Friday, 1 May 2009

silence

ياعيل نئمان

ترجمة: نائل الطوخي

يومياً كنا نتلقى أحكاماً جديدة في قصرنا. في الغالب، يكون اليوم الجديد أسوأ من سابقه، ولكن هذا لم يكن يحدث على الدوام.

كنا نتلقى الإشعارات عن طريق الإيميلات اليومية من سيدنا المحبوب.

وبخلاف الإيميلات، كان سيدنا يتصل بنا بأشكال أخرى.

"ولكن هذا في الواقع هو وصف لتدهور الأحكام، هنا أقوم أنا بتقديم ما هو متأخر."

كان سيدنا ينام مع الجديدات، ويتحدث مع بعضهن كذلك. هناك من يزعمن، حتى وإن كان هذا الأمر بلا دليل، أنه كانت هناك قليلات ممن تلقين منه هبات. وليبرهن على هذا، فهن يزعمن أن كلمة هبات تخصه هو.

ولكن منذ أن طولبن بالكشف عن هذه الأدلة عملياً، كان يمكن لأي عاقل أن يلاحظ عدم احتواءها على أية علامات تدل على أنهن قد تقبلنها من سيدنا. يصعب جدا تصديق هذا. كنت الهدايا عبارة عن كتب أو ديسكات، هدايا يمكن لأي أحد أن يحصل عليها من محل ستيمسكي القريب من محل إقامته.

سواء هذا أو ذاك، فلقد كان ينام معهن كلهن في البداية، تحدث مع بعضهن تليفونياً أو تبادل إشعارات معدودة على هيئة SMS. بعد بضعة أيام أو أسابيع، لم نكن نعلم أبداً متى، كانت يصل منه إشعار بالابتعاد المؤقت.

وبرغم أننا كنا نعرف أن هذا هو ما سيحدث، بل واستعددنا لهذا، فلقد كانت إشعارات الابتعاد التي يرسلها تهبط علينا كصاعقة في يوم صحو. في البداية كنا نرفع أصواتنا بالصراخ، أو الأصح القول بأننا كنا نرفع أصواتنا المعذبة الضعيفة، وعندئذ كنا نتعود على وضعنا الجديد، وكنا ننتظر اليوم القادم على أمل أن يكون أفضل.

كان الابتعاد مؤقتاً، بحيث يكون كل شيء مفتوحاً. التكيف كان هو الكلمة المفتاح. أحببنا سيدنا. تفهمنا سريرته ومشاكله. صحيح ، أن كلمة "تفهمنا" ليست هي الكلمة الأكثر دقة. لم نتفهم. تقبلنا، فهذا لا يمكن تفهمه. كان سيدنا سريع الاشتعال، غير أننا لم نعرف أبدا ما الذي يثير غضبه. كان سيدنا، كما كنا نعتقد أننا نعرفه جيداً في البداية، يفيض بالعذوبة والابتسامات. لذا تعجبنا عندما غضب علينا فجأة بسبب، على سبيل المثال، عطل في العمل منعنا من إيصال ردنا اليومي عن طريق الإيميل. ومجدداً، كان يتم إرسال إشعار بالابتعاد المؤقت.

سيدنا لديه مواهب كثيرة. كان يدرس أجرام السماء، ويعرف 17 لغة بكل دقائقها، و23 لهجة أيضاً. لغات قديمة، لغات حديثة، بل وكان يمكنه كذلك إدارة حوار بسيط بلغة اللادينو.

ومع كل هذا فلقد بدا أن ما هو أكثر جوهرية قد غاب عن وصفنا. كان سيدنا رجلاً وسيما وأسرياً بشكل مذهل. كان يحرص على ظهوره بعفوية. وبهذا فقد كان يبهر من ينظرون إليه، عندما يلف حوله أطفاله الجميلون وزوجته الساحرة كالنجوم البراقة. لم يكن شيء ينقص سيدنا.

افتقدناه. افتقدناه ليلا ونهارا.

