Friday 29 May 2009

كباريه، فصل من رواية "اللنبي

جادي تاوب

ترجمة: نائل الطوخي

حدث هذا سريعا. استوعب إريك وهو يجلس أمام شاشة الكمبيوتر، عن طريق الكاميرا، بعد أن بدأ الموضوع: يودلا يقترب من ميكا. أناس يرقصون من حولهما. يودلا يحيط بوسطها. هي تميل أذنها وتبعد جسمها. يده تظل على وسطها. يهمس لها في أذنها. تبعد يده عنها. قال إريك: "إيه دا؟". قام عيران. اقترب من الكمبيوتر. نظر هو أيضاً. يودلا يبتعد عن ميكا. يترك كأس البيرة على الرف، بجانب مسند الدي جيه. يعود. تدير ظهرها له. يمسكها من كوعها. يلفها نحوه.

قال عيران: "ضرب؟ إجابة لايف."

إريك أطلق ضحكة قصيرة، ظل لاصقا بالشاشة. ميكا تستمع. رأسها قريبة منه. تبعد جسمها. تقول له شيئا ما. تحاول أن تستدير. يجذبها إليه مرة ثانية. قام إريك من الكرسي. قال: "ثانية"، خرج. فتح الباب المنفصل. مر من خلف الدي جيه. مر من خلف البارمانات.

انحني من تحت البار. انحشر بين الجمهور باتجاه قاعة كبار الشخصيات. لم يكونا هناك. نوكي كانت هناك. وعيدو كان يجلس ووجهه للبار. إريك مسك نوكي من كتفها. "راحوا فين؟" جذبت كتفها: "ماعرفش". وأشارت باتجاه الصالة الأمامية. شق إريك طريقه للعودة. لم يكن يريدهم. دخل تحت البار. دفع البارمانات، جرى من خلف الدي جيه عائدا لمكتبه.

عيران كان يجلس في الكابينة. اقترب منه إريك. لم يطلب منه القيام. "شفت"؟

"إيه؟"

"راحوا فين؟"

أشار عيران إلى الشاشة، مد الاتجاه بإصبعه. "الحمام" قال إريك. "كسس أمك"، خرج جرياً. مر من خلف الدي جيه، البارمانات، من تحت البار، اجتاز الصالة متجها للحمام. ممر ضيق وقصير، يحوي حوضاً، ثلاثة حمامات في الطرف. امرأة شرقية مبهرجة تنظر لنفسها في المرآة بأعلى الحوض، وتعدل شعرها. خطا إريك خطوة داخل الممر. دفع يودلا المرأة في طريقه خارجاً. دم على ذقنه. جرح بجانب الأذن، يمتد حتى الذقن الخفيفة. أمسكه إريك من كوعه.

قام يودلا بحركة كي يحرر نفسه. شد إريك من قبضته. فتح فمه. لم يتمكن من الحديث. سمع باب الحمام يرتطم بالجدار. تم فتح الباب بقوة. خرجت ميكا. التفت إريك إليها. بدا وجهها على حافة البكاء. جذب يودلا كوعه. قفز باتجاه الخروج إلى الصالة. التفت إريك له. دار عائدا إلى ميكا. دفعت المرأة. حاولت تجاوزه هو أيضاً. أوقفها إريك. بكت.

أمسكها من كوعها. حاولت تحرير نفسها. لم يسمح لها. أحكم أصابعه. استدارت. لكمته في صدره. مرة. لم يتركها. أعطته ظهرها. لم يتركها. استدارت له ثانية. دفعت وجهها إلى رقبته. احتضنته بقوة. انفجر البكاء. ارتعشت ضلوعها بين يديه: "شششش"، همس لها في أذنها، "ششششش". بيد واحدة كان يمسك بها، وبالأخرى كان يخرج المحمول من جيبه الخلفي. مرتين. ضغطة طويلة. ضرب رقماً قصيراً إلى البوابة في شبكة الاتصال. صرير جهاز ميرس. أجابه البار مان في الخارج. "فيه إيه؟" إسرائيل.

زعق إريك في الجهاز، وسط الموسيقى والضوضاء: "اقفلوا الباب، مش عاوز حد يخرج." سمع إسرائيل يزعق منادياً تسيحي. يأمره بإغلاق الباب. قال لإسرائيل: "سيبوه مقفول. أنا جاي على طول."

