Friday 31 July 2009

كل ما تريده: باليه للمرأة ولمستلزمات الراحة


ميري شاحام

ترجمة: نائل الطوخي


كل ما تريده، باليه للمرأة ولمستلزمات الراحة


قالت: "أي شيء تريده"

سألها: "أي شيء؟"

"نعم. أي شيء"، أجابت

فكر، وعندما فكر، سكت.


طرقت قطرات المطر على شباك مكتبه، تيك-تك، تيك–تك. نظر إلى المدينة الضبابية، متمعناً في خطوط المباني التي تمكن المطر من محوها.

وبينما ظهره إليها قال: "شمسية، أنا أريد شمسية".

"في هذه الحالة، سأكون أنا شمسيتك"، أجابت على الفور.


عندما خرج من المكتب رفعها فوق رأسه، ووازنت هي نفسها بسهولة وحمته من المطر.

اختار الذهاب إلى البيت في الطريق الطويل، بل وتوقف في محل بقالة واشترى خبزاً مقطعاً وصحيفة، لأنه نسي صحيفة الصباح في المكتب. ولهذا فقد افترضت أنه راض.

ولكن في اليوم التالي لم يهطل المطر، ولا في اليوم الذي تلاه.


"ليس هناك مطر".

"نعم."

"لم أعد أحتاج شمسية."

"وأنا قلت، أي شيء تريده."

"طيب."


مرة أخرى ساد الصمت بينهما. في النهاية قال: "صحيح أنني أحتاج إلى شماعة للمعاطف، ولكن يبدو لي أن شماعة المعاطف ستكون إهداراً بلا معنى لقدراتك. كلانا نعلم أنك تقدرين على ما هو أكثر بكثير."

لم تعرف ما الذي يمكن أن يقال ولذا فقد خفضت عينيها امتناناً.


"ربما كرسي"، حاول.

"كما تريد."


هو كان من هذه النماذج، التي تحسن التفكير عندما تتكئ للخلف على كراسيها، وتمص عقب قلم رصاص. أحياناً كان يستمتع بالدوران من جانب لآخر، على كرسي لم يكن مجرد كرسي وإنما فوتيه مبطن للمديرين. نصف دورة مع اتجاه عقارب الساعة ونصف دورة ضدها.

جلس عليها، إذن على طول ذلك اليوم.

للأسف الشديد لم تكن تعرف إلا حركة واحدة للجلوس، بظهر منتصب.

لا يمكن الدوران على كرسي كهذا. عندما حاول الاستناد إلى الخلف، انغرز ثدياها في ظهره.


عندما انتهى يوم العمل أخيرا، اعترف: "أرى أنك حاولت. وأنا فعلا أقدر هذا، ولكنك بالتأكيد ستتفقين معي أن هذا ليس مجالك."

عضت شفتها السفلى قليلا ودمدمت: "آسفة"، برغم أنها لم تعرف عن أي شيء تعتذر.

تشجع على القول: "ربما أنا لست محتاجا لهذه الدرجة."

"كلنا نحتاج"، قالت، وبدت واثقة بنفسها جدا، نسبياً.

"ممممم...."، أجابها. وفجأة أضاء وجهه بفرحة الاكتشاف: "محفظة، ستكونين محفظة كاملة."

كررت وراءه: "محفظة. أنا سأكون محفظة كاملة."

منذ ذلك اليوم نقل إليها ثلاثة كروت ائتمان، عدة فواتير، عملات معدودة، دفتر عناوين صغير وقديم، بطاقة هوية، رخصة قيادة، ومفتاح إضافي للسيارة والشقة.

رافقته إلى كل مكان وكان كلاهما راضيين، بهذه الدرجة أو تلك.


يمكننا التوقف هنا.

يمكننا الاستمرار قليلاً، مثلا،

في مناسبات اجتماعية كان يقول: "كل ما لدي، أقسم لكم، حدث بفضلها هي فقط."

أما هي، فترد له صحن السلطة صامتة، وتشتهي سريرا جديدا، سفرة أكل جديدة، سجادة فارسية قديمة، وتحلم بالنشالين.


_________________________

ميري شاحام كاتبة ونشطة شابة. نشرت قصصها بدوريام "مسميريم" و"ميطاعم". القصة منشورة بالعدد الثامن من دورية "ميطاعم" الإسرائيلية

Friday 24 July 2009

بون أبيتيه

سيد قشوع

ترجمة: نائل الطوخي



"قدام"، صرخت في البنت في السادسة صباحاً، سأعد لغاية عشرة، إذا لم صبحي خارج الباب سأخرج وحدي." أي ضغط، ضيوف مهمون من باريس يزوروننا على العشاء وليس هناك أي شيء معد من أجلهم. زوجتي، الله يعطيها الصحة، خرجت مبكرا للعمل وفي طريقها أوصلت الولد للحضانة، تركتني مع البنت وقائمة مشتريات معقدة من أجل الضيوف والذين يمكن لتوقيع اتفاق معهم أن يحولنا من برجوازيين صغار إلى برجوازيين حقيقيين.

دارت نقاشات عاصفة وجدالات متواصلة على طول الأسبوع في البيت حول المعضلة: ماذا نفعل مع الفرنسيين؟ في البداية فكرنا في مطعم، ولكن الفكرة تم إلغائها لأنه في المدينة المقدسة كلها لا يوجد مطعم ينافس ولو حتى المطاعم المتوسطة في باريس، ولأنني فضلت وجبة في جو عائلي. إن لم يكن بسبب موهبتي، فعلى الأقل ليوقعوا على الاتفاق بسبب النظرة الحزينة الدائمة في أعين الأولاد. منذ أن قررنا دعوة الفرنسيين، تم طرح السؤال عن القائمة التي سوف تمثل تحديا ممتعا للفم الفرنسي. قلت لزوجتي: "ليس هناك خيار. لنذهب إلى المطعم الأكثر عربية فيما نعرفه." الأكل العربي هو فرصتنا الوحيدة لمنافسة المطبخ الفرنسي. قبلها بيوم جلسنا ومعنا كتب وبطاقات وركبنا قائمة. شوربة عدس قبل أي شيء، كوسة وخرشوف محشي، صينية لحم بالطحينة وورق العنب، بجانب السلطات الموثوق بها التي رأينا مثلها في مطعم "البابور"، مثل الباذنجان بصلصة الزبادي والزعتر والكرنب المقلي بالطحينة. قررنا كطبق أساسي إعداد شورية لحم الضأن المطبوخ على نار هادئة مع الفواكه المجففة.

