيء ما جيد، ربما تحدث فرصة أخرى، ربما تنشرخ العزلة قليلاً.

اقتربت بخطواتها الصغيرة – زاد وزنها قليلا، السيدة شتاين – خطوات مثلما قيل دائما، "لا تنظر، ليس هناك أي شيئ تراه هنا." إليك بمكر التاريخ: الأحداث الأخيرة في برلين منحت لليهود على شاكلتها أسباباً جيدة للبحث عن مخبأ بين الظلال.

تفحصت عيناه الأجزاء المكشوفة في جسدها. الوجه المضغوط الذي احمر من هبات الهواء البارد، الرقبة الرقيقة التي كان بهاؤها يناقض دائما وبقسوة الجسد القصير، كنواة من الجمال كان يمكن لها الإزهار في ظروف أخرى. عزلتها مطلقة، هذا واضح. لم يكن لديه شك في أنه باستثناء المواضيع التجارية، فلقد كانت مقلة في الحديث مع الناس بالسنوات الأخيرة.

وقفت سيارة بجانبها. ثمة رجلان يجلسان في المقعد الأمامي. لم تنظر إليهما، ولكنها بكل حركة من جسدها تسلل إليها الوعي بوجودهما. بحركة سريعة أزاحت خصلة رمادية عن جبينها، وخطت ببطء خلف جدار أبيض. تعقب توماس السيارة حتى اختفت بين سيارات أخرى في الشارع. بعد لحظة عاودت السيدة شتاين الانطلاق وخيل لها أنها رأت وجهه في النافذة.

كم حزنت أمه على غيابها، كانت السيدة شتاين واحدة منهم، ملأت الفراغ بينهم – أخت أمه التي لم تلدها أمها، على سبيل المثال – حتى سلموا بحقيقة أن أمه لم تكن لها أخت، وطردوها. في نهاية الأمر، عندما تناقصت الحصة السنوية التي ورثتها أمه بسبب لطمة التضخم، والوجود كان على حافة الخطر، يصبح الدم هو الدم وهكذا ينتهي الأمر.

خبطة على الباب. "سلام فراو شتاين"، يقول توماس. هزت رأسها ودفعته نظرتها الصارمة إلى الجانب. التقت عيناهما لرفة عين: السنوات لم تخفف الكراهية بينهما.

للحظة استمتع بإهانتها، تلك المكتوبة في الصحف، وفي الدستور، وحتى في لافتات المرور. من قريب لاحظ أثارها أيضاً: في وجه السيدة شتاين كان يثور استعجال معذَب. الروح، بالضبط مثل الجسد المحني، كانت تتوقع ضربة أخرى. كمن يعرف البيت بكل ممراته، أسرعت بالممر القاتم واختفت في غرفة نوم سيدتها. لوقت ما وقف جامداً بجانب الباب ثم أسرع في أعقابها. هي تدبر شيئاً، هذا واضح.

عندما لحق بها، كانت قد تمكنت من تعليق معطفها في الخزانة والجلوس بجانب سرير أمه. عيناها لم تعبرا عن أي دهشة بينما لم تر المرأة أكثر من ثماني سنوات مالت عليها وسألتها إن لم تكن تحتاج شيئاً. ردت أمه بالسلب. سألتها السيدة شتاين إن كانوا يعتنون بها جيداً، وهمست أمه "نعم"، وكانت في الواقع "لا". أدركت السيدة شتاين وغمغمت مراراً وتكراراً باسمها :مَرلينا، مَرلينا.

تخيل توماس كيف قطعت برلين كلها من أجل رؤية سيدتها وهي ذابلة. بصوت لاهث حكت لأمه، "التقيت هذا الصباح بالصدفة بالهر شتوكرت. أدار وجهه كأنه لم يرني. قلت، طيب، فأنا معتادة على رؤية معارف قدامى وأرحب بهم ويبتعدون، وأحيانا يتصرفون كأنهم لم يروني."

"في قلبي دائماً أحييهم. ولكن في تصرف الهر شتوكرت كان هناك شيء ما غريب. وقفت بجانبه وسألت: "سيدي، هل هناك شيء ما تريد قوله لي؟" لم أذكر اسمه، دوما ما سيستطيع الزعم بأنه لا يعرفني. خفض عينيه وقال: "فراو هايزلبرج مريضة للغاية."

