Monday 30 May 2011

الأخضر اليوم أخضر جداً


تمر هذه الأيام الذكرى المئة لولادة الشاعرة ليئا جولدبرج، والمولودة عام 1911، والمتوفية عام 1970، وهي واحدة من أهم الشاعرات الإسرائيليات. ننشر هنا ترجمة لقصيدتين لها، "البستانيون كانوا حزانى"، و"في اليوم التالي"، كما نضع هنا فيديو لأغنيتها "في اليوم التالي"، وتغنيها يهوديت رافيتس. يمكن مطالعة بعض نصوص السيرة الذاتية للشاعرة هنا.



.

ليئا جولدبرج

ترجمة: نائل الطوخي

في اليوم التالي

الأخضر اليوم أخضر جداً

والرمادي اليوم رمادي جداً

قليل من الأسود،ـ ليس هناك بياض في المدينة

العاصف اليوم عاصف جداً

والماضي اليوم ماض جداً

قليل من المستقبل، وليس هناك حاضر في الهواء.



ومازال من الصعب أن تتنفس

ومازال من الصعب أن تفكر أمام الريح

ومازال من الصعب أن تتنفس ومازال من الصعب أن تفكر

وليس بسيطاُ أبداً أن تنتظر

العاصفة تلامس الرموش

وتتكسر كل لحظة إلى شظايا

ولكن الأخضر اليوم أخضر جداً


البستانيون اليوم حزانى


البستانيون اليوم حزانى

ولكن الفلاحين

يباركون المطر.

وكلانا

بلا حول ولا قوة

يخبئ كل منا عن الآخر

عينيه.

لنكن أذكياء: لا تسألني

ما معنى النبتة، ما معنى الذابلة،

وما معنى المجتثة من القلب



هذه العاصفة

ستمر بعد قليل

هذا السؤال

سيُنسى بعد قليل.

فهاهو من فوق البرج

يقف القوس.

Saturday 21 May 2011

هيروشيما - قبلها بساعة

هيروشيما – قبلها بساعة


عاميت مِشعان

ترجمة: نائل الطوخي


الدراجة مركونة على الجدار الأسمنتي المتآكل.

عجوز على الدكة يتأمل مستقبله،

يأمل أن يموت نائماً مثل أمه،

ويخاف أن يموت مثل أبيه، أن يصبح عبئاً على عائلته.

ويفكر في الجدار الأسمنتي الذي يتفتت ببطء، ويقول لنفسه

"لن يصمد لوقت طويل."


الطفل الناضج الذي يسكن مع عائلته على الجانب الثاني للجدار الأسمنتي

يدعو الله في قلبه أن يستطيع

في المستقبل السماح لنفسه بالعمل في مكان يحبه فعلاً،

وليس مثل أبيه، طول اليوم في المكتب يصنف الوثائق، أو أسوأ من هذا،

يجد نفسه في عمل أسود وغير كاف، وبصعوبة ينجح في الإنفاق على عائلته.

في الجانب الآخر للمدينة، الجدران الحديدية الثابتة

تحيط البيت الجديد لرئيس المدينة،

ولكن امرأته لا تشاركها نفس الثبات.

تتأمل مصير أمها وجدتها اللتين ماتتا بسرطان الثدي.

وماذا عن مصيرها؟

تفكر في بتر ثديها قريباً، وأن تسبق العلاج بالوقاية.

وأن تضع نهاية لكل المخاوف التي لم تحل عنها لسنوات.

زوجها نصحها نصيحة أخرى، ولكن ماذا يعرف هو عن عالمها الداخلي،

مشغول بأعماله، هي تفكر في الطلاق وتفكر في الجار الأعزب الذي يسكن في المقابل،

وأخيراً تجرؤ على التفكير في حياة أخرى.


في مذمة الدقة


لا تعرف بدقة،

تقول الجدة.

بعد العيد بقليل،

أفكر انا.


لست واثقاً تماماً

يقول الجد.

حوالي سنة بعد أن ولد أخي الأكبر،

وهذا كان حوالي

الشهر السابع.


حوالي منتصف إبريل.

في نهاية شهر تشري.

بين الفصح الثاني للثالث عشر من الحصاد


الدكتور يتحول للجدية وينظر للساعة

ساعة الموت:

15:59:06


جدتي الثانية


في غروب حياتها، نزفت جدتي.

