Friday 29 January 2010

كل من هب ودب


د. سيجال بريلمان.ولدت في حيفا عام 1968. كتبت رسالتها في جامعة حيفا عن الشاعر الإسرائيلي ناتان زاخ. أم ولديها ثلاثة أطفال. تعمل مدرسة للأدب في المدرسة العليا ومحررة في دورية "ميطاعم" اليسارية. القصة المنشورة هنا مأخوذة من العدد الأخير من "ميطاعم".



كل من هب ودب

سيجال بريلمان

ترجمة: نائل الطوخي

إلى زوجي

كل الأشخاص، الأسماء، الأحداث، الأماكن، العلاقات، كل شيء ممصوص من إصبعي. أي مصصته.* ولكن هذا في القصة فقط. في الواقع لم أكن أمص إلا لك. لا تفكر حتى في أخذ هذه القصة إلى محكمة دينية. لن يصدقوك.

المخلصة، المحبة إلى الأبد، زوجتك.

كان لدي احتمالان: إما أن أقف في شباك الجامعة في الطابق الثلاثين وأصرخ – لا أريد أن أموت، لا أريد أن أموت، أو، وهذا هو الاحتمال الثاني، أن أترك كل من هب ودب ينيكني. لا أقول هذا لكي أكون صادمة. في الأدب المعاصر، كل واحدة تحاول هذا ببساطة إلى درجة الغثيان. أنا أفضل الالتزام بالحقيقة. أعرف كل شيء عن الخيال كما أعرف كل شيء عن النيك خارج إطار الزواج، الله يسامحني. ما الذي يقع خارج إطار الزواج؟ لا أفهم أبدا. اختيار سيراميك الحمام، هل يتم هذا داخل إطار الزواج أم خارج إطار الزواج؟ جيد، هذا أمر لامع. اجتماعات أولياء الأمر؟ نفس الشيء. السفر بالسيارة؟ بين هذا وذاك. النيك في البيت، على السرير، مع الزوج؟ هذا أمر لامع جدا. والنيك بالبيت، على السرير، مع شخص آخر؟ هل يقع هذا داخل إطار الزواج أم خارجه؟ أريد أن أحاول شحذ المسألة قليلا. أن تمصي لشخص ما وتنظري أثناء ذلك إلى صورة الزوج بجانب السرير؟ إذا لم يكن الزوج مبتسما، فلا مشكلة. هذا أمر داخلي. ولكن ماذا إذا كان مبتسما وفمه مفتوحا؟

إلى زوجي،

حتى هنا فكل شيء هو نظرية تخيلية. أو خيال تنظيري. الآن، اخرج من الغرفة ودعني أكتب.

المحبة منذ الأزل، المحبة إلى الأبد

زوجتك.

لنفترض، هكذا، أنني أخرج إلى مقهى، أقرأ كتابا، أضع ساقا على ساق، جيبة قصيرة، ليس جدا، ولكن يمكن أن تكون قصيرة جدا أيضا. الكتاب يوازن الأمر. لا أنظر لأي اتجاه، أركز. أكتب ملاحظات بالقلم الرصاص. أبتسم للنادلة. أبدل ساقي اليسري باليمنى. ألحس شفتيّ. أخرج سيجارة، أدخلها ثانية وعيني اليمنى تلاحظ شخصا ما. كبير؟ ليس جدا. أنيق؟ نعم. لون الجوارب يوائم لون الحذاء؟ ليس أكيدا. زوجته تجلس بجواره. مظهرها خرا. تأكل، البقرة، وأنا لا آكل. كل واحدة ورغباتها، هكذا أنظر لها باحتقار وهو ينظر لي ويراني أنظر لها باحتقار فينتقل الاحتقار له. ينشق لاثنين، احتقار لها، بينما الجزء الأسفل من جسده يقوم بعملية تمثيل ضوئي لي، البقرة لا تعرف شيئا. واحد صفر لي.

إلى زوجي،

التدريب، التدريب فحسب، لا أفعل شيئا، فقط أتدرب على اللاشيء. الأولومبياد معك أنت فقط يا حبيبي.

زوجتك

ملحوظة: الجزء القصير القادم هو مختصر لحوار يدور بين متخصصَيْن في عملية الجرد

قضيب بطول متوسط، يميل بخفة لليمين: شاب طويل جدا، أرمل جداً، أرمل لامرأتين، يأكل النساء، نلاحظ هذا على أسنانه، البيضاء الجميلة، سيارة سوداء، كبيرة، ولدان وبنت، بذلة سوداء، قميص أبيض، حزام سميك، كرافتة حمراء، والابتسامة، الابتسامة.

قضيب بطول متوسط، مستقيم: شاب واحد، متوسط جدا، شامة بنية كبيرة على كتفه الأيسر، وشم عقرب على كتفه الأيمن، ساقان مشعرتان، مؤخرة مسطحة، مهندس طعام.

ليس هناك قضيب، هناك زر: شرطي، بزة مكوية، يبكي في الأفلام السويدية.

