Friday 20 August 2010

شالوم عليخم وشباب الأدب الإسرائيلي




البروفيسور دان ميرون يقرأ أدبنا المعاصر ويحن لشالوم عليخم

داليا كربل

ترجمة: نائل الطوخي


في الرواية القصيرة التي تحطم القلب "قصص ألف ليلة وليلة"، يحكي يعنكيل يوفنر الذكي وحاد الذهن قصته على آذان الأديب شالوم عليخم، الاثناا متواجدان على متن سفينة مشحونة باللاجئين اليهود، وتشق طريقها في مياه البحر الشمالي والمحيط الأطلنطي إلى أمريكا. "هذه الدولة التي خلقها الرب من أجل اليهود، حتى يصبح لهم مكان يهربون إليهم، في ساعة الضيق"، كما يقول يوفنر.

يوفنر هو قامة بارزة، رب عائلة ثري في مدينته كروشنيك، في جنوب غرب بولندا، بالمنطقة القريبة من الحدود الغربية لروسيا القيصرية. عندما اجتاح جيش ألمانيا في بداية الحرب العالمية الأولى، اكتسحت الفوضى كل شيء، وكارثة يوفنر كانت أثقل من أن يتحملها أحد. ضاع ابناه. الأول قتل في ساحة المعركة والثاني، الذي حظى بثلاث شارات امتياز في جيش القيصر الروسي، تم إعدامه على ما يبدو رميا بالرصاص. ماتت زوجته من فرط الحزن وانكسار القلب وابنته الوحيدة فقدت صفاء ذهنها بعد أن قتل زوجها أيضاً في المعارك. كانت إشاعة أن الابن لم يتم إعدامه وإنما نجح في الفرار والهروب إلى أمريكا هي الدافع وراء رحلة يوفنر.

مع كل هذا فقد ظلت بعض من ممتلكات يوفنر معه، مثل حس الدعابة لديه، صورته المتماسكة عن نفسه، والأمل أيضا. يفكك كارثته الشخصية إلى 14 مونولوجاً، يلقيهم على آذان الأديب الييديشي المعروف، ويأمل أن تبقى قصة حياته في الذاكرة على مر الأجيال.

من المعروف أن اليهود الأوائل قد وصلوا شمال أمريكا في عام 1645، ولا تزال جملة "الرب خلق أمريكا من أجل اليهود" تفاجئنا، كأن شالوم عليخم قد تنبأ بالصلة بين أمريكا – اليهودية – الصهيونية. الفظائع التي تنبأ بها، والمستترة خلف النبرة الخافتة التي يصف بها البطل كوارثه، مثل وصف إعدام حاخام المدينة على عمود بميدان السوق، تولد لدينا الإحساس بأن الأديب الييديشي قد عايش الهولوكست.

"قصص ألف ليلة وليلة" هي العمل الأول في أدب الهولوكست"، يقول دان ميرون، "هذه هي المحاولة الأولى لوصف الإبادة. بهذا المفهوم، فشالوم عليخم قد سبق جميع الأدباء، وهو يصف مدنا تم تدميرها وعائلات تنهار، وبشكل ساخر. القصة المكتوبة عام 1915 هي آخر قصة كبيرة كتبها. بطله، يوفنر، يسلم بالواقع ولكنه لا يعيش به. هو يتحدث كأنه لا يزال سيدا ذا مكانة وليس لاجئا يسافر لأمريكا وهو غير متيقن أبدا من نجاته في الرحلة. بل وتنتظره في أمريكا حياة مأزومة في جيتو المهاجرين اليهودي بنيويورك. مثل الأدباء الروس الكبار، فشالوم عليخم ينشغل باستراتيجيات النجاة في عالم غير محتمل."

من خلف الدعابة

حتى البروفيسور دان ميرون، وهو باحث ومحلل ومترجم، وجد نفسه في أمريكا. يحظى بكرسي للأدب العبري والأدب المقارن (والييدش في أساسه) بجامعة كولومبيا بنيويورك. لم يعد يقوم بالتدريس في إسرائيل.

ارتباطه الوثيق بكتابات شالوم عليخم بدأ قبل حوالي خمسين عاماً. ترجم عندئذ للعبرية بعضا من كتابات الأديب العبقري. فصلا من قصص مناحيم مندل، وفيما بعد ترجم أيضاً "قصص القطار". دفعته هذه القصص لدراسة الييدشية ثم لإعداد رسالة الدكتوراه عن الأدب المقارن في جامعة كولومبيا.