المحطة الرئيسية كانت الخضري، من هناك ذهبت إلى الجزار وفي النهاية محل المشروبات. "نبيذ أحمر"، كان مؤكدا عليه في القائمة. استقبل وجهي المعروف والمحبوب "هو. منذ فترة لم نرك. كله تمام؟" "نعم، نعم،، شكرا." أجبت، وحاولت أن أهدأ بينما عيناي كانتا تجولان على زجاجات الفودكا، الويسكي والبيرة. من فترة لم أعد أزور هذا المكان مرة أسبوعيا على الأقل. "نبيذ"، قلت للبائع: "أريد نبيذا للعشاء."

"بأي سعر؟" سألني، مفاجئاً لأنني لم أقترب فوراً إلى رف النبيذ لاختيار خمسة من النوع الرخيص.. "شيء جيد. وجبة لفرنسيين". "والله، الفرنسيون يفهمون في النبيذ"، قال وخطا باتجاه أحد الأرفف. "يوجد هنا نبيذ رائع حصل على جوائز من باريس حتى." أنزل الزجاجات وأراني الميدالية التي حصل عليها النبيذ الإسرائيلي والذي تبلغ سعر الزجاجة منه 360 شيكل. صحيح أن هذا يتعارض مع ديني، ولكنني أقنعت نفسي أن هذا استثمار جيد لمستقبل الأولاد. سحبت كارت الائتمان الخاص بزوجتي وطلبت منه أن يكتب أربعة فواتير.

"أين أنت؟" صرخت في التليفون عندما دخلت البيت، مصارعاً القرع العسلي. قالت زوجتي: "سأكون في البيت بعد ربع ساعة. ابدأ أنت في تقوير الكوسة. لا وقت لدينا." من أصل 50 حبة كوسة صغيرة اشتريتها نجحت في أفراغ محتوي 20 فقط. ظل ثلاثون في الصفيحة. مثقوبة في وضع خطير وحرج. دخلت زوجتي البيت وركضت فوراً صوب الخرشوف. أدركنا أننا إن لم نشارك ولن نعمل بلا توقف فلن نتمكن من إعداد الوجبة قبل السابعة. "خسارة أنه ليس لدينا مفرش جميل للسفرة." قالت زوجتي التي كانت تحشي الخرشوف بينما كنت أنا أقلي بصل للشوربة. "ولا عندنا سفرة للأكل."

زوجتي معها حق. عندما وصل الضيوف أخرجت السفرة البلاستيكية القابلة للطي من المخزن. اشتريتها في عرض خاص، مع ثمانية كراس. سفرة تقوم بالمهمة بإخلاص عندما يكون الحديث عن أصدقاء وأقارب، ولكنها قد تبدو جريمة في عيني زوج من الباريسيين المحترمين. لا يمكنني استبدال السفرة الآن، ولكن مفرشا وحيدا من نوعه سيشكل فضيحة عظيمة. قلت لزوجتي: "اتركي الخرشوف، وطيري قبل دخول السبت لشراء مفرش جميل من القماش"، لو كان مفرشا من القماش فلن يكن جيدا أن تكون هناك فوط ورقية." قلت وصرخت في الأولاد: "من يكسر منكم مرة أخرى طبقا في هذا البيت سيأتي بطقم على حسابه، فهمتهم؟" استعدت زوجتي للخروج: "سأشتري أيضا أدوات للمائدة. ليس لدينا سكين وشوكة حتى بنفس الطول."

في السادسة والنصف كانت السفرة جاهزة. لم تبد أبدا شبيهة بسفرة قابلة للطي من البلاستيك بعد أن تم تغطيتها بمفرش أبيض جميل ومجهز بفوط مذهبة وأطباق لثلاث وجبات. بجانب بطقم مذهب من أدوات المائدة. شرحت زوجتي الأمر: "كان عندهم عرض بـ12 قطعة". ارتدينا الملابس التي اشتريناها من شهر استعدادا لزفاف أخي، لم أنزل بعد نصف درجة، واستقبلنا الضيفين المحترمين بابتسامة وبتحية "أهلا وسهلا".

فتحت النبيذ وأتحت له التنفس. جلس الضيفان حول السفرة. كانا لطيفين للغاية. "لديكم حي جميل جدا"، قالت المرأة بالإنجليزية بلكنة مليئة بالرائحة الفرنسية. أجابت زوجتي بإنجليزية مليئة برائحة البصل المقلي: "شكراً." أضافت الفرنسية بينما هي تنظر إلى الحديقة أمامنا: "كنت متأكدة أنه ليس في الضفة الغربية أحياء جميلة كتلك." كدت أختنق وأنا أتذكر أنني بدأت الاتصال بهذه الصديقة حتى قبل الانتقال إلى حي البيض والتسجيل في عنوان "وست بنك، الضفة الغربية" لأنني اعتقدت أن الفرنسيين يتعاطفون مع الفلسطينيين. لماذا أصلا أبدأ في شرح هذا الموضوع غير الواضح الخاص بالـ"إيزرائيلي أرابس"؟ هناك يعرفون إما إيزرائيل أو بالستاين. وأنا مع الصديقات الفرنسيات، على خلاف الأمريكيات، أصبح بالستاين.