قضيب طويل، سميك، للتلويح بالعلم، وقفة انتباه: طويل، شعره أسود، حاجباه ثخينان، ذقنه محددة على طول الفك، سيارته كبيرة ورمادية، لحسَتْ رأسه ومنحته قبلة.

والآن، كل من هب ودب. تزوجت في سن العشرين. كنت بالكوشة أرتدى البزة العسكرية التي حصلت عليها من مركز الاستيعاب والإمداد بعد تسريحي، ولكن هذا لا يزال في المنطقة الرمادية. إذا كنت ارتديت بزة عسكرية صباحا، لماذا يأخذونها مني في مساء نفس اليوم. لدى دخولي إلى القاعة، أدى لي جميع الضيوف التحية العسكرية، وكذلك فعل الحاخام العسكري. في اليوم التالي صباحا ذهبنا إلى المطار، زوجي وأنا. هو بشورت وبقميص بولو مبقع وأنا بالبزة العسكرية. ضباط التفتيش في المطار أدوا لي التحية العسكرية. وكذلك المضيفات في المطار. في اليونان تعريت، ولكنني لم أفعل هذا إلا في الغرفة. تجولنا في أثينا وصعدنا للأوليمب. فوق، على الجبل، أهداني زوجي سلسلة وخاتما لكي يكتمل المنظر. جميع السائحين أدوا التحية العسكرية لي. شعرت بأنني على الأولمب. بعد عام وثلاثة أشهر، وصلت إلى غرفة الولادة، بالبزة العسكرية. القميص كان على ما يرام وأمي قامت بتوسيع بنطلوني بالمطاط. خلعتهما في غرقة الولادة، لا يمكن ولادة الرضيع هكذا، وعندما خرجت الرضيعة، لحست لي على الزرار من فوق حلمتي. ثم ولد بعدها ثلاثة أطفال، وعلى أية حال، فكل هذه العملية كانت ثقيلة للغاية. ماما، هكذا تعلم الأطفال بسرعة، ينبغي احترامها، ليس بسبب البزة العسكرية، وإنما لأنه هناك ماما واحدة فقط. في سن 35 خلعت البزة العسكرية ووضعتها في الكيس ووضعت الكيس في الرف العلوي في الخزانة، من الخلف. بدأت أدع كل من هب ودب ينيكني. رجال شرطة، جنود نظاميون، جنود إلزاميون، حرس الحدود، جنديات شرطة. كل شيء ظل في إطار العائلة.

إلى زوجي،

ما قرأته الآن قد يصرف نظرك عن الأساس. الجروتسك، كما هو معروف، يزيل كل المخاوف من قلوب الأزواج.

مع التحية العسكرية،

زوجتك.

شهادات متناقضة، سيرة ذاتية، باختصار، الحقيقة كلها: في يوم الثلاثاء، 22/4/08، تعرفت على محامي، متخصص في العقود، مشارك أساسي في مكتب بالمدينة، وكذلك في شارع أورلوزروف بشقة على السطح، ثلاث غرف، متزوج، امرأته تعمل خارج المدينة. جميلة، نحيفة، عاقر. في المرة الأولى تنايكنا عنده بالشقة. لساعتين. في كل الاتجاهات. المرة الثانية كانت في الثامنة مساء، وحدثت في مكتبه. طاولة، سجادة ، سجادة، طاولة. في المرة الثالثة زارني هو، فرشت مفارش جديدة على السرير، مصصت له ووصل هو. حدث هذا بعد مجيئه بربع ساعة. بعدها، بعد نصف ساعة، وصل مرة ثانية. هذه المرة، ظلت البقعة على السرير. عندما ذهب، بدلت المفارش. ثم التقينا لـ30 أو 35 مرة أخرى. النساء لا يتذكرن ما حدث بدقة إلا في المرات الأولى. كل ما حدث منذ ذلك الوقت أصبح ضبابيا. نيك في نيك في نيك. أحيانا، بين هذا وذاك، كنت أمارس الجنس وأنا أتخيله. لم يحدث هذا وأنا معك. لا يمكنني التصديق على هذا، ولكن المهم هو القلب. القلب، وقلبي معك.

إلى زوجي،

إذا لم تكن قد قرأت، فمن المفضل ألا تقرأ. متى تصل اليوم. أعددت فطيرة البشتيدة.

المخلصة، إلى الأبد،

زوجتك.

