Friday 25 December 2009

هيا بنا نفكك المدينة

تفكيك المدينة


نوعام برتوم

ترجمة: نائل الطوخي



في أول الليل

رجل جديد عار في سريري

تل أبيب تغلي بالخارج

ترتعش

تفور

يتم تفكيك المدينة.

من خلف النوافذ الزجاجية الواسعة هناك ثقالة ذهبية بيضاء تدور بسرعة وحشية في الجو،

تقوم بتقطيع رقع السماء لأشكال هندسية،

تقطر حولها شظايا ضوء لامع.

كل السطح مذهب،

غير مكشوف

تقصفه قوات البناء من السماء

دمر!

خرب!

اكسر!

في غرفتي، من الطابق الأقل ارتفاعا، أنا ورجلي نعرض الحب على الملأ!

يتسلل باتجاهي كالروح بين الملاءات البيضاء

وتستجيب النوارس الحمراء

تطير من على السرير وهي تصفق بأجنحتها، تهتف وتحلق

ونحن معها:

نـ-فـ-كك المـ-دينة.

نـ-فـ-كك المـ-دينة.

نحن أسود في السيرك

عرف رؤوسنا يشعل نارا

ذيولنا مسنونة وسريعة كالسكاكين

ننتقل بين إثنتي عشر حلقة مشتعلة

نزأر ونقطف على الأرض بلدوزرات صاخبة.

صفارات قوية تصبح عادية في العالم البارد، المحروق بالأسفلت

مثل صواريخ بالستية بين الارتفاع والانهيار.

عمال، أنصاف آلهة، راكبين على جرارات مرتدين خوذات بلاستيكية مبفعة ومدرعات عاكسة للضوء

يفككون البضاعة ويصعدون، يخلطون الأسمنت، يرددون ببهجة

فتت!

اخرق!

حطم!

نحن مصبوبون من الأسمنت.

تماثيل حجرية قديمة نفخ فيها شخص من روحه:

نـ-فـ-كك المـ-دينة.

نـ-فـ-كك المـ-دينة.

من السماء تنقض أوناش، تنظر شزرا، سكرانة

وبدون إنذار تهاجم، كالمجنونة

رؤوس ديناصورات عملاقة، بمفاصل كثيرة، تدور حول محورها في الفضاء

تفتح بلاعيمها الرهيبة،

ملقاة على الزجاج

كسر!

ابتر!

فجّر!

مملكة قبل تاريخية غريبة هي تل أبيب،

ونحن مأخوذون بالرعب الأخرس

نمضغ الفشار في إيقاع موحد مثل المطحنة

ونشاهد – نشارك في فيلم خيال علمي،

فقط أنت وأنا

بينما فجأة، الأرض تنهار من الأسفل، إلى الداخل،

فيالق نشطة تقوم لإخضاع

مدينة تل أبيب.

"المنصة" تميل على جانبها، وتتشنج،

والفيالق تدفن المسرح القومي القديم

حتى عظامه

وتحتفل على خرائبه برقصة النصر، بأغنية المجد –

اسحق!

شقّق!

قم بالتصفية!

نـ-فـ-كك المـ-دينة.

نـ-فـ-كك المـ-دينة.

وأنت تطلق شررا في أذني.

ويفكك جسدي جسدك والعكس

يفكك أحدنا الآخر-

الألعاب النارية في السقف

الألعاب النارية على المخدة

الألعاب النارية في أفواهنا

بين أرجلنا وبيننا

انفجارات النور والغاز

مشهد صوتي وضوئي كامل

عندما نفكك المدينة.

وبخارج الجميع

يجلس بوذا كبير

ويتخيلنا.

يفرش علينا بطاطين ثقيلة،

شلالات من الحليب،

يسكب ببطء ويقلب في القًدْر.

بالتدريج ينطفئ الحريق.

لسنا أكثر من كورن فليكس في إفطاره.

ننام أمام الثمانيات في الجو التي تصنعها كف الهيلوكوبتر بداخل فمه –

أطفال رضع نائمون في المغارة،

متحررين في أحلامنا.

لن يترك عمله إلا بعد إنهائه

تفكيك صورة تل أبيب

من أجلنا.

نـ-فـ-كك المـ-دينة.

نـ-فـ-كك المـ-دينة.