نظرت لزوجتي موقفا إياها بلحظة قبل أن تبدأ في القول أن الحديث هو عن مسكن لليهود. زعقت: "نعم. هذا يعني، لا. هذه الحديقة التي ترونها أمامكم...." حاولت تنظيم تنفسي. قال الفرنسيان مبتسمين: "وي"، قلت ناظرا لزوجتي "أرض مصادرة، صادروها وممنوع على العرب دخولها." قال الفرنسي: "بالتأكيد من أجل بناء مستوطنة." أجبت: "إكزكتيمو، وهنا، حتى تعلموا فقط، هذا بالتحديد نهاية مخيم لاجئين. من الخلف يصبح مكتظاً جدا جدا. لو أردت يمكنني تنظيم جولة لكم بعد الغداء، رغم أن هذا قد يكون خطراً قليلا ليلة السبت."

نظر الفرنسيان كل منهما إلى الآخر، وبدا أنهما يميلان للتنازل عن الجولة في مخيم اللاجئين. رفعت زجاجة النبيذ وبدأت في الصب. في الشارع مرت عربة إسعاف. اعتدل الفرنسيان على مقعديهما البلاستيكيين لدى سماع السارينة. قلت: "لا شيء. مجرد جنود. نبيذ، سيلفو بليه؟"

________________________________________________


أديب وصحفي فلسطيني من عرب إسرائيل. واحد من أبرز الأدباء العرب الشباب الذين يكتبون بالعبرية. ولد عام 1975. في قرية الطيرة بالمثلث، ويعيش الآن في حي يهودي بالقدس. حاصل على جائزة رئيس الحكومة للعام 2005. كتاباه "عرب راقصون"، 2002، و"ليكن صباح" 2004، من الأعلى مبيعا بإسرائيل، ترجم الأول إلى ست لغات، والثاني إلى ثلاث.

النص من يوميات قشوع في عموده الأسبوعي بصحيفة هاآرتس. والصورة المرفقة بالنص هي للفنان الإسرائيلي عاموس بيدرمان

Friday 17 July 2009

إسرائيل، صباح الخير، متى نصبح أبناء البلد؟



عيران تسلجوف

ترجمة: نائل الطوخي



هوامش: القصيدة السياسية



ماهيالقصيدة؟ اجتهد دافيد أفيدان لكي يشرح.

ولكن اليوم يمكننا قولها أيضا بشكل آخر-

مثلا:

القصيدة هي صورة أخرى للقول أنني أحب.

أو باختصار:

القصيدة هي صورة أخرى للقول.

أو بمزيد من الاختصار:

القصيدة هي صورة أخرى.

أو حتى باختصار أكثر وأكثر:

القصيدة هي صورة.


جملة "القصيدة هي صورة أخرى للقول"، يمكن ويستحب تلخيصها أو صياغتها هكذا: القصيدة تتحدى الكلام.

***


ولكن ماهيالقصيدة السياسية؟


إذا كانت القصيدة تتحدى الكلام، فالقصيدة السياسية تتحدى الحقيقة.


القصيدة السياسية هي سياسية، ليس لأنها تهتم بموضوع "سياسي"، ولكن بسبب طابعها وطابع عملها: القصيدة السياسية هي صوت حاد، يخلق فجوة في المجتمع وفي الكلام، وهدفها واحد: تعميق الفجوة أكثر. وهو ادعاء مفاجئ نظراً لأن القصيدة هي جزء من نسيج الكلام، والكلام يهدف لتضميد الفجوات والربط بين البشر. ولكن عن طريق تلك الفجوة، التمزق، فالقصيدة السياسي تجرح.

وعن طريق هذا الجرح يخرج الصوت.

***


علي القصيدة أن تعرف كيف تلمس. القصيدة السياسية تعرف وتؤذي. الكتابية الأدبية هي دائما هي في طور الـbecoming. التكون كأقلية أمام السيادة، أمام الصوت العام. بهذا المفهوم فهي دائما سياسية. ولكن القصيدة السياسية لا تملك وقتاً لتمارس البطالة، لتحتار، لأن تلغي نفسها وهي تتكون. بطبيعتها كقصيدة سياسية فهي دائما أقلية، دائماً هي أخرى.

***


القصيدة السياسية ليست جمالية فحسب. الجمال يخلي مكانه للأخلاق. الشعري للسياسي. ليس في نفس المكان، وإنما بالإضافة إليه. التراتبية تتغير ولا تتبدل.

***


يمكن القول أيضاً أن القصيدة الأيديولوجية والقصيدة السياسية هما نفس الشيء. الظروف تختلف: القصيدة الأيديولوجية يمكنها العمل على دعم النظام والحفاظ عليه، بينما القصيدة السياسية تشكك فيه. هذا هو التوتر بين الشرح وبين الدعاية، بين "الصحيح" (الذي يبرر ويتبرر)، وبين "الصحيح" (العادل).

***


العلامة اللغوية السياسية تحاول أن تدخل بين الدال والمدلول وأن تنفض ما حولها، وأن تقلبهما على رأسيهما. لا تسأل بأدب إن كان ممكنا، إن كنت أستطيع، وإنما تضع رجلها وتعيق مسيرة "الحقيقة". هذا الوطأ، تسطيح الواقع وابتذال الأفعال التي لن يتم القيام بها. المزيد والمزيد من المعلومات بخصوص الأعمال الفظيعة لم تعد بالضرورة معرفة. هي ضوضاء، ليست صوتا حاداً وواضحاً.

***


إذا كان الحال هذا، فلماذا نحتاج للقصيدة السياسية؟ لماذا لا يمكن ببساطة القول "كفى!" بكلمات واضحة؟ أولاً، بديهي أنه يمكن ويستحب بل ومن الواجب الإنساني أن نقول: كفى. ولكن القصيدة السياسية بالتحديد، بفضل طابعها، تركز الانتباه والنظرة المتفحصة على "مظاهرة أخرى"، يتم تقديم تقرير عنها في الأخبار، على قصف آخر، وقصف آخر وقصف آخر.