همست أمه لها بشي ما لم يصل لأذني توماس الواقف بجانب الباب، وهزت السيدة شتاين رأسها بتفهم. داهم توماس الاشمئزاز: كل هذا معروف للغاية. مئات الصباحات التي جلست فيها الاثنتان ملتصقتين الواحدة بالأخرى في غرفة النوم، تتبادلان الأسرار، وشيء آخر. وكل من يقترب منهما يتصور أنه يغزو مملكة ليس فيها مكان لأحد غيرهما. رتبت السيدة شتاين الوسائد تحت رأس أمه، داعبت شعرها ثم مالت ودفنت وجهها في صدر أمه. "مرلينا، كيف حدث هذا..."، همست، "كيف حدث هذا"..؟

بأية خفة غطت الاثنتان على الفجوة بينهما في السنوات الثماني الأخيرة. كأنما انكشفت ستارة وظهر مشهد سابق: هاهما مجددا، سيدة مريضة تهبط أحيانا إلى العالم فقط لكي تتأكد من صلابته، ثم تعود وتحلق، ومدبرة البيت التي أصبحت صديقتها الجيدة وببطء تسلمت واجباتها، وبعملها كانت ترفع السور الفاصل بين السيدة وبين العالم. يبدو أنهما الآن تثوران على شظايا الزمن التي تبقت لهما، في حالة حداد على السنوات التي مرت والساعات الضائعة.

تريدين الدفاع عنها مثلما كان الأمر في الماضي، يا سيدة شتاين؟ هكذا فكر توماس بغضب وتحول عنهما. تريدين الدفاع عنها من السنوات التي ضحت بها، من الفظائع التي بقعت ثوب زفافها، من الأخطاء؟ لأجل الدفاع عنها ينبغي رسم صورة الجلاد. رجاء، هاهو جلاد لك: مرض رهيب يدمر جسد سيدتك ويدفعها بعناد إلى الموت. ومازلت تؤمنين أنه يمكنك فعل شيء لأجلها؟

وقف توماس في ردهة شاسعة. بأوامر أمه، كانت الستائر القطيفية مسدلة على الدوام. أشعل النور بمصباح ذابل، وعليه وسائد محشوة بالريش، وقفت بجانبها، وجال بنظره على نسخ التماثيل – أوجست رودن، "باب النصر"، من الفخار، بوذا مذهب صغير أخذته كهدية من مثقف ما التقته في شبابه وتحت تأثيره اهتمت بديانات الشرق البعيد. فوق تمثال بوذا انتصبت على الرف صورة لأرنست يونجر مع إهداء، "إلى مرلينا، ذات الفضول المبهر."

نباتات صناعية أحاطت بالقنطرة المتوجة ببلاط دليفت من رسومات البحيرات وطواحين الهواء الحمقاء. دائما ما شعر بالدوار لدى مرأى هذه الردهة، من هذا الخليط الذي يهدف للتأكيد على سعة أفق صاحبة البيت.

قرر تجاهل ما يحدث في غرفة النوم، جلس بجانب طاولة العمل وقام بعمل إصلاحات أخيرة على خطاب سيلقيه اليوم في لقاء مع مديري "ديميلر – بنتس". طموحه كان أن يفهموا في نهاية المساء أن شركة ميلتون هي الرد على جميع تطلعاتهم. خسارة كبيرة أن السيدة شتاين الصغيرة لم تتعثر بعدد من الأخبار في الصحف التي تم فيها ذكر اسمه (لسبب غامض ما، فمعارفه لم يقرأوا أبدا الصفحة المناسبة في الجريدة المناسبة باليوم المناسب) ولا تعرف إنجازاته.

في الوقت الذي كان فيه أبوه وأصدقاؤه المفصولون يقطعون بشوارع برلين، متنكرين في هيئة دواليب وسندوتشات أو علب شوكولاتة، كان قد فكر في خطة أصلية وملهمة. يوما ما، بعد انتهاء دراسته الجامعية بسنتين، قرأ في الصحيفة أن شركة ميلتون لدراسة الأسواق تنوي إقامة فرع في ألمانيا.

هذه الشركة الأمريكية، والتي كانت لها أفرع في جميع العالم ولم يكن لها إلا فرع واحد في أوروبا – في إنجلترا بالتحديد – أشعلت خياله عندما كان لا يزال يدرس في الجامعة. صادق طالبا أمريكيا يدرس الاقتصاد، وحكى له عن "ميلتون" وعن أبحاث الأسواق المتقدمة لديها والتي تستقبل الأوروبيين بعقد لمدة عشر سنوات على الأقل.

كانت هذه واحدة من النقاط المضيئة القليلة أثناء دراسته بجامعة برلين: في بداية العشرينيات اهتم بالطبع بعلوم المجتمع، بل وفكر في دراسة علم اللغة، ولكنه في النهاية فكر، بوحي من أمه، والتي كانت تؤمن بـ"التغيير الذي سيحدث في روحه"، في أنه إذا انضم لجامعة تتباهى بالمفكرين من الدرجة الأولى، فعليه بدراسة الفلسفة. أغلب الدراسات بدت له تضييعاً للوقت، وفي اللحظة التي أخذ فيها شهادة الماجستير خرج من هناك بلا رجعة.