في السنوات الأخيرة أخذ يترجم شالوم عليخم بدأب. في 2008 صدرت محتارات "قصص الغضب" (عام عوفيد)، في 2009 حظينا بـ"طوبيا الحلاب"، وفي هذه الأيام يصدر مجلد "قصص الفوضى" (كيتير)، مع قصص يوفنر. بعد سنة تقريبا سوف نهنأ أيضا بـ"مناحم مندل".

يرفض ميرون الصورة القديمة لشالوم عليخم، والذي تمت ترجمته وفهمه بوصفه الخال اليهودي الطيب الذي يحكي نكاتا عن البلدة اليهودية وأبطالها، ويغني أغاني خفيفة ("لو كنت روتشيلد"). المسئول عن هذه الصورة هو صهر شالوم عليخم، الأديب والمترجم يـ. د. بركوفيتش. يتذكر ميرون هذا الأسبوع كيف أن بركوفيتش غضب لدى سماع السؤال عن سبب عدم ترجمته قصة "الرجل من بوينس آيرس" إلى العبرية.

"لقد هجم علي وقال، "أنتم تريدون تدنيس اسمه"، يقول ميرون، "الفكرة هي أنه يجب على شالوم عليخم الحديث عن الحاخامات وعن النساء والرجال الصغار في شتايتل، السذج والطيبين. إحدى القصص "ثلاث أرامل"، تنشغل بشخص مثلي جنسيا له شبكة علاقات مع نساء يريد الزواج بهن، ولكن بشكل ما ينتهي هذا عندما يتزوجن رجالا آخرين يلاقون إعجابه. اهتم شالوم عليخم بهذه الأمور وتفهمها. وبركوفيتش لم يوافق على أن تتم ترجمة القصة وفي النهاية قام آرييه أهاروني بترجمتها وضممتها أنا إلى مجلد "قصص الغضب".

"بركوفيتش كان يعتقد أيضاً أنه من غير المرغوب ترجمة "قصص الفوضى" إلى العبرية لأنها لا تلائم الجمهور الإسرائيلي. لقد آن أوان التحرر من هذا المفهوم. شالوم عليخم كتب عن اليهود في بلدة صغيرة ولكنه عرف واقع الحياة والبشر، وقام بدور يشبه قسيس اعتراف يتفهم هؤلاء الذين يشعرون أنهم قاموا بأشياء فظيعة."

يقترح ميرون نظاما جديدا: "علينا مسح الصدأ من على كتابات شالوم عليخم. لقد كان الأديب الأكبر للضعف، بدون أي وصفة أيديولوجية لكيفية التخلص منه. هو أديب عديمي الأصل الذين يفعلون أشياء لا يفعلها أحد، مثلما في قصة "الرجل من بوينس آيرس"، حيث زنقت الحياة بطله المحدود في الركن وخرج منها كجرذ. شالوم عليخم هو الفرضية الضدية للقصة البطولية اليهودية الحديثة."

بمعنى؟

"الشعب اليهودي مسكين، ضعيف وفاشل ومضطهد، يجلس على حِجر التاريخ ولا يفعل شيئاً. هذا الشعب عليه أن يمسك مصيره بقرنيه ويخلص نفسه. يقول شالوم عليخم، أنه، أولاً، فهذا الشعب لا يستطيع، وثانيا، فهذا لا يعنيه كأديب. هو يركز على اليهود الغارقين في دوامة رهيبة من الحياة ويتساءلون كيف يمكن النجاة. أبطاله هم أطفال على مدار أيامهم انهار على رأسهم مثل سمك التونة البيضاء. ضربتهم الأم لأنها تكره الأب الذي لم يقف بجانبهم لأنه يخاف منها. والأخ أو الأخت لم يساعداهم والأقارب اختفوا أيضاً. الأسلوب الاحتجاجي الوحيد لدى طفل كهذا هو أن يحمرّ أنفه وينزف طول الوقت، وهكذا يستطيع تعكير فرحة الوليمة."

ومع كل هذا، يبدو أنه نجح في بناء نصب تذكاري رائع لعالم الأمس.

