حانوخ لفين
ترجمة: نائل الطوخي
اجتماع الحكومة
رئيسة الوزراء: أنا أفتتح الاجتماع الأسبوعي للحكومة، لتذكيركم بأنني رئيسة الوزراء. في البداية سوف ألقي خطاباً إلى جيراننا العرب. (تخطب) سادتي، حاولت وحاولت ولكنني لم أستطع أن أجد أي عيب في نفسي. لواحد وسبعين عاما أفحص نفسي ولا أجد في نفسي إلا الحق الذي يحفظه الرب. يومياً يفاجئني هذا الأمر من أول وجديد. أنا صح، صح، صح، وصح مرة ثانية. أقول لنفسي: "ليوم واحد لا تكوني صح، فالإنسان هو مجرد إنسان، ويمكنه أن يخطئ مرة،هذا طبيعي، هذا عادي." ولكن لا! أقوم في الصباح وهوبّا، أجد نفسي صح مرة ثانية. وفي اليوم التالي أقوم وهوبّا، أجد نفسي صح. هوبّا، صح، هوبّا، صح. ذات مرة نعست قليلا في الظهيرة، قلت لنفسي: ربما أرتكب حماقة وأنا نعسانة؟ وعندئذ، هل ارتكبت حماقة وأنا نعسانة؟ هل عرفتم من يفعل حماقة وهو نعسان! لم أولد لأرتكب حماقة، ببساطة لم أولد لأرتكب حماقة. بالمناسبة، أنا رئيسة الوزراء وأنتم لا، ولو أنني في مكانكم كنت سأعاني من هذا. شكرا (تجلس).
وزير البريد: هل مسموح لي بإلقاء ملاحظة؟
رئيسة الوزراء: لا، أنت في النهاية وزير البريد، أنت إنسان جانبي ومهمش، وأنت تجلس هنا بفضل منا.
وزير البريد: أعرف. أردت أن أعرف إذا كنت أيضا أستحق السخرية.
رئيسة الوزراء: أكيد.
وزير البريد: شكرا جزيلا.
رئيسة الوزراء: وزير الخارجية سوف يلقي خطابا إلى الأمم المتحدة.
وزير الخارجية: (يقوم) الأمم المتحدة المحترمة، طولبت بأن أعرض أمامكم الخطوط السياسية الرئيسية لحكومة إسرائيل. حكومة إسرائيل قررت أن قرار مجلس الأمن لنوفمبر عام 67 ليس..
(رئيسة الوزراء تمد يدها بين رجليه وتمسكه من بيضانه، يخرس تماما، تتركه ويواصل)
قررت حكومة إسرائيل أن موضوع الأراضي المحتلة..
(يحدث المذكور أعلاه)
قررت حكومة إسرائيل أن مصير اللاجئين العرب هو..
(يحدث المذكور أعلاه، ولكنها تتركه فوريا. يحاول أن يخدعها وينهي جملته)
مصير اللاجئين العرب هو مشكلة إنسانية يمكن..
(يحدث المذكور أعلاه)
يمكن بالتأكيد..
(يد رئيسة الوزراء تندفع بين رجليه إلى الأمام، توقف كلامه بحركة إصبع مهددة)
لم يبق لي إلا إنهاء كلماتي بتعبير أوكسفورد
(وزير الخارجية ينظر باتجاه منطقة الأحداث بين رجليه)
لونج لايف ذي كينج (يجلس)
رئيسة الوزراء: شكرا. والآن وزير البريد.
(وزير البريد محرج)
وزير البريد!
الجميع: (بتصفيق جمعي) وا-زير البا-ريد! وا-زير البا-ريد!
وزير البريد: (يقفز من مكانه) ألو؟ ألو؟؟ وزير البريد يتحدث! ما أصغره. أحمر ويقف أحيانا؟ البريد الآلي. (يضحك بخفوت) رقم كم أنا – كوكو خالص. ألو؟ ألو؟ وزير البريد يتحدث.
رئيسة الوزراء: وزير النقل سوف يلقي خطاباً على شعوب العالم.