هكذا أخرت ما يجب تقديمه، لخصت تقريبا كل ما يمكن قوله في عدة جمل ولم أقل بعد كلمة واحدة عن القصر.

قصرنا على هيئة رقع كاروهات. في البداية اعتقدتْ كل منا أنها هي الوحيدة. عرفنا كلنا بأمر زوجته بالطبع ولكن أياً منا لم تكن تعرف شيئا عن الثانية، ناهيك عن الثالثة والعاشرة.

عرفنا هذا الأمر في أعقاب تشكيلة مصادفات. وفي كل مرة نكتشفه كانت كل منا تحاول أن تتشبه بالثانية. على سبيل المثال، كانت واحدة ترى أن منافستها ناعمة الجلد، فتذهب إلى مركز التجميل وتطلب علاجا بالليزر الحديث، وتحرص على إزالة كل شعرة ، غير أنها تكتشف عندئذ أن الرابعة مشعرة. نفس الأمر بالنسبة للسمينات والنحيفات، الطويلات والقصيرات. في تشكيلة مصادفات أخرى عرفتُ بوجود القصر بينما كنت أحل الكلمات المتقاطعة. ذهلت عندما رأيت أن جميع الإجابات كانت تُظهر اسم سيدنا، معكوساً أحياناً أو مبعثراً أو معدولاً. اعتقدت في البداية كالمعتاد أن عيني المحبتين هما اللتان تكملان اسمه كإجابة على كل سؤال، ولكن بعد أن قلبت الأمر على أوجهه فهمت ما هو بديهي: كاتبة الكلمات المتقاطعة مسبية أيضاً في قصرنا.

لم أتمكن من الوصول إلى العامل المشترك الذي كان سيدنا يحتاجه في قصره. أم أنه لم يكن هناك شيء كهذا؟ عرفت أنه بالتأكيد كان موجوداً، غير أنني لم أنجح في صياغته أبداً وتأرجحت دائماً بين تصوراتي لما يريده.

كانت الكلمة المفتاح، كما قيل، هي التكيف "الأمر سهل ظاهرياً: سيدنا يريدنا كما نحن عليه". ولكن التكيف كان مصاحباً بألم عظيم. ضمير المتكلمين "أي: ضمير المتكلمات" الذي استعملته هنا كان أحد الأشياء التي ساعدتني على تقبل رغبات سيدنا. هذا ليس أمراً سهلاً وهو ليس خارجيا فحسب. لأن الأساس ليس كوني سمينة أو نحيفة، مشعرة أم ناعمة الجلد، حتى وإن كان هذا مهماً، مهماً وفردياً لكل واحدة منا. ولكن رغباتي أنا، والتي لم تكن مرتبطة أبداً بسيدنا، تبدو لي بعيدة للغاية، حتى إنني أتسائل إن لم يكن الأمر متعلقاً بالحنين فحسب، مشكلتي مع نفسي، وهذا هو كل شيء. منذ فترة طويلة لم أعد أنتبه لهذا، وإنما أركز في الأساس، اهتمامه. وفي كل مرة تطفو للحظة رغباتي، كانت تتلقى مني إجابة بضمير المتكلمات، فلم تكن هذه هي مشكلتي أنا فحسب، كما تعودت أن أذكّر نفسي. صعب علي جداً أن أتذكر ماذا حدث قبل أن تسيطر قواعد القصر عليّ وقبل أن أكيف نفسي مع ضمير المتكلمات. سوف أورد مثالاً واحداً لا يزال ألمه يحرقني: كان من عاداتي القديمة أن أتبين إن كان من أحبه يساريا أم يمينيا. وقد أدى الأمر في الماضي إلى حالات سوء فهم كثيرة. على سبيل المثال، فلقد اعتقد ناس أنني أقصد إن كانوا يكتبون بيدهم اليسرى أم اليمنى، أو أنهم اتهموني بالعنصرية، وأوردوا مثال عفاراه ورافول أو إيهود وعليزا "1". ولكني عن نفسي، من يقرصه الثعبان يخاف من الحبل. ومنذ نومي مرة مع شخص من حزب الليكود لأنني نسيت أن أسأله، أصبحت أتخذ لنفسي وسائل وقاية.