"هو يقول: لن أحاكم أبطالي. سوف أمكنهم من التعبير عن أنفسهم. سأدعهم يخادعون، مثل هذا اليهودي من بوينس آيرس الذي يعمل بتجارة النساء اليهوديات. أبطاله يكذبون طول الوقت. الكذب يخلب لب شالوم عليخم لأنه يريد أن يسمع من داخله الألم والغضب والإحساس بأن الحياة الواقعية هي مدفونة عميقا بداخل الفوضى. هذا جوهر الحياة. أنا أعتبره أديبا متفردا رفض سلسلة كاملة من الروايات الإيجابية التي اقترحتها ثقافة هذه الفترة. كان هذا اختيارا من أديب عبقري لديه حدس حساس جدا بهؤلاء الناس الذين لم يكن بعيداً عنهم. كان بإمكانه وضع نفسه بينهم والتحدث من داخلهم.

شالوم عليخم كان أقرب من أي أديب يهودي حديث آخر، باستثناء كافكا وعجنون، للاتصال الأصيل بالفوضى وفهمها مخبرة إنسانية معيارية.

ما هي أهمية كتاباته في حياتنا؟

"الإسرائيليون يستطيعون العثور على أنفسهم في قصصه. "طوبيا الحلاب" تم تلقيه بشكل جيد، هناك استعداد لسماع هذا الصوت الآتي من عمق الخبرة التاريخية، خبرة الحياة من اليوم للغد وأن تبقى على قيد الحياة بشكل ما. صوته لا ينبغي أن يحل محل صوتنا الثقافي، الذي بح لأنه لم يحافظ على هذا الثراء وهذه الحكمة. يقول شالوم عليخم أن الرؤية العنيفة للواقع لن تساعدنا. علينا التعايش مع الضعف. هذه حكمة يهودية عتيقة نسيناها. الأديب اليهودي الأكبر يقف بجانب كافكا، الذي عرف هذا، ويقول لنا: ادرسوا الضعف لأنه هو الأمر المهم. أنت خاضع لظروف لا يمكنك التحكم فيها. يتم ضربك من اليمين ومن اليسار وعليك تعلم التعايش مع هذا."

ترجمة ميرون هي عمل فني. لقد قرر أن يترك في القصص كلمات وتعبيرا باللغة الأصلية، بولندية وروسية، بأحرف عبرية، بما فيها مجموعة شتائم. "أردت أن تظل البلبلة كما هي في الأصل. لقد عاش اليهود في منطقة ضبابية لغوياً تحدثوا فيها ثلاث أو أربع لغات. لقد أبقيت على الحركة بين اللغات التي تعبر سواء عن الثراء أو عن التنوع."

نحو واسع

في السنوات الثلاث الأخيرة أنقص ميرون 18 كيلو من وزنه. كانت لديه مشاكل في الركبتين احتاجت عملية، وبعد شفائه قرر الاهتمام بنفسه، وأخذ يزور صالة الجيم ثلاث أو أربع مرات في السبوع. في نوفمبر القادم سيصل إلى عام السادس والسبعين، ولكن الرياضة أحسنت إليه. يبدو كرجل أصغر. ويسارع بالحديث عن إنجازاته البحثية.

"أنا أعمل كثيرا. سيصدر لي كتاب عن الآدب اليهودي قريبا عن دار نشر ستانفورد"، يقول، "أبطال الكتاب هم كافكا وشالوم عليخم. لست متألقاً. لا يجب أن نبالغ. أنا أعمل كثيرا عندما أكون في أمريكا، بالتحديد بالليل. أقوم بعمل الترجمة فقط بعد العاشرة مساء. منذ عشت وحدي وأنا أملي على نفسي إيقاع الوقت. أترجم لأربع أو خمس ساعات، أنام حوالي أربع ساعات وأذهب للقيام ببعض التمرينات الرياضية والتدريس في كولومبيا. لدي إيقاع سريع. لا توجد لدي عقد أو مشاكل كتابة. لا أتصارع مع هذا. هو يأتي. وإذا لم يأت، فأنتظره وفي هذه الأثناء أقوم بشيء ما آخر."

كيف تعرف إذن أنه أتي؟

"هو يحتك بأطراف الأصابع، يقدم نفسه، قل هذا وقل هذا، إنه إحساس."

يبدو أن الثقافة الأمريكية التي تحتقر الشيخوخة قد أثرت عليك؟

"لا شك أنني تعلمت من الثقافة الأمريكية أنه من نقطة معينة فصاعدا لا يجب عليك أن تظل محايدا إزاء هذه المسيرة. أنت مضطر لتشغيل المخ. هذا هو مفتاح كل شيء. أنا أقرأ كثيرا وأتفحص نفسي طول الوقت وأحيانا أذهل لكم الأشياء التي أتذكرها. أقوم بتمرين مخي. أقرأ نصا من 300 صفحة وأضعه جانبا- والآن، قل لنفسك ماذا قرأت في الواقع. أفحص إلى أي درجة أستطيع استعادة الادعاء الأساسي بدقة. أكثر من مرة أقوم بهذا الفحص وأنا أجرى على عجلة الركض."