في شتاء 1926، وهو يبلغ ثلاثة وعشرين عاماً، سافر للندن والتقي بأمريكي اسمه جاك فيسك، مدير قسم أوروبا بـ"ميلتون لدراسة الأسواق". كرس شهورا – سويا مع معلم أمريكي كان يدفع له – من أجل تنقيح اللغة الإنجليزية بالخطاب الذي سيلقيه هناك. جلس على المقعد الجلدي المنجد بالمكتب الواسع للمدير، والذي بدا وجهه المجعد وشاربه الكثيف مؤثرا للغاية، وفحص بفضول خريطة عملاقة للعالم ملونة بالأزرق والأحمر والأبيض، وعليها أعلام صغيرة تشير إلى أفرع "ميلتون" الكثيرة.

لدى مرأى هذه الخريطة المتباهية فهم أنه كان محقاً: بوحي من ملحوظة ما لشوبنهاور (هاهي فائدة صغيرة أخذها من دراسته) – "يستطيع الأمريكيون القول عن فجاجتهم ما قاله كيكرو عن العلم: انضموا إلينا" – قرر اتخاذ أسلوب معبر وبسيط، سيثير على الأغلب رفضا في الإدارات الألمانية، والآن اقتنع أن هذا القرار كان صائباً.

تفحصه المدير بارتياب، كأنه لم يفهم من أين ظهر هذا البرليني الشاب ببذلته المزخرفة، والتي تفيض بالأزرق بأسلوب فرنسي على رقبته وأظفر بطية جاكيته. وضع توماس ساقه الطويلة فوق الأخرى، عرض على الأمريكي تبغا هولنديا فاخرا، أشعل غليونا، سأله بود من أين أتته فكرة طاولة عمل على هيئة سفينة قراصنة، وبدأ في الخطاب: "سيد فيسك العزيز، قرأت عن خطة السيد قريبا لتدشين فرع جديد لـ"ميلتون" في القارة، وبالتحديد في بيتنا، برلين. بداية، اسمح لي بأن أبارك لك باسم البرلينيين.

كباحث موهوب في الأسواق كان عليك دراسة فرصك في السوق الأوروبية بشكل أساسي. ولكنك بالتأكيد تعلمت أثناء هذا درسا من الإنجازات المحدودة لفرعك في إنجلترا. لنعترف: خطوات "ميلتون" في أوروبا متشنجة، يمكن القول بأسف أنكم حتى الآن لم تصلوا إلى القارة. وإليكم بشرى صغيرة: في برلين سيكون الأمر أكثر صعوبة. كيف أعرف؟ هذا بسيط للغاية.

لكل جماعة ثمة منظومة تخمينات خاصة بها، ومقاييس دراسة الأسواق التي تم تفعيلها على الأمريكيين لن تستطيع تمييزنا، نحن الألمان. عرفت من مصادري أنك في لقاءاتك مع شركات ألمانية تتباهى بمناهج دراسات "ميلتون"، وتقول للجميع أنها علم. ولكن تذكر أن هذا الرف العلمي في الواقع هو قصة خيالية يمكنك بيعها لألمان سذج يحبون تحويل كل شيء إلى علم، ولكن كلينا نعرف أنه بعد سنتين سوف يقتنع ربما أكثر الناس سذاجة أن مناهجك غير فعالية في ألمانيا وسوف يطردونك من السوق.

العلم الوحيد الصالح هنا هو علم النفس القومية الخاصة بالألمان، أما أنت، سيدي الفاضل، فتظهر فجأة مع حفنة من دولاراتك وتريد تعليمنا كيف نصرف نقودهم؟ سيدي الفاضل، أنت لا تفهم الهوية الألمانية. ومع هذا، فلست الأول ولا الأخير. الهوية الألمانية صعبة الفهم. هناك من يعتقدون أن كل تقاليدنا ودراساتنا وفنونا وفلسفتنا خلقت هنا فسيفساء جذابة من النماذج.

ولكن لللأسف فالنفس الألمانية أبسط بكثير. سيدي سوف يفاجئ من اكتشاف إلى أي درجة يسهل تشغيلها وحل شفرتها. وربما لا تكون هذه البساطة من النوع الذي يعرفه الأمريكيون، إنها بساطة ينبغي دراسة نواتها الأساسية بعمق من أجل فهمها. ينبغي فهم، مثلاً، ما هي البرجوازية المثقفة في ألمانيا، هي لا تشبه أبدا أبناء البلد الصارخين لديكم على الشاطئ الشرقي."

في الفترة الأخيرة فقط بذلت "ميلتون" جهودا كبيرة في دراسة السوق الألماني"، قال فيسك وأخذ راحته على كرسيه وهو يقطب جبينه.أخذ توماس انطباعا بأن اللقاء يسبب له متعة وأنه يستفزه لكي يختبره.