"شششششششششش" قال لميكا. سار معها محتضناً إياها. بجانب مدخل ممر الحمام، الباب الحديدي للمخزن..إحدى يديه تحيط بميكا، والأخرى تخرج الجراب من الحزام. فتح الباب الحديدي. سار معها إلى الداخل، محتضنين بعضهما. أغلق الباب من خلفهما. وفجأة: هدوء. الموسيقى أصبحت مشوشة.

أجلسها على صناديق الردبول. برقة: "فيه إيه يا ميمي؟"

بكت. لم يبد شيء ما طبيعياً. لم ترغب في الرد. فهم. استغرقت وقتا للتفكير: "إيه؟" غير رقيق.

نظرت إليه. رأى نظرتها تخترق عينيه. لو نوت الكذب، كانت لتنزل عينيها. حل محل البكاء شيء ما أسوأ. غضب. أو قرف. أو كلاهما. تحدته: "كان عاوزني أمص له". هبطت الكلمة على إريك كصفعة على قفا.

"كان عاوز إيه؟"

"مص."

"بالعافية؟"

"آه."

"انتي جيتي معاه هنا ليه؟"

تنظر في عينيه. تتحداه، دامعة: "عشان وافقت أمص له. دا السبب."

"بتقولي إيه؟"

"عشان وافقت امص له!"


خطر بباله أن يقول لها غوري من هنا. شعر بالغضب على امتداد جسمه. تمالك نفسه. فكر قليلا. أخرج التليفون. أدار لها ظهره. أجبر نفسه على الحديث بهدوء. طلب الرقم القصير مرتين. رد إسرائيل. بهدوء، بسطحية: "اسمعني كويس. دخّل تسيحي. قل له يجيب يودلا. الباب يفضل مقفول. ماحدش يطلع. قل له يجيبه ويدخله المخزن. الباب الحديد مفتوح. يدخلهولي المخزن."

نظرات ميكا أصبحت خاوية. شفتاها ترتعشان.

كل شيء رآه ميكا أحمر. عشان وافقت امص له. ظلت الكلمات معلقة في الهواء. أو في رأسه. حاول التصنيف: لو طردها الآن ماذا كان سيحدث؟ ماذا كان سيحدث لهم؟ ماذا كان سيحدث لجملة ديما؟ ماذا كان سيحدث لكلماتها؟ إلى أين كانت ستذهب؟ كيف كان سيعيدها إليه؟ لم ينجح في التفكير بشكل منظم.


"وافقتي تمصي له، هه؟" أطلق نفساً. شعر أنه يكاد يصرخ.

تنظر في عينيه. "أيوة"، بالضبط.

بعد نصف ساعة تبخر الصمت. استطاعت البكاء. زعقت. "لإني شرموطة. استريحت؟"

إريك لم يقترب. لم يتحرك.

ببرود: "فعلا؟ انتي شرموطة؟" صمت.

لم تدع نظراتها تنزل من عليه. بكاء. تنظر له مباشرة وهي تدمع.

"طب قولي لي، يا شرموطة، ليه عورتيه ف وشه؟ إيه؟" كان على طرف لسانه القول: "جابهم ف بقك؟" تمالك نفسه. لم يقل هذا: "هه؟ ليه؟"

تحكمت في نفسها. لم تزعق: "علشان ندمت. كويس؟"

"كل دا كان بيحاول بالعافية"، هو بارد. واقف في مكانه.

هزت مجيبة برأسها.بدون أن تنزل عينيها. تساقطت الدموع. بصعوبة وصلت إلى ذقنها، في طريقها لأسفل. بللت السويتر. فمها مغلق. نظراتها مباشرة. عيناها واسعتان.

"إيه؟" لم يرق.

"إيه إيه؟ حاول يقعدني على ركبتي بالعافية."

نظر إلى الباب. لم يرغب في وجود يودلا هنا سويا معها. نظر إليها عائدا. الصمت استمر. خطوتان باتجاه الباب. خطوتان عائدتان. اثنتان للباب، اثنتان رجوعا. أزاح شعرها عن جبهتها. مقص. التليفون رن. إسرائيل. "إيه؟"

"فيه ضغط. نقدر ندخل الناس؟"

فكر إريك في هذا الأمر لدقيقة.

قال إسرائيل: "ستيفاني هنا ومعاه جثة جامدة"

"دخلوه. بس ما حدش يخرج."

"ندخل كله؟"

"يعني إيه تدخّل كله؟ إنت اهبل؟ اختار. عادي"، أغلق الخط. "قومي"، قال. قامت. أمسك رسغها. شدها ورائه. خرجا من الباب الثاني للمخزن، إلى المرر الضيق المؤدي للمكتب.