كيف تعرف أنك نسيت؟

"أنا ألاحظ الثقوب أو إذا كانت هناك أية بقعة وأعود عندها للمقال. أفعل هذا منذ سنوات وهذا التمرين مفروض علي. مثلا أقول لنفسي "في هذه السيمفونية أو تلك، ما هو موتيف الفصل الثالث، رجاء دندنها، اثبت لي أنك تتذكرها، أنه يمكنك كتابتها بالحروف." العمل الأساسي الذي أقوم به هو على مخي."

"أنت تقيم في البلد عدة أشهر في السنة."

"لدي أصدقاء هنا ولدي مشروع في مؤسسة بياليك يربطني بالمكان هنا بالمفهوم النفسي. أنا أنتمي للثقافة الإسرائيلية. لكل هذه الأسباب فهذا هو محجري. ولكن قبل أي شيء فأنا هنا بفضل وبسبب العبرية، واللغة أيضا هي المحيط."

اللغة في الشارع أصبحت ضحلة وركيكة.

"أنا أحب لغة الشارع وأحب الحديث مع البشر. أذني الداخلية تتصلب عندما تسمع خطأ لغويا مثل "أنا يذهب" 'אני ילך' ، ولكنني أقول لنفسي أن هذا هو الأمر وأن اللغة يجب أن يتم إحياؤها طول الوقت. ليست هناك نماذج جامدة. الصحيح في عصر ما هو غير صحيح في عصر آخر. العهد القديم نفسه مليء بكلمات سيتم اعتبارها أخطاء وفق نحو توراتي صارم. في نشيد الأنشاد يقال عن بنات أورشليم، "أن لا تنهضن الحبيبة ولا تنبهنها حتى تشاء" , 'אם תעירו ואם תעוררו את האהבה עד שתחפץ'. عبرية غير جيدة عندما تقولين اذهبوا תלכו وليس فلتذهبوا תלכנה. عندما يقول حفيدي "احضر لي" 'תביא לי' بدلا من "اعطني" 'תן לי'، فهذا ليس بالضبط مريحا لي ولكنني لا أنكره. هذه ليست عمليات يمكن تقسيمها باعتبارها سيئة أو جيدة. وهي مفضلة بدون أي مقارنة على أية صورة من الحذلقة.

"اللغة هي أداة مريحة للكذب بواسطتها، وهي إحدى الصور التي يمكنك بها التعبير عن الحقيقة بمفهوم ما يشعر به الإنسان ويفكر به. اللغة تعبر عن الوضع الثقافي وأعتقد أن ينبغي أن نكون أقل حكما على الأمور. اللغة تقدم نوعا من الحياة في الشارع التي أحبها."

يغرقوننا بعشرات من كتب السرد. هل تستطيع ملاحقة الإيقاع؟

"بالنسبة لإيقاع النشر، من بشكل عام يستطيع توهم أنه يقرأ كل شيء؟ أنا أقرأ الكثير ومتعمق بشكل كاف. موضوع الكم هو ذو مغزى. شيء ما جوهري تغير في البنية التحتية للكتابة والنشر. الأعداد الرهيبة للمنشورات والتي هي في الغالب Non-books وإنما أوراق مغلفة، هي إشارة على تغير ذي مغزى. وبديهي أن يتردد صريخ من نوعية نزلنا، ضعنا، ضعفنا، غرقنا، ولم يعد هناك أدب عبري. خطاب مناحيم بري كان مثل مقطوعة لمغنية أوبرا عجوز تعتزل خشبة المسرح وتقول إنه بما أنها لم تعد تؤثر، فلن تكون هناك أوبرا بعد. كل 20-30 عاما سيوجد من يقول "لقد ضاع الأدب". قالها بياليك في 1907، في مقاله "شعرنا الشاب": "عواء أبناء أوى من جانب ورقص الكباش من ناحية آخرى: ليس هناك أدب عبري!" وهي مقولة غير مرتبطة بتغير الذوق. عندما تغير الذوق في الشعر من قصيدة ألترمان إلى زاخ، لم يقل أحد أنه ليس هناك أدب عبري. أوري تسيفي جرينبرج صرخ: "لا يوجد أدب، لا يوجد قراء، لا يوجد لا يوجد لا يوجد"، أستطيع أن أعرض عليك خطاباته التي كتب لي فيها أنه كان هناك أدب ولم يعد موجودا ولن يتواجد بعد ذلك."

