Sunday 9 October 2011

أيفي ناتان.. قصة صاحب السفينة


نقدم هذه المرة ترجمة لصفحة من الويكيبيديا المكتوبة بالعبرية، عن أيفي ناتان، نشط السلام الإسرائيلي. ناتان، الإيراني الأصل، سواء اتفقنا معه أم اختلفنا، يظل صاحب قصة مبهرة ومليئة بالتفاصيل في السعي من أجل أهدافه. استمتعوا.

ترجمة: نائل الطوخي



أفراهام "أيفي" ناتان (29 أبريل 1927 – 27 أغسطس 2008) كان نشطاً من أجل السلام، نشطاً إنسانياً وطياراً في سلاح الجو الإسرائيلي.


طفولته وهجرته لإسرائيل

ولد أيفي ناتان عام 1927 لماتيلدا ويعقوف في مدينة أبادان بإيران. عندما بلغ 12 عاما، انتقلت أسرته لمدينة مومباي بالهند، ومنذ سن السابع عشر خدم في سلاح الجو الرسمي. أثناء حرب الاستقلال، تطوع كطيار لسلاح الجو الإسرائيلي، في إطار "متطوعين من الخارج". في عام 1951 تم إرساله لبريطانيا لتلقي تدريبات كطيار الموسكيتو الأول لسلاح الجو الإسرائيلي، واستقال من الخدمة العسكرية في نفس العام. في الخمسينيات عمل كطيار بـ"إل عال"، واستقال في ديسمبر 1958.

أقام ناتان في تل أبيب، سكن في 6 شارع هلفرين، وفتح مقهى باسم "كافيه كاليفورنيا"، الذي تحول لمكان ملتقي البوهيمييين في تل أبيب.


رحلة "السلام 1" الجوية

في انتخابات الكنيست السادس عام 1965، نافس ناتان للكنيست على رأس قائمة جديدة باسم "نيس" (معجزة بالعبرية)، التي كانت تشير على علمها إلى سعيها للسلام مع الدول العربية. ونقصه حوالي ألفين صوت من أجل الانتقال لنسبة الحسم والدخول للكنيست. بعد أن اتضحت النتائج، تعهد بأن يحصل على دعم شعبي، وبأن يطير لمصر مع رسالة سلام.

في 28 فبراير 1966 طار إلى مصر بطائرته الخاصة، والتي أطلق عليها اسم "السلام 1"، ونزل في بورسعيد. بعد عطل في الاتصال انتشر خبر في إسرائيل بأنه قد قُتل بعد انهيار طائرته أثناء هبوطها، ولكن بعد وقت قصير اتضح أن هذا الخبر خاطئ. لدى وصوله إلى مصر حُبس، وتم رفض طلبه بلقاء الرئيس جمال عبد الناصر لتقديم بيان يدعو للسلام له. في اليوم التالي كتبت صحيفة الأهرام: "لأجل تضليل العالم، فقد قدمت إسرائيل على المسرح كوميديا بلهاء، تقوم فيها بدور المخرج والممثل الرئيسي في نفس الوقت. وصل أيفي ناتان لمصر، مصحوبا بمباركة السلطات الإسرائيلية. هذا المهرج المثير للشفقة لا يستحق الاهتمام من جانبنا ولذلك فقد تم طرده عائدا لإسرائيل، وهذا هو الرد الوحيد الممكن تقديمه". تجاهلت باقي وسائل الأعلام المصري هذه الرحلة نهائياً. بعد يوم في بورسعيد تم طرده عائدا لإسرائيل مع طائرته، والتي وصل بها إلى مطار هرتسليا، الذي أقلع منه. في المطار كان ينتظره باسماً جمهور من ألف شخص. تم إيفافه في المطار على يد الشرطة بسبب مغادرته الحدود الإسرائيلية بشكل غير قانوني وتم الإفراج عنه فورياً بعد دفع كفالة. في نهاية شهر مارس 1966 قرر المستشار القضائي للحكومة، موشيه بن زئيف، ألا يحاكمه على طيرانه لمصر.


رحلة للتبشير بالسلام

ناتان الذي أصبح شخصية مشهورة في العالم، نظم رحلة عالمية لشهرين للتبشير بالسلام. في إطارها التقى في باريس بجان بول سارتر، وفي شمال ويلز التقى ببرتراند رسل. هكذا أيضا زار روما، نيويورك، موسكو، بلجراد وطُرد من تونس.



رجوعاً إلى مصر

في 28 يوليو 1967 انطلق أيفي ناتان بطائرته "السلام 1" من مطار نيقوسيا، ولمرة أخرى هبط في مطار بورسعيد بمصر. تم طرده من مصر بعد وقت قصير من هبوطه وطار إلى إسرائيل. مع هبوطه في مطار هرتسليا تم حبسه على يد الشرطة، فقد الوعي أثناء نقله للسجن في أبو كبير وعولج. في اليوم التالي، بينما يتم علاجه في مستشفى إيخيلوف، أطلق سراحه بكفالة خمسة آلاف ليرة. حوكم على رحلته الجويتين، أدين، وحكمت عليه المحكمة بضريبة 1400 ليرة أو أربعين يوم حبس، وكذلك الحبس لعام مع إيقاف التنفيذ. ناتان الذي أصر على أن يٌحبس كان سجيناً في معسياهو على مدار أربعين يوماً وأطلق سراحه في 18 يوليو 1968.


"صوت السلام"

في بداية 1973 حصل ناتان على سفينة، وأطلق عليها اسم "سفينة السلام". في 18 مايو، وفي السفينة التي رست أمام تل أبيب، في مجال المياه الإقليمية لدولة إسرائيل، بدأ بتشغيل محطة راديو كانت تبث موسيقى ومواداً تدعو للسلام، بدون التطرق للبرامج السياسية المادية والمواضيع المثيرة للجدل. بثت المحطة موسيقى حديثة لم تكن المحطات المؤسسية تكثر من بثها في هذه الفترة وحازت على شعبية. ربط ناتان المحطة ببرامج إنسانية، كانت نموذجاً تطوعياً للمحتاجين في المناطق التي يأكلها الجوع.