أتذكرها تنسكب، أمواجاً أمواجاً

عندما كانت تنام في سريرها،

ترسل في كل الاتجاهات حدباتها المستديرة

حتى الأرضية.


جدتي، عرفتُ هذا،

كانت امرأة صلبة.

لقد ربت إخوتيها من سن صغير للغاية،

أذكر قصصاً عن دخولها المدينة،

إلى المدينة الكبيرة لأول مرة.


لقد أرادت قبلة على شفتيها،

مبتلة،

واحدة أخرى وواحدة أخرى،

لأنها دوماً ما كانت تنسى.

جدتي كانت امرأة دافئة،

بشكل رهيب،

رهيب.


لم أعرف جدتي في الحقيقة، كنت أنظر من بعيد.

عندما ماتت، وحكت لي جدتي الثانية،

لم أجتهد حتى في محو

ذكريات مضببة

عن امرأة نزفت.

____________________________________________________

نشرت هذه القصائد للشاعر الشاب عاميت مشعان في صحيفة يديعوت أحرونوت، تجدونها بالعبرية في هذا الرابط

Friday 13 May 2011

دينا العنيدة


دينا العنيدة

حانوخ لفين

ترجمة: نائل الطوخي


قال مارتين شيمِخ، مؤلف كتب الأطفال "الجمل يخرج لرحلة" و"دينا العنيدة": "لقد قمت بحسابات تبين منها أنه من المفيد لي أن أحرق نفسي."

"الحسابات هي الحسابات"، قال ماكس صديقه، "ولكن من وجهة نظري أنك تصنع بهذا خطئاً كبيراً".

"هل تقصد أنه ليس عليّ أن أحرق نفسي."

"من ناحية حسابات الربح وخسارة"، قال ماكس.

"أعرف"، قال مارتين شيمِخ، "غرست بقلب أناس كثيرين الإحساس بأنه من المفيد لي أن أعيش. أقصد، من ناحية حسابات الربح والخسارة".

"أنت صاحب عائلة، أنت تكتب كتب أطفال مضحكة، أنت تستمتع". قال مكس.

"أنا أكره كتابة كتب أطفال، أنا أكره الأطفال." قال مارتين شيمِخ.

لم يرد ماكس بكلمة. كراهية الأطفال هي ادعاء أساسي.

"الكثير من الناس حاولوا التخلص من كراهية الأطفال"، أضاف مارتين شيمخ قائلاً: "لا يمكن التخلص منها. هي أقوى منا. أنا لا أريد كتابة المزيد من كتب الأطفال."

لم يقل ماكس شيئاً.

"كنت أريد الكتابة عن نساء سمينات يضحكن بكسل وبأباط مبتلة. لا أستطيع أن أكتب المزيد من كتب الأطفال. أنا أكره ذوي الشعر الأحمر. أكره الضفائر. أحب البطن المترهلة، والفم المتعفن."

ثم قال مارتين شيمخ: "قررت أن أحرق مخطوطة "الضفدع الأخضر"، قررت أن أنام أربعين يوماً وأربعين ليلة. أنا عرقان. الملابس الداخلية التصقت بجلدي. قررت أن أحرق نفسي. أنا قمت بحسابات تبين منها أن هذا مفيد لي. هل أنا شاحب؟"

"قليلاً"، أجاب ماكس.

"سوف أحرق نفسي"، قال مارتين شيمِخ.

"ومع كل هذا فلست واثقاً أنك على حق." قال ماكس.

"أنا أكره الأطفال. هل كرهتَ الأطفال من قبل؟"

"لا"، قال ماكس، "لم يكن لديّ أطفال".

"ولكن كان لي أنا أطفال. أنا أعرف ما هي كراهية الأطفال. سوف أحرق نفسي. هذا قرار."

ظل مارتين شيمخ لحظة وقال: "ماكس، ماذا عليّ أن أفعل؟"

"اذهب لتتقيأ"، قال ماكس.