إذن ما الذي تغير؟

"قوانين اللعبة تتغير. هناك جمهور آخر وبنية اقتصادية أخرى ونحن غارقون في عز ثورة ولها كل أنواع التجليات وبينها بعض التجليات المركبة. خذي الشعر مثالا. دائما ما ظهرت الدواوين الشعرية السيئة ولكن الآن تندلع ثورة رهيبة للكتب عديمة التأثير والأهمية. الآن يداعب كل من الشعراء الآخر، يحتفي وينشر بعضهم لبعض على طريقة الفيسبوك. هناك شعر جيد جدا وسرد مثير للاهتمام أيضاً. ما ينقصنا هو التمييز. الغبار كسى اللوحة. نحن لا نرى أن ثمة شعرا هاما، وأنا أتحدث عن أبناء الثلاثينيات والأربعينيات."

من أفضلهم؟

"ليئور شترنبرج هو مثال جيد. لن يحاول أحد تركيز تفكيره والقول لماذا يحرك ديوان شترنبرج الأشياء إلى الأمام. فقد النقد قدرته على إعطاء صورة مرتبة، تقييمية وحكمية على ما يوجد وما لا يوجد. بمعنى آخر، ينقصنا النقد الذي ينبع من فهم الواقع والأدب كجزء من الواقع."

لماذا فقدنا هذا النقد؟

"الناقد الموهوب الذي أضيف لنقاد الأدب لا ينشغل بالأدب العبري وإنما بالألماني. اسمه جاليلي شَحَر. النقد ذو المعنى اختفى بمفهوم أنه لم يعد يقول "لا" بشكل مبرر. النقد الجيد لا يمكنه الاعتماد على الانطباع أو على سمعة الكاتب. عليه أن يشرح ويقدم نموذجا لشكل تفكير الكاتب وأن يقدم ادعاء. داخل هذه الفوضى يتم خلق أهمية ومفاهيم لقيم متخيلة تماماً. يتجول شاعر بوظيفة عميحاي جديد. اسمه ألموج بيهَر وأقرأ الكثير من المدائح النقدية المبالغ فيها له. وأقول لنفسي يا إلهي، ماذا يحدث هنا؟ شاعر يقوم بالتعويض طول الوقت عن ضعف بيته الشعري وعن عدم قوة وشدة جملته الشعرية وبواسطة هذا يكتب المزيد والمزيد من الأبيات الهشة. قصيدته مليئة بـ"قصائد الشرح" لنفسه."

هشة؟

نموذج من قصيدته "فأس الشجرة" (من كتابه "خيط يمتد من اللسان"): "وعندما تُبتر غابة كاملة في ربيع فأس ما/ يظهر شجن الحلم الحسيدي الذي سعى إليه/ بمساعدة الحزن العظيم في كسر اليأس العظيم."

"ما معنى ربيع فأس؟ فقط الغابة تكون في ربيعها. وما هو الحلم الحسيدي ومن أين ظهر فجأة هذا التعبير؟ ليس لدى هذا الشاعر شيء غير عظيم. "كل الأحلام التي حلمتها حياتي بمعمعة النوم/ يمكن أن يتم تفسيرها الآن/ كل الكلمات تسير وراء الأحلام" (من قصيدة "يجاهد هذه الليلة"). هذا الشاعر لديه الإمكانية لأن يقول أن "الإنسان يفدي نفسه بأفعال صغيرة"، ماذا يقصد؟ "الذكريات التي يتذكرها عندما ينسى/ الجميع، الجروح التي يعانيها عندما يسعد/ الجميع/ لحظات الصمت التي يصمتها عندما يضحك/ الجميع" (من قصيدة "أفعال صغيرة"). هذا الشخص الذي يهتم بالصغائر، ويحظى بمقالات امتداحية في كل الصحف."