________________________________________________

* تعبير في العبرية يعني مختلق

Friday 22 January 2010

عن أختنا طالي فحيمة تغني العصافير

ميئير فيزلتير

ترجمة: نائل الطوخي

ميئير فيزلتير. واحد من كبار الشعراء الإسرائيليين. ولد ميئير فيزلتير عام 1941، بموسكو بالاتحاد السوفييتي. هاجر إلى إسرائيل عام 1949، بدأ دراسته الجامعة في كلية الحقوق بالجامعة العبرية، لكنه سرعان ما غادرها ليدرس الفلسفة والتاريخ العام. بعد انتهاء دراسته، أقام لسنوات عديدة في أوروبا، وهناك شارك في كورسات وورش كثيرة عن تاريخ الأدب. فيزلتير حائز على جائزة بياليك الأدبية عام 1995، وعلى جائزة إسرائيل للأدب والشعر عام 2000. وهو أستاذ بقسم الأدب العبري والمقارن بجامعة حيفا. معروف بقصائده السياسية. على مدار السنوات كتب قصائد احتجاجية كثيرة ضد الاحتلال الإسرائيلي بالضفة الغربية، وضد حرب لبنان وضد المنظومة الثقافية التي أوجدت ثقافة الحرب الإسرائيلية. كما اشتهر بقصائد الحب الحسية التي يكتبها. من دواوينه "قصل 1 فصل 2" (1967)، "خذ" (1973)، "بالداخل بالخارج" (1977)، "مختصر سنوات الستينيات" (1984)، "أنا يوناني" (1985)، "رسائل وقصائد أخرى" (1986)، "قصائد بطيئة" (2000).

_______________________________

البقية تأتي

الحرب هي استمرار للسياسة،

وجنوب لبنان هو استمرار للجليل الأعلى

وبناء عليه، فطبيعي أن تقوم الدولة

بحرب في لبنان.


الصبا هو استمرار للطفولة

وجنوب لبنان هو استمرار الجليل الأعلى:

وبناء علي، فطبيعي من الأطفال والصبيان

أن يطلقوا النار على بعضهم في لبنان.


حفر القبور هو استمرار للكهانة.

وجنوب لبنان هو استمرار الجليل الأعلى:

ولهذا سيحفر متعهدو الجيوش

قبورا طازجة في لبنان.


الصحافة هي استمرار الثرثرة،

وجنوب لبنان هو استمرار الجليل الأعلى:

ولذا تزن الصحف بجدية

مكاسب الحرب في لبنان.


الشعر هو مقلوب القول،

في جنوب لبنان أو في الجليل الأعلى.

لذا فما قيل يشبه ما لم يقال،

وأيضاً سوف نخرج إلى الحرب في لبنان.


بابا وماما ذهبا للسينما


تقلب الصفحات، أعمام عراة

يجرون عاريين ونحيفين للغاية،

وعمات أيضاً تبرز أطيازهن للخارج

ورجال بالبيجامات مثلما في المسرح

ونجمات داود قماشية.

وكلهم قبيحون للغاية ونحيفون

وأعينهم واسعة كأعين الطير.


إنه مختلف بشكل رهيب وكئيب للغاية،

وإيلانا لديها أقلام رصاص حمراء

وزرقاء وخضراء وصفراء ووردية.

عندئذ ذهبت إلى غرفتها

وأحضرت جميع الأقلام الجميلة

ورسمت برغبة شديدة

للجميع نظارات وملامح مضحكة.

وبالتحديد للطفل الأصلع النحيف

رسمت له شاربا عملاقا أحمر هكذا

وفي طرف الشارب تقف عصفورة.

من سلسلة قصائد "لندن 6-1956"، 1984

كل من لا يقرأون الشعر


وبالتقريب فكل الناس،

يقرأون أشياء أخرى. مثلا،

تعليمات استعمال الدواء،

عناوين التليفزيون، القوائم،

رسائل الإس إم إس، الإيميلات والتقارير

الوصفات الطبية، تعليمات تركيب أثاث إيكيا،

المبالغ الشهرية لبطاقات الائتمان،

التفاصيل الشخصية في مواقع التعارف،

الريجيم، طرق الإقلاع عن التدخين،

البطاقات على الزجاجات والعلب الأخرى،

الصحف، وحتى الروايات.

غلاية تضج بالكلمات والأحروف

في القواميس، وحتى دماؤهم

مزدحمة بالكلمات والأحرف ونقاط الوقف،

مثل خصلة طفل مقمل، جاهلة.

الحياة بوصفها مدينة

حتى الآن لازلت أعيش في نفس المدينة.

خمسون عاما ونفس المدينة؟

عشت في مدن أخرى أيضاً.

هنا وهناك، ولكن أقل كثيراً.

هل هي لا تزال نفس المدينة؟

خمسون عاما ونفس المدينة؟

هذا حلم ليس مفيدا أن نحلمه.

المدينة لا تقع في المكان.

ليست مثل القصيدة الباقية في عينه

يواصل الحلم بأن وقتها لم يمر،

بأنها لم تعد شرخا من حجر بارد-

وإنما ديناصور حي ويغني.

وحتى لو جاء قارئ آخر

مذهول ومستنكر

فهو لن يغير حرفا أو علامة ترقيم.

يكفي القصيدة وضوحا أنها مفهومة.

أبيات كتلك تدل على العمر،

بل وستصدم صائغ قافية مبتدئ.

فقط شخص ذقنه بيضاء كالورقة

سوف يخطها بدون أن يهتز جفنه.

حظ جيد أن هناك مطرا

حظ جيد أن المطر يهطل، وليس هناك عدل

في العالم. ولو كان هنا عدل،

فالمطر لن ينقذنا. في المدرسة

يدرسون

القتل كحرفة.