في أكتوبر 1973، أيام حرب يوم الكيبور، أمر ناتان بإبحار السفينة لنطاق بورسعيد، ومن هناك بثت المحطة نداءات لإيقاف الحرب.

في 1 أكتوبر 1993 اضطر ناتان لإغلاق المحطة، بعد مصاعب اقتصادية وقانونية. لم يوقف نشاطه واستمر سواء في النشاط الإنساني أو السياسي.

"صوت السلام" كان محطة الراديو المقرصنة الأولى في إسرائيل. لم يتم اتخاذ أية خطوة ضدها، لأن البث تم خارج الحدود الإسرائيلية.

في عام 1983 نافس ناتان على رئاسة بلدية تل أبيب- يافا. حصل على حوالي 7% من أصوات الناخبين، وحصلت قائمته على كرسي واحد في مجلس المدينة.


النشاط الإنساني

عمل أيفي ناتان على مدار سنوات طويلة من أجل سيئي الحظ في العالم الثالث، ونظم نشاطات إنسانية كثيرة.

في عام 1968 أسس "صندوق من أجل أطفال بيافرا"، الذي تضمن حملة لجمع التبرعات للحصول على غذاء في بيافرا بعد الكارثة الإنسانية التي حدثت هناك. في 1976 نظم برنامج لتوزيع الغذاء في كمبوديا، بعد الحرب الأهلية في الدولة. في 1985 أقام معسكرات خيام في أثيوبيا، بعد المجاعة الثقيلة التي هاجمتها. في نفس العام، أقام في كولومبيا مصنعا لإنتاج الألبان، بعد الزلزال الذي ضرب الدولة. في منتصف التسعينيات، ساعد في إقامة معسكرات للاجئين في زائير ورواندا. في إسرائيل، نظم برامج إنسانية، مثل تزويد العجائز بالمواقد، إخلاء قرية جميلة من المخدرات وساعد في منظمات تطوعية مختلفة (إيلان، ياد سارا وغيرها).

بغرض تنفيد البرامج انسانية، نظم حملات تبرع كثيرة من أجل طلب الدعم المالي في الولايات المتحدة، إسرائيل وأنحاء العالم.


لقاءات مع منظمة التحرير الفلسطينية

في عام 1978، أضرب ناتان عن الطعام احتجاجا على إقامة المستوطنات. في الثمانينيات بدأ في إقامة الاتصالات مع رجال السلطة الفلسطينية، وهو الأمر الذي أدى لسن تشريع ضد هذه اللقاءات. واصل أيفي ناتان لقاءاته مع رجال السلطة الفلسطينية، بل وتم حبسه لمدة قصيرة بسبب هذا.

في عام 1991 أضرب لأربعين يوما عن الطعام احتجاجاً على التعديل الثاني لأمر منع الإرهاب (والذي أطلق عليه "قانون اللقاءات")، والذي منع اللقاءات مع منظمة التحرير الفلسطينيين. بعد تدخل رئيس الدولة، حاييم هرتسوج، أوقف إضرابه. واصل اتصالاته مع ياسر عرفات ورجاله، وفي 18 سبتمبر 1991 تم اتهامه بالإخلال بأمر منع الإرهاب وحُكم عليه بالسجن لـ15 شهراً. على خلاف نشطاء السلام الآخرين الذين حوكموا بنفس التهمة، مثل المشاركين في اللقاء مع رجال السلطة الفلسطينية المنظم في رومانيا بنوفمبر 1986، فلقد اختار أيفي ناتان عدم الاستئناف على الحكم وإنما الذهاب للسجن فورياً. تم حبسه في سجن معسياهو، وأطلق سراحه قبل انتهاء فترة حبسه، وفي أثناء كل فترة حبسه أقامت حركات السلام مظاهرات دعم أمام سور السجن في كل يوم جمعة. كان لحقيقة سجنه، ولحقيقة أن سياسيين إسرائيليين بدأوا في اللقاء مع رجال السلطة الفلسطينية، دور في الجدل العام حول صرامة "قانون اللقاءات"، وفي نهاية الأمر تم إلغاء القانون.


سنواته الأخيرة والتخليد

في 1997 أصيب ناتان بخلل عقلي أثناء وجوده في الولايات المتحدة. الخلل تركه صامتا نسبيا. في هذا العام حصل على "جائزة نورمبرج لحقوق الإنسان".

في شهر مارس 2005 استلم ناتان من قائد سلاح الجو، العميد إليعازر شكيدي، "الأجنحة الذهبية"، التي تمنح للطيارين الذين مر خمسون عاما على استلامهم للطائرة.

في 27 أغسطس 2008 توفى ناتان في مستشفى إيخيلوف بتل أبيب. تم دفنه في مدافن كريات شاؤول بتل أبيب.

الأرشيف الشخصي لناتان، تضمن تفاصيل عن سفينة "صوت السلام"، وهو موجود بياد يعري بجفعات حبيبة (الأرشيف المركزي لحركة هاشومير هاتساعير).

أغنية "دون كيشوت" الشهيرة بتوزيع أريك أينشتاين تمت كتابتها عن أيفي ناتان، كتبها يهوناتان جيفن ولحنها شيم طوف ليفي. كذلك تمت الإشارة إليه في أغان أخرى من توزيع أينشتاين: "سوف يكون"، "كان الأمر جيدا لنا، سنكون نحن سيئين لنا". أغنية أخرى كتبت عنه وعن محطة صوت السلام ومعروفة بتوزيع جالي عتري هي "مكان ما"، كتبها دودو توباز ولحنها كوفي إشرات.