________________________________________


نوعام برتوم، ولدت عام 1986، في تل أبيب، تدرس الأدب والكتابة في جامعة تل أبيب. تخرجت من ورشت شعر "هاليكون" ونشرت قصائدها في صحف "بامحانيه"، ودورية "هاليكون"، كما تم تلحين عدد من قصائدها على يد موسيقيين. القصيدة منشورة في صحيفة "يديعوت أحرونوت". والصورة تصوير: داني نويمان

Saturday 19 December 2009

الورثة

عاموس عوز

ترجمة: نائل الطوخي

1

الرجل الغريب لم يكن غريباً. شيء ما في شخصيته كان مقززاً ومذهلا أيضاًً لأرييه تسلنيك منذ النظرة الأولى، إذا كانت تلك نظرة أولى بالفعل: تقريبا خيل لأرييه تسلنيك أنه يتذكر هذا الوجه، هاتين الذراعين الطويلتين والممتدتين تقريباً حتى الركبتين، يتذكر بشكل مضبب، كأنما حدث هذا قبل حياة كاملة. ركن الرجل سيارته بالضبط أمام باب الفناء. كانت سيارته بيج متربة وعلى شماستها الخلفية والشماسات الجانبية أيضا كانت ثمة رقع من الملصقات الملونة، كل أنواع علامات القراءة، الإعلانات، التحذيرات والشعارات. أغلق باب السيارة ولكنه توقف ليفحص، بحركات مجتهدة، باباً بعد باب، ليرى إن كانت الأبواب كلها مغلقة جيداً. ثم طرق وعاد و طرق بخفة على غطاء الموتور، كأنه حصان قديم مربوط بعمود الحائط ويومئون له بحب أن الانتظار لن يطول. ثم دفع الرجل الباب وخطا باتجاه الشرفة الأمامية، والتي ظللتها عريشة عنب. بدت خطواته قافزة ومتألمة قليلاً أيضاً، كأنه يخطو حافيا على الرمل الساخن.

من مكانه على الكرسي الهزاز بركن الشرفة، يرى ولا يُرى، شاهد أرييه تسلنيك الضيف منذ أن ركن سيارته. ولكنه، وعلى قدر ما حاول، لم ينجح في تخيل من هو هذا الغريب غير الغريب. أين التقاه، ومتى التقاه، هل في واحدة من سفراته خارج البلاد؟ في خدمته الاحتياطية؟ في المكتب؟ في الجامعة؟ أو ربما أثناء سنوات المدرسة؟ وجه الرجل كان ماكراً ومبتهجاً، كأنه نجح في تدبير مكيدة ما والآن يشعر بالشماتة. من خلف الوجه الغريب أو من تحته كانت ثمة إشارة غامضة لوجه معروف، مزعج، وجه يطرد النوم، هل هو وجه شخص أساء لك مرة؟ أو على العكس، وجه تسببت له أنت بظلم منسي ما؟

مثل حلم غرقت تسعة أعشاره ولا يلوح إلا طرفه .

قرر أرييه تسلنيك إذن عدم القيام من مكانه احتراما للقادم وإنما استقباله هنا، على الكرسي الهزاز في البلكونة بمدخل البيت.

تحرك الغريب وسار متعرجاً بعجلة على طول الطريق المؤدية من البوابة إلى سلالم الشرفة، وعيناه الصغيرتان تركضان بلا انقطاع، يمينا ويساراً، كأنه يخشى الانكشاف أمام الزمن، أو على العكس، كالمفزوع من كلب غاضب قادر في كل لحظة على القفز عليه من أجمة أشجار البوجنفيليا الشائكة التي تنمو على جانبي الطريق.

الشعر الأصفر الخفيف ، الرقبة الحمراء التي يذكره جلدها المجعد الهزيل والفقير بحوصلة الدجاجة الهندية، العينان المائيتان القذرتان التان تركضان كالأصابع النابشة، ذراعا الشمبانزي الطويلتان، كل شيء أثار به ضيقا غامضاً.

من برج مراقبته الخفي على الكرسي الهزاز، تحت ظل أغصان العنب المتسلق لاحظ أرييه تسلنيك أن الرجل الضخم واهن قليلا، كأنه تعافى لتوه من مرض قاس، كأنه كان لفترة طويلة شخصا ثخين الجلد ولم ينهر داخلياً إلا مؤخراً، تقلص بداخل جلده. حتى الجاكت الصيفي الذي كان يلبسه، الجاكت ذو الجيوب المنفوخة واللون البيج العكر، بدا واسعا للغاية، وكان معلقا بإهمال على كتفيه.

برغم أن الأيام كانت نهاية الصيف والطريق كان يابساً، فقد توقف الغريب ليحك جيدا نعلي حذائه بالسجادة أسفل السلم. عندما انتهى رفع رجلا أخرى وعاد ونظر، إلى هذا بعد ذاك، نظافة نعلي حذائه. فقط عندما ارتاح باله صعد على السلم وفحص الشراعة على قمة السلالم، وعندما طرق عليها بأدب عدة مرات ولم يستجب أحد أدار أخيرا عينيه واكتشف أن صاحب البيت نابت بارتياح في كرسي هزاز محاط بأصص الزرع الكبيرة والسرخس في ركن عريشة العنب، التي أظلته وأظلت الشرفة كلها.