وفي البلاد التي يهطل المطر فيها

تتم تغطية كل الفظائع ببطانية بيضاء.

فقط المعدات الثقيلة، الضخمة، في الأرض المجمدة

هي التي ستكتشف أحيانا

عن جماجم بشرية محطمة ، أو ماموثات.

وفي المناطق التي يدور فيها

الرمل مع السحب الترابية

في جفاف قاحل لا نهائي،

يمكن للرمل أن يغطي مدنا بكاملها

بدون أن يعرف أحد أنها موجودة بأحضانه.

لو كان هناك آلهة، أو إله واحد خفي

يحلق، أو تحلق، على وجه الوجود،

هل كان ليستجيب لرغبتنا في اللعب

بتجلٍ، أم بطاعة، أم بفداء؟

عن هاآرتس

عن طالي فحيمة*

ما الذي تغنيه العصافير في سماء الرملة

ما الذي تغنيه نهارا؟

طالي فحيمه أطلق سراحها،

خفضت ثلث عقوبتها نهارا،

تغني العصافير في سماء الرملة.


صباح الخير أختنا،

تغني العصافير في سماء الرملة:

أنت أيضا طرت على أجنحة الرغبة

في دفع شرارة الحياة ببلد الموت،

تغني العصافير في سماء الرملة.


وأنت أيضا تجاهلت الحدود المعينة

على خرائط لا نقرأها،

تغني العصافير في سماء الرملة.

ومثلنا فلقد تعقبت الحواجز والحراس

المسلحين والسعداء بإطلاق النار.


ومثلنا، فلقد هبطتِ في مدينة خربة،

تغني العصافير في سماء الرملة.

على أمل أن تجدي فيها هي أيضاً الفتات

لتغذية القلب الراغب في الحياة،

تغني العصافير في سماء الرملة.


وبرغم أن الإنسان للإنسان كالذئب،

والإنسان للإنسان كالأصم،

فلقد فردت جناحيك بالحاسة السادسة،

وطرت لتري وتسمعي بدون وساطة،

تغني العصافير في سماء الرملة.


وأنت فتحت فمك، وزقزقت بصوت عال،

تغني العصافير في سماء الرملة.

برغم أن صوتك خافت مثلنا،

وليس لديك مضخم للطاقة، ولا تاكسي ليقوم بوظيفة

الإوز، منقذ روما.


أسمعت صوتك من فوق كل الأغصان

التي يمكنك الاستراحة عليها لدقيقة.

وإنقاذ المدينة من أيدي الحراس،

الحراس الذين يطلقون النار على كل ذوي الأجنحة،

تغني العصافير في سماء الرملة.


والصيادون، الذين جرحوا جناحك

وأسقطوك في فخ أحمق،

تغني العصافير في سماء الرملة،

حتى آخر أيامهم سيأكلون القش والبراعم

التي نستخدمها في بناء أعشاشنا.


وكتاكيتهم سوف تخرج من البيضة

يوما ما وينبت لها جناح

وسوف يواصلون الطيران في الطريق الذي حددت معالمه

وسوف يحتقرون أمهاتهم وآبائهم،

تغني العصافير في سماء الرملة.

نشرت في معاريف 1-12-2007

________________________


*طالي فحيمة، ناشطة إسرائيلية راديكالية، التقت عام 2004 بزكريا الزبيدي رئيس "كتائب شهداء الأقصى" في جنين. تم حبسها حبسا إجرائيا على يد الشاباك الإسرائيلي، كما استجوبت وتم التحفظ عليها في الحبس الانفرادي، تحت زعم أنها خططت لعمليات فدائية في إسرائيل. اتهمت بدعم منظمة إرهابية، وحيازة سلاح بدون ترخيص ومساعدة العدو أثناء الحرب. واعترفت هي بترجمة وثيقة سرية من العبرية للعربية، وأدينت في النهاية بجرائم أقل خطورة، مثل تقديم معلومات للعدو والاتصال بعميل أجنبي. تم إطلاق سراحها في يناير 2007. أثار حبسها الرأي العام في إسرائيل وبالتحديد من جانب نشطاء اليسار، وممن كتبوا قصائد عنها أيضا الشاعر أهارون شبتاي.

Friday 15 January 2010

لا زلت أحب وأحيا، لا زلت حمقاء: محبات ليئا جولدبرج

ليئا جولدبرج

ترجمة: نائل الطوخي


بمناسبة مرور أربعين عاما على رحيل الشاعرة العبرية الكبيرة ليئا جولدبرج، ننشر هنا فقرات من يومياتها.

هذه الفقرات من يومياتها منشورة عام 2005، أي بعد وفتها بخمس وثلاثين عاما، وأثارت لدى نشرها جدلا كبيرا، تمحور حول سؤال إن كان يمكن أن تنشر على العلن تفاصيل حرص صاحبها على إخفائها طيلة حياته، خاصة أن كثيرا من هذه اليوميات يصف علاقات مرت بها ليئا في حياتها، ومشاعر حب كانت تكنها تجاه أشخاص بعينهم.