أمثلة أخرى؟

هناك مثال أقترب منه بخوف، أب فقد ابنه ولن يكون شاعرا ابدا واسمه جيورا فيشر. يكتب تأملات عن معلمه، ويكتب عن فقدان ابنه في جنين عام 2002. كتاب "بعد هذا" حظى بموجات من المديح التي خلقت ظاهرة اجتماعية. الكتاب الذي صدر في عدة طبعات تحول إلى كتاب طقوسي وجزء من ثقافة الثكل الإسرائيلية. أقرأ، ورغبتي الداخلية تقول لي ألا أقترب منه لأنه أب فقد ابنه. لا يهمني إن كانت تلك قصائد. وإنما أن ثمة هنا نوعاً عميقاً جداً من النرجسية، وهذا يذهلني.

"ليست هناك في هذا الكتاب أي وقفة أمام هوية الابن. أي إنسان كان وما الذي كان قريبا من قلبه. فقط قصيدة مبتذلة تهتم بكم كان وسيما في صورة جواز السفر. شخص ميت وهو ليس فقط ابنا لشخص ما، هو خسارة لأنه كان موجودا ولم يعد موجودا. القصائد – واحدة بعد الأخرى – تركز على قوة التضحية والرحمة الشخصية لدى من فقد، الأب. وهذا يتزايد مع أوهام أدبية واقتباسات من العهد القديم. "دموع تسيل/ من داخلي كالينبوع/ هوة عميقة/ وفي النهار أصبح صخرة/ لا تخرج مني/ العصا/ الضاربة/ نقطة/ نواح من فمي." مربك. هذا كتاب كان ينبغي المرور عليه بصمت.

اعطنا شيئا إيجابيا من فضلك.

"شاعرة ممتازة، يوديت شَحَر، أصدرت ديوانا أول لامعا "هذه أنا تتحدث". كما أحببت جدا الكتب الأخيرة ليسرائيل إليراز. ومؤخرا صدرت "أشياء مستعجلة"، وهي مختارات ضخمة وجميلة اختارها درور بورشتاين، وهو رجل موهوب يكتب روايات مثيرة للاهتمام. شمعون أَدَف بديوانه "أفيفا – لا"، عن موت أخته وهو كتاب ممتاز. حتى اللغة تعمل هناك لساعات إضافية.

الكل متورط

حتى في بحر كتب السرد التي يتم طبعها هنا سنويا، يحدد لنا ميرون نقاطا مضيئة.

"انتهيت من قراءة رواية تاريخية سياسية مثيرة للاهتمام بعنوان "أناس طيبون"، لنير برعام، قائمة على بحث متعمق ومكتوبة بعبرية ناضجة، متحضرة، ليست متجملة وبدون تأرجحات بين المونولوجات الداخلية اللا نهائية. في زمنه قال جورج لوكاش، الفيلسوف والناقد، أنه باستثناء العباقرة، فالكتابة هي طريقة لتقطير صناديق قمامة النفس، وفي الكتب الإسرائيلية بالسنوات الأخيرة يمكننا العثور على بضاعة مكدسة لا نهائية لكتاب يكتبون عما يشعرون به بجانب خلجاتهم وتأملاتهم. هذا مقرف وممل. نحن نحتاج قصة واضحة وناضجة مكتوبة جيدا بدون مجانية لغوية."

مثل؟

"صوت خطواتنا" لرونيت متلون أثار اهتمامي جدا. "على مسئوليتنا" لنوريت جيرتس ممتاز ويخلق جنسا أدبيا جديداً أيضاً. طبقة من الخيال والتاريخ غير شائعة لدينا. أحببت "اللنبي" لجادي طاوب. كتاب طبيعي قوي. لقد درس اللغة والناس وتناول بجدية البيئة المعينة التي قرر دراستها."

مئات من الكتب المكتوبة بالعبرية رأت النور في السنوات الخمس الأخيرة.

""الأدب الجيد لا يحتاج كميات. عدد التلاميذ الأذكياء الذين توراتهم هي عقيدتهم يفوق اليوم كل التلاميذ الأذكياء الذين كانوا من أيام ربي عقيبا حتى 1950. هذا هو الوضع مع الكتب. ثمة في السنوات الأخيرة في البلد روايات تفوق ما كتب في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كله. وبينهم كما هو معروف روايتان أو ثلاث تستحق القراءة."

آلون حيلو، أمير جوتفرويند، إشكول نفو، إتجاركيريت، جيل هرئفين، أوفير توشا جفلا...

"بيت دجاني"، كتاب حيلو، هو عارٌ. رجل يحاول الكتابة ويستشهد بأسلوب الفترة بينما هو لا يفهم أساسيات لغة تلك الفترة، يخلق شيئا مصطنعاً ومضحكاً. هو أيضا يفسر "هاملت" بوصفها البنية الأساسية في قصة بيت دجاني. الكتاب غارق في النفاق والإحساس بالذنب على الطريقة السياسوية الصائبة لليسار.