***

حدث هذا في المساء. في شرفة شقة مؤلف قصص الأطفال مارتين شيمخ. إليزابيث، زوجته، وضعت على الطاولة ماء صودا وبطيخاً بارداً. كل الشرفات كانت تضج بالجيران. لم تكن هناك شرفة أو نافذة لم يظهر منها أطفال وطفلات. كانوا متعبين من البحر ومن الألعاب وانبعثت منهم رائحة بيض مطبوخ. كانوا ينتظرون دينا العنيدة ويتطلعون إلى مارتين شيمخ. كل الأطفال كانوا يعرفونه، والأمهات أيضاً. كثيراً ما التقى مارتين شيمخ بأم وطفلة في الفناء وكانت الأم تقول. "صباح الخير سيد شيمخ، تسفريرا وصلت لصفحة 31 من "دينا العنيدة".

"فعلاً؟" كان مارتين شيمخ يقول.

"تسفريرا تحب أن تقرأ كتبك، طول اليوم تريد أن تقرأها. صح يا تسفريرا؟"

"صح"، كانت تسفريرا تجيب بعذوبة.

ولكن مارتين شيمخ كان يرى ذباباً أخضر في عينيها وسحلية حمراء بين أسنانها. لهذه الدرجة كان يحتقر الأطفال.

"تسفريرا تريد أن تشتريك يا سيد شيمخ"، كانت الأم تقول. "عندما تكبر، هكذا قالت، ويكون معها مال، سوف تشتري لنفسها مارتين شيمخ يحكي لها قصصاً وقت الطعام. صح يا تسفريرا؟"

"صح"، كانت تسفريرا تجيب بلطف وتضحك. إلى هذه الدرجة كان الأطفال يحبون مارتين شيمخ.

***

ماكس لم يأكل البطيخ ولم يشرب ماء الصودا.

"ربما تريد شيئاً آخر"، سألته إليزابيث.

"لا، شكراً"، أجاب ماكس. دخن. ذهب مارتين شيمِخ للاستحمام. وشربت إليزابيث ماء الصودا.

"في الواقع ممنوع عليّ شرب الصودا"، قالت، "إنها تصنع غازات لي".

لم يقل ماكس شيئاً.

"في السابعة ستبدأ رياح غربية في الهبوب"، قالت إليزابيث.

"ممنوع عليّ شرب الصودا ولكن في المساء أكون عصبية"، قالت. "بالتأكيد انتبهتَ إلى أن مارتين عصبي أيضاً."

"نعم"، قال ماكس.

"نحن الاثنان عصبيان جدا في الأسابيع الأخيرة. توجد مشاكل مع جولي".

في الساعة السابعة بدأت في الهبوب رياح غربية.

"جولي ابنتنا جنت تماماً"، قالت إليزابيث. "تريد أن تزوج ممثل مسرح".

سكت ماكس. ربتت إليزابيث على صدرها وقتلت بعوضة.

"بعوضة" قالت. "لا أعرف ما النهاية. شيء واحد واضح: هي لن تتزوج ممثل مسرح!"

"لماذا لا؟" سألها ماكس.

"جولي هي ابنتنا الوحيدة. لا يمكنك أن تترك ابنتك الوحيدة في أيدي ممثل!"

"لا أعرف" قال ماكس. "لم تكن لدي بنت".

"وهكذا لن تستطيع أن تفهم ما معنى أن تطلب ابنتك الزواج من ممثل."

"على ما يبدو لا"، قال ماكس.

"هو ممثل، أرتيست، لو كنت تفهم ما أقصده. زارنا مرتين. حاول أن يخلف انطباعاً جيداً. أرتيست."

"ماذا تقول جولي؟"، سألها ماكس.

"جولي في أزمة، أنا غير مندهشة"، قالت إليزابيث.

"في رأيي إنكم تقومون بخطأ كبير"، قال ماكس.

"لا"، قالت إليزابيث. "لسنا مخطئين. لدينا تجربة. أنا أعرف من هو الممثل. هل عرفت ممثلة من قبل؟"

"لا"، قال ماكس.

"وهكذا، أنا عرفت ذات مرة ممثلاً"، قالت إليزابيث وصبت لنفسها المزيد من الصودا. "هذا جنون. ممنوع عليّ شرب الصودا وأنا أشربها. لقد خدعني، الممثل. كلهم هكذا."

"لست واثقاً أنك على حق"، قال ماكس.

"أنا أعرف ما أتحدث عنه"، قالت إليزابيث. "جولي لن تتزوجه بأي حال، حتى إذا وصل الأمر للكنيست!"

"للكنيست؟" سألها ماكس.

"نعم"، قالت إليزابيث، "أنت لم تعرفني بعد."