***



حب ليئا جولدربرج لطبيب الأذن الخاص بها، د. رودي فيرت


31.7.55

بالأمس، عند الفيرتيين (عائلة فيرت) في الحديقة. جيد أنني سأغادر تل أبيب. لدي جميع الفرص لكي أكون مثيرة للسخرية. لم أرغب حتى في كتابة هذا، ولكنني لم أستطع.

لم أنم في الليل.

أسمع برجوازيا صغيرا يقول: "يا للشعراء"! البرجوازي الصغير معه حق. الفعل هو مركز الاهتمام، خارج أي قصيدة. النموذج الأكثر ابتذالا لهذه المرأة التي تحب في سن الرابعة عشر مدرسها وفي سن الرابعة والأربعين تحب طبيبها... ولكن شعور التحجر لا يخص إلاي.

أهذا عزاء؟ أم تبرير؟

لو كنت قد بدأت، فسأكون صادقة مع نفسي إلى النهاية، ربما يكون هو الرجل الوحيد الذي أريد الزواج به. آمل أن تتبخر هذه المشاعر بعد أيام أو أسابيع.

بيننا تعاطف عميق للغاية – هذا هو ما سيتبقى.. مثلما كان الأمر دائما.

بعد الظهيرة

كل هذا مرعب ورهيب. أنا مضطرة لشرح شيء، على الأقل لنفسي. فهذه الأوراق يمكن اقتلاعها من الكراسة. كنت أثق ثقة كاملة في أنني لن أعود لكي أكتب أبدا حماقات كتلك. والآن ها أنا نفس البنت ذات الخمس عشرة عاما.

أعرف جيدا على أية هيئة رآني ر. (د. رودي فيرت) على طاولة التحليل. بدون أسنان. أعرف جيدا كيف تنظر لي الممرضة الجميلة المساعدة. أعرف آلاف الأشياء الأخرى، ولا أوهم نفسي بأشياء. ولكنني مجنونة تماما. أعرف أنه برغم هذا فهو لم يتحدث بالأمس إلا لي، وكل البقية لم يكونوا موجودين بالنسبة لنا، رأيت بأي عينين دافئتين وطيبيتين تطلع لي عندما حدثته عن أمي. رأيت وسمعت كيف ضحك لأي نكتة أقولها. هذه أيضا حقيقة. وأنا لا أبالغ، في هذه الأشياء أنا لا أبالغ أبداً. بالعكس، تعودت على أن أعتقد أنني أتخيل أشياء. ولكنني هذه المرة لم أكن أتخيل.

برغم هذا، إذا فكرنا في الأمر بفكر صاف، فمن الواضح أنه لن تخرج من هذا "قصة حب" سطحية. وهذا جيد. والآن، للمرة الأولى في حياتي، أقول: أدعو الله ألا يكون هذا إلا موضوعا شعريا. أتمنى ألا أعاني، أتمنى أن يكون هذا مجرد جنون عابر، أتمنى أن لا يكون هذا إلا شهادة على وجود شيء مازال شاباً بداخلي (أو – على العكس، هل تحب العجائز هكذا؟) وأنا، مع كل هذا، سوف أقوم بحركة جنونية وأرسل له "الحرب والسلام" اليوم. ليفسر الأمر كما يعجبه.

لماذا لا أرتكب حماقات. لا زلت أعيش. لا زلت أحب. لازلت حمقاء كما كنت دائما.

صوته غير الناضج eine schleppende Stimme – صوت "رخيم" بالألمانية – مضحك، كل شيء، كل شيء يعجبني فيه.

سوف أقطع بعد فترة ما هذه الصفحات. سوف أقرأها ويحمر وجهي وأقطعها.

- نعم -

9.9. 55

لن أقطع هذه الصفحات من الكراسة. لماذا؟ كل ما كتبته هنا أصبح غير مهم بعد يومين. ربما يبهجني قليلا عندما أعود وأقرأه فيما بعد.


ليئا لجولدبرج ليوسف أوفين (غير مؤرخ)


العزيز يوسف

اليوم استلمت خطابك الذي جاء من خلف كل هذه المسافة البعيدة، ليست المسافة الجغرافية لـلـ"حولاه" فحسب، وإنما، على ما يبدو، الأمر أكبر من هذا. عرفت أنه لا يمكن أن يكون الأمر على غير ما هو عليه الآن، ومع كل هذا فأنا حزينة. وحتى الكلمات الأخيرة عن قصائد "شخص قريب" تبعدني مسافة أدبية ما. عرفت، أنه لهذا لم ترد على خطابي الأخير. كان أحمق للغاية هذا الخطاب. كيف حدث لي هذا الأمر؟ أنا، التي دائما ما كنت أفسر علاقة الآخرين بي على المحمل السلبي، أخطأ خطأ كهذا وأبالغ وأحلل الأمر على النقيض! هذا السور من العزلة المضروب حولي، الذي عشت فيه سنوات طويلة للغاية – لماذا هيأ لي الآن أن فجأة أن شخصا ما قد اخترقه؟