"لا أحتمل كتابة أمير جوتفرويند بشكل خاص عندما يتطرق إلى الهولوكست والناجين من الهولوكست. أفهم أن هذا له قراء. كان هذا ليكون على ما يرام، إذا كان هناك في إسرائيل تمييز حاد بين الأدب الرفيع وأدب التسلية المخصص للقراءة الجماهيرية، لو قال النقد، "لدينا أدب كهذا لأغراض محددة ولكن في المقابل فلدينا مكان تحاول لغة وفكر الأدب البحث عن تعبير لهما فيه." كتب يوخي برندس هي نموذج على هذا الأدب وهناك الكثير مثلها. إشكول نفو ينتج كتبا مثل تلك. من البديهي في أمريكا أن ثمة أعداداً ضخمة من الكتب التي تباع بكميات رهيبة وهناك أدباء جادون يغيرون وجه التاريخ. هنا قمنا بخلط كل شيء."

وإتجار كيريت؟

"كتاب للمدرسة الثانوية. كل كتابته تنتمي للمدرسة الثانوية. هو الطفل خفيف الظل وحاكي قصص الفصل الدراسي. لا أتعامل معه بجدية."

وماذا عن هؤلاء الأدباء الذين تم تصنيفهم في الماضي كأدباء أساسيين في الأدب العبري؟

"تحدثنا عن شالوم عليخم الذي كان عبقرياً ويفهم كنه الواقع، وماهية الحياة وماهية البشر. ليس هناك شيء من هذا لدى عاموس عوز أو أ. ب. يهوشواع. لا شيء يقارب شالوم عليهم ولا شيء يحتاج للاقتراب أيضاً. يجب على الأدب أن يكون إسرائيلياً. لديه تقاليد. لدينا يعقوب شبتاي وقد يكون لدينا أديب آخر. في زمنه قرأت "غرفة" ليوفال شمعوني التي لم تنشر منذ عشر سنوات. لقد عثر على لقمة عيشة من تحرير الكتب ولا يزال محتارا إن كان عليه أن يكتب رواية جديدة. "غرفة" هي رواية كبيرة."

تم وصف يشعياهو كورن بأنه اكتشاف جديد.

"هو أديب متطور ومثير للاهتمام ومحدود جدا، من اكتشفوا هذا كان معهم حق، ولكن لا يمكن وصفه بحجر الأساس في الأدب الإسرائيلي. ولكننا مليؤون بمبالغات كتلك. قرأت منذ فترة قصيرة أن مناحم بري قال أنه يضع ألترمان في مرتبة العُشر الثالث من الشعراء الإسرائيليين. هذه محاكاة ساخرة".

ليئاه إيني؟

"أديبة موهوبة قامت بخطأ كبير في تصورها أن البطلة سوف تصبح أكثر وضوحا أمامنا إذا قامت بتفصيل عالمها الداخلي أمامنا بلا نهاية. خطأ يقوم به أدباء إسرائيليون."

عدنا مزي؟

"كاتبة مسرح متوسطة وقاصة أقل من متوسطة."

ربما تكون أنت من لا تتصل بالواقع؟

" لا أعتقد أن الأدب الإسرائيلي قد ضاع ولا أريد أيضا التنكر لجيلي. كنت شابا كناقد وكنت عدوانيا وركضت على الحواجز في الستينيات والسبعينيات. هذا مضى. لا أهتم بهذا الآن ولكنني أشعر أنني أسمع وأنصت لما يحدث في الأدب الإسرائيلي. ثمة ما يمكن سماعه وهناك أيضا الكثير من الضجيج الكمي وغير الكمي."

هل تشعر بالحنين لأدباء مثل ساميخ يزهار وعماليا كهانا كرمون؟

"رونيت متلون تثير اهتمامي ليس أقل من كهانا كرمون. تأثرت وقتها بـ"يجئال آلون: أفيف حلدو" لأنيتا شابيرا، وكانت الرواية الأكثر إثارة للاهتمام التي قرأتها في نفس السنة. بني موريس، في كتابه "1948" يقدم كتابة أدبية جيدة. أقرأ الكتاب الآن وهو يكتب بشكل يعطينا صورة واضحة للأوضاع والعلاقات. ترى الأشياء لدى تبلورها. "سنوات الإبادة، 1945-1939"، لشاؤول فريدلندر هو الأدب في أفضل أحواله. تعريف الأدب عليه أن يصبح أكثر مرونة."