على الفور ابتسم الضيف ابتسامة واسعة، وتقريبا انحنى انحناءة احترام، وسعل ونظف حنجرته قبل أن يبدأ الكلام معلنا:

§ لديكم مكان فاتن هنا، سيد تسلكين! رائع! إنه بالضبط بروفانس في دولة إسرائيل! أي بروفانس! توسكانا! والمنظر عندكم! الغابة! العنب! تل إيلان هي ببساطة القرية الأكثر سحرا في هذا البلد الشرقية. لطيف جدا! صباح الخير، سيد تسلكين. سامحني، آمل في ألا أكون، بالمناسبة، مزعجا بعض الشيء؟

رد عليه أرييه تسلنيك تحية الصباح بصوت جاف، وأصلح الأمر قائلا أن اسمه تسلنيك وليس تسلكين، وأشار إلى أنه يعتذر، عندنا لا يشتري أحد شيئاً من مندوبي المبيعات.

  • معك حق جدا! بالتأكيد معك حق! صاح الرجل وهو لا يزال يمسح بكمه عرق جبينه، فمن أين يمكننا أن نعرف أن من أمامنا مندوب وليس مجرد محتال؟ أو حتى أعوذ بالله مجرم أتي ليدرس الأرض لكي يمهد الطريق لعصابة من مقتحمي البيوت! ولكنني، يا سيد تسلنيك، بالمناسبة أنا بالتأكيد لست مندوبا، أنا مفتسير.
  • ماذا؟
  • مفتسير. وولف مفتسير. المحامي مفتسير من مكتب محاماة لوتام بروجينيف. لطيف جدا، سيد تسلنيك، جئت إليك، يا سيدي، في موضوع، كيف يقولون هذا، أو ربما يكون من الأفضل ألا نحاول أبدا وصف الموضوع وإنما أن نقترب مباشرة منه. هل تسمح لي بعد إذنك بالجلوس؟ سوف يكون هذا شرحا شخصيا بدرجة أو بأخرى، ليس خاصا بي والعياذ بالله، فأنا في مواضيعي الشخصية لم أكن أبدا لأتجرأ على الاقتحام والإزعاج هكذا بدون أي إشعار مسبق. ولكننا حاولنا، بالتأكيد حاولنا، عدة مرات حاولنا، ولكن تليفونك محمي ولم تتفضل أبدا بالرد على رسالتنا. لهذا قررنا تجربة حظنا في زيارة لم يتم التنسيق فيها فيها مسبقا، ونعتذر بشدة عن الإزعاج. هذا بالتأكيد أمر غير شائع لدينا، أن نجتاح الحيز الشخصي للآخر، فما بالك لو أن هذا الآخر يجلس في أجمل مكان بالبلد كلها. على أية حال، كما قلنا، فبالتأكيد ليس هذا أمرا شخصيا لنا. لا، لا. على أي وجه. وإنما العكس، قصدنا هو، إذا صغنا هذا بلطف، ربما سنقول أن قصدنا هو موضوع شخصي يخصك أنت، سيدي. موضوع شخصي يخصك ولا يخصنا فحسب. الأكثر صوابا أن نقول أنه في الحقيقة يخص عائلتك. أو ربما العائلة بشكل عام، وبشكل خاص- واحد من أفراد عائلتك، سيد تسلكين، واحد محدد من أفراد عائلتك. لن تعارض في أن نجلس ونتحدث عدة لحظات؟ أضمن لك بأن أحاول قدر استطاعتي ألا يأخذ الموضوع أكثر من عشر دقائق. وإذا كان ذلك كذلك، فهذا أمر يتعلق بك فقط، سيد تسلكين.

قال أرييه تسلنيك:

تسلنيك.

ثم قال:

اجلس.

وأضاف فورا:

ليس هنا، هنا.

ولأن الرجل السمين، أو الذي كان سمينا، هبط أولا على الكرسي الهزاز الزوجي، بالضبط إلى جانب المضيف، لمس الفخذ الفخذ، فلقد طوقت جسده سحابة من روائح ثخينة كالحاشية، روائح هضم وجوارب وبودرة تلك وإبطين. تظلل كل هذه الروائح شبكة دقيقة من رائحة معجون حلاقة حاد. تذكر أرييه تسلنيك فجأة أباه، والذي كانت رائحة معجون حلاقة تغطي أيضا على الدوام روائح جسده.

في اللحظة التي قيل له فيها ليس هنا وإنما هنا، قام الضيف وتحرك قليلا، ذراعا القرد تدعمان ركبتيه، واعتذر مغيراً مكانه ومحرراً مؤخرته في البنطلون الأكثر اتساعا من قياسه في المكان الذي أشير له به، على أريكة خشبية في الجانب الآخر لطاولة الحديقة. كانت تلك طاولة قروية مصنوعة من ألواح الخشبية. شبه مسطحة فقط، تشبه الدعائم تحت قضبان القطار. من المهم لأرييه أن أمه المريضة لن ترى أبداً هذا الضيف من خلف نافذتها، ولا حتى ظهره، ولا حتى ظله على خلفية عريشة العنب. لذا فقد أجلسه في مكان واضح للعين من خلف النافذة. أما الصوت الترتيلي السمين فسوف يحميها صممها منه.

