ذات يوم، أثناء دراستي الجامعية بقسم اللغة العبرية وآدابها، حادثتني زميلة، بدت يائسة. سألتني عن الهدف من كل هذا الكلام الفارغ الذي ندرسه في القسم، هل الهدف هو أن نبين أن هؤلاء الناس عندهم أدب وفن؟ تساءلت بحزن.
الزميلة، والتي درست من "الأدب العبري" ما يكفي لكي تعرف بوجوده، لم تعترض عليه بالأساس. لم تقل مثلا أنه ليس هناك "أدب مكتوب بالعبرية يكتبه إسرائيليون"، وإنما كان اعتراضها بالأساس على أن القسم يقوم بعرض هذا الأمر، "يبيّن" بتعبيرها، وهي نفس الفكرة التي تحكم عقل مثقفينا، لا أحد منهم – فيما أظن – وصل به حماسه لإنكار وجود الأدب الإسرائيلي. الجميع فقط ينكرون عرضه على الملأ، "تبيينه" للناس. هذا لا يقال بشكل مباشر، ولكن القاعدة معروفة: الحالة الوحيدة التي يمكن فيها لنص إسرائيلي أن يصبح مثيراً للاهتمام هي في حال احتوائه شيئا عن الوضع الراهن، وبالتحديد عن الصراع، وبتحديد أكثر إذا كان الكاتب يدين إسرائيل بشكل واضح، وهو الطلب الذي لا تطلبه أي صحيفة من أي إبداع آخر في العالم. إذا تحدثنا عن إسرائيل فنحن نتحدث عن الصراع، وليس هناك أي وجه آخر لهؤلاء الناس، "هؤلاء الناس" ليس عندهم أدب، عندهم صراع فحسب، صراع فقط، محض صراع، مجرد صراع، صراع ليس إلا، أو أن هذا ما يجب علينا أن "نبينه" للناس، بالإضافة بالطبع إلى أن الصحف لا تشتري وجع الدماغ، خاصة لو كان وجع دماغ مجانياً.
الإسرائيليون يتحدثون كثيراً جدا، ويسيطرون على أسماع العالم (كما يقال)، وبرغم كل هذا الحديث، فإن العرب لا يسمعونهم، على الأقل، لا يسمعون أدبهم، لا يعرفون عنه شيئاً، باستثناء أسماء تتناثر هنا وهناك.. كيف يمكن لك القول أن الآخر يتحدث طول الوقت، بينما لم تسمع أنت شيئاً مما قاله؟ هذا يستلزم صمماً من نوع خاص بطبيعة الحال.
"اعرف عدوك" و"اعرف جارك" هما شعاران متداولان لدى الحديث عن إسرائيل. الشعاران مختلفان في توصيف موضوع المعرفة، إسرائيل، الجارة أو العدوة، ولكنهما يتفقان على أهمية المعرفة، الرؤية، لذلك الشيء، الذي هو إسرائيل، ولنقرر بعد ذلك أن نعاديه أو نقوم بالتطبيع معه. هذه مدونة تقع على حواف السياسي، بجانبه، قبله، بعده، ولكنها أبداً ليست في قلبه، لا تريد تجاهل السياسي الذي يقف وراء الإنساني، ولكنها في نفس الوقت ليست مطالبة بتجاهل الإنساني وراء السياسي. هذه مدونة عن الأدب الإسرائيلي، ومنه.
هي مدونة ذاتية، لا تهتم بما يهم الصحافة في الأدب الإسرائيلي: أديب عربي تمت ترجمته إلى العبرية، أديب إسرائيلي يهاجم مصر، مجموعة من الشعراء اليهود يعلنون تضامنهم مع نشطاء من حماس. هذه الأخبار قد تكون مهمة بالنسبة للبعض، ولكن ليس شرطاُ أن تكون كذلك بالنسبة للمدونة، الاهتمام الأساسي هنا سيكون الأدب الإسرائيلي الجيد (والجيد يعني طبعا الجيد من وجهة نظر صاحب المدونة، بما أنه ليس هناك معايير عالمية متفق عليها لجودة الأدب). في نفس الوقت، فصاحب المدونة، أنا، نائل، كاتب هذه السطور، محدثكم، لا يصاب بالهستيريا إذا سمع شيئا من السياسة في الأدب، كما يفعل كثير من الفنانين مرهفي الحس. الأدب (لحسن الحظ أو لسوئه) هو جزء من العالم، مثل أي شيء آخر. وأحيانا يكون أدباً جيداً، وأحيانا لا يكون جيداً، مثل أي شيء في العالم أيضاً.