"مع كل احترامي، سيدي، فأمي سوف تطارد الأسود في مقابر الكولوسيوم قبل أن يتمكن الأمريكيون من فهم الإنسان الألماني. هل قرأت أرنست يونجر؟ طبعا لا. هو صديق مقرب. هل تعرف باولي؟ التعطش للنور العظيم مغروز بعمق في روحه. إذا لم تكن قد رأيت الجموع في فينترفلدبلاتس تقف في المساء المتأخر وتحدق في الشعلات اللامعة لـ"نيفيياه"، فأنت لم تر ألمانيا. هل تعرف وصف völkisch؟ هذا في الحقيقة وصف للماهية الألمانية بلا مقابل في اللغات الأخرى. وهل تعرف نظرية نيومان عن الدولة كـ"صفقة كبيرة" تتم لصالح الشعب؟ ومع هذا، سيدي، فعلى الأقل سوف تتفق معي في أنه لا يمكن وصفك بأنك متخصص في الشخص الألماني إلا بصعوبة.

"ربما الآن استقرت العملة الألمانية وتحسن الوضع الاقتصادي، ولكن إذا تجولت في برلين قبل عدة سنوات، كنت ستعرف الماهية الحقيقية لألمانيا! كنت سترى أناسا يبدون عقلانيين ويخترعون منهج استقرار هشاً، وببساطة يطبعون النقود ويفتتون العملة حتى لا تساوى صدفة على شاطئ البحر. هذا هو المنطق الألماني: الركض، والتزاحم بالمناسبة, إلى الكارثة. ليس من طريقتنا التوقف حتى ولو قبلها بلحظة واحدة.

"الشخص الألماني مركب من عشرات العناصر المختلفة. سوف تقول أن الجميع هكذا، وهذا صحيح، ولكن تركيبة الصفات الألمانية، على سبيل المثال توزيع العواطف بداخلها، هي خاصة ومتفردة. أنا أسعى وراء صيغة رابحة سوف نتكمن بواسطتها من غزو السوق الألماني. تتساءل إن كانت في يدي؟ أعلن لك أنه نعم، أغلب حياتي كرستها لدراسة الإنسان الألماني. ولذا، سيدي، فإذا أردت إقامة صفقات في ألمانيا، فأنا أقترح عليك أن نتعاون."

اهتز جاك فيسك. "يا شاب، أنت لا تفهم أبدا هذا المجال، ولكن لديك الموهبة، وسلاستك مذهلة فعلا." عندما هاجر فيسك إلى برلين، قام بتعيين توماس مساعداً له، وبعدها بسنة عينه مديرا لقسم جديد من عامل واحد واسمه "علم نفس الشراء الألماني". الحق يقال: توماس آمن أنه ولد لكي يكون في هذه الوظيفة. منذ صباه آمن أن موهبته الأكثر تطوراً تكمن في إغواء الناس لكي يشتروا منتجاته، العزف على الأوتار الصحيحة في نفس المشتري.

من هنا قاد دفة المواضيع بحكمة. بعد أن عرض حججاً مقنعة، جداول تحوي أفكاره الجديدة، وبشكل عام قام بممارسة سحره – تلقى من مدير الشركة التصريح باستعارة – بصفته مستشارا – ميزانية البحث لشبكة وولفورت، وهي من الزبائن الأوائل لـ"ميلتون برلين". في الشركة ترددت مزاعم بأن الألمان لن يثقوا بالشبكة الشعبية والتي يقع أصلها في دولة لا تزال غامضة وغير مفهومة في نظرهم.

"من الاستبيانات التي نظمتها شركة ميلتون في المدن الكبرى يتضح أن الألمان لن يثقوا في أن هذه المنتجات هي مناسبة فعلا"، هكذا أعلنت السيدة جينتر، والتي كانت تتباهى بلقب نائب مدير قسم البحوث، أما وظيفتها الرئيسية فكانت اصطياد الزبائن من أجل الميلتونيين. كانت امرأة شقراء قصيرة فقدت زوجها في الحرب الكبيرة، ربت طفليها وكانت دائما ما تقدر بشكل زائد رجاحة عقل المستهلك الألماني.

كان توماس يراها كامرأة ذات صوت واهن وإنسانة مستقيمة من العالم القديم. أزعجته السيدة جينتر، وخطط لقطع رأسها – رأسها المهنية طبعاً – حتى نهاية السنة، لم يكن الأمر يتطلب مكيدة من أستاذ. في هذه الأثناء، وفي صدمة شديدة، أوصت برفع الأسعار من أجل البيع أكثر.