صحيح أنه ظاهرياً فالاتصال الجسدي ليس كالاتصال الروحي، ولكن سيكون صعبا دوماً أن نعرف أيهما يسبق الآخر. لذا فقد سعدت عندما أجاب سيدنا على سؤالي، الذي يلوح لي اليوم بعيدا "لم أكن أعرف بأمر القصر بعد ولم أكن أعرف بوجود كل هذا الحد من الآلام الأخرى" - يميني أم يساري؟ - في إجابة مباشرة وسريعة: "يساري جدا". بل وتمتم بشيء ما عن أن هناك حدود "2"، وبالأساس: لم يندهش مطلقا من سؤالي.

صحيح أني عندما تحليت بالشجاعة واعتقدت أنه فخور بي - أردت هنا أن أقول معجب، ولكن من الواضح أن هذا الأمر هش- بسبب هذا السؤال، أخذت أحدثه عن فعنونو "3"، وفي هذا الأمر بالتحديد ظهرت ثغرات، ليست هي تلك المعتادة، هل أكتب اسمه بالعين أو بالألف، ولكنه اعتقد أن الأمر ليس بسيطا لهذه الدرجة. يبدو لي أن كلمة "تبسيطي" هي الكلمة التي استعملها سيدنا ضد ادعائي بأن فانونو قام بعمل نزيه وصادق. غضب على الفور ولم يفسر غضبه. ولأنه لم يفسر فلقد ملت أنا إلى تفسيري البسيط.

عندما عرفت بأمر القصر، كنت أعتقد بشكل يقيني - بل ووجدت في هذا عدة أمور جيدة، بجانب الألم البديهي المحكوم به على المرأة والكامن في أن تقتسم حبيبها مع أخريات- أنه، أي سيدنا، يحتاج لنساء كثيرات ومتنوعات، غير أن ثم حدودا عدة لن يتخطاها. ربما اعتقدت هذا لأنه تمتم ب"هناك حدود"، ولذا، برغم انه هيأ لي أنني مدربة على كل نزواته، فلقد ضبطت نفسي غير مستعدة، عندما اكتشفت أن الأمر على غير ما توقعته مسبقاً، ومجدداً انكشف لي الأمر بالصدفة، عندما اختطفتْ إحدى المتحدثات في مؤتمر لحزب شينوي "3" الميكروفون وأعلنت تعاطفها المطلق مع المرشح المفضل لديها. ولكن بدلا من أن تنطلق باسم بريتسكي "4"، هتفت فوق المنصة بالاسم الصريح لسيدنا. كانت زلات لسان كتلك تصيبنا كلنا، عندما نبدأ في الحديث عن هذا الأمر أو ذاك، كان اسم سيدنا يقفز من على أفواهنا، كأنه يقفز من داخل قلوبنا إلى الهواء، غير أن الدهشة التي أصابتني في هذه اللحظة كانت عظيمة جداً، لدرجة أنني ظننت أن القصة انتهت عند هذا الحد. من جانبي انتهت. ولكن لمرة أخرى، مثلما في كل الحالات السابقة، وجدت نفسي أزحف عائدة إليه. كذلك أغضبه الأمر جداً، هذا ما قاله بعد أن اتهمته بالادعاء، ولكنه أوضح أنه من الجيد أن نؤثر من الداخل، وفي مقدوره أن يفعل هذا.

أرضاني تفسيره للغاية، بل وعدت إلى ضمير المتكلمات، غير أن شيئا لم يكن ليرضي سيدنا.