خبر صحفي عن لقاء أيفي بعرفات. عناوينه: أيفي وعرفات تحدثا
لـ45 دقيقة
أيفي طلب من رئيس السلطة الفلسطينية الرد على 15 سؤالا قدمها له. تسيحي هانجفي:
هذه بصقة أخرى في وجهة المنظومة القضائية


عائلته

في عام 1950 تزوج أيفي ناتان لفترة قصيرة من روزي شفارتس، وولدت له بنت عن هذا الزواج، شارونة.

بعد أربعين عاما من ولادة ابنته، في الستينيات من عمره، ولدت لناتان ابنة أخرى – ياسمين باينجولد، وهي بطلة إسرائيل في التجديف. أم ياسمين، إليزابيث، كانت سكرتيرة ناتان في محطة الراديو "صوت السلام". في البداية لم يعترف بها، ولكن في عام 1989، بعد أن قدمت الأم ادعاء أبوة ضد ناتان، تلقت أخيرا تأييده.

Saturday 10 September 2011

يارمِه وكايلا


"يارمَه وكايلا" للكاتب اليهودي يتسحاق باشفيس زينجر، هي قصة نشرت مسلسلة في صحيفة ييدشية، ولم تطبع في كتاب سوى هذا العام، بمناسبة مرور عشرين عاما على وفاة الكاتب الييديشي الأشهر والحاصل على نوبل. القصة تحكي عن عاهرة تطمع في حياة أفضل وزوجها، وهو رجل ينتمي للعالم السفلي. بخلاف كتاب يديشيين أمريكيين آخرين من مجايليه، فلقد رفض باشفيس زينجر وصف العالم اليهودي في أوروبا بنبرة أيديولوجية نوستالجية، وأصر على وصفه بكل نقاطه السوداء، بأضوائه وظلاله.

في "يارمه وكايلا" يعرض زينجر مهمشي الطائفة اليهودية، ومحاولاتهم اليائسة للهروب من ماضيهم الذي التصق بهم. يدرس نفسيات أبطاله بشكل إنساني. هكذا تصف صحيفة يديعوت أحرونوت، والمنشور فيها هذا الفصل بالعبرية، القصة.

ولد زينجر في لافنشتاين وعاش في وارسو. هاجر عام 1935 إلى أمريكا. كتب قصصاً وروايات كثيرة، منها "العبد" "محكمة أبي"، "عائلة موشكات"، "الكارهون: قصة حب". وفي عام 1978 حاز على جائزة نوبل للأدب.


يارمِه وكايلا


يتسحاك باشفيس زينجر

ترجمة من الييدشية للعبرية: بلاهاه روبنشتاين

من العبرية للعربية: نائل الطوخي




أ

اسمه الحقيقي كان يرمياهو إليهاز هولتسمان. ولكن في ميدان شارع كروخمالنا لم يكن هناك صبر على الأسماء الطويلة، لهذا فلقد أطلقوا عليه اسم يارمِه، بإضافة لقب "الشوك". التصق هذا اللقب به لأنهم كانوا يطلقونه في وارسو على الكرات الصغيرة الشائكة التي كان الصغار يقذفونها على الناس في التاسع من آب. عندكا كانت تدخل كرة صغيرة كهذه لذقن رجل أو إلى غابة شعر صبية، لم يكن من السهل إخراجها. يارمه استمتع بوخز وطعن أصدقائه الجيدين، وكذلك الإناث اللائي كان له علاقات معهن. اسم زوجته كان كايلا ليئا كوبرمينتس والجميع كانوا ينادونها بكايلا الحمراء، لأن شعرها كان أحمر كالنار.

حتى بلغ اثنين وثلاثين سنة كان يارما الشوك قد أقام لأربع مرات في بافوياك بسبب السرقات. كان عميداً في فك الأقفال. تم حبسه عدة مرات أيضا بسبب سرقة النساء، "البضاعة الحية"، كما يقول القوادون. كايلا الحمراء تمكنت في تسع وعشرين عاماً في حياتها من التناوب على ثلاثة بيوت دعارة: واحد في شارع كروخمالنه، واحد في سموتشا، وواحد آخر في تامكيس. إيتشه الأعمى، هو وليس أحد آخر، كان قوادها الأول. التقى يارمه بكايلا في حانة بشارع كروخمالنا رقم ستة. بعد أن قضى معها يوما وليلة أخذها للمفتي في شارع ستافسكي وتزوجها. المفتي لم يكن يسأل أسئلة كثيرة، أو يفحص الشراشيب في ثياب هؤلاء الذين جاءوا إليه سواء لنصب كوشة أو للطلاق[i]. على خلاف رجال الدين الآخرين، كان يأخذ الروبلات الثلاثة ويستل فوريا عقد زواج، أو يعطي أمرا بالطلاق.

حدث هذا في عام 1911، بعد الثورة الأولى في روسيا بست سنوات تقريباً. المضربون وقاذفو القنابل أخذوا ما يستحقونه، والقيصر نيكولاي الثاني صاغ دستوراً جديداً. ولكن البرلمان الأول انهار، وتم انتخاب برلمان ثان وثالث. في روسيا كان رجال "القرن الأسود" يحرضون الجماهير ويدعونهم لتنظيم مذابح ضد اليهود، والقوميون المتطرفون في بولندا كانوا يطالبون بمقاطعة بضائع اليهود. مئات آلاف الشباب والشابات كانوا يهربون عبر الحدود وينتقلون لبروسيا أو جاليتسيا. من هناك كانوا يخرجون إلى ما وراء البحار، للبحث عن حظهم في أمريكا.

في صحف الييدش كان يتم التكرار أسبوعياً أن شبه الجزيرة البلقانية هي برميل غبار محترق. تنبأت المقالات السياسية باندلاع حرب كبرى: ليس فقط تركيا ضد صربيا، بلغاريا ومونتنجرو، وإنما أيضا بين روسيا وألمانيا. مات د. هرتسل، ولكن الصحف الصهيونية أقامت مؤتمراً في هذا العام، مثل الأعوام السابقة. وزع الاشتراكيون ملصقات مكتوب فيها أن الصهيونية هي خيال فارع، وأنه على العمال اليهود الحرب من أجل الاشتراكية في بلدان موطنهم وليس الحرب من أجل أرض بعيدة، هذه كانت أرضاً قاحلة مسكونة بالعرب، والسلطان عبد الحميد لن يعطيهم أبداً تعهداً.