أجلسها على الكنبة. جلس أمامها على طاولة القهوة. بحث عن سجائره. على ترابيزة الكمبيوتر. قام. تناول واحدة. أشعلها. وعاد للجلوس. نظرت إليه. شاحبة، بلا تعبير. بلا بكاء. انتظرت. لم يلمسها. "دلوقتي احكيلي م الأول." هو موضوعي.

بقى نفس التعبير على وجهها. خاوية. حتى صوتها كان كذلك: "جا عندي مكان ماكنت بارقص، سألني إذا كان اخواتي يعرفوا اني هنا. قلتله يسيبني ف حالي. وان ماحدش له دعوة بالموضوع دا. قال لي انهم لو كانوا يعرفو اني هنا كانوا هييجوا، ويدوني درس."

"درس ليه؟"

"علشان عملتلهم سمعة وحشة."

إريك ضيق عينيه: "إيه!؟"

تنفست: "دا اللي قاله."

انتظر إريك. سكتت. لم يرق. "وبعدين؟"

لم تنزل عينيها: "واني اذا كنت عاوزاه يعمل لي خدمة ومايقولهمش، يبقى انا كمان اعمله خدمة."

"وبعدين"

"وافقت"

"وافقتي ليه؟" بارد.

عاد وميض ما إلى عينيها. الغضب: "عشان الموضوع مص وبس."

"مص وبس؟" رعشة خفيفة في صوته.

"أيوة."

"والله!؟"

صمت.

"في الكلوب أنا كنت بامص قصاد ميتين شيكل، وساعات ماكنتش بامص في الكلوب. كام مرة. هنا دا اكتر من ميتين شيكل، هيقفل بقه، دا يهمني اكتر."

"ماقدرتيش تندهيلي؟"

"انت تعرف ايه يا اريك، هه؟ تعرف ايه عن اخواتي؟" صمت. "وافرض ناديتلك، وبعدين؟ خلاص ماكانش هيقولهم؟"

تليفون. أخرجه إريك من جيبه. تسيحي. "مش كدا."

هو في المخزن مع الحمار. ما الذي يمكنه فعله معه. لم ينزل إريك عينيه عن ميكا. "ولا حاجة. خليك معاه هناك لغاية ما اجيلك." أغلق الخط. وضع التليفون على الطاولة.

ميكا سكتت.

"وبعدين"؟ قال إريك.

قالت بنفس التعبير: "وبعدين إيه؟"

"وبعدين، ايه اللي حصل؟"

"ماعرفتش."

"إيه؟"

"ماعرفتش أمص له."

"يعني إيه ماعرفتيش؟"

"اللي سمعته. عشانك. ماعرفتش. عشانك."

رعشة. غصة في حلقه. جاهد كي لا يحرك شعرة في رأسه. لا يجب عليه أن يرق. "ماعرفتيش عشاني؟"

"أيوة." بثبات. لا تتراجع. لا تندم. نفس النظرة.


قام، خطوتان ذهاباً خطوتان إيابا. خطوتان ذهاباً وخطوتان إياباً. مرر يده على شعره. خطوتان ذهاباً، خطوتان إيابا. جلس بجانب الكمبيوتر. وضع السيجارة في المطفأة. نظر إلى الشاشة. رأى، ولكنه لم يفكر فيما يراه. ستيفاني على البار بجانب نيكول. لا يزال يحوم حولهن. نوكي ترقص. عيران يقف جانباً. ينظر إليها. قام. أدار رقماً. رأى عيران يبحث عن التليفون. أجاب عيران صارخاً في قلب الضوضاء: "يا أخي تعالي المكتب شوية."


"ايه اللي حصل؟"

"تعالى، تعالى."

"أوكي."

"أنا هنا."

عيران أغلق الخط. خرج من الإطار. هدوء. ميكا لم تقل شيئاً.

نصف دقيقة.

فتح الباب. عيران: "فيه إيه يا أخي؟"

"ممكن تخليك هنا دقيقة معاها؟" قام إريك. أدخل التليفون إلى جيبه.

"على فين؟" قالت ميكا.

خطف إريك نظرة قصيرة إليها. لم يرد.

نظر عيران إليه. إليها. ثم إليه. "حاجة حصلت؟"

"أيوة" بدون النظر إلى ميكا. ولم يكمل.