هذا الإحساس "بأنني أملك شخصا ما" تسلل لي خوفا من عدم الفهم، خوفا من عدم الفهم أثناء قراءة خطابك، والذي كان غامضا جدا ومفاجئا جدا. لفترة بسيطة قلت أن هذا هو الأمر. عندئذ جاء صمتك الطويل ردا، وفي النهاية خطابك الأخير هذا. لأجل خاطر الله، يا يوسف، عندما ترد على خطابي هذا، لا تكتب لي توصيات بأن "أكون شجاعة"، ليس هناك ما أهو أفظع من هذا. أنا، ببساطة، بعد تردد طويل جدا، قررت الحديث بشكل صريح في المرة الأخيرة، وليست لدي أية ادعاءات أو أية طلبات، فقط طلب واحد: اكتب لي، بدون أي بلاغة، أنت تريد علاقة صداقة بيننا، علاقة صداقة فحسب. وأنا سوف أعود لأكون صديقتك كما كنت، وسوف أتغلب (أنا أعرف كيف أتغلب) على كل الأشياء التي كانت بيننا. فمن الواضح بالنسبة لي (لولا أنك كتبت بعدم حذر جملة "ماذا كان بيننا؟" في خطابك الأخير)، واضح لي أن كل شيء كان من جانبي وأنه يكفي. وسوف أتمكن من عدم الإشارة إلى أي شيء لك للأبد. ألم أستطع من قبل التصرف هكذا، ففي الليلة التي "أنقذنا" فيها تلك الشابة، كنتُ مرة ثانية، كما تريد، مجرد صديقة، كما كنتُ قبل تسع سنوات. والآن يمكن لكل شيء أن يستمر، لولا أنك كتبت هذا الخطاب الذي لم أستطع قراءته.

أعرف، يا يوسف، أن هذا الخطاب مؤلم بالنسبة لك وأتمنى لو كنت قد امتنعت عن أن أتسبب لك في عدم ارتياح. لديك، كما يبدو، ما يكفي بدوني. ولكن الأشهر الأخيرة كانت قاسية جدا عليّ، أكثر مما يمكنك أن تخيل، واليوم انفجر كل الأرق، وتحول إلى خطاب. متيا حكا لي أنك انتقلت للعمل في بستان، وأنكما كنما سويا في صفد، وأنك سعيد بالعمل الجديد، وتنوي الاستمرار فيه طويلا. لم يكن سهلا جدا عليّ أن أسمع كل هذا من الطرف الآخر وأتظاهر أن كل شيء جيد وسلس. ولكن يبدو لي أنه حتى ناقدة مسرحية حادة ووقحة مثلي لم تكن لتجد عيبا في لعبة لامبالاة الأصدقاء. أصلا، كل هذا ينتمي للماضي. أنا قلت كثيرا جدا، أكثر بكثير من الحاجة. هل الأمر فعلا رهيب لهذه الدرجة.

واضح أن هذه القصائد كتبها شخص أقرب بكثير مما اعتقدتَ، وماذا فيها؟ أرجوك ألا تكون هذه الأمور حاجزا بيننا يا يوسف. لا تعتقد أنك خسرت شخصا جديد: ليس لدي أي سبب للغضب، أو لشيء ما مشابه. دائما سأسعد بأن أكون بقربك، فقط قم من أجلي بهذا المعروف، اكتب لي بمنتهى البساطة ما تريده، لا اعترافات. لا. (ما الذي يمكن أن يغيره الاعتراف؟ وحتى لو كان شيء ما يضايقك، وحتى لو كان الضيق كبيرا، هل يمكن لأي شيء أن يغير علاقتي بك؟ ها أنت قلت أخيرا الحقيقة، بالنسبة لي فكل شيء جاهز ومستعد لأن أكون بقربك كما كان الأمر). لا، اكتب، ارم الكلمات القليلة: لم يكن هناك شيء وينبغي أن يكون كل شيء كما كان قبل "عدم الفهم" هذا. أليس هذا واضحا؟ أم أن خطابي هذا يثقل عليك، ثم ستقول لي كلمات أكثر صراحة من اللزوم عن رغبتك بإيقاف الصداقة؟ ومع هذا، اكتب لي أيضا هذا الأمر، لأنه يمكنني احتمال كل شيء بهدوء، فقط لن أحتمل صمتك لنصف عام آخر.

طيب، ها قد كتبت الآن خطابا تكتبه طالبة صغيرة. من كان يصدق أنني أكتب خطابات كتلك؟

لتكن بسلام، ولا تغضب، كل الخير لك، الكثير الكثير من الخير يا يوسف. هذه هي المرة الأخيرة التي أكتب لك فيها.


المخلصة، ليئا.

***


ولدت ليئا جولدبرج عام 1911 في بروسيا الشرقية، ألمانيا (روسيا اليوم)، وتوفت عام 1970 في إسرائيل. في الحرب العالمية الأولى هربت عائلتها إلى منطقة سرتوف في عمق الأراضي الروسية. وعادوا إلى لتوانيا حيث قام جنود لتوانيون بتعذيب أبيها المتهم بالشيوعية في ذاك الوقت، على مدار عشرة أيام.