___________________________________________________



صباح الخير، إسرائيل



في كل جيل على الإنسان أن ينظر إلى نفسه

باعتباره ألان جنسبرج



صباح الخير يا إسرائيل

يا إسرائيل، منحتك ثلاث سنوات إلزامية، أعطيني لحظة واحدة

لكي أتنفس.

إسرائيل، هل هم على حق؟

إسرائيل، توقفي عن أن تكوني على حق وابدئي في أن تكوني ذكية!

إسرائيل، متى سنولد هنا؟

إسرائيل، متى سنصبح أبناء البلد؟

إسرائيل، الأخبار تقرفني.

إسرائيل، كنت أدخن ولكن الدخان يحرق عيني.

إسرائيل، كنت أضرب مخدرات ولكنني كسلان.

وبشكل عام فالمخدرات تجعلني كسلانا.

وبشكل عام فالمخدرات تجعلني أنام.

أنا بارانويك حد الموت.

من قال هذا؟


لن أكتب إلى أن يذيعوا أغنية جديدة في إذاعة جالي تساهل.

لن أغني إلى أن لا تكون هناك جالي تساهل.

إسرائيل، متى تخلعين ملابسك العسكرية؟

إسرائيل، لماذا، سنويا، يتهم مؤرخ شاب مؤرخا أكثر شبابا بالكذب؟

بحق الشيطان، كم تصبحين "غير شابة" في خمسين عاما؟

إسرائيل، من يكذب على من؟

إسرائيل، هل كذبتُ عليك من قبل أبدا؟

هل كذبتِ عليّ؟

إسرائيل، لماذا لا أصدق أحدا

وبالتأكيد لا أصدقك

إسرائيل، لماذا لا أصدق نفسي؟

إسرائيل، قرفت من طلباتك.

إسرائيل، قرفت من ارتجاجك والبندقية الكبيرة في يدك.

إسرائيل، أين تخبئين القنبلة؟

راجعي نفسك وإلا سأضربك بالقلم.

أنت عصبية أكثر من اللازم فيما يتعلق بالشعب اليهودي.

فيما يتعلق بي أيضا.

يا إسرائيل، غدا سأقوم صباحا

رجلا، لست شعبا، أشعر

بتدفق الدم


إذا كان الحال هذا –

ليُطلق سراح فانونو.

ماذا سيحدث؟

ليطلق سراح تالي فحيمة[1].

وماذا إذن؟

ليطلق سراح البرغوثي.

أبو طير ويجئال عامير...

لماذا ترتعشين؟

هل قلت شيئا سيئاً؟

إسرائيل، متى سندخل غزة مرة ثانية؟

إسرائيل، أين خط الفقر أمام الحزام الأمني الجديد في لبنان؟

إسرائيل، لماذا يؤلمني أنني أفكر فيك؟

إسرائيل، أقرأ مجدداً تلك القصائد وأشعر بالملل الشديد.


إسرائيل توقفي عن دفعي، كنت هنا من قبل.

أفكر.

في الحقيقة-

إسرائيل، توقفي عن دفعه هو كان هنا من قبل.

أفكر.

إسرائيل، لماذا يقف الرب قريبا جداً هنا؟

إسرائيل، لماذا أنت قريبة لهذا الحد من الرب وبعيدة لهذا الحد عن القداسة؟

أو ربما أن العكس هو الصحيح؟

إسرائيل، إذا نسيتك فأنت تظهرين على تليفوني في اتصال سريع.

إسرائيل، لماذا بحق الشيطان يتم دفعك في كل طبعة؟

الإيرانيون السوريون اللبنانيون العراقيون هم أيضا آخرون سيئون، هه؟

كلهم يكرهونيكرهونيكرهونيكرهونناجدا، هه؟

إسرائيل، على الأقل ربنا سبحانه وتعالى يحبك.


إسرائيل، أعطيني علامة.

إسرائيل، هناك أخبار سريعة خاصة، هدوء.

إسرائيل، لماذا تحديداً في غبشة فجر غزة.

ربنما يكون الجو مظلما قليلا؟ رومانسية؟

إسرائيل، بدأنا من جديد؟

إسرائيل، ماذا سيحدث؟

على بالي التقيؤ، يا إسرائيل، وهذا قبل أن أدفع في فمي قهوة بإثنيعشرشيكل و فطيرة من الأمس في المحطة الرئيسية.

إسرائيل، أنا أنتظر مسيحاً مع قليل من الشوك أو المسامير أو شيء ما لحماره.

إسرائيل، أعرف، تعتقدين أنني أهذي.

أنا ميت من الخوف.

لا، لست مصابا، يا مجنونة.

ليس صاروخ قسام أيضا.

إسرائيل، أنت تعيقينني مجدداً عن الوصول لنقطتي.


على بالي الزئير.

على بالي أن أكون فهداً، ولكن الوقت أصبح متأخراً.

ربما أكون جدياً، هذا ما كنته مرة.

بثلاثة ملاليم، اشتروننا يا أمريكا!

إسرائيل، أنا لاصق بك. .

هل تعتبرين هذا إزعاجاً؟

خسارة أنني لم أنتبه من قبل ولكنك فعلا كبرت بشكل رائع.

اهدأي.

حتى لو مشيت، يا إسرائيل، فلديّ صورة لك بالحجم الطبيعي في الجيب الخلفي.

من الأمام أحتفظ بواقيات ذكرية تحسباً ًلأية حالة.

تشعرين بالإهانة مرة أخرى؟

لا تضطريني للتصرف بعنف، هذا سينتهي بالبكاء.

إسرائيل، أنا أحب، اشعري بالغيرة!


كيف انحدر الحال بالملحق الأسبوعي، هه؟[2]

إسرائيل، شكراً فعلاً لأن نجما يولد كل عام.

لا نحتاج نجماً جريئاً.[3]

لا يجب أن نسأل عن الكيفية.