رفعت ميكا رجليها. الحذاء على الكنبة. جزمة سينكرس بيضاء على جلد أسود تقليد. احتضنت ركبتيها. نظرة خاوية. عيناها واسعتان.

"مفيش مشكلة" قال عيران.

"دقيقتين".


خرج إريك. مر في الممر الصغير. دخل المخزن. كان يودلا يجلس هناك في المكان الذي جلست فيه ميكا سابقاً، على صناديق الردبول. تسيحي كان مستنداً على الباب الحديدي. يداه معقودتان.

قام يودلا. "إريك. فيه إيه؟ إيه اللي بيحصل؟"

اقترب إريك منه مباشرة. بدون مقدمات. كف على وجهه بقوة. نظارته طارت. طار يودلا نصف خطوة جانباً. وقع على جنبه.

صرخ يودلا: "يا بن الشرموطة! إيه اللي حصل لك؟ إنت متخلف؟"

لم يرد إريك. اقترب قليلا. يداه على وسطه. يودلا دفع نفسه إلى الخلف على الأرضية، لكي يبعد. قال يودلا: "إنت ماتعرفش إنت بتتعامل مع مين؟" هستيري.

"قوم."

"انت متخلف؟"

ابتسم تسيحي. استرق إريك له نظرة جانبية: "إيه اللي بيضحّك؟"

"ولا حاجة" قال تسيحي، وتوقف عن الابتسام. يداه معقودتان. عاد للاستناد على الباب.

"قوم!"

يودلا وجد نظارته.

بدأ في القيام ووجهه لإريك. يده تدافع عن رأسه. وقف، لبس النظارة بيد واحدة.

"اسمعني كويس يا زبالة."

"عاوز ايه؟ مالك بت.."

"اقفل بقك. اسمعني كويس. البني آدم اللي بيحاول يعمل دا له اسم. وفيه كلام ف القانون عن الحاجة دي. بيسموها اغتصاب. فيه كاميرات هنا ف كل مكان. ف كل مللي هتلاقي بوليس هنا. غور من هنا، وماترجعش تاني. ماتقربش للكلوب تاني. ولا تقرب لميكا. لو دخلت هخرب بيتك. فاهمني؟" تسيحي لم يبتسم.

"بتقول ايه، يا مجنون، اغتصاب ايه؟"

لتسيحي: "ارميه برة."

خرج إريك. ذهب إلى البوركاس. عاد. عندما عاد فهم. هوندا سيفيك، بوردو، رجلان متدينان يركنان بجانب الرصيف المقابل، ينظران. يدخل الكلوب. يمر من خلف البارمانات، الدي جيه. يفتح الباب المنفصل. يدخل مكتبه. يقول لميكا "تعالِي دقيقة." ليس باردا ولا دافئاً.

"إيه؟"

"تعالِي دقيقة."


قامت. لم يمسك يديها. سارت خلفه. اجتازا الصالة. قبل أن يفتح الباب قال لها: "قدام، فيه عربية هوندا بوردو، قوليلي مين دول؟" أخرجت رأسها، رأت أن هناك أناسا في النطاق، وأنهم لن يرونها. خرجت. اختلست النظر بين الناس. وهو وقف وراءها. رأتهم. استدارت. فتحت الباب، هربت إلى الداخل مرة ثانية. جرى إريك وراءها، أمسكها من يدها. "همّا." قالت.

"اخواتك؟"

"أيوة" مرعوبة. تمكن من رؤية ملامحها على هذا الحال.


تركها. خرج. قبض على إسرائيل. "خليك هنا." وأمسك بيد تسيحي: "إنت وإيبان، تعالوا معايا." عبرا الطريق سوياً. إريك في المقدمة، تسيحي وإيبان من خلفه. الاثنان يداهما في جيوب معطفيهما. صمام الآمان. توقف إريك في الطريق، بجانب شباك السائق. رجلان. يبدوان بين الثلاثين والأربعين. السائق لديه كرش صغير. والراكب لديه كرش أكبر. قميصان أبيضان مزرران. طواقي يهودية سوداء. السائق شعره محلوق. والراكب معه لديه لحية. بنية، خفيفة. بدا السائق متفاجئاً.

"نقدر نساعدكم؟" تسائل إريك. وأشار لإيبان برأسه. اقترب إيبان من الجانب الثاني للسيارة، وقف بجانب باب الراكب. أما تسيحي فظل واقفاً خلف إريك.