2

قبل ثلاثة سنوات سافرت نعاما، امرأة أرييه تسلنيك، إلى صديقتها الأقرب، تالما جراند في سان دييجو، ولم تعد. لم تكتب له صراحة أنها قررت تركه، ولكنها ألمحت إلى هذا بلطف في البداية: بالمناسبة أنا لن أعود. بعد مرور حوالي نصف عام كتبت: أنا لازلت مع تالما. ثم كتبت أيضا: ليس من ضرورة في أن تواصل انتظاري. أعمل مع تالما في ستوديو لتجديد الشباب. وفي خطاب آخر: جيد أن أعيش سويا مع تالما، لدينا نشاطات متشابهة. وكتبت مرة أخرى: المعلم الروحي لكلينا رأى أنه من المناسب لنا ألا تتخلى الواحدة منا عن الأخرى. سوف تكون على ما يرام؟ صحيح أنك لست غاضبا؟

الابنة المتزوجة، هيلا، كتبت له من بوسطن: أبي، أقترح عليك، لصالحك، ألا تضغط على أمي. سوف تجد لك حياة أخرى.

ولأن العلاقة بينه وبين ابنه البكر إلدار قد انقطعت من زمن طويل، ولأنه باستثناء عائلته تلك لم يكن لديه أي شخص مقرب منه، فلقد قرر في العام الماضي تصفية الشقة بالكرمل والعودة للسكنى عند أمه في البيت القديم بتل إيلان، وأن يعيش على الدخل المتوفر من تأجير الشقتين في حيفا مخلصاً لهوايته.

هكذا وجد له حياة أخرى، كما اقترحت ابنته.

في شبابه خدم أرييه تسلنيك في الكوماندو اليومي. منذ طفولته المبكرة لم يخف من أي خطر، لا من نار العدو ولا من تسلق الجروف. ولكن مع السنوات نمت لديه مخاوف حادة من الظلام في بيت خاو. لذا فقد اختار أخيراً العودة للسكنى بجانب أمه، في البيت المتقادم الذي ولد وكبر به، في طرف قرية تل إيلان. الأم، روزاليا، كانت عجوزاً كما ينبغي لابنة التسعين عاماً، صماء، محنية للغاية ومقلة في الكلام. أغلب الوقت كانت تتركه يعتني باحتياجات البيت بدون الإثقال عليه وتقريبا بدون الإدلاء بملاحظة أو بسؤال. أحيانا كان يخطر على بال أرييه تسلنيك احتمال مرض أمه، أو أن تشيخ لدرجة العجز حتى عن الوقوف بدون عناية لصيقة، وسوف يضطر هو لإطعامها وتنظيفها وتدليلها، أو لإدخالها دار مسنين، حيث سيتم إقلاق راحة البيت، وستصبح حياته مكشوفة أمام الأغراب. وهناك لحظات كان يتمنى فيها بالتحديد، أو تقريبا يتمنى، الانهيار القريب لأمه، كي يكون لديه المبرر المنطقي والشعوري لنقلها لمؤسسة مناسبة، حيث سيقف البيت كله في صفه. وسوف يتمكن من الإتيان، كما يريد، بامرأة جديدة وجميلة، أو ألا يأتي بامرأة وإنما يستضيف طابوراً من الشابات الصغيرات. سوف يكون ممكنا حتى هدم الجدران الداخلية وتجديد وجه البيت هنا. سوف تبدأ حياة جديدة.

ولكن في نفس الوقت فهما يعيشان سويا، الابن وأمه، في البيت الكئيب، المتقادم، بسلام وصمت. يوميا تأتي خادمة، تأتي معها بأغراض مكتوبة في قائمة، ترتب وتنظف وتطبخ، وبعد أن تقدم للأم وللابن غداءهما تمضي صامتة إلى طريقها. أغلب ساعات اليوم تجلس الأم في غرفتها وتقرأ كتبا قديمة بينما أرييه تسلنيك يستمع في غرفته للراديو أو يبني طائرات من خشب خفيف.