أصابتها زغطة. "هذا ما يحدث عندما يشرب الناس الصودا".

دخن ماكس في هدوء. الرياح الغربية كانت غير معتادة في هذا الصيف وأثارت أمواجاً من الانفعال في كل الشرفة.

بعد هذا قالت إليزابيث: "خيبة الأمل هي نصيبنا. في الماضي كنت مختلفة. الآن لا أعرف لماذا علي أن أعيش."

"لماذا عليك ماذا؟" سألها ماكس.

"أن أعيش"، قالت إليزابيث. "الصودا ثقيلة عليّ. في الماضي كنت أعرف ما أريده. كنت حيوية. الآن لم أعد واثقة في أي شيء. خيبة الأمل هي نصيبنا. فعلاً لا أعرف لماذا علي أن أعيش".

"سوف يكون الأمر على ما يرام"، قال ماكس.

"الأمر بدأ لتوه"، قالت إليزابيث. "هو لن يأخذ جولي ابنتنا. هذا أكيد! فقط أحياناّ أفكر في السبب الذي أعيش من أجله."

"حاولي أن ترتاحي"، قال ماكس.

***

غالبية الأطفال كانوا قد ذهبوا للنوم. لم يتبق إلا القلائل، نحيفون ومتحمسون. كانوا يقفون في النوافذ وينتظرون دينا العنيدة حتى تأتي وترفع فستانها وتدخلهم المغارة السرية. عاد مارتين شيمخ بعد أن تحمم ووجهه أبيض. صبت له إليزابيث ماء صودا. في الأسفل، بدأ الشباب في الوصول على الدراجات وفي الصفير للفتيات، مثل الشاب إليعازر الذي صفر للفتاة كاديانا من المدخل الثاني. جاءت جولي إلى البيت وشفتاها ملويتان.

"رجلاي متورمتان"، قالت هذا وسقطت في الكرسي المريح.

"عدتِ مبكرة"، قالت إليزابيث.

"لديه بالتأكيد عرض الليلة"، قال مارتين شيمخ.

"هل رأيتيه الليلة"، سألتها إليزابيث.

"نعم"، أجابتها جولي.

"وهكذا، هاهي تراه مرة ثانية!" قالت إليزابيث.

"ماما، أنت تبدأين كل شيء من جديد!"، هتفت جولي.

"بالتأكيد أبدأ!" قالت إليزابيث.

"ليس الآن، يا ماما، ليس في وجود غرباء."

"ماكس ليس غريباً"، قال مارتين شيمخ، "هو صديق العائلة".

"هو يتفق معنا"، أضافت إليزابيث، "يتفق معنا مئة في المئة!"

"ليس من حقكم أن تحكوا لأي شخص عن مواضيعنا الشخصية!"، قالت جولي.

"ماكس هو صديق العائلة"، قال مارتين شيمخ، "ماكس ليس "أي أحد".

"وهو يبرر موقفنا مئة في المئة"، أضافت إليزابيث.

"بالطبع!" قالت جولي بشفتين ملتويين، "بالطبع يبرر!"

"ماكس يعرف ممثلي مسرح"، قالت إليزابيث.

"يعرف! أنا أحب، لا أعرف!"

ماكس دخن بهدوء.

"هو لا يمكنه الحكم عليّ طالما أنه لا يحب بنفسه"، قالت جولي.

"جولي!" قالت إليزابيث.

"ماكس صاحب خبرة"، قال مارتين شيمخ.

تدخل ماكس: "هذا كان من زمان".

"ليس لديكم الحق في أن تفعلوا هذا بي"، هتفت جولي. "أنا أعرف جيداً ما أريد!"

"لا"، "قالت إليزابيث، "لا تعرفين شيئاً. أنت طفلة. هو يحاول استغلالك".

"لم يحاول أبداً..."

"هو أرتيست، أنا أعرف"، قالت إليزابيث.

"هو يعمل في المسرح. المسرح مهنة مثل أي مهنة!"، قالت جولي.

"لا"، قالت إليزابيث.

"بابا أيضاً يكتب كتب أطفال."

"بابا مدرس"، قالت إليزابيث. صبت جولي لنفسها ماء صودا.

"لا يجب عليك أن تشربي الصودا"، قالت إليزابيث. "أنت تعرفين أنها تصنع لك غازات."

"أنا أريد الغازات"، قالت جولي.