بجانب المتابعات الصحفية السريعة، فقد كانت لي بعض المحاولات الجادة والتي أفخر بها لتقديم الأدب الإسرائيلي، هنا، هناك، وهنالك على سبيل المثال. كان هذا يحدث في نفحات قدرية، لا تتكرر كثيراً، فالصحافة هي ابنة الخفة والسرعة، وأحياناً، عدم الاعتناء، وليس لنا أن نطالبها بما هو غير ذلك، ولكن لنا أن نطالب مزاجنا الشخصي إذا ظل عبدا لـ"ما يهم الناس"، أو لما يُعتقد أنه يهم الناس، أن يفعل ما يحبه هو قليلاً، وليترك أمر الأهمية للزمن.
المدونة يتم تحديثها أسبوعياُ، يوم الجمعة، مثلما كانت مدونتي السابقة، والتي حملت اسمي الشخصي، والتي توقفت اليوم عن العمل. المدونة الجديدة طموحها ليس ضخماً: نص واحد من الأدب الإسرائيلي أسبوعياً، أو حتى جزء من نص، هذا ليس كثيراً، ولكنه قد يؤدي يوماً ما إلى ما هو كثير. ربنا كبير.
مبروك المدونة
ReplyDelete:)
شكرا ايها الكوهين
;)
هي دي المفاجأة؟
ReplyDelete:D
شكرا يا نائل
ReplyDeleteكان نفسي أشوف الناس دي
شكرا لزميلة الدراسة الجامعية التى لفتت نظر سيادتك أننا نرى الأدباء اليهود عموما والاسرائيليون خصوصا باعتبارهم كائنات فضائية خير الله ما اجعله خير
ReplyDeleteمبروك المدونة انا سعيدة بيها جدا
لكن زعلت على مدونتك القديمة
عشرة بقى يا نائل
:)
تستاهل المتابعة بالفعل .. ألفين شكراً :)
ReplyDeleteع البركه ياريس
ReplyDeleteبجد الفكرة جميلة وتستاهل ويا ريت نتعرف منها اكتر على الاسرائيلين ففى النهاية هم امر واقع
ReplyDeleteشكرا اخ نائل
رائد الكتابة الذهنية
ReplyDeleteشكرا
هو ده الكلام ... بجد بجد تحية كبيرة جدا
ReplyDeleteإلى الأمام عزيزي نائل
ReplyDeleteالتوقيع:
واحد من جيران كوهين
مبروك يا موتابى
ReplyDeleteهايل
ReplyDeletep.s:داليا رافيكوفيتش اللي صورتها فى السايد بار جميلة اوي
جميل يا نائل
ReplyDeleteهتبقى من اهم المدونات
بالتوفيق
محاولة نحن في حاجة اليها أو على الأقل البعض منا و أنا منهم بالطبع...لكن لم توقفت مدونتك الأخرى و قد كانت جديرة بالمتابعة؟
ReplyDeleteو عموما أرجو أن تكون محاولتك هذه بداية حقيقية تقودنا لمعرفة الجار أو العدو..وتقود البعض الذي يعلم لكي يجعل الباقي يعلم و يتعلم..بالتوفيق و في انتظار الجمعة القادمة
تحياتي
ولكن لنا أن نطالب مزاجنا الشخصي إذا ظل عبدا لـ"ما يهم الناس"، أو لما يُعتقد أنه يهم الناس، أن يفعل ما يحبه هو قليلاً، وليترك أمر الأهمية للزمن.
ReplyDeleteرائع ولكن لماذا ستغلق المدونة القديمة ؟؟؟
فكرة مدونة عن الأدب الاسرائيلي فكرة جامدةةةةة،
ReplyDeleteأنا فعلا مبسوط إني هعرف حاجة عن الأدب ده ،
خطوة جريئة وذكية وههمة ،
باشكرك يا نائل باشا مقدما علي المجهود اللي هتبذله .