3

الغريب ابتسم فجأة ابتسامة ماكرة، ابتسامة تشبه الغمزة، كأنه يعرض على مضيفه: تعال نخطئ قليلا سويا؟ ومع هذا –كأنه خائف أيضاً من أن يجلب عرضه عليه العقاب. وسأل بسذاجة:

آسف، بعد إذنك، هل تسمح لي بأخذ قليل من هذا من فضلك؟

ولأنه خيل له أن المضيف هز رأسه، فلقد صب الرجل من كنكة زجاجية انتصبت على الطاولة مياه مثلجة مع شريحة ليمون وبعض أوراق النعناع في الكوب الوحيدة التي كانت هناك، كوب أرييه تسلنيك، وألصق شفتيه اللحيمتين بالكوب، منهياً إياه كله في خمس أو ست رشفات واسعة وعالية الصوت، وأعد له نصف كوب آخر واحتساه كذلك بظمأ صاخب، وعلى الفور بدأ في الاعتذار:

آسف! ببساطة شديدة، عندك هنا في هذه الشرفة الفاتنة لا يشعر الواحد أبدا كم أن الجو حار اليوم. اليوم حار جدا. جدا! ومع كل هذا، وبرغم الحرارة الثقيلة، فهذا المكان مع كل هذا مليء بالسحر! تل إيلان هي بالضبط القرية الفاتنة الوحيدة في كل الدولة! بروفانس! ليس بروفانس! توسكانا! غابات! كروم! بيوت فلاحين منذ ما يزيد على المئة عام، حدائق حمراء وأشجار سرو عالية كتلك! والآن ما رأيك يا سيدي؟ هل سيكون مريحا لك أن نتحدث معاً قليلاً عن الجمال؟ أم أنك ستسمح لي بالاقتراب بدون لف ولا دوران إلى جدول عملنا الصغير؟

قال أرييه تسلنيك:

  • أنا أسمع.
  • عائلة تسلنيك، ذرية ليون عقبيا تسلنيك. أليسوا أنتم، إن لم أكن مخطئا، كنت هناك بالضبط بين أوائل من سكنوا القرية؟ من المؤسسين الأوائل؟ غلط؟ من قبل تسعين عاما؟ مئة تقريبا؟
  • اسمه كان عقيبا أرييه، ليس ليون عقبيا.
  • بالتأكيد، تحمس الضيف، عائلة تسلكين. نحن نحترم للغاية تاريخكم المشهور. ليس فقط نحترم. بل نبجل! في البداية، إذا لم أكن مخطئاً، جاء الأخوان الكبيران، بوريس وسميون تسلكين، اللذان وصلا هنا من قرية صغيرة في بيليخ خركوب لأجل إقامة مستوطنة جديدة تماما في قلب هذا المشهد البري لجبال مناشيه المقفرة. لم يكن هناك شيء هنا. سهل أشواك مقفر. حتى القرى العربية لم تكن في هذا الوادي وإنما تواجدت فقط من خلف التلال. بعد هذا جاء أيضا الأخ الصغير لبوريس وسميون، ليون، أو، إذا لم تكن تصر بالضبط على هذا، عقبيا أرييه. وبعد هذا، على الأقل وفق القصة الشائعة، بعد هذا قام سميون وبوريس وعادا واحدا وراء الآخر إلى روسيا، وهناك قتل بوريس سميون بالفأس، وفقط جدك – كان جدك؟ أم أبو جدك؟ - فقط ليون عقبيا هو من أصر على البقاء هنا. ليس عقبيا؟ عقيبا؟ آسف. عقيبا. المختصر، حدث هذا هكذا: بالصدفة طلع أننا، المفتسيريين، نحن أيضا من بيليخ خركوب! بالضبط من غابات خركوب! مفتسير! ربما تكون قد سمعت؟ كان لنا أخ مرتل معروف، شاعيا لايف مفتسير، وكان واحداً من نسل مويسييفيتش مفتسير، كان جنرالا كبيرا في الجيش الأحمر. جنرالا كبيرا جدا جدا، ولكن ستالين أخذه وقتله. في تطهيرات الثلاثينيات.

قام الرجل وأشار بذراعيه الشمبانزيتين إلى وقفة قناص في صف من الرماة، أطلق أصوات قعقعة وابل الرصاص، وكشف بهذا عن أسنان أمامية حادة ولكنها ليست بيضاء تماماً. وعاد وجلس مبتسما على الأريكة، كأنه راض عن نجاح عملية الإعدام. بدا لأرييه تسلنيك أن هذا الرجل ربما كان ينتظر تصفيقا، أو على الأقل ابتسامة، في مقابل ابتسامته الحلوة.