وزير النقل: (يقوم) سادتي، أريد في البداية أن أقول كلمة واحدة لشعوب العالم.
من هم شعوب
العالم؟ ما هو العالم (ينفخ بفمه، يحرك يديه باستخفاف، وبدون انتباه يثبت
على هذا الحال ويواصل التعبير بقوة متزايدة عن قرفه، باستخدام حركات وأصوات
فظة، يصل
إلى ذروته ويجلس)
رئيسة الوزراء: شكرا جزيلا لك
يا وزير النقل، ولكنك لم تقل بعد كل شيء (يقوم. ينفخ بفمه عدة مرات
أخرى ويجلس)
رئيسة الوزراء: شكراً جزيلاً. وزير الأمن، والذي قفز منذ فترة بسيطة من الهليكوبتر، حيث كان في مهامه الأمنية، سوف يلخص اجتماع الحكومة في خطاب إلى الشعب
وزير الأمن: (يغني أغنية "الوعد")
أعدكم بالدم والدموع
وكلمتي واحدة.
وإذا وعدتكم بالدم والدموع
يعلم الجميع أن ما سيحدث هو الدم والدموع
وأن أحداً لم يتحدث عن العرق.
بعد قليل سوف تسوء أحوالكم جداً
وكلمتي واحدة.
وإذا قلت لكم أن أحوالكم ستسوء جداً
إذن عليكم أن تثقوا في أنها ستسوء جداً.
بل وربما أسوأ جداً جداً.
بدون أي بصيص أمل ستواصلون حياتكم
وكلمتي واحدة.
وإذا قلت لكم أنكم ستواصلون حياتكم،
إذا فستواصلون في الحقيقة حياتكم
ولكن بدون أن تسألوا من أجل ماذا.
__________________________________________________________
التضحية
أبراهام: إسحق يا ابني، هل تعرف ما الذي سأفعله بك الآن؟
إسحق: نعم، يا أبي، أنت ستذبحني.
أبراهام: الله أمرني.
إسحق: ليس لدي ما اتهمك به يا أبي، إذا كان عليك أن تذبح، فاذبح.
أبراهام: يجب أن أذبح، أخشى أنه ليس لدي خيار.
إسحق: أنا أفهم، لا يجب أن تقسو على نفسك، قم ببساطة وارفع السكين عليّ.
أبراهام: سأفعل هذا بوصفي رسولا من الله.
إسحق: بالتأكيد أنت رسول، يا أبي. قم بصفتك رسولا وارفع السكين بوصفك رسولا على ابنك وحيدك الذي تحبه.
أبراهام، جيد جدا، يا إسحق، نكد على أبيك المسكين، اقلب مزاجي، كأن هذا لا يكفيني.
إسحق: من الذي ينكد يا أبي؟ قم بهدوء وصفي بحركة إلهية واحدة ابنك التعس.
أبراهام: أعرف، سهل جدا أن تتهمني، ليس هناك شيء، ليس هناك شيء، الق بالاتهامات على أبيك القاسي.
إسحق: ما الذي أتى بسيرة الاتهامات، أنت رسول من الله، أليس كذلك؟ وعندما يقول لك الله أن تذبح ابنك مثل الكلب فعليك أن تجري وتذبحه.
أبراهام: رائع، رائع، هذا هو ما أستحقه في سني. ألق عليّ كل الاتهامات إذا كان هذا سيريحك، ألقها عليّ، على أبيك الشيخ والكسير المضطر في سنه هذا أن يصعد بك إلى الجبل، وأن يقربك على المذبح، وأن يذبحك، وبعد كل هذا أن يحكي كل شيء لأمك. هل تعتقد أنه ليس لدي ما أفعله في سني هذا؟
إسحق: أنا أفهمك ببساطة، يا أبي، أنا لا أشكو في الحقيقة، يأمرونك أن تذبحني، أن تقطع نسلك بيديك، وأن تغسل يديك بالدم، أنا مستعد، من فضلك، اذبحني يا أبي، اذبحني.