"إنت مين؟" قال السائق لإريك. عدل الطاقية اليهودية على رأسه. متوتر

"انتو اللي مين؟ تسائل إريك.

"يخصك احنا مين؟ هو شارع أبوك؟"

ابتعد إريك خطوة إلى الخلف. رفع رجله. ركله ببطن رجله. كسر المرآة الجانبية.


"كسسسس امك!" قال السائق. حاول فتح الباب. خبط إريك الباب بركبته. ضربة بالركبة. لكمة من خلال الشباك. أصابه في لثته. طاقيته طارت. رفع السائق يده للدفاع عن وجهه. "مالك؟" صرخ السائق. أخذ يتحسس ما بين الباب والكرسي بحثا عن الطاقية. عيناه على إريك. أخرج الراكب التليفون المحمول. بدأ في الاتصال. فتح إيبان الباب. أوقف الراكب الاتصال. نظر إليه. يده على التليفون على فخذه. واهنة. مذهول. بدا السائق في إغلاق الشباك. إريك لم يتحرك.

"عاوزكو تلمسوا شعرة واحدة من ميكا، شعرة واحدة، وهتلاقوا منطقة يركون دي كلها عليكو. انتو والبينجو بتاعكو. وانا كمان هيبقالي شغل معاكو. فاهمني؟" السائق لم يجب. الشباك أغلق. أدار السيارة. أمسك إيبان بالباب مفتوحاً على الناحية الثانية. الراكب ظل مذهولا أمام إيبان. فمه مفتوح. لا يتحرك. يده ممسكة بالتليفون على فخذه. بدأت السيارة في التحرك وبابها مفتوح. دفعها إيبان بركلة. اندفعت السيارة من هناك مع احتكاك في الأرض وصرير. اتجهت يمينا إلى شارع بينسكر والإشارة حمراء.

____________________________________________________________

جادي تاوب، ولد عام 1965، أديب ومؤرخ ويلقي محاضرات في الجامعة العبرية بالقدس بقسم الاتصالات، وواحد من أكثر النقاد شراسة ضد ما بعد الحداثة في الثقافة الإسرائيلية."اللنبي" هي روايته الأولى بعد مجموعتين قصصيتين. تدور حول أحد الملاهي الليلية بشارع اللنبي، وهو شارع رئيسي بوسط تل أبيب. ومن خلالها يتمكن من رسم الصورة السرية للعاصمة الإسرائيلية، صورة المخدرات والجنس والجريمة، وهي صورة لم يتطرق إليها الأدب العبري من قبل، والذي انشغل، كما في روايات عاموس عوز، بصورة الكيبوتس والطلائعيين، وهذا كما يقول الشاعر الشاب عميحاي شاليف في مقال له عن الرواية بصحيفة يديعوت أحرونوت. أثارت الرواية منذ صدورها في يناير الماضي ضجة نقدية هائلة. وتزامنت مع الاحتفالات الإسرائيلية بمرور مئة عام على تأسيس مدينة تل أبيب.

Friday 22 May 2009

لا يصل بين نقطتين سوى خط مستقيم واحد

يهودا عميحاي

ترجمة: نائل الطوخي


حب البلد

والبلد تنقسم لمناطق الذكريات واسطوانات الأمل،

وسكانها مختلطون بين هذا وذاك،

كالعائدين من زفاف، عندما يختلطون بالعائدين من جنازة.


والبلد لا تنقسم لمناطق الحرب ومناطق السلام.

ومن يحفر حفرة ضد القذائف،

سيعود لينام فيها مع فتاته،

إذا حل السلام.


والبلد جميلة.

حتى لو كان الأعداء حولنا يزخرفونها

بالسلاح اللامع في الشمس

كالعقد حول الرقبة.


والبلد تشبه الطرد:

وهي مربوطة جيداً، وكل شيء موجود فيها، وهي مربوطة بإحكام

والخيوط تؤلم أحياناً.


والبلد صغيرة جداً،

ويمكن لي أن أحتويها بداخلي،

تجريف التربة يأكل راحتي

ومنسوب بحيرة طبريا دائما في عقلي.

ولذا فيمكنني دائما أن أشعر بها كلها

عندما أغلق عيني: البحر الوادي الجبل.

ولذا بإمكاني أن أتذكر ما حدث فيها

مرة واحدة، كرجل يتذكر

كل حياته لحظة موته.

الكثير جداً

الكثير جداً من أشجار الزيتون في الوادي.

الكثير جدا من الأحجار في المنخفض.