وليك ألف تحية
ويا ريت تبعتلي رقم تليفونك لأن كل الأرقام ضاعت مني
اتعبنا بقي يا عم
ReplyDelete:)
أدب عبرى أم إسرائيلى
ReplyDeleteمنسوب للغة العبرية ويكتب به مجيدوها
أم هو أدب إسرائيلى منسوب للقومية
لأن كلامك فى الحقيقة حيرنى بين الإثنين
انا أفهم مثلاً أنه بين الأدب العبرى والأدب الإسرائيلى مساحة تقاطع كبيرة
وأن هناك أدب عبرى لم يكتبه إسرائيليون
وهناك أدباً إسرائيلياً لم يكتب بالعبرية
سؤال مهم فعلا يا محمود
ReplyDeleteاهتمام المدونة الرئيسي سيكون بالأدب العبري الحديث، أي بالأدب العبري الذي يكتبه إسرائيليون، لأن غير الإسرائيليين ممن يكتبون بالعبرية كتبوا في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين بهدف إحياء العبرية، وبالتالي فكتاباتهم لا تدخل ضمن إطار "الأدب العبري الحديث والمعاصر"،
الأدب الإسرائيلي المكتوب بلغات أخرى غير العبرية هو خارج مجال تخصصي، الأكاديمي وما بعد الأكاديمي، نظرا لأن دراستي كانت العبرية، ولكنه ليس خارج تخصص المدونة، التي قد تنشر لمترجمين آخرين عن الإنجليزية والفرنسية (وطبعا عن العبرية إذا وجد)، مع الإشارة إليهم
شكرا جزيلا
نائل،
رائع صديقي
ReplyDeleteتقبل تحياتي يا نائل على هذه المدونة الرائعة. إنها نقطة النور التي ستساعد الكثيرين والكثيرين على فهم ابداع الجانب الآخر.
ReplyDeleteلا يساورني الشك أن مدونتك ستصبح واحدة من أهم مصادر المعرفة ،
العزيز نائل
ReplyDeleteبداية موفقة إن شاء الله
ومدونة تستحق المتابعة
بوركت
دمتَ نقيّاً
محمود عاطف
شيء جدير بالاهتمام و الاعجاب. لك الشكر يا نائل.
ReplyDeleteمدونة رائعة تستحق المتابعة
ReplyDeleteو لك كل الشكر على فتحك لأبواب عقولنا قبل عيوننا على هذا الأدب المجهول بالنسبة لنا
انا وصلنى لينك المدونة من مدونة صديقة، وعاجبانى جدا الفكرة. ورغم انى دى اول مرة اقرا لحضرتك، الا ان دماغك حركت فيا حاجة فعلا.
ReplyDeleteمهم بيتهيألى بجد يكون عند حضرتك رؤية واضحة لهدف واضح، حتى ولو لم تعلن عنه. ربنا يعينك ويجزيك خيرا
:)) .. just discovered this blog..
ReplyDeletethat's a very interesting read
:) ..
ولا يا نايل
ReplyDeleteما تجاوب على السؤال الحيران ده
هو المدخل الانساني بتاع عرض الادب العبري الجيد والوقوف اللي شكله حيادي عند حدود الادب والسياسة مش بيشكلوا مدخل تطبيعي ناعم.. يعني صور المزز والكلام اللطيف المكتوب والحيرة الفكرية اللي بتعكسها الكتابات دي واللي بتقول انهم بشر مش ساعات بيدارو علي حقيقة ان دول جزء من مجتمع استيطاني احتل ارضنا
يعني السياسي هنا هو اللي بيقول في نهاية الامر الرد علي الانساني.. يعني اذا كانو بشر يستطيعون انتاج الادب فهم ايضا بشر يستطيعون انتاج القهر والظلم.. الحيرة دي بتفكرني باعجابي الشديد بكتابات احد مشايخ السلفية الجهادية وباعتبر كتاباته نوع من الادب الراقي رغم اعتباري التوجهات السلفية خطره.. واعجابي بموسيقي فاجنر وكارل اورف رغم انهما نازيان.. او بتتحط اعمالهم كمرادف للروح النازية وانا كاره للنازية.. الحيرة هي انك ممكن يعجبك كاتب زي عاموس عوز وتتعاطف مع رؤاه.. بس مش هتنسي انه وقف يوم على الجبهة في الناحية التانية واطلق رصاصه ناحيتك..
انا مش باحاول اقولك حقايق.. او احط وجهة نظر باعتبرها هي الحق.. انا باقولك حيرتي.. منجزك فى المدونة هنا رغم اعجابي بيه ومتابعتي له عبر سنه الا اني لسه مش مرتاح
تفتكر ليه