أبراهام: هكذا، يا ابني العزيز، تلعب بمشاعر بابا والذي بعد قليل سيصبح أب بلا أبناء. اكسر، اكسر قلبي، يا ابني يا متعلم يا من تحترم والديك، انظر لي بعينيك الواسعتين، يا ابني الحبيب، وابتر العام أو العامين الأخيرين اللذين تبقيا لأبيك العجوز من الحياة بعدك.
إسحق: أنا لا أفهمك يا أبي، أنت ترى أن كل شيء على ما يرام من جانبي، إذا كنت مستعدا لأن تقتلني بدم بارد، أن تقتل ابن شيخوختك، ابن بهجتك الذي أتاك وأنت في سن التسعين بمعجزة، أن تقتل العزاء الوحيد لك في الحياة، إذا كنت مستعداً لهذا فهل سأكون أنا من يقول لك لا؟ يأمرونك بأن تذبح، يا أبي، إذن اقفز على ساقيك واذبح، ولا يكن لديك أي آلام ضمير والعياذ بالله. لأنه ما الذي حدث في نهاية الأمر هنا؟ تذبح طفلا. هل هو أمر عظيم أن تذبح طفلا صغيرا وضعيفاً؟ وما يعني أن تذبح طفلا؟ وماذا يعني الطفل أساساً؟ وبشكل خاص عندما يكون من يذبحه هو أبوه، ويكون جزارا معتمداً وبالإضافة لهذا فهو مجرد رسول؟ اذهب واغرز نصل السكين في لحمي الصغير، يا بابا، و اذبح حنجرتي حتى ينفجر الدم ويندفع خارجاً على الأرض مثل دم بقرة. اجعلني بقرة يا بابا، وعندما تنفتح عيناي على اتساعهما، ويخرجان من محجريهما ويزرق لساني ويتدلى خارجاً مع صرخاتي المهشمة الأخيرة، فعندئذ يا بابا، أحط السكين برقبتي وأنا، الذي من لحمك ودمك، أتمزق برجلي على المذبح وأنتفض انتفاضة الاحتضار الأخيرة. طيب، يا بابا، يأمرونك بأن تذبح، اذبح.
أبراهام: نعم نعم، هكذا هو الأمر، ما الذي يمكنني فعله، ولدت لأكون ضحية. أنا ضحية. ما المقابل الذي تتلقاه بعد العمر والروح التي تمنحها لأبنائك؟ بصقة على الوجه. لماذا لا تلعب بضميري إذا أمكن؟ لماذا لا ترميني في هاوية الحزن عندما أحاول أنا في النهاية أن أنفذ أوامر السماء؟ لماذا لا؟ شخص عجوز، واهن، رجله في القبر. عندئذ ربما، يا إسحاقي، يا ابني المخلص، ربما تقوم فجأة من المذبح وتهرب؟ ربما تسمح لي بالركض وراءك بركبتي الواهنتين؟ أو ربما تخطف مني السكين أيضا، هه؟ لماذا لا؟ ربما تمسك أنت السكين وتذبحني؟ اذبح، اذبح أباك الضعيف، هذا ما أستحقه بالضبط.
إسحق: اذبح أنت، يا بابا، يا رحيم وحنون، اذبحني يا بابا، يا قديس.
أبراهام: اقتل أباك، يا لص، اقتله.
إسحق: اذبح، يا بابا، يا مثالي، يا بابا، يا ذا القلب اليهودي الحار، اذبح!
أبراهام: ادفن أباك الوحيد يا حقير.
إسحق، اقطع، يا بابا، اقطع وأجلب اللحم لماما.
أبراهام: يا قاتل. (يمسك إسحق من حنجرته) ارقد!
إسحق: صوت! صوت! أسمع صوتاً!
أبراهام: أي صوت؟ ارقد!
إسحق: لا أعرف. الصوت يقول "لا تمد يدك على الصبي."
أبراهام: لم أسمع شيئاً.
إسحق: منذ فترة طويلة لم تعد تسمع جيداً. الصوت يتكرر ثانية "لا تمد يدك على الصبي"، ألم تسمع؟
أبراهام: لا.
إسحق: أقسم لك.. "لا تمد يدك على الصبي."
(صمت. يتركه أبراهام)
إسحق: أبي، أقسم لك أنني سمعت صوتاً من السماء.