نسيت أن أحكي عن أهم شيء. نسيت وصف النافذة التي فتحها لبعضنا. باب حقيقي للأمل والمستقبل: في حالات منفردة، يمكن عدها على أصابع اليد الواحدة، وبإيقاع متغير، كانت واحدة منا يتم تصعيدها لمرتبة غير منظورة ويقول لها سيدنا أنه سيترك زوجته وسوف يكون معها هي. إذا أردنا أن نكون صادقين مع سيدنا، فهو لا يقول صراحة أنه سوف "يكون معها"، ولكن ينبغي هنا سد الثغرة المعرفية للعقل الصادق، فهو يقول لها أنه سيترك زوجته لأنه لا يستطيع العيش في الزيف.

في تلك الحالات المعدودة كان سيدنا يترك زوجته التي يتم إبعادها فجأة إلى طاقمنا، أما المصطفاة التي تحظى بكونها الزوجة الحالية فتغطي نفسها في خيالها كوشاح من الفاشمين تتقلده، أو كسوار مرصع بالماس، في أحلام اليقظة التي كانت تحلمها. بل وكانت تفعل الشيء الأكثر تحريماً: تظلل أولادها ببهائه، وتحلم بأن تكون أماً لأطفاله الحاليين، تراهم في عيني روحها يلعبون على السجادة في بيته في نابولي، أو ربما ستانجا. كانت الذروة بالطبع هي حلمها بأن تكون أما فعلية لأطفالهما المشتركين القادمين. جدير بالذكر أن سيدنا كان يعلن فوراً، بشكل صريح وعلني، لكي لا يخدعنا، أنه لا يرغب في أطفال آخرين. ومع كل هذا، كعادة النساء، اعتقدنا أنه عندما يأتي اليوم، سوف نستطيع زحزحته عن هذه الفكرة. وهذا يتعلق بعمر الأحلام. لأنه أيضا في مسألة الأعمار فلقد كان سيدنا واسع الرؤية، وكان عمر نساء القصر يتراوح ما بين 25 إلى 60. أحبهن سيدنا جميعا لهذا الأمر أو ذاك، أو إذا استعملنا كلماته، فلقد كان يقول: "أنا أحب النساء".

هذه الملكة اللحظية، المرأة الحالية كما تحلم، ووفقاً لكلمات سيدنا الصادقة دوماً، كما يحلم هو أيضاً، كان يتم إبعادها نظرياً وعملياً في نفس اللحظة التي تتحول فيها لملكة، ليس وفق القوانين التي نعرفها لملكات الجمال، حيث، بطبيعة الحال، تمنح التاج بعد سنة للمصطفاة اللاحقة، وإنما وفق قوانين أخرى، أكثر قسوة. بالأساس: كان يتم إبعاد الملكة، فسيدنا لم يكن أبداً معها، بل وأسوأ من هذا، فلقد كان يدمرها إلى الأبد، فبعد مدة تتراوح بين أسبوع وعشرة أيام كان يقوم بتصفية حساباته مع نفسه، ويجد أنه أحب زوجته حباً صادقاً، أما تلك الملكة اللحظية فقد كانت مجرد خداع بصري.

في نفس اللحظة كان سيدنا يقوم بالفعل المطلوب والشجاع، ويقسم ألا يتحدث مع الحالية أبداً. وكان دائماً ما يلتزم بكلمته تلك. كانت الملكة المصطفاة، والمبعدة لكونها مصطفاة، تتلقى من سيدنا إشعاراً عن طريق الـSMS، إشعاراً لم يكن يشبه سائر الاتصالات بيننا، فسيدنا هو فنان الصيغة المفتوحة. الصيغة المفتوحة التي لا تدعنا ننتظر. على العكس، هي صيغة مفتوحة لشخص صادق، يعترف بأن العالم مفتوح ولذا فأي صيغة مغلقة هي كاذبة. غير أنه عندما كان يحتاج إلى حقيقة واضحة فقد كان يفعل هذا بشجاعة وافرة، شجاعة صاحب عمل يقف أمام عامل أصبح فجأة عبئاً عليه عليه ويطرده. إشعارات الـSMS التي كانت المبعدة تتلقاها تظهر على هذه الشاكلة: "أطلب منك عدم الاتصال بي بأية صورة وعدم الكتابة لي بعد ذلك". أو: "رجاء توقفي عن مكاتبتي. انتهت القصة بيننا".