إسرائيل، أين أبي وأمي؟

إسرائيل، هناك الكثير جدا من الحيوانات في البحر، إذن فلماذا ليس عند أمي إلا السرطان؟

إسرائيل، لا تكفي الأخبار هناك أيضا برامج الواقع

حسنا، ياللا، بلا واقع، يا رياليتي.

المهم الموهبة، صح؟

ثم اللوك، فيري ول.

باك يو، إيزرائيل، آي نيد ماي كوبي آند آي آم جونا جت إت إيفن

إيف إت كيلس مي، أوكي، بيتش؟

من سيكون مع الصناعات العسكرية؟

ربما يخترعون بندقية ما جديدة؟

شيئاً ما منوماً، شيئاً ما ساحراً له رائحة الموت وطعم القنابل، هه؟

ولكن دعهم يمنحونه اسما جميلا كهذا، لطيفا.

لماذا ليس "نينت"؟


لماذا يمنع النيك في السيارة بينما روعة القتل متواجدة في الشوارع؟

إسرائيل، أكلم نفسي لنصف ساعة وأنت تهزين رأسك فقط.

إسرائيل، لماذا لا يغنون إلا للسلام؟

إسرائيل، مع من أتحدث ؟

إسرائيل هم يطلقون النار مجدداً

إسرائيل هم يبكون مجدداً

إسرائيل هم نفسهم مجدداً.

لا يفهمون إلا القوة

هُمْنحْنهُم

نفس الشيء

لنكن أمريكا

المزيد من القوة

أعطيني، يا أمريكا، القوة

أعطيني، القوة، يا أمريكا

هكذا أحب هذا الأمر

الكثير من القوة

سوف ننيكهم يا إسرائيل، هه؟

هل سننتصر؟

شعب الأبد سينتصر.

لن نحتاج للمزيد من ضد الصواريخ صدقيني.

جواهر؟[4]

يا شيخة؟ ياللا يا إسرائيل.

إسرائيل "اعتمدي عليّ"، إسرائيلي هو أنا.

ماذا لديكِ لتقولي دفاعا عن نفسك؟

جيش الدفاع الإسرائيلي؟ هدوء.

أوف، أخبار نصف الساعة.

وأحيانا ليس نصفها.

إسرائيل، ماذا تقولين، ربما نبدأ في صباح جيد؟

صباح الخير يا إسرائيل؟

لأنني قرفان مما سبق.

_____________________________________________________

عيران تسلجوف: شاعر شاب، وواحد من محرري مجلة "داكا" الأدبية، يعد رسالة الدكتوراه في الأدب العبري الحديث بجامعة نيويورك، يقوم بالترجمة من الإنجليزية والأسبانية، وترجمت أعماله إلى الإنجليزية والأسبانية والهندية. المقالة مأخوذ من العدد الخامس من مجلة "داكا"، والقصيدة من العدد الأول منها.



[1] الناشطة اليهودية الإسرائيلية التي قضت في السجن ثلاثين شهرا بتهمة الاتصال بالعدو حيث أعلنت أنها على استعداد للتوجه إلى جنين لتشكل درعا بشريا لزكريا الزبيدي مسئول كتائب شهداء الأقصى هناك.

[2] سخرية من مثقفي اليسار الذين يتساءلون دوما عن انحدار حال الملاحق الصحفية الإسرائيلية في نهاية الأسبوع ولا يهتمون بالممارسات الإسرائيلية في نفس التوقيت.

[3] إشارة للبرنامج الإسرائيلي الشهير "نجم يولد"، وهو من برامج الترفيه، كما يحوي البيت إشارة إلى أبيات الشاعر الإسرائيلي ناتان زاخ التي يقول فيها: "كيف يجرؤ نجم واحد وحيد/ كيف يجرؤ، لأجل الله/ نجم واحد وحيد/ أنا لم أكن لأجرؤ/ وأنا، في الحقيقة، لست وحيدا."

[4] هنا يسخر الشاعر من الشعار الإسرائيلي الذي يروج أوقات الحروب: "الجواهر ضد الصواريخ". كلمتا الجواهر والصواريخ تنطقان بشكل متقارب جدا في العبرية الحديثة.

Thursday 9 July 2009

بيت دجاني أو هكذا بدأت النكبة



ألون حيلو، أهارون ميجد



ترجمة: نائل الطوخي


في العام الماضي، أصدر الروائي الإسرائيلي آلون حيلو رواية "بيت دجاني". الرواية تدور في بداية القرن العشرين، وبداية الهجرات الصهيونية إلى فلسطين، ويتم سردها بالتناوب على لسان كلوريسكي، الناشط الصهيوني الذي كان خبيرا بشراء الأراضي من أيدي الفلسطينيين في بداية القرن، والطفل العربي صالح، الذي يصف في تنبؤاته النكبة التي ستحيق بالفلسطينيين في العقود القادمة. ليس هذا هو كل شيء. صوحبت الرواية بقضية أدبية كبيرة أثارت ولا تزال تثير الوسط الثقافي في إسرائيل. فقد حصلت على جائزة "سبير" التي يقدمها "مشروع اليانصيب. مفعال هبايس"، ولكن بعد إعلان النتيجة تم سحب الجائزة من الروائي، بدعوى أن رئيس لجنة التحكيم، السياسي والشاعر "يوسي ساريد" قد نشر كتابه في نفس دار النشر المنشورة فيها الرواية، وهي دار "يديعوت سفاريم"، وأن محررة رواية حيلو هي قريبة ساريد.