درست ليئا الفلسفة واللغات السامية في جامعات كوبانا، برلين وبون. وأعدت رسالة الدكتوراه عن اللهجة السامرية في جامعة بون، بإشراف المستشرق الشهير بول كاهله، ولدى انتهاء إعدادها للرسالة عادت إلى لتوانيا، حيث عملت في تدريس الأدب بالمدرسة العبرية.

هاجرت لفلسطين عام 1935 بمساعدة الشاعر أفراهام شلونسكي وانضمت لجماعة "سويا" التي كان يرأسها شلونسكي مع الشاعر الكبير ناتان ألترمان. وفي هذا العام صدر ديوانها الأول "خواتم من دخان"، بعدها بعام هاجرت أمها إلى فلسطين، وانتقلت الاثنتان للسكنى في تل أبيب.

في عام 1950، وعندما عرض عليها العمل في الجامعة العبرية بالقدس، انتقلت للسكنى هناك مع أمها، وفي الجامعة العبرية تم تعيينها كأستاذة، وقامت بتأسيس قسم الأدب المقارن هناك.

في بداية عام 1970، توفت ليئا جولدبرج بالسرطانن وهي تبلغ 59 عاما. دفنت في القدس. وحصلت على جائزة إسرائيل بعد وفاتها، واستلمت الجائزة أمها تسيلا، والتي واصلت الحياة بعدها بـ13 عاما. وقد أوصت تسيلا بأن تنقش على قبرها أربعة كلمات بالعبرية، تعني: "أم ليئا جولدبرج."

ووفق بحث أجراه د. يفعات فايس من جامعة حيفا فلقد توفى أبو ليئا جولدبرج في الهولوكست.

من دواوينها: "قصيدة في القرى"، "من بيتي القديم"، 1944، "حب شمشون"، 1952، "برق في الصباح"، 1955، "مع هذه الليلة"، 1964، "بقية الحياة"، نشر بعد موتها، 1971.

بالإضافة إلى رواية سيرية بعنوان "هو النور"، المنشورة عام 1946، وأعيد طبعها عام 2005.

Friday 8 January 2010

عايدة

سامي ميخائيل

ترجمة: نائل الطوخي


واحد من أهم الأدباء اليهود من أصل عراقي في إسرائيل. ولد سامي ميخائيل عام 1926 في بغداد باسم صلاح منسى. وأصبح عضوا في الحركة اليسارية العراقية لحقوق الإنسان (الحزب الشيوعي اليهودي العربي) وهو مازال يدرس في الثانوية. عام 1948، وهو يحمل الاسم الذي ولد به، صدر أمر باعتقاله واضطر لتغيير اسمه والهروب إلى إيران وبعد فترة قصيرة، في 1949، هاجر لإسرائيل، في البداية أقام بيافا ثم انتقل للإقامة في حيفا. نشر في البداية مقالات في الصحافة العربية بإسرائيل، وفي عام 1974 نشر رواية الأولى "متساوون ومتساوون أكثر".

لاقي ميخائيل صعوبات في العثور على عمل بإسرائيل لسنوات، بسبب كونه شيوعيا. ولكن برغم هذه المصاعب فلقد تم استعابه في العمل بالخدمة الهيدرولوجية بوزارة الزراعة، حيث عمل هناك لعشرات السنوات. هذه المصاعب موجودة في كتابه شبه الأوتوبيوجرافي "مياه تقبل المياه"، والمنشور عام 2001.

ميخائيل هو أخو نادية، وهي أرملة الجاسوس الإسرائيلي الشهير إيلي كوهين والذي تم شنقه في دمشق عام 1965.

من كتب سامي ميخائيل: "متساوون ومتساوون أكثر" (1974)، "حماية" (1977)، "هذه قبائل إسرائيل" (1984)، "فيكتوريا" (1993)، "الجناح الثالث" (2000)، "حمام في ترافلجر" (2005)، "عايدة" (2008). الفصل المنشور هنا من روايته الأخيرة "عايدة" تم نشر أصله العبري في صحيفة هاآرتس. الرواية تتخذ من حياة اليهود في العراق خلفية لأحداثها.

عايدة


فتح زكي دالي عينيه وقلبه صاف، تقريبا يبتسم لنفسه. مرت به أيام مثل هذه. لو أشار له شخص ما أنه لم يتجاوز السبعين بعد، كان ليرد بصمت متسامح. أبحر في اليقظة كأنما حدث هذا بعد ملاحة هادئة في مياه ساكنة. تسللت ضوضاء البيت لأذنه. وهو مازال في السرير، في غرفة النوم الحارة، شعر ببرودة جاثمة في الخارج لم تذب بعد لسعتها مع شروق الشمس. من خلف الباب المغلق تسللت الأنغام المرحة لدون جوفاني. قبل أن يصعد إلى سريره كان قد أصلح جهاز الستيريو، ولكن عفيفة لم تجرؤ لدى مجيئها نهارا على الضغط على الزر. دوما ما ارتسمت دوامات أصوات النساء والرجال في خيالها كلحم عار على شاطئ البحر، مثل هذا الذي يظهر في الأفلام الفاسقة. دربت عفيفة إذن الإصبع الأسمر والدقيق لابنتها رنين، منذ طفولتها على الضغط على الزر الذي يتيح طوفان الأنغام. جسد الطفلة كان يميل للاستجابة للجلبة، وهو الأمر الذي أخاف عفيفة أكثر. الآن رنين طالبة ولازالت تحن لأصوات النساء والرجال المنضفرة ببعضها البعض، تمنح أحساسيهم تحرراً بقوة كتلك.