كانت الحاليات دائماً من الحديثات في القصر. وربما لهذا فلقد أغوين بالتصديق، فلقد كن معدومات الخبرة بل ولقد كن أحياناً غير عارفات بوجود القصر. كنا نحن أكثر ذكاء. لأننا علمنا جيداً أن هؤلاء اللواتي حظين بحصة إضافية من سيدنا، قد طردن أو سيطردن إلى الأبد في البرد القارص، لم نسع إلى الحصول على ما لن نستطيع أبداً الحصول عليه، وحرصنا على الحفاظ على كل القواعد.

يبدو لي أنني أطلت هنا أكثر مما كنت أريد "مثلما كنت أطيل دوما في الخطابات الغرامية التي كنت أكتبها لسيدنا"، لم أنجح في شرح كيفية اتصالنا بسيدنا. بالإضافة إلى الإيميلات التي كان مسموحاً لنا دائماً بكتابتها "ولكن لم يُسمح لنا أبداً بأن نطلب رداً، وإنما بأن ننتظر بصبر، ونتلقى بمحبة، أو على الأقل بتفاهم، حقيقة أنه لن يستطيع دائماً الرد علينا بسبب مشاغله الكثيرة."

وبالإضافة إلى رسائل الـSMS "والتي كان مسموحا بها في البداية فحسب"، علّمنا سيدنا لغات سرية كثيرة استطعنا عن طريقها التواصل معه: مورس، لغة الإشارة للصم والبكم، حتى إذا ما قابلناه فجأة في الشارع، أو لغة الأعلام الخاصة بالملاحين، والتي، عن طريقها، نتواصل معه من فوق الأسطح في حالات محددة، إذا تم تحديد الأمر. كانت إمكانية التواصل معه بتلك اللغات محفوظة لمناسبة معينة فقط: في حالة إذا ما اعتقد سيدنا أن هذا الأمر هو الأكثر مناسبة لجميع الأسباب.

مثلما في جميع أشكال التواصل مع سيدنا، فلقد منحتنا اللغة الجديدة التي لم نكن نعرفها أملا في أن يتغير كل شيء بدءاً من هذه اللحظة. فيما سبق كان التواصل غير ممكن، أما الآن، بينما كل شيء مفتوح واللغة تساعد، فإن الأشياء على وشك أن تتغير من النقيض إلى النقيض.

كنا نشغل أسطح المراقبة على طريق سيدنا ونلوح مترقبين بالعلم K:


K – I wish to communicate with you

"أريد الاتصال بك" K-



غير انه كان يرد على الدوام ب: F

F I am disabled; communicate with me

"أنا عاجز، اتصل بي"F-



كنا ننتظر، ففكرة ترقبه، انتظارنا له لكي يحدثنا، كان يغمرنا بالأمل، ولكن عندما نغير العلم، كان يرد علينا

D – Keep clear of me; I am maneuvering with difficulty

"كن واضحاً، أنا أناور بصعوبة"D-




أو ببساطة ينهي المحادثة التي لم تدر بـN

، N – No (Negative), or The significance of the previous group should be read in the negative)

"نو، نيجاتيف، سلب، أو أن إشارات المجموعة السابقة ينبغي قراءتها في الصورة النيجاتيف"N-



ومع كل هذا، فمجرد إمكانية وجود إجابات أخرى، والمعرفة بوجودها، إجابات إيجابية بالتأكيد، كان يساعدنا على الحفاظ على سلامتنا العقلية.