هل هذا هو السبب الحقيقي؟ هناك من يشيرون إلى أن مضمون الرواية هو السبب. الرواية تحكي عن فلسطين قبل أن تصبح دولة لليهود، تناقش مفهوم النكبة، تصور عمليات شراء اليهود لأراضي الفلسطينيين بوصفها عمليات استعمارية. الروائي الإسرائيلي الكبير "أهارون ميجد" قرأ رواية "حيلو". كانت له تعقيبات غاضبة ضدها، أغلبها ذو طابع سياسي. ووصف الرواية بأنها رواية "معادية للصهيونية". نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت تعقيب ميجد على رواية حيلو ورد حيلو عليه. التعقيبان جديران بالقراءة، يكشفان أشياء كثيرة عن الاستيطان اليهودي في بداية القرن الماضي، عن علاقة العرب باليهود في فلسطين، وعن حدود الخيال والواقع في رواية تدعي أنها تاريخية. ننشر هنا المقالتين. شكرا جزيلا للصديق الفلسطيني إبراهيم واكد لتنبيهي إلى هذه الرواية. هيا بنا نقرأ:


أهارون ميجد: تشويه الصهيونية

سلام لآلون حيلو

أشكرك على كتابك "بيت دجاني"، الذي تفضلت بإرساله لي. لقد أثار اهتمامي البالغ، سواء لأن الفترة التي كتبت عنها أعرفها (بل وهي موجودة في خلفية كتابي "أعمام من الأرض المقدسة" الذي أفترض أنك قرأته)، أو لأنني أستمتعت باللغة الأرشيفية الخاصة بالهجرة الأولى التي تدرسها أنت بموهبة (وإن كان بشكل مبالغ فيه من التشويه).

ولكنني على طول ما كنت أتقدم في قراءة الكتاب، كنت أسأل نفسي عن حدود اللعب بالكلمات، حدود حرية الكاتب في العمل على الحقائق التاريخية الزمنية في الخيال.

على النقيض من الكتب الأخرى التي تبدو تاريخية، فلقد استخدمت أنت أسماء معروفة ومألوفة في تاريخ الاستيطان – برغم أنك كتبت في بداية الكتاب، جريا على عادة الكثير من الروائيين: "أي صلة بين الشخصيات... وبين شخصيات أخرى في الواقع هي مجرد صدفة بالتأكيد"، بل وأشرت بمقدمة الكتاب إلى أصل المذكرات المنسوخة لكلورينسكي في الأرشيف الصهيوني "وحدة.. ملف 65"، وهو أمر غير حقيقي، كما أوضحت. وبرغم هذا فالـ"مقدمة" نفسها هي حيلة أدبية (وأنا أيضا استخدمت حيلة مثلها في "كراريس أبيتار"، ولكن بدون إشارة لأسماء أشخاص معروفين)، هذه الإشارة، وهي تبدو "دقيقة"، يمكن لها تضلل القارئ النقي، وهو جاهل تماما بما يخص هذه الفترة ورجالها.

أنا لم أعرف كلوريسكي نفسه، بالطبع، ولكن شخصيته التي تظهر عن طريق مذكراته المتخيلة، هي على العكس تماما من كل ما حكاه عنه من عرفوه. وصفت شخصية بشكل بشع: قواد متسلسل، خائن، انتهازي، مخادع، يسرق أراضي العرب بالخديعة، يقسو عليهم، يسلب الثروات الصغيرة للحراثين، معدوم الشفقة سواء عليهم أو على النساء والأطفال. رجل بلا ضمير، ولا يملك أثر من المثالية الصهيونية، تلك التي كانت عنصرا مميزا لمحبي صهيون وللمستوطنين الأوائل لجردا، رحوفوت، روش بيناه، زخرون يعكوف وإلخ (الذين تسميهم أنت، على طريقة نظرية البروفيسور إدوارد سعيد بالـ"استعماريين".)

وما نعرفه نحن هو، ليس فقط أنه كان من يحصلون على أراضي سجرة، طبريا، منحاميا، يفنيئيل، ومستوطنات أخرى أيضا، حتى يوطن عليها يهوداً لكي يصبحوا مزارعين (وهل كانت هذه الاستحواذات مرتبطة باستغلال بالمزارعين العرب الأجراء؟ حتى لجان التحقيق الخاصة بحكومة الانتداب لم تتقبل هذه الصيغة!) – وإنما كان أيضاً من أوائل الداعين إلى التفاهم اليهودي العربي، وكان من مؤسسي "بريت شالوم، ومن منظري فكرة الدولة ثنائية القومية (وأنت أيضاً تشير إلى هذا في "المقدمة").

كيف تتسق هذه الأمور مع ما يلوح من "اليوميات" المنسوبة له؟ وأنت تنسب له (صحيح أنه مع شكوك معينة) حتى مقتل زوج عفيفة، في ملابسات شكسبيرية دقيقة تناسب مقتل هاملت الأب (إلى حد سكب السم في أذنه)!

في رأيي، هذا شيء مضاد للجماليات الأدبية. كتبت عشرات الكتب يأتي فيها الأديب بشخصية تاريخية معروفة، بل وينطق اسمها، ويبني عليها قصة متخيلة ( نوع يطلق عليه اسم فاكشن fact+fiction)، ويمكننا الإشارة إلى بضعة روايات فقط صدرت في الفترة الأخيرة "الصيف في بادن-بادن" للينارد تسيبكين عن دوستويفسكي، "سادة بطرسبرج" لكوتزي، وهي أيضا عن دوستويفسكي، "الساعات" لمايكل كننجهام عن فيرجينا وولف، "عندما بكى نيتشه"، ليجلوم وزوجته. إيدا تسوريت، كتبت، من بين ما كتبت روايتي "امرأته المبعدة"، عن هرتسل وزوجته جولي، و"حب الحياة" عن بياليك ومحبوبته الرسامة، إيرا يان. في جميع هذه الروايات، وبرغم الأساس المتخيل لها، يسعى الكاتب لفهم طابع ونفسية البطل التاريخي، وفق طرقه، بل ويحيد عن الحقيقة الشائعة، حيث "ليس ثمة حقيقة واحدة"، كما أصبح معتاداً القول – ومع كل هذا فهو يكون حذراً إزاء قلب الشخصية على رأسها.