"وبخلاف هذا، لا يمكن مقارنة مؤلف كتب الأطفال بالأرتيست!"

"لا!"، قالت جولي، "إذا لم تتوقفوا الآن، فسوف أقوم وأذهب!"

"بدون تهديد"، قال مارتين شيمخ.

"جيد وجميل"، قالت جولي وقامت على رجليها. "لا تبحثوا عني. البحر سوف يلقي جثتي بعد ثلاثة أيام!" ركضت إلى الباب.

"جولي!"، هتفت إليزابيث.

"دعيها"، قال مارتين شيمخ، "سوف تعود بعد ساعة".

بعوضة صغيرة انحبست في متاهة إبط إليزابيث. موتها الحمضي كان مسألة وقت.

"وماذا عن البطيخ؟"، وجهت إليزابيث السؤال لماكس.

"أنا أعتذر"، قال ماكس.

***

ليس هناك طفل لا ينام. فقط الطفل نَحَمو كان يتسلق على السقف، وينتظر دينا العنيدة. في البدء كان يعتقد أنها ستأتي من النجوم. ومع مرور السنوات بدأ ينظر لأسفل، ويرى فتيات يتنزهن مع الجنود. عادت جولي بعد نصف ساعة. بسبب الرياح. الرياح الغربية في هذا المساء كانت لها قوة غير عادية. سعداء هؤلاء من يذهبون للنوم بداخل أبواب مفتوحة. أرادت جولي دخول الحمام، ولكنه كان مضاء.

"أحد بالداخل؟" سألت جولي.

"ماكس بالداخل"، هتفت إليزابيث من الشرفة. خرجت جولي من الشرفة وسقطت بداخل الكرسي المريح بدون أن تقول كلمة. كان متعبة وحزينة. مارتين شيمخ كان شاحباً، الدش لم يصلح حاله تقريباً. شعرت جولي بنفسها ثقيلة، ثقيلة جداً، كانت منتفخة من الغازات. وقفت ذبابة على البطيخ.

"لماذا لا يخرج؟"، سألت جولي. "كم من الوقت هو هناك؟"

نظرت إليزابيث إلى مارتين شيمخ وقالت: "ربما فقد الوعي؟"

قام مارتين شيمخ واقترب من باب الحمام.

"ماكس؟"، سأل.

"نعم"، أجاب ماكس, صوته كان مبحوحاً قليلاً.

"أنت على ما يرام؟"

"نعم."

"اعتقدنا أنك فقدت الوعي."

"لا"، قال ماكس.

عاد مارتين شيمخ إلى الشرفة.

"هو على ما يرام"، قال.

بعد عشر دقائق قالت جولي: "لم أعد أستطيع، سأعملها في البنطلون."

قام مارتين شيمخ واقترب من باب الحمام: "ماكس؟" سأل.

"نعم"، أجاب ماكس.

"ما الأمر؟" سأل مارتين شيمخ.

ماكس لم يرد.

"ما الأمر؟" عاود مارتين شيمخ السؤال. "تحتاج مساعدة؟"

"لا"، قال ماكس.

"إذن لماذا لا تخرج؟"

"لا أريد"، قال ماكس.

"ماذا؟"سأل مارتين شيمخ بصوت قاس. إليزابيث وجولي جاءا للوقوف بجانبه.

"ماذا"، كرر مارتين شيمخ السؤال.

"لا أريد الخروج"، قال ماكس، "أنا أشنق نفسي."

"نكت صديق العائلة"، قالت جولي.

"ماكس، ماذا تقول؟!" سأله مارتين شيمخ.

"أنا أشنق نفسي"، أجاب ماكس، صوته كان هادئاً جداً.

"لماذا"، سأله مارتين شيمخ.

"أنتم تغارون مني. لديكم مشاكل. لم أعد أستطيع تحمل هذا. أنا سأقوم وأشنق نفسي."

"أنا أحتاج لأن أدخل، يا ماكس!"، هتفت جولي.

"أنا أعتذر"، قال ماكس.

تردد صوت تدفق خفيف للمياه.

"ماكس؟" سأل مارتين شيمخ.

"نعم"، أجاب ماكس.

"ماذا تفعل؟".

"أنا أتبول من الخوف"، أجاب ماكس.

"ماكس، هذه نكتة تافهة!"

"نكتة تافهة"، أجاب ماكس.