ولكن في بيوت الدعارة و الحانات بشارع كروخمالنا لم يكن الناس يقرأون الصحف ولا يهتمون بالسياسة. الجميع، في المقابل، كانوا يتذكرون هجوم الاشتراكيين على العالم السفلي: حيث اقتحم الثوار بيوت الدعارة، ضربوا العاهرات، مزقوا الملاءات، قلعوا الأعين، كسروا الأضلع. الجميع كانوا يتذكرون أن بعضاً من المهاجمين قد تم إرسالهم لسيبريا، وأن بعض الحمر تم شنقهم في السجن بالقلعة. تم قتل الكثيرين في هذا الأربعاء الدامي. ولكن كل هذا حدث منذ زمن بعيد.

للحقيقة، فإن يارمه الشوك كان يستطيع قراءة الصحف بالييدشية. لقد عد من لصوص بياسك، ولوقت ما درس أيضاُ في المدرسة الدينية في لوبلين. عندما كان لص من هذه المجموعة يحتاج لكتابة رسالة إلى أبيه أو أمه، أو لبوينس أيرس، كان يأتي إلى يارمه كي يكتبه له. كان يارمه يكتب الرسالة بالييدشية، أما العنوان على المظروف فكان يكتبه بالروسية. كان يشتري الجريدة كل صباح، ولكن لا يقرأ إلا الرواية المسلسلة "المرأة الدموية"، "السيدة الخفية"، وروايات أخرى مثل تلك. في الأغلب كان يقرأ الجزء المطبوع على مسامع كايلا. وأحياناً كان يقرأه بنفسه، وبعدها يحكي لها ماذا حدث في القصة. عينا كايلا الخضراوتان كانتا تلتمتعان عندما تسمع ما ألف الأديب، وكانت تقول:

"ياربي، للأدباء أفكار غريبة. هم يستطيعون ربط كل شيء سوياً، حتى الجدار يربطونه الجدار المقابل".

"كله خيال، كلام فارغ"، كان يارمه يتفق معها. "يجلسون، هرلاء العاطلون، وبيدهم قلم، ويصنعون جلبة كأن هناك معرضا في السماء. هم يستطيعون الخداع ، ولكنهم لا يستطيعون فعل أي شيء، ولا حتى أن يعقدوا ذيل القطة".

"كل شيء يأتي من دراسة التوراه"، تزعم كايلا، "هم يتعلم الجمارا وينظفون عقولهم".

"نعم، صحيح، حزقله شبيجلجلاس كان خبيراً في الحروف الصغيرة. عندما كان أحدنا يأتيه لطلب مشورة، فحزقله كان يعقد جبينه مثل الحاخام، يفكر، ويرد على الموضوع. كان يستهزئ بكل الروس المجسدين في بولندا. كانت له موهبة غير عادية. ذات مرة نشل الساعة الذهبية الخاصة بفائد الشرطة بشحمه ولحمه".

"هل قبضوا عليه؟" توترت كايلا.

"لا، لقد أعاد الساعة من تلقاء نفسه وقال للقائد، بالروسية: "هاهي ساعتك". القائد الأعلى أصيب بجلطة تقريباً.

كان الزوج وزوجته يحبان الحديث. ليس فقط النوم سوياً. كانا يرقدان صاحيين تقريباً طول الليل في شقتهما بشارع كروخمالنه رقم ثمانية، يرقدان ويتحدثان. كايلا الحمراء كانت لديها قصص بلا نهاية، مليون قصة. ويارمه كان كانت لديه عشر قصص على كل قصة تحكيها كايلا.

لم تخرج كايلا خارج وارسو. لم تعبر حاجز المدينة منذ أن جاءوا بها قبل عشرين عاماً من المقاطعة. أبعد مكان وصلت إليه كان براج، أو بلتسوفيزنا. ولكن يارمه كان يسافر دائماً. كانت هناك أوقات تعود فيها على السفر في القطارات واللعب مع المسافرين كل أنواع لعب القمار والكوتشينة.

كان يعرف كيف يمكن ترتيب أمور هؤلاء التنابل.. ذات مرة كان في مدينة ملافه، بجانب الحدود، وقام بتهريب عبر الحدود هؤلاء الذين خرجوا لأمريكا. قام أيضاً بتهريب بضائع بلا جمرك إلى بروسيا، ومن هناك نقلها إلى روسيا. لم يكن ينقص الكثير حتى يرسلوه مع شحنة إناث إلى بوينس آيرس. كان يارمه مرتبطاً بجميع مجموعات القوادين ومقتحمي الخزانات في بولندا. كان لديه تقويم، مسجلة فيه تواريخ وعناوين كل المعارض في شوارع روسيا. كايلا كانت تعود وتكرر:

"يارملا، أنا أسعد أنثى في العالم. لا أريد من الله سوى شيء واحد: ألا تتوقف سعادتي أبداً. أنا دائماً أضع المال في خزانة الصدقة وأطلب من الله أن تكون بصحة جيدة".

"كايلا، لن أستبدلك بأي واحدة، حتى إذا أعطوني وزنك ذهباً"، كان يارمه يعدها.

"حب كحبنا هذا لم يوجد أبداً منذ أن خلق العالم"، كانت كايلا تهمس.

كان الواحد منهما يثق في الآخر، وكانا يتحدثان عن كل شيء بصراحة. اتفق الرجل وامرأته أن يشتهي يارمِه أية أنثى، وأن تشتاق كايلا لأي رجل، لم يكونا في حاجة لتمالك نفسهما، وتمكنا من صنع ما يرغبه قلباهما. ولكن مع شرط واحد: عدم كتمان أي سر، وإنما حكي الحقيقة فورياً بعد الفعل.