عندئذ قام توماس وقال، "بداية، فعلي الاختلاف مع فراو جينتر: أمريكا بالتحديد تثير فضول الألمان. وثانياً، أقترح أن تجتاح "وولفورت" السوق من السماء. أتذكر كيف أن الجميع هنا قد تحمسوا عندما انطلقت الطائرة "برسيل" في السماء"، ولم يكن هذا سوى غبار الغسيل. شبكة عملاقة مثل "وولفورت" عليها شراء سماء برلين لشهر واحد.

أعلن، "سنطرد كل الشركات الأخرى، لا ينبغي أن يرفع شخص عينيه للسماء ويرى شيئا ما غير كتابات طائرة، إشارات إعلانية أو نافورات طائرات "وولفورت"، وإذا لم يكن هناك اختيار، فلتكن هناك عصافير أيضا. سنبيع جميع مناطيد زبلن، الطائرات، كل ما يحلق في السماء. وإذا حاز المنافسون أدوات الطيران، فسوف نجبرهم على الهبوط."

أحب الأمريكيون هذا. من الكتب التي قرأها والأفلام التي شاهدها استنتج أنهم يحبون الجمل الجريئة التي تعبر عن أفكار مغامرة وضربة قاصمة للعدو: سوف نعمل أ ونفرّجهم، سوف نعمل ب وهذا سوف يصفيهم، سوف نعمل ج وسوف ينهارون ويبيعون كل أنواع الخردوات في الشارع. طالما كانت الفكرة بلا عراقيل، فهم سيقتنعون أن "هذا رجل كما نريد". هم يحتاجون للإيمان بأن رجلهم مستعد لحرق مدينة درسدن[2] من أجل بيع غلاية شاي.

"من كل شاحنة عليها مكبر، من كل بناية، فاترينة ونافذة أمامية لسيارة، سوف تشع أنوارنا. منتجاً وسعراً. منتجاً وسعراً يتناوبان طول الوقت."

"هذا يبدو عظيماً"، تحمس واحد من مديري "وولفورت أوروبا".

"بالصدفة أعرف أعضاء من "باول فنيتسل"، قال توماس.

"هؤلاء الذين سجلوا براءة اختراع الطائرة التي تبدل الإعلانات؟" تساءلت السيدة جينتر.

"بالضبط"، أمّن، "شباب رائعون فعلاً، ولديهم الكثير من براءات الاختراع في جيوب بنطلوناتهم. أقترح أن تحصل "وولفورت" على براءة الاختراع هذه منهم".

"هل نحتاج فعلا لطائرة تبدل عشرين إعلانا في كل طيران؟ لسنا إلا شبكة واحدة" صعّب ممثل آخر لـ"وولفورت" الموضوع.

"شرحت سابقاً..." قال توماس وود أبوي يشع من عينيه الخضراوتين، "نحن لن نثور بلا منطق، كما هو معتاد هنا في هذه المدينة، سوف ننشر في المرحلة الأولى منتجا وسعرا، وفقط في المرحلة الثانية سنعمل على الشبكة."

"هذا يبدو مثيرا للاهتمام، هل تستطيع تحديد لقاء لنا مع "باول فنيتسل"؟ تساءل الوولفورتيون.

"بالتأكيد"، ابتهج توماس، "إنهم أصدقاء مقربون."



[1] عنوان الأوبرا الرابعة لريتشارد فاجنر.

[2] عاصمة سكسونيا بألمانيا.

Friday, 23 April 2010

عيب - أغنية للصولو والأوركسترا


يتسحاك لاؤور، أو إسحق لاؤور، شاعر وروائي ومسرحي. ولد عام 1948 في برديس حنا بحيفا. أثارت مسرحيته "إفرايم يعود للجيش" في الثمانينات ضجة كبيرة. حيث رفض عرضها مجلس النقد السينمائي والمسرحي لكونها: "تتناول صورة الحكم العسكري بشكل مشوه وخبيث من خلال تشبيهه بالنظام النازي، وعرضها سوف يجعل مشاهديها يشعرون بمشاعر سلبية تجاه الدولة وبمشاعر احتقار وقرف ضد جيش الدفاع الإسرائيلي بشكل عام وضد الحكم العسكري بشكل خاص". غير أنه قد سمح بعرضها بعد الاستئناف. لاؤور يعيش حاليا في تل أبيب، ويعمل ناقداً أدبيا في صحيفة هاآرتس. رفض آداء الخدمة العسكرية عام 1982، وكان من الأدباء الإسرائيليين القلائل الذين وقعوا على عريضة الكتاب العالميين من أجل السلام أثناء مذبحة جنين عام 2002. القصائد المنشورة هنا من ديوانه "مدينة الحوت". ويمكن قراءة فصل من روايته "هذا هو ابن آدم" هنا.