ولكن ليس كلورسكي فقط من خرج من تحت يدك ظالما وقبيحا، وإنما جميع اليهود الذين تذكرهم بأسمائهم، هكذا على سبيل المثال خرج يهوشواع حنكين من تحت يدك، وهو الشخص الذي حصل على أراضي الوادي وحرده، وامرأته أولجا أيضا، والمدرس يهودا جرزوبسكي، ولا يكفيك هذا، وإنما الشاعر إيمبر، مؤلف النشيد الوطني "الأمل" "هاتكباه"، والذي كان بوهيميا، كما هو معروف، يوصف، باللغة الفظة لكاتب الرواية "بـ"الحيوان المتوحش".

في مقابل هؤلاء، فالعرب – باستثناء القوادين المثليين الاثنين – جميعا، أصحاب الأرض، سكان يافا، الحراثين، هم أناس جميلون وسذج لم يؤذوا أبداً "الاستعماريين" اليهود. والمتحدث باسمهم، أمام القراء وأمام التاريخ، هو الطفل المريض نفسيا، صالح، نبي الغضب ونبي الانتقام (ووفق التراث الأدبي – الميثولوجي الشائع، فالنبي هو فعلا "شخص مجنون وروحاني" غارق في النبوءات)، وهذا الطفل، الذي يتنبأ بالـ"نكبة"، بجميع تفاصيلها، أي، بالخراب الذي سيأتي به الصهاينة على الشعب الفلسطيني وبطرده من أرضه، يلقي نبوءات انتقامية بالدم والنار، ضد اليهود، بطريقة مشابهة جدا لنبوءات إرميا، إشعيا، عاموس، إلخ، تتوجه ضد إسرائيل، عقابا لها على أخطائها.

في نهاية الأمر، ثمة هنا رواية معادية للصهيونية بوضوح – ربما لم يكن بقصدك هذا من البداية، وربما لأنك "انجرفت"، كما يقولون، وراء موهبة الوصف والبناء لديك: اليهود الصهاينة هم محتلون قساة – والعرب هم ضحايا ظلمهم. مع كلوريسكي النذل والفظ من جانب، وصالح وأبيه وأمه من جانب آخر، فهذه رواية رمزية "موجهة" تصف العلاقات بين الصهاينة والفلسطينيين (على طريقة الروايات الرمزية لدى الشعوب المستعبدة، لدى البولنديين، مثلا، عندما كانوا خاضعين لسيطرة الروس) وفق الرؤية الفلسطينية. لو كنت فلسطينيا، كنت سأتبنى هذا العمل باعتباره عملاً رمزياً مثالياً يجب تدريسه في جميع المدارس العربية.

وسامحني على هذا الرد المنفجر ، على طريقة "لا شيء يريحني غير الكلام"

تهانئي، واحترامي للموهبة الأدبية لديك

أهارون ميجد، تل أبيب

ألون حيلو: هل كانت فلسطين خالية من العرب؟

إلى العزيز أهارون ميجد

أبدأ كلامي بالقول أنني سعدت لأن كاتبا بقامتك قرأ كتابي بل واجتهد في كتابة رده. قرأت كثيراً من كتبك وأحببتها جدا، كتابك "الحي على الميت"، رافقني على طول كتابتي للرواية، ويمكن ربما العثور على خطوط موازية بين بطله وبين أعمالي أنا كأديب.

انتبهت أيضا لقراءتك المدققة، لدرجة أنك فحصت ووجدت أن رقم الملف المنسوب لمذكرات كلورسكي في الأرشيف الصهيوني هو رقم متخيل. آملت في أن يدرس هذا واحد من قرائي ذات يوم ولم يخب ظني.

بخصوص مزاعمك المختلفة حول مضمون الكتاب: سأحاول الرد عليها واحدا واحدا، ولكن قبل كل شيء فأنا أريد إعطائك خلفية قصيرة عن كتابته.

ولدت وكبرت في تل أبيب، وحصلت على دراسة صهيونية تربوية رائعة. وعلى قدر ما كنت أكبر، كنت أنتبه إلى عدد من المقولات الصهيونية التي تتطلب إعادة نظر. هل كانت فلسطين خالية من السكان عندما وصلها الصهاينة الأوائل؟ هل نبتت تل أبيب فعلا من الرمال؟ هل كان العرب المحليون فعلا عنصرا مزعجا، مربكا، ومتآمراً ضد الرغبات الصهيونية – أم أن الواقع كان أكثر تعقيدا؟

في إحساسي، فإن الرواية الصهيونية، كما نعرفها من المنظومة التعليمية، من السياسة ومن قيم المجتمع اليهودي – الإسرائيلي، تنحو من البداية إلى مصلحة اليهود وفي عدد من النقاط المفصلية الأساسية حتى أنها تخطئ في قراءة الواقع وأحيانا تكون كاذبة بشكل واع.

على خلفية هذا الواقع، أردت أن أكتب كتاباً يعطينا وزنا ضديا، وبشكل أقل مبالغة، للقصة المضللة التي يحكيها اليهود الصهاينة بعضهم لبعض، ووجدت بالفعل شخصية مناسبة: يهودي مثقف، نبيل، حكيم وماكر، خبير في الزراعة، يأتي هنا أيام الهجرة الأولى ليس كضحية أو كشخص مضطهد، وإنما من خلال إيمانه بقيم صهيونية ونوايا متعمدة. هذا الشخص أصبح خبيراً في الحصول على الأراضي من أيدي الأفندية والاستغلال الفعلي الأجراء الذين كانوا يسكنونها (وهي الحقيقة التي يشير إليها المؤرخون الجدد، بني موريس على سبيل المثال)، بل وقام برشوة أصحاب جرائد عرب لشراء مقالات لصالح الصهيونية.

بخصوص الجماليات الأدبية: تلقيت ردودا غاضبة – ومعها حق- من أحفاد كلوريسكي لأن رواية "بيت دجاني" تعرض شخصيته كإنسان حقيقي، حاييم مرجليوت كلوريسكي، بدون تجنب فكرة أن الحبكة ليست إلا ثمرة تخيلي. فيما بعد سوف يلحق بالطبعة القادمة من الكتاب "توضيح المؤلف"، ووفقه سيتضح أن الكتاب كله خيالي ولا يقوم أبداً على يوميات كلوريسكي (فيوميات كتلك، كما نعلم، لم يتم كتابتها أبدا).