إحساس بالرضا سيطر على قلب زكي عندما تذكر التقرير التليفزيوني الأسبوعي الذي أعده بالأمس لبرنامج "مواقع ومناظر"، والذي حظى بشعبية بين المشاهدين الذين يستنجدون بالنوستالجيا، حتى لو كانت كاذبة. من ردود أفعال الطاقم الفني فهم أن عمله قد نجح هذا الأسبوع. الموضوع كان البحث عن فطر الغراب في السهول الممتدة غرب الرمادي. ولكن ليس التقرير، ولا أنغام الأوبرا ولا حتى النوم الهادئ، كان هو ما حفر بعمق في لحم زكي هذا الصباح. اليوم هو الجمعة الأولى في الشهر، كعادته منذ سنوات سيزوره الليلة نزار السيد مع ثلاثة بنات. دوما كن ثلاثة بنات من أجل رجلين. بفضل الفقر والعوز في فترة الحصار الاقتصادي وبرنامج "الطعام والدواء مقابل النفط"، حاز نزارالسيد على أجمل ما في الصبا – العقل والجمال. لم يخطر على بال زكي أن يدافع عن نفسه أمام نفسه. لأنه رجل كريم، فلقد كان يعتقد أنه أيضا شخص جيد. الشخص الأخلاقي، كما يقول لنفسه، لن يرفض باقة زهور ندية فقط لأنها قطفت في ريعها. بين هذا وذاك، ربما كانت تجد طريقها للمزبلة. العالم الذي يعيش به ملآن بالمزابل والقبور. وهو، زكي، معدود من بين المحظوظين القلائل. هذه في الواقع هي خلاصة الشفرة الأخلاقية في البلد التي تقوم بتمزيق لحمها من عليها، بل وتساعد الغرباء على فعل هذا.

هبط من على سريره، فتح باب غرفة الحمام على اتساعه وغمره ضوء غريب. خطر على باله الآن أخواه المقيمان في الولايات المتحدة وأخته ليلى، المعمارية في أكسفورد. لقد سلما بهاجسه في أن يكون اليهودي الأخير ببغداد. تذكرا جرحه الرومانسي واحترماه، مثلما احترما العرج الذي ولدت به ليلى. اعتقدوا أنه حكم على نفسه بالرهبنة في العراق القاسية وتوسلا إليه على قدر ما استطاعا. وابتهجوا بإعادة تشكيل البيت الذي كبروا فيه. في قلب عملية التجسيد والتشبيه الهندسي قاموا بإعادة إحياء البيت الذي تحول الآن إلى خلطة من الفساد العثماني، الجاذبية البريطانية والسحر الياباني المنعش. الناتج النهائي ذكرهم ببيت دعارة أمريكي مبهرج. ضحك زكي بارتباك لدى انتهاء عملية الترميم الثوري. وبرغم هذا فلقد أحب كل زاوية في القصر، والذي لا تزال تتردد بين جدرانه أصوات أبناء العائلة اليهودية القائمة منذ حوالي خمسين سنة.

توجه إلى الجاكوزي الذي تفور فيه الفقاقيع، وبقلب منهك فكر في الصبيتين الذكيتين النضرتين اللتين ستأتيان الليلة إلى بيته. أنت شخص سليم وشبعان في أرض جائعة ومندوبة، فكر في نفسه. في هذه اللحظة تحرص رنين، ابنة السائق، على إعداد الإفطار – عسل البلح، قيمر، خبز أسود، بيضة نصف مستوية وشاي لاذع وحلو. من خلف خشخشة الأمواج المبثوثة التي تقطرمن الميكروفونات المزروعة في جدار الحمام، دهمته روائح الحياة الندية. نزل إلى الطابق الأسفل، مغتسلا ومحلوق الذقن ومرتدياً قميص جولف. بأسفل السلم كانت تنتظره رنين وابتسامتها تنير وجهها الشاب. الشريطة الزرقاء التي تربط بها شعرها كانت ممتدة الآن على جبينها بتأنق مقصود. أحبت نظرة الانفعال التي بدت في عينيه. أبرزت انتفاخ ثدييها المنتصبين. لأكثر من ساعتين تعمل مع أمها في ترتيب البيت والطبخ استعدادا للوليمة المسائية. تصلب زكي أمامها. كانت يداها معقودتين خلف ظهرها كمضيفة مثالية. وبابتسامة أشارت بذقنها باتجاه غرفة الطعام "صباح الخير يا عمي. الإفطار جاهز. عصرت برتقالا طازجا."