يتسحاك لاؤور

ترجمة: نائل الطوخي


عيب (أغنية للصولو والأوركسترا)


طفلة:

عندما قال جيشنا، أي جيش الشعب العائد لأرضه

لأساتذة الشعب المحتل في أرضه

ماذا عليهم أن يقرأوا وماذا عليهم ألا يقرأوا، كان هناك الكثيرون

بيننا، الكثيرون جداً

ممن قالوا للجيش الذي يقوم بالرقابة: عيب!


طفل:

عندما سرق جيشنا، أي جيش الشعب الوحشي

أراضي من الشعب الخاضع للرقابة

عندما حكمت محكمة العدل العليا بأنه "ما للأمن

للأمن" ورأت في المذبحة أمراً لائقاً

كان هناك كذلك الكثيرون بما يكفي بيننا

ممن قالوا: عيب.


امرأة:

عندما اعتقل جيشنا، أي جيش الشعب الذي قام بالاحتلال،

آلاف البشر من أبناء الشعب المقهور

في أمسيات الخوف والارتعاد، تحت حماية الصحيفة الموجودة، كان هناك بيننا أناس آخرون

قالوا للجيش الوارث: عيب،


رجل:

عندما نكل جيشنا، أي جيش الشعب النقي،

كما ينبغي، باسم الرب الواحد، بجموع

معتقليه، من أبناء الشعب

المحتل، تحت حماية أوامر الاعتقال

والطرد والمصادرة والإغلاق والتدمير

والتعذيب كان هناك البعض ممن قالوا

للجيش البطل: عيب


أوركسترا:

عندما مات الشعب المختل من الظمأ

من مهانة الجوع، في المعسكرات، على الحواجز،

بدون أطباء في القرى، بدون أدوية في المدن

بينما أبناؤهم يبكون بكاء أبح في المخابئ

والمحكمة العليا تسكت، والبرلمان يضحك

والجريدة تشطب، لم يكنت هناك من قالوا عيب

ربما كان هناك، غير أن صوتهم كان ضعيفاً

فهم لم يكونوا مؤمنين من البداية إلا بالعيب


اتفاق مرحلي


هو: نحن جميلون حقاً. أحياناً ما نكون مرهقين

أطفالنا لا يقتلون في الليل إلا من يجب أن يُقتل

باستثناء الأخطاء، ولكن في نهاية الأمر فنحن

جميلون. في الأشهر الأخيرة تجمعنا

للاستماع لصوت هبوب الريح. من المهم أن نستمع للريح

أثناء الحرب. لأننا جميلون، جميلون، جميلون.

كيف يقال إذن أننا خراتيت؟ أن يتخرتت الشخص يعني أن

ينافق لأجل الترقية في العمل، وهو أمر أكثر سلبي

يتطلب ضعفاً أكثر، وحياء أقل، حياء أقل وأقل.


هي: ومع كل هذا في مسألة الدم المراق – فهو خسارة.

أين هي القدور التي يباع فيها اللبن، من بيت

لبيت، يمكننا أن نجمع فيها الدم، نحتاج بشدة

إلى نقل دم بسبب الأمراض، ومن المفيد أيضاً أن نقيم

بنكاً للأعضاء البشرية، إنهم ينتظرون زراعة الأعضاء بفارغ الصبر

وهو ما سوف يصلح كذلك من صورة الضحية

وبأعضاء كثيرة بهذا الشكل، سنكون جميعاً

حذرين، كي لا ينقص عددها.


أنا: لن أنقذ إلا ابني. لا تكن ليناً، ولا تكن

قاسياً، ولا طياراً، ما تقوم به كتيبة في شهر يقوم به

طيار في غارة واحدة على مدينة يصرخ أطفالها من الخوف

لسنوات. وفي الحرب بين المحتلين والثوار يا ابني، كن

مع الخونة. اسمع صوت أبائك اليهود


وقال القناص الواقف خلف الصخرة:

ائتوني الآن بنيلسون مانديلا


منظر طبيعي ونظرة خوف في الأعين


في مكان ما على الأطراف لا ترى العين خوف

أم على ابنها، تركض حافية بين التلال، وبين

الحواجز، ولا تسمع الجنود الرومانيين يسخرون

منها، لا يهمها (هم يتحدثون عموماً عن كرة القدم) إلا

أن تعيد ابنها إلى البيت، لا يزال عمره كله أمامه، داخل

الجدب والطبيعة والأرض المقفرة بلا لون تقريباً

لا يتردد أي صوت ولا يرى أحد ألما فلا يوجد ألم

في مكان لا تسمع فيه الأذن تأوهاً، في مكان لا تثق فيه الأذن

إلا بالحقيقة، وتميز لجلجة من يكذب على الحاجز.


قال محقق الشاباك الموهوب لامرأته في نهاية اليوم "الحقيقة هي دال بلا

مدلول"،

هو متعب، سيسافر في إجازة، سيأخذ معه رواية،

ربما يتكاثران كذلك ويتناسلان في الفندق، ليلاً بعد تناول الطعام

(قال ربي إليعازر: أي شخص لا يتكاثر

ويتناسل، فهو في حكم سافك الدماء).