سأشرح أيضا في التوضيح بشكل صريح لثاني مرة، أن كلوريسكي الحقيقي كان بين الصهاينة الأوائل والوحيدين الذين حذروا من الصراع بين الشعوب في أرض إسرائيل، لأنه عمل على تطوير الحوار والمصالحة بين اليهود والعرب، ولأن إحساسه الطبيعي بالعدالة كان يحركه، مثلا، لكي يعوض ماديا الأجراء المستغَلين عن الأراضي التي حصل عليها (وأنا أشير إلى هذا في تقدير حقيقي له وبدون أي ظل من السخرية).

أقول بين علامتي تنصيص، أنه قبل اقتربي من كتابة الكتاب كنت أعرف هذه الحقيقة، ولكن الهدف الذي وضعته نصب عيني كان تتبع كلوريسكي بالتحديد في العام الأول لوجوده بأرض إسرائيل، قبل العمل بانتظام بالغ من أجل الموضوع، وبواسطة لقاء متخيل بينه وبين طفل مسلم ذي قدرات تنبؤية، وهذا ما يمكنه تقديم تفسير (متخيل، بالطبع)، للملاحظات الدقيقة لكلوريسكي، والتي سبقت زمانه وجيله.

هذا الشخص هو شخصية عامة، ولذا فقد أعطيت لنفسي الحرية في سرد قصته غير المعروفة، قصة تبدو كما لو كانت لم تحدث أبداً، ولكن يمكنها الحدوث، وعندئذ فيمكن لها أن تمنحنا خلفية وتفسيرا مناسبين للشخصية الحقيقية لحاييم مرجليوت كلوريسكي، كما نعرفه من التوثيق التاريخي ومن شهادات أقربائه وأصدقائه (باعتباره الشخص الذي حارب من أجل حقوق العرب في بقية حياته، وكان يطمح إلى التصالح وإقامة حوار معهم)، وكما وصفته أنت أيضاً.

في رأيي المتواضع، فشخصية كوريسكي في الكتاب ليست وحشية، وإنما ساحرة. هو شخص وسيم، طموح، صلب، مليء بحس الدعابة وإنساني للغاية. ربما يكون صلبا للغاية عندما يتعلق الأمر بالوصول إلى أهدافه، ولكن دعنا لا ننسى أن هذه كانت شخصيته وهو يبلغ 27 عاماً، في عامه الأولى بالبلد، وفي زعمي فبعد هذه السنة المصيرية وتعرفه على صالح، تغير منهاجه من النقيض إلى النقيض، إلى تلك الشخصية المعروفة لدى أقربائه.

وبالمناسبة، فتسمية "استعماريين" ليس مأخوذة فقط من إدوارد سعيد، وإنما من صحف تلك الفترة (على سبيل المثال "هامليتس" في العامين 1895-1896) والتي استخدمت مصطلحي "مستعمرة" و"استعمار" بديلا عن "مستوطنة" و"مستوطنين".

بالنسبة لليهود الآخرين في الكتاب فيتوجب عليّ القول إلى أن الإشارات السلبية التي اقتبستَها ينسبها لهم كلوريسكي نفسه، الموصوف في الكتاب باعتباره شخصية انتقادية غير واعية بعيوبها، وأناس على هذه الشاكلة علينا التطرق إليهم بدرجة محدودة من الثقة وبالقدر المطلوب من السخرية.

كذلك ادعاءاتك بخصوص تمثيل العرب لا أقبلها كاملة. ألا يمكن القول أن العرب في الكتاب يؤمنون بالمعتقدات الخرافية, ضعفاء، سلبيون، عنيفون، وأحيانا مثيرون للسخرية (انظر شخصية الأب). صحيح أنهم لم يؤذوا الاستعماريين اليهود، ولكن هذا بالأصل حدث في غالبية الحالات بوقت الهجرة الأولى، عندما لم يكن الاستيطان اليهودي المتفرق قد أزعج بعد الحياة القومية للفلسطينيين.

هل هذه رواية معادية للصهيونية؟ لست متأكداً. أنا لا أصف نفسي فقط باعتباري صهيونياً، وإنما "صهيوني جيد" أيضاً، بما أنني أرى أن إصلاح الرواية الصهيونية هو المرحلة الأولى في المصالحة المرغوبة بين الشعوب، وهي المصالحة التي تعد الشرط الضروري لاستمرار وجود دولة إسرائيل الصهيونية حتى بعد قرن وقرنين من الزمان.

على أية حال، أشكرك مجددا على كلماتك، يضايقني لو كنت قد أغضبك وأغضبت أبناء جيلك. لم يكن هذا هو مقصدي.

احترامي واعتزازي

آلون حيلو، هرتسليا

____________________________________________________

ألون حيلو: روائي إسرائيلي شاب من أصل سوري. ولد عام 1972 في يافا. يعمل مستشارا قانونيا في شركة هاي تك. نشر روايتي "موت الراهب"، 2004 وهي رواية تاريخية، عن تهم الدم التي لوحق بها اليهود في دمشق، و"بيت دجاني" 2008. له مسرحيتا "الليلة عرس" عرضت في مهرجان المسرح القصير 1998 إخراج إيلان تورن ومسرحية "يوم الكلاب" وعرضت في مهرجان عكا 1999 إخراج جيل بر هالال.




أهارون ميجد: واحد من أهم الروائيين الإسرائيليين المعاصرين. ولد عام 1920 في لتوانيا وهاجر إلى إسرائيل عام 1926. من كتبه "الحي على الميت"، "الهروب"، "هاينز وابنه والروح الشريرة"، و"كراريس أبيتار". حاز على جائزة إسرائيل الأدبية عام 2003. خدم ملحقا ثقافيا لإسرائيل في لندن في الأعوام من 168 – 71.