أبراهام: (بعد فترة ما) طيب. إذا كنت سمعت، فبالتأكيد أنت سمعت. أنا، كما قلت، أصم تقريباً.
إسحق: مئة في المئة، أنت تعرف أنني من جانبي كنت مستعدا، ولكن الصوت هو صوت. (صمت). أنت رأيت بنفسك أنني من جانبي كان الأمر على ما يرام. (صمت) بالنسبة لكلينا كان الأمر على ما يرام. (صمت) من جانبنا كان الأمر على ما يرام، أليس كذلك يا أبي (صمت)، كل شيء انتهى بشكل جيد، يا أبي، لماذا أنت حزين؟
أبراهام: أفكر فيما سيحدث مع الآباء الآخرين الذين سيضطرون لذبح أبنائهم، من سينقذهم؟
إسحق: يمكن للصوت دائما أن يأتي من السماء.
أبراهام: (بتسليم) طيب، كما تقول.
_________________________________________
حانوخ لفين من أعلام المسرح والأدب الإسرائيلي. ولد عام 1943 لأبوين من أصول بولندية وتوفى عام 1999. نشر قصيدته الأولى عام 1967 باسم "بركات الفجر". اهتم بالمسرح السياسي الساخر، فقدم عام 1968 مسرحية "أنا وأنت والحرب القادمة"، وفي عام 69 قدم "كاتشب"، وفي كلا العملين عارض الطابع العسكري لدولة إسرائيل وسخر من عجز ولامبالاة السياسيين، مما أثار ضده النقاد، وبعد تقديم عمله الثالث "ملكة الكبانيه"، على المسرح الكامري في أبريل 1970 ، ثار الرأي العام الإسرائيلي ضده بدرجة غير مسبوقة: تظاهر المشاهدون وقاموا بأعمال شغب ضد عرض المسرحية في المسرح الكامري، وهو مسرح تابع للدولة، وطالب حزب المفدال بمنع العرض الذي يدنس شرف العهد القديم، وهددت الحكومة بوقف الدعم المقدم إلى المسرح. تعرض لفين كذلك لانتقادات شديدة فيما يخص عرضه "عدة حوارات متخلفة وأغان تهدف لصب الملح على الجروح المفتوحة"، حيث قال عنها الصحفي أوري بورات: "يبدو من هذه المسرحية الزبالة أننا جميعا قتلة حقراء، مواطنون في دولة عسكرية متعطشة للدماء"، أما رئوفين يناي فقد قال عنها: "هناك مشهد عن صحفي يذهب لإجراء حوار مع أرملة شابة سقط زوجها في القناة، ويمارس معها الحب ببهجة – فقط عقل شيطاني أو مريض نفسي يمكنه كتابة مشهد كهذا... إنها سخرية خبيثة من آلاف الأباء الثكلى."
المشهدان المترجمان هنا مأخوذان من مسرحية "ملكة الكبانيه". مشهد "التضحية" سبق ترجمته ونشره في العدد الرابع عشر من مجلة الغاوون اللبنانية تحت عنوان "اذبحني يا أبي اذبحني"
نصان رائعان
ReplyDeleteوترجنة أروع
برافو نيول خبيبي
ترجمة*
ReplyDelete:)) thank you
ReplyDeleteدعني أواصل ابتسامتي
ReplyDeleteاستمتاع رهيب
و سخرية مازالت تسري في تفكيري
..
انتقاء مختلف و ترجمة رائعة يا عزيزي
لم أتخيل حتى أن يكون هناك نص ك: الفضيحة
ReplyDeletekhabibi
الله ينور يا نائل .. بجد محتاجين نقرا أكتر في الأدب الاسرائيلي طالما المؤسسة المحترمة مصممة تسيبنا على عمانا فيما يتعلق حتى بجملة اعرف عدوك . إلى الامام يا نوئل
ReplyDeletekhabibi enta kteer gameel
ReplyDeleteenta khaleet el2na yeb2a mabsot keteer
yekhrebaat keda
;)
بوستين جامدين يا موتابى
ReplyDelete