في مكان لا ترى فيه العين أشجار الزيتون إن لم تكن تنتمي لها، وتغضب

من سماع ضحك الأطفال إنت كانت لغتهم غير مفهومة، لا ترى

فيه العين عماها، لا تسمع فيه الأذن صممها

يُقحمون كلمات في حنجرة الضحية تقول بأنها لم تعد ضحية، باسم الشعب

اليهودي، والذي كان يحلم دائماً بأورشليم، وبدونم هنا ودونم هناك

ودونم آخر هنا ودونم آخر هناك ودونم آخر هنا ودونم آخر هناك. يا

حقول الوادي، دعينا نتوسع بما يكفي.


ووقفت الأم في طرف الوادي، تدمع، لقد وجدت ابنها، هو حي

أرادت أن تناديه بفرحة وغيرت رأيها مرتبكة (بعد دفن ابن

اختها بساعة) فالآن فقط، في اللحظة التي رأت فيها ابنها الحي تحت

شجرته السرية، تذكرت كم أن بيتها غير آمن، وكيف أنها

لم تفكر في هذا بركضها (ممنوع الخروج ليلاً، هم فحسب من يأتون في

الظلام، يكسرون الباب، يخطفون الناس من تحت البطاطين، يركضون

إلى أي مكان يركضون إليه، نحن عرب، هم مستعربون) الوادي حلم


جئنا


"اذهبوا من هناك إلى هنا، وابنوا لنا

حصناً، بهذا تصبحون جزءاً منا".

لماذا هناك؟ لماذا ليس عندكم؟ هل

هي مستوطنة العقاب؟ "لم ترغبوا في جيتو،

فلتأخذوا ضاحية بعيدة وحصينة، قد يكون جسدكم بعيداً

غير أن روحكم معنا دوماً".


هكذا جئنا


الدائرة والعجل


في حماية الجيش

في الموت البطيء

في الحرارة المرتفعة للحظر

في الظمأ

في عبادة العجل التي يقوم بها وثنيون يهود في الخليل

في الموت البطيء كالصيف

الموت الهادئ

لا يتحدثون عنه بالعبرية

فلا مكان للحديث عنه بالعبرية

فلا يوجد من يشتريه بالعبرية

فلا يوجد من يبيعه بالعبرية

في الموت البطيء الذي يهبط على العائلات البشرية

والحيوانات والنباتات

في الموت البطيء لشعب يعد ميتاً

بين الأطفال المستوطنين الذين يسيئون لأبناء البلد

ومن ولدوا بها

كتب صبي يهودي

"وقال إبراهيم لله ليت إسماعيل يعيش أمامك"

بين الأطفال المستوطنين الذين يسيئون لأبناء البلد ومن ولدوا بها

في الموت البطيء لشعب يعد ميتاً

فلا يوجد من يشتريه بالعبرية

فلا يوجد من يبيعه بالعبرية

فلا يمكن الحديث عنه بالعبرية

موت هادي

لا يتحدثون عنه بالعبرية

في الخليل في الموت البطيء كالصيف

في عبادة العجل التي يقوم بها وثنيون يهود

في الموت البطيء

في الحرارة المرتفعة للحظر

في الظمأ

في حماية الجيش

لم يكتب أي صبي يهودي على أي حائط

أي شعار

"وقال إبراهيم لله ليت إسماعيل يعيش أمامك"


حافظ على نفسك يا عسكري


لا تمت يا عسكري، من يملك أن يفتقد

البرامج الإذاعية؟ البس خوذتك وقميصك الواقي وحاصر

القرية على القناة، املأها بالثعابين إن وجدت، جوّع

أهلها إن كان لابد من التجويع، كل من حلويات ماما، لا

تمت، اجلد، عمر مخازن السلاح، نظف البندقية التلسكوبية

حافظ على الجيب المصفحة، على البلدوزر، حافظ على الأرض

فذات يوم ستصبح ملكك، يا داود الصغير، الحبوب، لا تمت، رجاءً


احترس من القرع العسلي لجوليات الفلاح، إنه يحاول بيعه في

السوق القريب، ليس بسبب الجوع وإنما لأنه يدبر لشراء هدية لحفيده، انس

هامان القاسي الذي منعته من علاج التهاب شعبه الرئوية، امح نزيف

إيفا براون، وتحقق من إن كانت قد اصطنعت آلام المخاض، أسكت صرخاتها

هكذا تبدو أية غرفة للولادة، كن قوياً، ليس سهلاً أن يمر المرء بما

تمر به، أكيد ليس سهلاً إن كان المرء يتحلى بقيمك الإنسانية، فقط لا تخجل

(الفرنسيون في الجزائر لم يكونوا أفضل) حافظ على نفسك، انس

أفعالك، انس النسيان، انس نسيان النسيان


حتى تطول أيامك، حتى تطول أيام أبنائك، حتى يسمعوا يوماً

بأعمالك ويغرزوا أصابعهم في آذانهم ويصرخوا

من الخوف، صرخة طويلة طويلة. لن تخرس صرخة ابنك/ بنتك أبداً.