"ينبغي استدعاء الشرطة!" قالت إليزابيث.

"لا، هو يمزح"، قال مارتين شيمخ.

"لا"، قال ماكس.

البعوضة الميتة سقطت من إبط إليزابيث.

"ماكس؟" سأل مارتين شيمخ، "ماكس؟"

"نعم"، أجاب ماكس.

"ثم؟"

"أنا خائف" قال ماكس.

"لماذا لا تخرج؟" هتفت جولي، "أنا أتمالك نفسي بصعوبة".

"سامحوني"، قال ماكس، "سامحوني، دقيقة واحدة".

"ينبغي طلب المساعدة!"، قالت إليزابيث.

"هو لن يفعل هذا"، قال مارتين شيمخ، "أنا أعرفه جيداً."

ماكس أنزل الماء.

قال مارتين شيمخ: "ماكس، هذه حماقة!"

"أخيرة"، قال ماكس.

قالت جولي: "ليذهب أصدقاء بابا إلى الجحيم!"

"هدوء!" قالت إليزابيث.

"ماكس؟" سأل مارتين شيمخ.

"نعم"، أجاب ماكس. صوته كان ضعيفاً جداً.

"هو لن يفعل هذا"، قال مارتين شيمخ، "هو غير قادر على فعل هذا."

"الآن أنا أصعد على الكابانيه وأربط الحبل بالمصباح"، قال ماكس.

"هو يصعد على الكابانيه!" هتفت إليزابيث.

"ماكس!" هتف مارتين شيمخ.

"أنا خائف"، قال ماكس.

"كم من الوقت سيستمر هذا؟" سألت جولي.

"ماكس!، هتف مارتين شيمخ، "ماكس!"

ثم: "ماكس!"

هذه المرة لم تعد هناك إجابة.

فتح مارتين شيمخ الباب.

"هو حتى لم يغلق الباب"، قال مارتين شيمخ، مؤلف كتب الأطفال "الجمل يخرج لرحلة"، "دينا العنيدة" و"الضفدع الأخضر".

____________________________________________

حانوخ لفين من أعلام المسرح والأدب الإسرائيلي. ولد عام 1943 لأبوين من أصول بولندية وتوفى عام 1999. نشر قصيدته الأولى عام 1967 باسم "بركات الفجر". اهتم بالمسرح السياسي الساخر، فقدم عام 1968 مسرحية "أنا وأنت والحرب القادمة"، وفي عام 69 قدم "كاتشب"، وفي كلا العملين عارض الطابع العسكري لدولة إسرائيل وسخر من عجز ولامبالاة السياسيين، مما أثار ضده النقاد، وبعد تقديم عمله الثالث "ملكة الكبانيه"، على المسرح الكامري في أبريل 1970 ، ثار الرأي العام الإسرائيلي ضده بدرجة غير مسبوقة: تظاهر المشاهدون وقاموا بأعمال شغب ضد عرض المسرحية في المسرح الكامري، وهو مسرح تابع للدولة، وطالب حزب المفدال بمنع العرض الذي يدنس شرف العهد القديم، وهددت الحكومة بوقف الدعم المقدم إلى المسرح. تعرض لفين كذلك لانتقادات شديدة فيما يخص عرضه "عدة حوارات متخلفة وأغان تهدف لصب الملح على الجروح المفتوحة"، حيث قال عنها الصحفي أوري بورات: "يبدو من هذه المسرحية الزبالة أننا جميعا قتلة حقراء، مواطنون في دولة عسكرية متعطشة للدماء"، أما رئوفين يناي فقد قال عنها: "هناك مشهد عن صحفي يذهب لإجراء حوار مع أرملة شابة سقط زوجها في القناة، ويمارس معها الحب ببهجة – فقط عقل شيطاني أو مريض نفسي يمكنه كتابة مشهد كهذا... إنها سخرية خبيثة من آلاف الأباء الثكلى."

النص الوارد هنا هو من كتاباته المبكرة. مكتوب عام 1966، وقامت دورية ميطاعم اليسارية بإعادة نشره في عددها التذكاري عن حانوخ لفين بمناسبة مرور عشر سنوات على وفاته. الصورة المرفقة هي غلاف دورية ميطاعم، وتحوي صورة شخصية للفين في شبابه. نصوص أخرى للفين يمكن قراءتها بالعربية هنا