ماذا نسينا أيضا؟

"هذا غير مهم"

كل هذه السنوات وأنت تعيش ولا تعيش هنا، ويبدو أن النظام جيد بالنسبة لك.

"أنا أقرأ الصحف وأرى من هناك ما الذي يحدث في إسرائيل. نحن نبدو بشكل رهيب وأنا لا أضيف جديدا عندما أقول هذا. وجودي هناك يمكنني من الهدوء والحفاظ على المسافة. ثمة جانب آخر لهذا وهو الانفصال والابتعاد. لديّ هنا صديقة ونحن سوياً، منذ ثماني سنوات وتزورني في نيويورك وأنا آتي هنا، ومع هذا فنحن لسنا معاً أغلب أشهر السنة. ابني إيتام كبر هناك، وليست لدي أية جرأة أو وقاحة لكي أتوقع أنه لن يعيش هناك. هو يعرف العبرية ويستطيع قراءة "قصص الفوضى" المهداة له، ولكنه أمريكي برغم أنه يحلم الآن بالذهاب للجيش. لدي ابنان في إسرائيل وأحفاد. إذن أنا هنا وأنا هناك."

لا يمكن إغلاق هذا الحوار بدون سؤالك عن كارثة حياتك. عن الحادثة مع زوجتك التي تم وصفها بالعنف.

"يعجبني الشكل الذي اهتمت فيه بابننا. انفصلنا قبل خمس سنوات ونصف وكانت تلك سنوات صعبة على الطفل. اليوم هو في وضع ممتاز. لقد قامت بالصواب. كانت هناك فترات لم يرغب فيها في رؤيتي وكانت هناك فترات كان يرغب فيها، كما يحدث في هذه الأحوال. اليوم هو في وضع يجعله سعيدا وعلي أن أشكرها. الأمور بيننا انتظمت ونخن نقيم علاقة مناسبة تتمحور حول الطفل."

أسس الفوضى

في خاتمة كتاب "قصص الفوضى" يكتب دان ميرون أن إبداع عليخم يلعب "الغماية" مع الفوضى. "هاهو يلوح ويظهر، هاهو يعود ويختفي لوقت ما، يرضع من مصادر مختلفة، شخصية وأدبية" أحد هذه المصادر هو السيرة الذاتية لشالوم عليخم، وتحليلها. "هذا التحليل، وهو نفسي وجمالي في نفس الوقت، مثالي وقصصي بنيوي، تم التعبير عنه في نصوص كثيرة، عكست بشكل مباشر أو غير مباشر حياة المؤلف أو وعيه بذاته على امتداد الوقت والحيز."

شالوم رابينوفيتش، ولد عام 1859 في بريسلاف بأوكرانيا. عندما كان شابا تُركت في يده الوصاية على تركة حميه ودخل إلى عالم الأعمال في كييف، بل ونجح، ولكن بعد مرور سنوات قليلة فقد كل شيء. "في حياة شالوم عليخم حدثت سقطات مروعة هو من تسبب فيها"، يقول ميرون، "رجل غير حذر فقد كل المسئولية عن أسرته واضطر للهرب. من هذا الفصل ولدت عبقريته. ما كتبه قبل هذا مضحك ويعبر عن موهبته، ولكننا لا نتذكره اليوم. في 1890 عاد إلى أوديسا بعد أن باعت حماته مجوهراتها وتساوت بأصحاب الديون.عندئذ كتب "طوبيا الحلاب" و"مناحم مندل" وبعدها كتب أعماله الأخرى.

في صيف 1908 انهار شالوم عليخم في جولة قراءات من أعماله بأوكرانيا وروسيا البيضاء. أصيب بالدرن، وأقام على مدار ثلاث سنوات في مراكز علاجية بأوروبا. عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى، هرب شالوم عليخم وأبناء عائلته من برلين إلى الدنمارك، ومنها هاجروا على سفينة إلى نيويورك. تركا ابنهما الوحيد، ميشا، والذي أصيب بالدرن، في سويسرا، مضطرين. الخبر المعلن عن وفاته عام 1915 عجل بنهاية الأديب الذي مات بعدها بعام، في مايو 1916، بينما كان يبلغ 57 عاماً.

___________________________________________

الحوار منشور أصلا في صحيفة هاآرتس بنفس العنوان

No comments:

Post a Comment

comment ya khabibi