الكثير جدا من الموتى، القليل جداً

من الأرض التي ستغطيهم.


ويجب علي الرجوع إلى المناظر المرسومة

على العملات الورقية

وإلى وجه أبي على العملات المعدنية.


الكثير جدا من مراسم الذكرى

القليل جدا من التذكر.

أصدقائي نسوا ما درسوه في صباهم.

في مكان خفي ينام صباي،

وأنا دائما في الخارج، طعام الأرواح الجائعة.


الكثير جداً من التعب،

القليل جداً من العيون التي تحتويه.

الكثير جداً من الساعات،

القليل جداً من الزمن.

الكثير جداً من الأسابيع المقامة حول العهد القديم.

الكثير جداً من الشوارع

القليل جداً من الطرق،

التي يسيرون فيها فعلاً، كل إلى مصيره.


الكثير جدا من الأمال

التي هربت من سادتها.

الكثير جداً من الحالمين.

القليل جداً من الأحلام،

والتي سوف يقلب تفسيرها تاريخ العالم

مثل أحلام فرعون.


الحياة مغلقة من خلفي.

وأنا في الخارج، كلب

للريح القاسية العمياء

التي تدفعني دائما في ظهري.

أنا أليف، أقوم وأجلس

وأنتظر حملها في شوارع حياتي،

والتي قد تكون هي حياتي الحقيقية.

___________________________________________

أريد أن أموت على سريري

طول الليل كان جيش بعجلات يتقدم

ويصل إلى ساحة المعركة ومابعدها،

الموتى في الأرض كانوا ينامون بالطول والعرض،

وأنا أريد أن أموت على سريري.


أعينهم كانت ضيقة كأنما هي دبابة بشبابيك،

أنا دوما قلة وهم كثيرون،

أنا مضطر للإجابة، وهم يمكنهم استجوابي

ولكنني، أريد الموت على سريري.


واو يمكنهم استجوابي

ولكنني أريد أن أموت على سريري


شمشون، سر بطولته في شعره الطويل والأسود

شعري أنا قصوه عندما جعلوني بطلا إلزامياً،

وعلموني أن أدوس على قوسي،

ولكنني أريد أن أموت على سريري.


واو هم يمكنهم....


رأيت أنه بإمكاني السكنى والعيش جيداً

وتأثيث بلعوم الأسد أيضا، لو لم يوجد مكان آخر،

لم يعد يهمني لو مت وحيداً،

ولكنني أريد أن أموت على سريري.


واو يمكنهم....


لم يعد يهمني لو مت وحيداً

ولكنني أريد أن أموت على سريري.

_______________________________________________

لا يصل نقطتين

نجم صغير تزوج بنجمة

بالداخل كانوا يتحدثون بالألمانية عن كارثة قريبة.

أردت تذكر المغني ولم أتذكر إلا الجملة

لأنه لا يصل بين نقطتين إلا خط مستقيم واحد.


كلب مهمل طاردنا على طول الشارع

صرخت، ألقيت حجراً، ولم يتركنا.

ثم ضعنا منه، وكذلك هو ضاع منا.

لا يصل بين نقطتين إلا خط مستقيم واحد.


بكاؤك الصغير يكفي لكثير من الألام،

مثل قطار يجر عربات كثيرة

متى سنعود البيت؟ انتظري قليلا

حيث لا يصل بين نقطتين إلا خط مستقيم واحد.


أحيانا الشمس تكون مذكرة، أحيانا مؤنثة،

أحيانا نكون اثنين، وأحيانا أكثر من عشرة آلاف.

أحيانا لا أعرف من يقبض علينا بيده

ولكن لا يصل بين النقطتين إلا خط مستقيم واحد.


حياتنا المكتوبة أصبحت هي حياتنا الشفوية.

حياتنا في العالم القادم هي حياتنا في هذا العالم.

حياتنا المسرعة وحياتنا التي تمر ببطء.

لا يصل بين النقطتين إلا خط مستقيم واحد.

_______________________________________________

تذكروا واذكروا

وأنتم، يا من لا تذكرون إلا الوجوه،

لا تنسوا الأيدي الممدودة

والسيقان التي تجري بسهولة

والكلمات


تذكروا أنه حتى الطريق للحروب الرهيبة

يمر دائماً بالحدائق والشبابيك

وبالأطفال الذين يلعبون والكلب الذي ينبح


تذكروا واذكروا قبل أن نقتلع

أوراق الشجر والغصون،

اذكروا الأشواك القاسية

التي كانت صلبة في الربيع.