مع كل هذا اختار المضيف ألا يرد بأية ابتسامة. أبعد جانبا الكوب المستعمل وكنكة المياه المثلجة على الطاولة، وقال:

وإذن؟

قبض المحامي مفتسير إذن كفه اليسرى بكفه اليمنى وضغط عليها بسعادة، كأنه من زمن طويل لم يلتق بنفسه وكأنما هذا اللقاء غير المتوقع أبهج روحه للغاية. من خلف الكلمات الكثيرة المتدفقة في فمه سال بدون انقطاع دفق ما من أعماق سعادة لا تنضب، تيار كاسح من الكبرياء المنتشي بنفسه:

جيد. هيا بنا نبدأ في وضع الأوراق مكشوفة على الطاولة، كما يقولون. أنا سمحت لنفسي باقتحامك اليوم، هذا بخصوص المواضيع الشخصية بيننا، وغير هذا، ربما يكون هذا يتصل أيضا، بالله يطول لنا بعمرها، أمك العزيزة؟ أي، السيدة العجوز المحترمة جدا؟ بالطبع، بالطبع، فقط على شرط ألا تعارض بشكل خاص في أن تفتح قليلا هذا الموضوع الحساس؟

قال أرييه تسلنيك:

نعم.

قام الضيف من مكانه، خلع الجاكت البيج بلون الرمل غير النظيف، بقع واسعة من العرق ارتسمت حول إبطي قميصه الأبيض، علق الجاكت على يد الكرسي، عاد وجلس مضطجعا، وقال:

آسف، آمل في أنك لا تهتم. ببساطة، الجو حار جدا اليوم، ستسمح لي بحل الكرافتة؟ للحظة بدا شبيها بطفل خائف، طفل يعرف أنه يستحق توبيخا ومع هذا فهو خجل من التوسل. بعد مرور لحظة اختفت هذه الملامح.

عندما سكت المضيف، خلع الرجل بحركة يد واحدة كرافتته، حركة ذكرت أرييه تسلنيك بابنه إلدار. اقترح الرجل:

  • طالما أن أمك تجلس على رأسنا، فنحن لن نستطيع التصرف في الممتلكات.

  • آسف؟
  • ولكن إذا عثرنا لها على ترتيب ممتاز في مؤسسة ممتازة جدا. ولدي أنا مؤسسة كتلك. أي، ليس لدي وإنما لدى أخي شريكي. فقط علينا أن نتلقي موافقتها. أو ربما سيكون أسهل لنا استخراج تصريح بأننا مسئولين بأن نكون وصيين عليها؟ وعندئذ فلا يكون هناك احتياج لموافقتها.

هز أرييه تسلنيك رأسه مرتين أو ثلاثة، حك يده اليسرى بأظافر يده اليمنى، ففي الفترة الأخيرة خطر على باله التفكير مرة أو اثنتين بموضوع مستقبل أمه المريضة، ماذا سيحدث له أو لها عندما تفقد استقلالها الجسدي أو العقلي، ومتى سيأتي الوقت ليتخذ القرار، كانت هناك لحظات غمره فيها احتمال الانفصال عن أمه بحزن وإحساس بالخجل، ولكن جاءت لحظات أخرى كان يأمل فيها تقريبا بانهيارها القريب وبالاحتمالات التي ستتفتح في وجهه مع نقلها من البيت. بل وفي مرة دعا يوسي ساسون هنا، موظف العقارات، لكي يقيّم من أجله قيمة الممتلكات. هذه الآمال المكتومة أثارت به الإحساس بالذنب، بل والقرف من نفسه. ولكن ما كان غريباً في عينيه هو أن هذا الرجل المقرف كأنه يقرأ شيئا ما من عار أفكاره. وهكذا طلب من السيد مفتسير العودة للحظة إلى البداية. من يمثل بالضبط؟ بالنيابة عن من تم إرساله هنا؟

اجتهد وولف مفتسير في الضحك:

مفتسير، نادني مفتسير ببساطة. أو وولف. من التكلف أن يستخدم الأقارب بينهم وبين بعضهم كلمة سيد.

4

قام أرييه تسلنيك من مكانه. كان أكثر ضخامة وعرضاً وطولاً بكثير من وولف مفتسير، وكتفاه كانتا سميكتين وقويتين، حتى أن كليهما امتلك ذراعين طويلتين تصلان تقريبا إلى الركبة. لدى قيامه خطا خطوتين، وقف بملء طوله أمام الضيف وقال:

وإذن، ماذا تريد؟

بدون أي علامة استفهام قال هذه الكلمات، وخلال هذا كان يثبت زراً في قميصه يظهر من خلال فتحته صدر رمادي ومشعر.

صوصو وولف مفتسير بصوت خافت، مسترضٍ:

مالنا متعجلين سيدي؟ موضوعنا ينبغي أن ندرسه بحذر وهدوء، من كل الجوانب، حتى لا نترك أية ثغرة أو شق. لا ينبغي علينا الخطأ بأية تفصيلة.