كل ما حكيته هنا كان يهدف، أو هكذا بدا لنا، لأمر آخر، لجذب القصة، كي لا تصل إلى نقطة النهاية، نقطة النهاية التي قسمت حياتنا، حرفياً، إلى ما قبل وما بعد. حيث لم نستطع حل الإشعار الأكثر أهمية. وصلت الرسالة من كلمة واحدة و التمعت على نظاراتنا، سواء كإيميل أو كـSMS يقول:

“Silence”

صحيح، بالفعل، كان يجب علينا حفظ هذا الإشعار، المعتاد لدى أي جاسوس، عندما يتم القبض عليه فجأة في وضع تلبس، غير أننا لم نتذكر في لحظة الحقيقة. لهذا بالتحديد لم ننتبه، عندما قاله سيدنا، وعندما قاله مشدداً عليه، عندما طلب أن نستعد دوما لوضع سوف يضطر معه لقطع كل شيء فجأة. ربما لأننا لم نكن معتادات على نداءات الحرب السرية، وربما لأن عقولنا كانت مشغولة بالمئات والآلاف من علامات وحروف اللغات الجديدة التي تعودنا عليها، وبالخطابات التي كتبناها له طول الوقت بهذه اللغات "وصل بعضها لهدفها، وبعضها فقط لم ننطق به إلا في داخلنا"، وربما لأنه مع كل التكيف الذي أصبح طبيعة ثانية لنا، لم نستطع التعود بأي شكل على فكرة النهاية المطلقة.

عندما قرأنا هذه الكلمة –silence- على شاشاتنا، فسرناها باعتبارها علامة مشجعة: خطاب غرامي مشفر، طلب لإقامة حوار، ربما ضايقه الهدوء الذي ساد من جانبنا. واحدة منا حكت متأخرا أنها رأت في هذا الإشعار ذي الكلمة الواحدة شيئا ما يشابه الهايكو التجريبي.

سواء هذا أو ذاك، رددنا أكثر من مرة على الإشعار الذي كان من المقرر أن يظل للأبد بلا مجيب. كل واحدة، وفقاً لقدراتها ومواهبها، أجابت فورياً. في هذا اليوم المرير جلست كل منا في بيتها، بينما سيقاننا على الطاولة، وانتظرنا أخيراً، في الهدوء المأمول الذي ساد فجأة أجسادنا، الرد الذي سيأتي سريعا بالتأكيد. في البداية تعطل الرد، ثم تأخر، بعد ذلك غاب، حتى فهمت كل منا في النهاية – سواء وحدها أو بفضل صاحباتها أو بفضل مساعدة مهنية – أن القصة، إذا أمكن بالفعل أن ندعوها قصة، قد انتهت وأصبحت ماضياً.

________________________________

"1" رافول وعفاراه هما رفائيل إيتان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق وزوجته النشطة اليسارية عفاراه مئيرسون، إيهود وعليزا هما إيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسائيلي السابق وزوجته هي الناشطة اليسارية عليزا أولمرت.

"2" هناك حدود حركة يسارية إسرائيلية تدعو لرفض الخدمة العسكرية وتعارض الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية.

"3" مرخاي فعنونو أو فانونو هو الفني الإسرائيلي الذي كشف أسرار المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونة وحكم عليه بالسجن آنذاك.

"4" حزب شينوي حزب ليبرالي إسرائيلي غير راديكالي.

"5" يوسف بريتسكي هو رئيس حزب شينوي السابق.

________________________________________________________

ياعيل نئمان كاتبة إسرائيلية، من مواليد 1960 في كيبوتس يحيعام، صدر لها كتاب للأطفال "يوم الثلاثاء الغائم" عن دار نشر عام عوفيد و رواية "شائعات عن الحب"، صدرت عام 2004.

القصة مأخوذة من دورية ميتاعام الإسرائيلية اليسارية

4 comments:

  1. ياعيل نئمان?
    من فضلك ، حبي ، ترجمة الشباب!

    ReplyDelete
  2. جميل جميل
    مميز جداً يا نائل

    ReplyDelete
  3. محمد داود

    ReplyDelete

comment ya khabibi