ولا تنسوا أنه حتى قبضة الملاكمة

كانت ذات يوم أصابع ويداً مفتوحة

________________________________________________

في حديقة مسحورة

في حديقة مسحورة يجلس رجل صاح،

نصفه مضاء، نصفه نسّاي.


نادته أمه من شباك النوم،

ولكنه لم يكن نائماً، ولذا لم يستجب،


وخرج وحده من الجدار،

نصفه نفسه، نصفه آخر.


وعاش قصة حب مشهورة.

ومن وقتها لم يعد للحديقة المسحورة.


عاش جيداً، وعاش في كرب

وإذا لم يمت كان ليواصل الحب.

_____________________________________________________________

ولد يهودا عميحاي عام 1924 وتوفى عام 2000. يعد من أهم الشعراء الإسرائيليين. هاجر مع عائلته من ألمانيا إلى إسرائيل عام 36، وشارك في الحرب العالمية الثانية، ضمن إطار الفيلق اليهودي الذي كان يحارب مع بريطانيا في مصر. كما عمل في تهريب السلاح وتسهيل إجراءات الهجرة اليهودية غير المشروعة لإسرائيل قبيل إعلان الدولة. وحارب في الجانب الإسرائيلي عام 1948 بكتائب البالماح. نشر عام 1955 ديوانه الأول "الآن وفي الأيام الأخرى"، الذي حاز صدى نقدياً واسعاً وحصل بمقتضاه على جائزة شلونسكي للشعر. وكان أول شعراء ما سمي بـ"جيل الدولة" [أي الجيل الذي تأسس أدبيا مع إعلان قيام دولة إسرائيل] حصولاً على جائزة إسرائيل عام 1982. من دواوينه "خلف كل هذا تختبئ سعادة كبيرة.. 1979"، "حتى قبضة الملاكمة كانت ذات يوم أصابع ويدا مفتوحة.. 1989"، "مفتوح مغلق مفتوح.. 1998"، وله رواية بعنوان "ليس من الآن وليس من هنا.. 1963"، تم تلحين وغناء أكثر من 100 قصيدة له. وكتب الناقد والمترجم الفلسطيني أحمد عمر شاهين كتابه "تشابك الجذور" عن أعماله. لقراءة قصيدة أخرى له بالعربية، اضغط هنا.


Friday 15 May 2009

المرأة التي استطاعت النظر في أعينهم

روعي (تشيكي) إراد

ترجمة: نائل الطوخي


نعم، أنا فانونو

نعم، أنا فانونو (1)

من تحت الترابيزة

أشاهد التليفزيون

أنا فانونو

متعب في الخامسة

عصرا، ثم أنام، بعد وجبة الشنيتسال

أنا مردخاي فانونو

أنظر إلى النادلات

برقابهن التي تذكرني عروقها بخيوط العنكبوت

في الأسانسير والمكتب

فانونو

في المكتب والأسانسير

فانونو

لا أخطط لشراء شقة

لا أملك سيارة، لأنني أحب الحديث مع سائقي التاكسي

أنا فانونو

إعادة تدوير

الفاشية الحلوة

أغمسها في القهوة

والفاشية المرة

جيدة في السلطة، مع الكمون

الفاشية السريعة

أغرزها في حذائي

والفاشية الزاحفة

أضعها في الحديقة لتأكل

العناكب

المدينة جميلة جداً!

الفساتين قصيرة جداً!

القهوة حلوة جداً!

السلطة خضراء جداً!

وليس هناك عناكب في الحديقة

المرأة التي لم تستطع النظر في أعينهم

قالت أنها لا تستطيع النظر في أعينهم

وأن المسألة وصلت إلى وضع، في رأيها

أنها لم تعد تستطيع النظر في أعينهم

أعينهم وصلت إلى وضع، في رأيها

أنه لا يمكن النظر إليها

طبعا هي تستطيع، من الناحية البيولوجية، النظر في أعينهم

ولكن الإحساس!

كان صعبا عليها كثيرا أن تفعل هذا.

كان غير ممكن، قالت،

أن تنظر في أعينهم.

ولكنها كانت تعرف أنه في النهاية ينبغي أن تنظر في أعينهم

وكانت تعرف أنها في النهاية ستتمكن من النظر في أعينهم

وأنها لن تستطيع ألا تنظر في أعينهم.