لقد التزما بكلامهما. على مدار العامين ونصف من حياتهما معاً سلّك يارمه على الجنب فقط عدة إناث، عندما اتفق له أن يسافر خارج المدينة. في الأسبوع الأخير فعلت كايلا هذا للمرة الأولى، عندما سلمت نفسها لإيتشه الأعمى. كان إيتشه ينام جريحاً في المستشفى، بعد أن طعنه بائع يبيع بضاعة مسروقة بسكين. إيتشه الأعمى كان له أقارب مهمون، وبفضلهم تلقى غرفة مستقلة في المستشفى. جاءت كايلا إليه في زيارة للمرضى ومعها فطيرة بالجبن، وطلب منها إيتشه – باسم الأيام الخوالي الحلوة – أن تسمح له بأن يفعل معها ما يريد. هكذا، مضمداً كله ومحموماً من الحرارة، نام معها في السرير. لم تستمر العملية كلها أكثر من دقيقة، بينما وقفت على الجانب الآخر من الباب الممرضة وأخذت تهمس مع الطبيب المناوب.

في الليل، عندما حكت كايلا ليارمه ما حدث، غطاها بالقبلات وأعلن:

"كايلشي، فعلتِ فعلا صالحا. حظ سعيد"!

"بكيتُ بعدها طول اليوم"، قالت كايلا.

"بكيتِ؟ لماذا؟ أنت لم تعودي طفلة ساذجة، وأيضاً أنا لست راهباً ساذجاً".

"أوه، يا يارملا، أردت أن أكون لك فقط. ولكنه أمسك بي، وقبل أن أعرف من وماذا، كان قد حدث الترارام. بصقت على وجهه".

"لا يجب عليك أن تفعلي هذا. إيتشه الأعمى يمكنه أن يكون أباك بسهولة".

"أنت لست غاضباً، صح"؟

"بالعكس".



[i] الشراشيب بأطراف الملابس تعد دلالة على تدين اليهودي.


Saturday 20 August 2011

ديوان الثورة: من أشعار الخيام


طيب، أنا غاضب، وهذه هي المرة الأولى التي أتحدث فيها بشكل شخصي هنا، أقول فيها شيئا ما بخلاف النصوص المترجمة.

بعد زيادة نطاق الاحتجاجات في إسرائيل، وبعد بدء تواتر صورها على الفيسبوك، وجد الناس في مصر أنفسهم في حيرة، هل هم مع تلك الاحتجاجات أم ضدها؟ خاصة أن كثيرا من اللافتات المرفوعة في إسرائيل كانت تعلن استلهامها للثورة المصرية. هذا الارتباك كان يمكن له أن يثمر الكثير، لولا أن الغالبية فضلت، كالعادة، عدم الفهم، وانحازت للسخرية المجردة من الاحتجاجات، سخرية قائمة على عدم الفهم بالأساس، عدم فهم المشكلة الطبقية التي تعصف بالمجتمع الإسرائيلي، وعدم فهم أية مشكلة أخرى تمر بهذا المجتمع، طالما أن هذا المشكلة لا تتصل اتصالاً مباشراً بما نعرفه نحن عن الإسرائيليين، أي: كونهم مغتصبو الأرض العربية. الإسرائيليون هم مغتصبو الأرض العربية بالطبع، ولكن حتى المغتصب لديه مشاكل أخرى بخلاف كونه مغتصباً. قد يتعثر في سداد دين، وقد يعجز عن سداد ثمن عشائه، وقد يعجز عن سداد إيجار بيته. نعلم أن أزمة السكن كانت هي الشرارة التي دفعت بالاحتجاجات إلى هذا المدى الواسع، بالإضافة إلى الشرارتين التونسية والمصرية بالطبع.

أعتقد أننا نرتكب خطأ قاتلا في تعاملنا مع إسرائيل، بإصرارنا أولا، على فهم كل شيء يدور هناك من خلال الزاوية السياسية فحسب، لا الفنية ولا الثقافية ولا حتى المجتمعية، وبإصرارنا ثانياً على فهم الزاوية السياسية بوصفها علاقة الإسرائيليين بالعرب فحسب، لا المشاكل الطبقية، لا أزمات الشرقيين والغربيين، لا أزمات المتدينين والعلمانيين. هناك مشاكل أخرى، وحتى نفهم الصورة كحلها فعلينا أن نحاول الاقتراب من هذه المشاكل.

نقدم هنا مجرد محاولة، أدبية، متواضعة، لفهم أزمة الاحتجاجات الآن. اخترت ترجمة قصائد من كتاب أصدره ناشطون إسرائيليون يجمعون فيه القصائد الملقاة في الاحتجاجات هناك، وهي قصائد ذات بعد طبقي وسياسي واضح. وتعد استكمالا لأنطولجيتين أصدرتهما نفس المجموعة من النشطاء والشعراء، وهما أنطولوجيتا "أدوماه: حمراء" للشعر الطبقي في إسرائيل، و"لاتسيت: اخرجوا" للقصائد الرافضة للحرب على غزة.

الكتاب الصادر منذ أيام بعنوان "ديوان الثورة: أشعار الخيام"، حرره كل من يوديت شَحَر، روني هيرش، يَعرا شحوري، ماتي شموئولوف، روعي تشيكي إراد، إفرات ميشوري، يهوشواع سيمون وغيرهم. ويضم قصائد من كافة أنحاء العالم، بالإضافة إلى الأشعار العبرية بالطبع، يضم آلان جينسبرج جنباً إلى جنب مع أحمد فؤاد نجم، وسميح القاسم وشعراء فلسطينيين شباباً من الداخل، مثل راجي بطحيش وتامر مصالحة. صمم الغلاف أورن زيف. الكتاب بالعبرية متاح للتحميل هنا

اخترت هنا ترجمة مقدمة الكتاب مع قصائد منه، عل هذا يسهم في إيضاح شيء من المشهد هناك.