بدا الضيف لأرييه تسلنيك ضامراً أو واهناً قليلا. بدا كأن جلده أكبر منه قليلاً. جاكته كان معلقا بإهمال على كتفيه. مثل معطف خيال مآتة في الحديقة، وعيناه كانتا مائيتين وقذرتين قليلاً أيضاً. ومع هذا كان ثمة شيء ما خائف فيه، كالمفزوع من إهانة مفاجئة. موضوعنا؟

  • أي، موضوع السيدة العجوز، أي، السيدة أمك، والتي لا تزال ثروتها مسجلة باسمها وسوف تظل مسجلة باسمها حتى نهاية أيامها ومن يعرف ما الذي سيخطر على بالها وهي تخط وصيتها، إما أن ننجح كلينا في أن يتم تسجيلنا كوصيين عليها.
  • كلينا؟
  • يمكن هدم هذا البيت وإقامة مصحة مكانه. يمكننا فتح موقع لا شبيه له في البلد كلها: جو صحي، هدوء رعوي، مشاهد قروية لا تقل عن البروفانس وتوسكانا، أعشاب طبية، مساج، تأمل، إرشاد روحي، الناس سيدفعون أموالا جيدة مقابل ما يمكن لهذا المكان تقديمه.
  • آسف، منذ متى بالضبط نحن نعرف بعضنا؟
  • ألسنا الآن قريبين وصديقين؟ ليس بالضبط صديقين، عزيزي، قريبين. وربما شريكين.

ربما أراد أرييه تسلنيك بقيامه من مكانه أن يضطر الضيف للقيام والخروج إلى طريقه. ولكن الضيف لم يقم وإنما واصل الجلوس في مكانه، بل وحرك يده وأعد له كوبا آخر من المياه المثلجة بشريحة الليمون وأوراق النعناع، في الكوب الذي كان كوب أرييه تسلنيك قبل أن يصادره هو لصالحه. استند على مؤخرته في الكرسي. الآن، في قميصه الذي تبلله بقع العرق مكان الإبطين، بدون الجاكت أو الكرافتة، بدا وولف مفتسير تاجرا يملك وقته بيديه، تاجر بهائم عرقاناً يزور القرية للتفاوض مع الفلاحين، بصبر ومكر، بخصوص صفقة بقر سمين، وهو مقتنع بأن الطرفين رابحان. نوع من الشماتة المكبوتة شعر به، نوع من البهجة السرية، وهذه الشماتة لم تكن غريبة أبدا عن المضيف.

أنا، هكذا كذب أرييه تسلنيك، عليّ الدخول الآن. عليّ معالجة موضوع ما. آسف.

  • أنا، ابتسم وولف مفتسير، غير مستعجل. بعد إذنك، سوف أجلس وأنتظرك هنا. أم أنك تفضل أن أدخل معك وأتعرف على السيدة، فعليّ أن أحظى بثقتها بسرعة.
  • السيدة، قال أرييه تسلنيك، لا تستقبل ضيوفا.
  • أنا، هكذا أصر وولف مفتسير بل وقام من مكانه قائلا، مستعدا وجاهزا لمرافقة مضيفه لداخل البيت، أنا، لست ضيفاً بالضبط، ألسنا، كيف نقولها، ألسنا تقريباً قريبين؟ بل وشريكين؟

تذكر أرييه تسلنيك فجأة نصيحة ابنته هيلا بالتخلي عن أمه، ألا يحاول إعادتها إليه، وأن يحاول بدء حياة جديدة. والحقيقة هي أنه لم يحاول أبداً الكثير لإعادة نعاما إليه. عندما قامت وسافرت إلى صديقتها المقربة تالما جرانت بعد شجار مرير بينهما، حزم أرييه تسلنيك كل ملابسها وأغراضها وأرسلها على عنوان تالما في سان دييجو. عندما قطع إلدار ابنه علاقته به، حزم الأغراض وأرسل لإلدار كتبه بل وحتى ألعاب طفولته. طهر المكان من أية ذكرى، كما يقومون بتطهير مواقع العدو بعد انتهاء المعركة. بعد مرور أشهر قليلة حزم أيضا أغراضه هو نفسه، صفى الشقة في حيفا وانتقل للسكنى في بيت أمه هنا بتل إيلان. كان يريد راحة كاملة، أكثر من أي شيء آخر: أن تشبه الأيام بعضها وأن تكون الساعات خاوية.

أحيانا كان يخرج للتمشي لمسافات طويلة حول القرية وخارجها أيضاً، بين التلال المحيطة بالوادي الصغير، في المزارع المثمرة، في غابات الصنوبر. أو أحيانا كان يتمشي حوالي نصف الساعة في الحوش، بين بقايا مزرعة أبيه التي تمت تصفيتها قبل سنوات كثيرة. لازالت هنا عدة أجنحة منهارة، حظائر، مظلة من الصفيح، متبن ، زريبة مهجورة لتسمين العجول، الاسطبل تحول إلى مخزن تكوم فيه كل أثاث البيت الذي تفكك على جبل الكرمل في حيفا. هناك، في الاسطبل سابقاً، علا غبار الكراسي والكنبة والسجاجيد والبوفيه وترابيزة السفرة من حيفا، وعلى مدار الأيام، ربطت خيوط عنكبوت رفيعة بين الأشياء وبعضها. حتى سرير الزواج القديم الخاص به وبنعاما تم ضغطه هنا، واقفا على جنبه، بزاوية الاسطبل. السرير تم دفنه تحت أكوام الوسادات المتربة.