لا يمكن أن يكون أمامك جمهور كامل – ولا تنظر في عينه.

في أعينهم

لم تكن هناك أية مشكلة مع أعينهم

حتى عندما حاولت –أعينهم - الدخول في عينيها

لم تكن هناك أية مشكلة مع أعينهم

لقد اعتقدوا أن أعينهم تمام التمام، مية مية

ولم تكن لديهم أية مشكلة مع أية عين

ولكن من ناحيتها، فقد كان هناك إحساس رهيب بالذنب

وغضب عميق

ليس عليهم بشكل شخصي

ولكن الغضب كان عميقاً جداً

والإحساس بالذنب عميق جداً

لدرجة أنها ببساطة أحست أنه لا يمكنها النظر في أعينهم.

هم كما قيل، لم يروا أن الموضوع هو العين بالعين

وهم كذلك كانوا يشعرون بالغضب وبالذنب

ولكن هذا لم يكن معلقاً بعين أي أحد

لقد أرادوا بالتحديد أن تنظر في أعينهم

ولم يكن يعنيهم أن ينظروا في عينيها

برغم الحرب.

ولكنهم لم يستطيعوا

لا يمكن

إجبار أي شخص على النظر في عينيك

وأنت أيضا غير معني بأن يتم فرض أمر كهذاً

يجب على هذا الأمر أن يكون طبيعيا

هكذا انتظروا ببساطة

كانوا واثقين أنها في نهاية الأمر ستأتي بالسيارة الرينو، ستركن,

وعندئذ سوف ينظر كل منهما في عيني الآخر

كانوا يجيئون كل يوم صباحاً

يجلسون خارج المحل.

معهم أحيانا شفشق ليمونادة

معهم أحيانا فطيرة مقضومة.

انتظروا يوماً، يومين وأسبوعاً. لقد فعلوا طبعا أشياء أخرى

وفي النهاية، انكسرت

جاءت، بسيارتها الرينو بالتحديد، ركنت، أنزلت فرامل اليد لأسفل

ونظرت في أعينهم

برغم الغضب والإحساس بالذنب

بسبب الغضب والإحساس بالذنب

اللذين كانا عميقين، ثم أصبحا ضحلين الآن

نظرت في أعينهم

جلسوا ونظر كل منهم في عيني الآخر

بحزن، ثم بابتسامة، وفي النهاية بملل

أحضروا الشاي، واصلوا النظر في الأعين

وعندئذ فوجئت لأنها رأت هناك، في الأعين نفسها

ما لم تتوقع رؤيته هناك لزمن طويل

شيء ما لم يجهزها أحد لرؤيته هناك

ليس لندن وكيرشنباوم، ولا روني دانيال ولا سيجال شحمون! ولا حتى سيجال شحمون! (2)

لم يجهزها أحد أبدا للحظة التي ستنظر فيها في أعينهم

لم تتهيأ أبداً للمفاجأة الرهيبة

برغم أنها كانت بديهية- فيما رأته هناك

عندما نظرت في أعينهم

فوجئت للغاية بهذا الأمر!

كل شيء كان واضحاً وبسيطاً

مشرقا وسلساً،

كان متوقعا جدا أن ترى ما رأته هناك

فوجئت للغاية بما رأته

عندما نظرت في أعينهم


_________________________________

(1) مرخاي فعنونو أو فانونو هو الفني الإسرائيلي الذي كشف أسرار المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونة وحكم عليه بالسجن آنذاك.

(2) لندن وكيرشنباوم مقدما برنامج إسرائيلي يومي شهير، اسمهما هو يارون لوندون وموتي كيرشنباوم. روني دانيال مراسل عسكري للقناة الثانية الإسرائيلية. سيجال شحمون، معدة تليفزيونية ومغنية.

____________________________________________


روعي (تشيكي) إراد. شاعر وموسيقي إسرائيلي شاب، ولد عام 1977. وأحد محرري دورية "معيان الشعرية. يكتب الشعر السياسي وغير السياسي وحرر ونشر بأنتولوجيا "أدوماه" أي "حمراء" للشعر اليساري، وأنتولوجيا "لاتسيت" أي "اخرجوا"، التي نشرت في بداية العام الحالي للاحتجاج ضد الحرب الإسرائيلية على غزة. أصدر عام 2000 ديوان "الزنجي، وعام 2003 ديوان "أيروبيك".


الفيديو المرفق للشاعر وهو يسير في شوارع القدس ورام الله ويغني: نعم، أنا فانونو