ترجمة واختيار: نائل الطوخي


"مقدمة"

الشعب يريد

في 14 يوليو 2011 أمسكت النار التي اشتعلت في القاهرة وتونس بقمم أشجار الفيكوس بشارع روتشيلد، وأخرجت مواطني إسرائيل للشوارع الرئيسية، من كريات شمونِه وحتى إيلات، من حولون وحتى الناصرة.

جيل كان يهز رأسه لسنوات طويلة أمام سياسة "الفرد والمحكوم"، ووجد تحققه الذاتي في الطابور لقائمة الموبايل، قام ذات صباح، رمى خلفه التقسيمات المعروفة وطلب ما يستحقه. في مستوطنات الخيام، عن طريق اللافتات الكرتونية المرسومة عليها شعارات مقفاة ومرصوصة، استعدنا مواطنتنا، لن نقبل المزيد من فتات الحقوق التي نأخذها كإحسان من أيدي السلطات، وإنما طلبنا بسيط ومدو بالعدالة الاجتماعية التي تحتوي الجميع، عربا ويهودا، عمالا وطبقة وسطى.

جمهورية الخيام هي محاولة جريئة لأن نخلق في المكان البائس والفاتن الذي نعيش به أمة من المواطنات والمواطنين الذين يلتقون ويتحدثون ويسمعون وينشدون، يتناقشون ويطلبون. ما الذي يريده الناس في الشوارع؟ يتساءل مراراً وتكراراً المحللون ولاحسو صحون النظام في خوف. الإجابة البسيطة تزعجهم، تبدو لهم غير ممكنة: نريد أن نعيش في بلد لا تظلم كل من يقع في طريقها، نريد أن نحيا في مساواة وسلام.

ديوان الثورة الذي أمامكم يحاول أن يعطي دفعة أخرى للمسيرة التي تدور أمام أعيننا. مبدعو الديوان هم المبادرون بالمجموعة الشعرية "حمراء: أنطولوجيا للشعر الطبقي" الصادر في 1 مايو 2007، و"اخرجوا: أنطولوجيا ضد الحرب على غزة".

في السنوات الأخيرة حارب الشعر لكي يعطي الأولولية للصراعات الاجتماعية في أنحاء البلاد. مع صدور "حمراء" خرج عمال بناء في مسيرات بشوارع تل ابيب، بالإضافة إلى عاملات في الزراعة، وهذا العام قام العاملون في المجال العام بوضع الصراع من أجل العدالة الاجتماعية على رأس جدول اليوم العام. تجسد الحلم وهو عذب. بخلاف إنجازات الاحتجاج، فإن التغيير الحقيقي يكمن في أنه قد خلق هنا جيل جديد فقد خوفه.

ديوان الثورة هو صرخة "كفى"! للفنانات، مصورات وشاعرات، ولكنه أيضا صرخة السعادة والضحك.

تحيا جمهورية الخيام!


الفوتوغرافيا لتسيلا زلات. مكتوب على اللافتة أسماء "مبارك"، "الأسد" و"نتنياهو"


تحذير عاجل

تاهال بيروش

هذا تحذير عاجل، في كل الحالات التالتية توقفوا عن العمل فورا واخرجوا للشوارع.

توقفوا عن العمل إذا كانت في مكان عملكم فجوات في الأجر بين العامل الصغير والمدير الأكبر، إذا لاحظتم أنه يوجد مديرون يسيئون المعاملة أو مديرون بشكل عام، إذا كان عليكم أو على من بجانبكم العمل أكثر من سبع ساعات في اليوم، أو لاحظتهم أن عمالاً مرضى يأتون للعمل، إذا طولبتم بتقديم تقارير عن مكانكم، إذا كان عليكم قيادة سياراتكم للعمل يومياً، إذا وجدتم أنه عليكم أن تدفنوا أنوفكم في الرمال، أن تكذبوا، أن تبيعوا منتجات لا أحد بحاجة إليها، إذا طولبتهم بارتداء ملابس مناسبة، إذا كنتم مقابل السبع ساعات تتلقون أجورا لا تكفي للسكنى في غرفة على السطح، للطعام، للدراسة، لإنجاب طفل، لشراء كتب وموسيقى وحضور المسرح والسينما، لشراء ألوان وأوراق للرسم، لحضور دروس رقص ورحلات بالأوتوبيس للبحر. توقفوا عن العمل إذا كنتم تعرضون صحتكم للخطر، على سبيل المثال: تستنشقون الغبار، الجير، الإسبست، الإكونيميكا، تصعدون لمرتفعات بدون شبكة أمان، إذا لم يسمح لكم أو كنتم غير قادرين على الذهاب للحمام، تجلسون في مكتب محجوب عن السماء ومضاء بأضواء الفلورسنت أغلب الوقت.

إذا كنتَ أو كنتِ تجدون أنفسكم في واحد أو أكثر من هذه الحالات، فهذا التحذير العاجل يتصل بكم، هذا هو كل شيء. اذهبوا للجلوس في الهواء المفتوح بجانب بيت وزير الدفاع، وزير الخزانة، رئيس الحكومة، جميع رؤساء الحكومات، اخرجوا للجلوس بجانب بيوت أثرياء إسرائيل الذين يشغّلونكم، وإذا أتيح لكم أن تروهم، ربما تتمكنوا حتى من الجلوس في حضنهم. اخرجوا. اخرجوا للجلوس في أبراج أكيروف، على سطح بناية الأوبرا، في سافيون، كفر شمرياهو، هرتسليا بيتوح، أرسوف وقيسرية. أغرقوا شوارع تل أبيب شمالا ووسطا وتذكروا: ما المسموح، وما الممنوع.



الكاريكاتير لتسفيا تشركسكي. مكتوب "زئير الجنوب"


محمد البوعزيزي

شَحَر ماريو مردخاي

أنا محمد البوعزيزي،

وبرعم أني مت

وعشت في تونس، التي دهستني فيها أقدام الطغاة،

أقول لكم

إن تونس بلد يمكن فيها أن نرفع رؤوسنا

إذا أردنا.