كن قوياً، يا داود الحبوب، وعش طويلاً، وحدق في أعين أبنائك

سوف يطلقون سيقانهم للريح هرباً منك، حافظ على صلتك بزملاء

السلاح، بعد أن ينكرك أبناؤك، هذا هو التحالف

بين المنبوذين، حافظ على نفسك يا عسكور


في الصباح، كالعادة، بعد العملية


هاهي النار والأخشاب، أيها الشعب المختار، وهاهو

كبش الفداء أيضاً. تركت ابني في يد الخاتن، مرتعشاً

من الخوف سمحت بوسمه بختم القبيلة. أكره

جبل الموريا بشدة ومع هذا آتي به هنا في كل صباح

ليتعلم الحساب والتوراة والوثنية

كفه الرقيقة في كفي، وبراحة بالغة أفكر

في أن رئيس الوزراء ووزير الأمن ورئيس هيئة الأركان العامة

مرتدياً زنطه والعميد الألمعي وقائد الوحدة العظيم وكل مساعديه

حتى وإن كانوا يدهسون ويحرقون ودمرون ويقتلون، فمع

هذا هم يؤّمنون سلامة الصبي الرقيق وأنا

أتركه هناك بإيمان تام بالتيس والملاك والحارس

الروسي، وإذ يعلو من جميع أجهزة الراديو صوت الكارثة

وصوت الصراخ، يعلون صوت الانتقام وصوت السعادة،

أعاود ممارسة حرفة الاعتقال، من يعيش ومن لا يعيش

(أنا الرب إلهكم في الخدمة الاحتياطية) أضع ثقتي في قائمة

المطلوبين للتصفية، والتي ستمنع السيارة المفخخة القادمة، وإن لم

تكن القادمة، فتلك التي تليها إذن، أو تلك التي تليها، أو

تلك التي تليها، أو تلك التي تليها، أو تلك التي تليها،

أو تلك التي تليها، أو تلك التي تليها، أو تلك التي تليها،

لا أمدح ولكنني لست قرفاناً أيضاً، لا يهمني

ما كان في البدء، ما ستكون عليه النهاية، حياة لحظية من الأبدية، يا صخرة

إسرائيل ونعيها فلتقدمي لي ما نطق به فمك بعد ما

قدمه لك رب الانتقام من أعدائك: بعض القصائد وأمنيات

الشفاء للمصابين، طبعا ينتظرون الانتقام وبالأخص

المزيد من الأرض، المزيد من الأرض. لم تعد لدينا دموع، لكن

الدم لم ينته وهو لزج وهو مالح وهو ساخن.

تعالوا تعالوا يا أطفال، يا أبناء إفرام وأبناء سارة، يا بنات يفتاح

ابن العاهرة، كل الأرض ملكنا، القرية المخلصة للشعب

المختار، كما الصديد


عريف إشعيا يذهب للسجن


إشعيا النبي، يهيبون به، لأجل تشجيعه، ألا ينتحر في السجن

هنالك سوف يضعونه له في مؤخرته (يقولون له يا بني آدم، لتكن جندياً

بعض الشيء) سيهرب من الجيش، سيعيدونه بالقوة، سيذهبون به إلى

السجن، صرخ طول

الليل، بعد أن قتلوا في الظلام، وصلوا راكضين إلى أشجار الزيتون

في السماء ابتسم قمر مبقع بالسخام، فتح المحكوم عليه عينيه للحظة

لم يقل شيئاً، ربما قال، وسكت الواقفون لأن الموت حصد

النور الأسود الغريب، وصرخ النبي طوال الليل باكياً

بمرارة قائلاً: "ويل للذين يصلون بيتاً ببيت ويقرنون حقلاً بحقل". قال القائد

البالغ من العمر 22 عاماً (يعشق عاموس عوز، بعد الجيش سيدرس الإعلام)

للعريف إشعيا: "نظف سلاحك قبل أي شيء، وبعدها ابدأ في

الانتقاد". غير أن ربي شلومو بن إسحق قد فسرها هكذا ("ويل للذين يصلون بيتاً ببيت" أي يسرقون

من الفقراء أرضهم كي يسكنوا عليها وحدهم).

ويقول الجميع لإشعيا: "إذن ما السيء في هذا يا بني آدم، اهدأ".


(وقال العميد مرتدياً زنطه:

من لبنان طُردنا كالكلاب

الآن فقط نسوي الحساب)