قال أرييه تسلنيك:

سامحني، أنا مشغول.

قال وولف مفتسير:

طبعا، آسف. لن أزعجك، يا عزيزي، لن أزعجك بأي شكل. على العكس. من هذه اللحظة سأصمت أنا تماما. لن ألفظ بأية كلمة.

وقام وخطا في أعقاب مضيفه إلى داخل البيت، والذي كان قاتماً وبارداً ورفرفت به رائحة خفيفة من العرق والشيخوخة.

أصر أرييه تسلنيك:

انتظرني لو سمحت في الخارج.

برغم أنه في الحقيقة أراد القول، ولو بدرجة من الفظاظة، أن هذه الزيارة انتهت وأن الغريب مطالب بالخروج.

5

ولكن الضيف لم يحلم حتى بالقيام. طار إلى الداخل في أعقاب أرييه تسلنيك وماضياً على أثره، على طول الممر، فتح باباً وراء باب وتفحص المطبخ بلطف، غرفة المكتبة، وغرفة الهوايات الخاصة بأرييه تسلنيك الموجودة فيها نماذج الطائرات الخفيفة المصنوعة من خشب البالسا والمربوطة بخيوط قوية في السقف وتتحرك بخفة مع الريح كمن تنتوي إدارة معارك جوية قاسية بينها. هكذا كان أرييه تسلنيك يتذكر عادته، عادة الطفولة، فتح كل الأبواب المغلقة واكتشاف ما يختبئ خلفها.

عندما وصل كلاهما إلى عمق البيت، إلى طرف الممر، وقف أرييه تسلنيك لكي يسد بجسده باب الدخول لغرفة نومه، والتي كانت ذات يوم غرفة أبيه. ولكن وولف مفتسير لم يكن ينوي أبداً اجتياح غرفة نوم مضيفه، وإنما طرق برقة على باب العجوز الصماء، ولما لم تصله أية إجابة وضع كفه مربتاً بشكل رقيق على مطرقة الباب. فتح بخفة ودخل ورأى العجوز روزاليا تنام مغطاة حتى ذقنها ببطانية صوف في منتصف سرير الزوج الواسع، رأسها مغطى بطاقية، عيناها مغلقتان وفكها المعظم، معدوم الأسنان، يتحرك كأنه يطحن بلا انقطاع.

حاول وولف مفتسير الضحك قائلاً: "كما كنا نحلم، سلام عليك سيدتي العزيزة، اشتقنا لك جدا جدا ورغبنا جدا في زيارة حضرتك، ألست بالتأكيد سعيدة جدا لرؤيتنا؟"

وفي أثناء هذا كان ينحني عليها ويقبلها مرتين، قبلتين طويلتين على خديها، وأزاد وطبع قبلة أخرى على جبينها، حتى فتحت العجوز عينيها العكرتين وسحبت يداً عظمية من تحت البطانية ومسحت على رأس وولف مفتسير متمتمة بشيء ما. وانطلقت اليد الثانية أيضا من تحت البطانية، وبيديها الاثنتين جذبت رأسه. استجاب لها هو و انحنى مرة أخرى، وخلع حذاءه بجانب أرجل السرير، ومال مقبلا إياها على فمها معدوم الأسنان، ونام بجانبها في السرير وشد عليه أطراف البطانية وتغطى بها هو أيضا وقال هاهو، هكذا، وقال أيضاً: سلام عليك سيدتي العزيزة جداً.

تردد أرييه تسلنيك لحظة أو لحظتين، رفع عينيه إلى النافذة المفتوحة والتي يظهر من خلفها واحدة من أجمة المزرعة المهجورة، وشجرة سرو متربة تسلقت عليها بوجنفيليا مبقعة بأصابع مشتعلة. دار حول سرير الزواج، ثم سار وأغلق الترباس وأغلق النافذة وأغلق جناحي الستارة، وبينما كان يغلق ويظلم كل شيء حل أزرار قميصه وحرر حزام بنطلونه وخلع هو أيضا حذاءه، تعرى ونام على السرير بجانب أمه العجوز. وهكذا نام ثلاثتهم، السيدة صاحبة البيت بين ابنها الصامت وبين الرجل الغريب الذي لا يتوقف عن مداعبتها وتقبيلها وفمه يتمتم برقة. كل شيء سيصبح هنا على ما يرام يا سيدتي العزيزة جدا. كل شيء سيصبح هنا جميلاً أيضاً، نحن سنرتب كل شيء.

_______________________________________

من مجموعته الأخيرة "قصص من حياة القرية".