حتى أنا فكرت مرة أن هذا مستحيل.

وفكرت: على قدر ما تمر السنوات، أكثر وأكثر

فإن هذا يغدو مستحيلاً، أكثر وأكثر.



أي حمقى كنا! جيل درس في الجامعة، ولم يتعلم

أن يرفع رأسه في وقت رفعها. ولكنني أقول لكم:

الحرية تبزع من الحدبة الأكثر خفاء وجمالاً في القلب،

مما نلبسه تحت جلدنا.

وأقول لكم: لو غيرنا المستقبل، فإننا سنغير أيضاً الطريقة

التي يحكمون بها علينا.



أفيقوا، أنتم، من تونس وليبيا وحتى مصر وسوريا،

لا خوف مما هو قريب مثل التراب ومما هو ميت مثل نار الحدادين.

أنصتوا

أنا محمد بوعزيزي،

أنا ميت، وأعيش في عالمكم هذا،

دهستني أقدام الطغاة،

وأقول لكم

ليس هناك بلد لا يمكن فيها أن تمشي منتصباً،

فقط لو أردت.


الكاريكاتير لتامير شيفر



جعلوني أحرس القطة

روعي تشيكي إراد

كان عليّ أن آتي وأقبّلك ولكنهم

جعلوني أحرس قطة وزير الداخلية

كان بإمكاني تقبيلك

ولكن كان عليّ حراسة قطة طفلة وزير الداخلية.

هذه القطة ليست لوزير الداخلية، هذه القطة لطفلة وزير الداخلية

ووزير الداخلية، هو

قد أصبح وزير الزراعة

وأنا لا أحتاج أية علاقات بوزير الزراعة

الجميع يريدون علاقات بوزير الداخلية

كل الأناس الموجودين في الداخل.

كان علي أن آتي إليكِ، وكان بإمكاني تقبيلك. كان هذا رهاناً

أحمق، بدا عندها كأنه هو الأمر الصائب: وزير الداخلية. طفلة وزير الداخلية في الحقيقة.

وزير الداخلية أصلاً ليست لديه قطة. والآن أيضاً وزيرالزراعة ليست لديه قطة.

وكان بإمكاني تقبيلك.

وكان بإمكاني البدء في ثورة.

حمالة صدرك تسقط، لباس كرة القدم الذي أرتديه كان مدعوماً مثل الحكومات المختلفة.

وكنا نتحدث عن الثورة، أنتِ رسامة جرافيتي بشهادة معتمدة.

كنا نعمل على الستيكر.

ومن الناحية الثانية: القطة، ذات الكرش، شاربها يقطر منه الدهن.

ربما ليس في الأمر نقود، هذا نوع من الجميل أقوم به لوزير الداخلية، بدا هذا حينها كفرصة.

عندما وصلت للأوتوبيس بعد ساعتين وسبعة عشر دقيقة في النقاط المزدحمة، اتضح أن الوزير ألغى

رحلته مع ابنته بسبب الكلام عن الحرب، هكذا لم تعد هناك ضرورة لأن أحرس القطة.

أرسل لي رسالة قصيرة، الوزير، ولكن تليفوني ظل بلا بطارية.

في سلكوم باعوني بطارية سيئة وماتت في ساعتين.

هذا أمر يهتم به وزير الاتصالات أو وزير الطاقة

وهو العدو الكبير للوزير، هو الذي حل محل وزير الداخلية.

كان هذا يوماً تبادل فيه جميع الوزراء أماكنهم،

لأنهم فكروا أن هذا سوف ينقذ الأمور.

عندما وصلت، لم يسمح لي وزير الداخلية حتى بالدخول وشرب الشاي أو الذهاب للحمام

أوضح أن كل شيء بجانب الباب وابتسم.

وقفت بجانب الباب لتنفس الهواء،

حتى نظر لي وجهها الصغير من خلف الستارة بخوف.


قصيدة

زهافاه جرينبيلد

أنا اسمي زهافا

أعيش في الحيز الديمقراطي

أموت في الحيز البيروقراطي.

يخرجونني من البيت.

ليس لديك مال لتدفعيه للفاسدين.

ليس لديك مال لتدفعيه للفاسدين إذن احزمي أغراضك. أصلا لم نحب أن يسكن هنا أغراب، امرأة وحيدة مع طفل، في شقة تملكها الدولة. سمحوا لك بالحياة هنا برغم أنك مختلفة،

أنك دفعت بدون الحديث وبدون السؤال عن السبب؟

لقد أذوا روحي، أذوا نفسي،

وأنا أنقبض، أنتظر الموجة القادمة،

ابني يكبر، ابني يصبح ذكياً.

معك حق يا ماما، حاربي الجميع هنا.

وعندها أبقى وأكتب رسائل. القاضية غاضبة: "لا تتحدثي عندما لا نطلب منك".

أنظف المكاتب: "ما الأخبار؟ كل شيء على ما يرام". للأشخاص اللطيفين.

أنا اسمي زهافا، وما أراه –

هو أنه لا تزال هناك نساء في الطريق. نساء جميلات جداً، يمكنهن الركل ولديهن شيء ما بالداخل،

يحاربن هنا لأجل البيت، يسرن هنا منذ سنوات.

إذن عندما تفكرون أن شخصاً ما سوف يتنازل هنا بعد كل هذه السنوات، فأنتم ببساطة مخطئون،

ولمن لم يسمع جيداً – نحن باقون!


في حي يهودا عميحاي لن يسكن الشعراء

مويز بن هراش

في وسط القدس

في المكان الأكثر غلاء في المدينة،

بواكا شارع عيمك رفائيم

يتم الآن بناء حي الشاعر يهودا عميحاي


وأفكر أنا في هذا

في أن الشعراء لن يتمكنوا

من السكنى

في حي يهودا عميحاي


ربما عميحاي نفسه لم يكن ليتمكن

من الحصول على شقة

وليس اليوم

بينما كل شيء هو المال ولم تعد هناك مشاريع

لتوطين المسنودين


مثلما في يمين موشيه

عندما أخرجوا من هناك

جدة شفيلي

بعد حرب الأيام الستة

لتوطين الأكاديميين

أو بكلمات أخرى

عندما أخرجوا الشرقيين الذين عاشوا على الحدود

وقاموا بإنهاء دورهم التاريخي

ووطنوا

إشكنازاً على مدار الأيام

اغتنوا من شققهم

هل

هذا

هو الاحتلال الفاسد؟

وأنا أسأل هل

بعد أن يعيدوا الأراضي

سيعيدون المطرودين

مطرودي يمين موشيه

إلى شققهم

أو على الأقل

إلى شقق

في حي يهودا عميحاي

الذي عاش ومات في يمين موشيه.


أنا أريد حيا باسمي

حياً في كل بناية فيه يسكن شاعر

ولكن ليس من المسنودين

وإنما من المجانين

غير المنظمين

أو على الأقل يمنحوا الشعراء

دور البواب

حامي العتبة

هذا يبدو ملائما أكثر للشاعر

أن تمنحه وقتا للتفرغ لكتابة القصائد

في زمننا الحر


وإذا حدث هذا

فأنا أطلب أيضاً

أن يحتلوا دولة أو اثنتين

ويطلقوا اسمي أيضاً على غابة

غابة أو اثنتين

وكذلك مدينة باسمي

مدينة أو اثنتين

مويزية أو هراشيا

الاسمان غير سيئين

إذا أردتم

فهذه ليست أسطورة

هذه قصيدة.


بيت

إفرات ميشوري

كان ياما كان بيت طائر.

البيت كانت له أجنحة. وللأجنحة

كانت قوة. وللقوة

كانت ريح. وللريح

كان هناك بيت طائر.


ليس الأمر خطيراً، الأساس أن بيتاً

وبداخله، الأساس أن هناك باباً

للخروج، والأساس للدخول

بصورة صورة

واضحة لمن يدخلون.


هؤلاء من يجربون الأمر بشكل مخالف – يغضبون

هؤلاء الذين يغضبون – يهربون

ومن يهرب

يدخل لطلب كوب ماء


الفوتوغرافيا لتسيلا زلات


غرفة تخصني

يوديت شَحَر

لا أملك خمسمائة ليرة، يا فرجينيا

ولا أملك غرفة تخصني،

أملك طفلين

غرفتين

وحسابين –

كلاهما بالسالب

وأملك ميراثاً وأملك شفرة وراثية

وأجراً عن التدريس يغطيني بالكاد.


خمسمئة ليرة لا أملكها، يا فرجينيا

ولا أملك غرفة تخصني،

لدي قلم وورقة

ورغبة مكبوتة

ونور شاحب يتدفق بصمت

من خلف نافذة

نصفها مغلقة

ونصفها مفتوحة على اتساعها.


الفوتوغرافيا لهاداس كيدار

اللنبي 40

لوران ميلك

أسير نائمة

أقوم نائمة

أنام نائمة.

عشر سنوات في عرض الأزياء

لا أحتمل هذا العمل.

أظلموا لي عقلي

باعوني للعلماء.

دهسوا لي كبدي.

جعلوا مني مربى للذباب.

ربطوا لي الأوردة السوداء.

عقدوا لي غددي الدمعية،

خاطوا لي ملابس شفافة،

جعلوا مني ثروة هائلة.


كنت نباناً لثلاث سنوات

أرقد نائمة

أكتب نائمة

أنام نائمة.

مثلت في عشرة أفلام إسرائيلية ولم أذهب حتى لرؤيتها.

كنت عند الكثير من المخرجين المتصلبين.

لم أحتمل هذا العمل.

عملت نادلة في اللنبي 40،

لم أحتمل هذا العمل.


عشر سنوات في العمل البنكي

لم أحتمل هذا العمل.

كنت أبيع في كلبو شالوم

سقطت سويا مع المشاجب.

لعبت شيش بيش مع نفسي

لم أحتمل الخسارات.


كنت حفارة قبور لثلاث سنوات

أسير نائمة

أجلس نائمة

أنام نائمة.

هنا نسكن في متعة

دانيال عوز

هنا نسكن في متعة –

أنا وأمر الإخلاء


وصرة مفاتيحي.

كل مفتاح يفتح

قفلاً كان قد استبدل

في مكان ما في المدينة

ومفتاح آخر يغلقه.


ظهر غلاف الكتاب

أبحث عن مدينة

أساف بن دافيد

أنتِ لا تسافرين معي

لعواصمي،

ولا لمدن الويسكي

لا،

أنتِ لا تجففين من أجلي الدكك الخشبية

من الندى

الليلي

وتنيمينني هناك

كأن هذا هو بيتي.

أنتِ تقولين فقط

الأفضل أن تبحث عن بيت آخر

في مدينة أخرى

بينما أنا أركض في الظلام

راكباً المواصلات

لا أعلم أبداً

عن أي مدينة

تتحدثين

ولكنني أشعر بها

تقبض عليّ من حلقي.

يمحون

عِران هاداس

أنت تجفف الحمص كما يجففون العرق

أنا أجفف الحمص كما يجففون الدموع

يأكلون ويمحون

لك الرغيف، لي البصل

البروليتاري

(إلى أبي)

عيريت كاتس

كان يسمي العفن على الخبز بنسلين

وكان يسمي عفن الموز عسلاً

وكنا نأكل كل شيء ولا نتدلل

هناك أشياء نفهمها في وقت متأخر

وتكون جيدة كذلك فيما مضى


في الهزيع الأول لليل كان يخرج للعمل

في الهزيع الثاني يعود

يتحدث مع الراديو أمام الجريدة

أمام التليفزيون يبكي وينام

عيناه المتعبتان كانتا خجلتين كندبة

هناك حروب تحسم في وقت متأخر

وتكون جيدة أيضاً فيما مضى