"أختي عروس والحديقة مغلقة" هو عنوان رواية جاليت دهان كارليباخ، تصف الرواية ما يدور في بيت مقدسي، تحلق عليه لعنة عائلة قديمة، نساء البيت يعشن وفق قوانين طبيعية أخرى، حتى تدمر إحداهن هذا التجانس عندما تعلن بشكل دراماتيكي عن أنها ستتزوج. في البيت المقدسي تسكن أربعة نساء، التوأمتان طالوش القبيحة وآفي الفاتنة، أمهما الممثلة وجدتهما. ينعزلن عن الرجال بسبب لعنة قديمة، وفي قلب المدينة الحديثة ينصعن لأوامر المواسم والطبيعة، ولا يستجبن لرغبات الرجال. ولدت جاليت دهان كارليباخ في مستوطنة شديروت عام 1981. هنا الفصل الأول من روايتها المنشور في جريدة يديعوت أحرونوت تحت عنوان "تعالي يا عروس".
أختي عروس والحديقة مغلقة
جاليت دهان كارليباخ
ترجمة: نائل الطوخي
لا نحتاج الكثير حتى نبدأ في سرد قصة تدور أحداثها في القدس: خذوا المدينة، اغرسوا بها بيتاً قديماً، غطوها – بسخاء – بالغرانيوم الزاحف، شقوا على جانبيها زقاقاً ضيقاً، أضيفوا أشعة شمس مكسورة على حجر بلون الجسم، وهكذا يكون نصف العمل على الأقل تم إنجازه.
حتى تكون هناك قصة، يقول قائل، ينبغي أن يكون هناك شيء ما ليس على ما يرام، شيء ما يزلزل الأرض من تحت الأقدام، وإذا احتجنا لزلزلة الأرض، فمن المجدي على الأقل أن تكون تلك أرضاً صلبة، مقدسية، أرضاً جيدة للبيع، وسادة رائعة وخصبة لمدافن الأغنياء الآتين من الخارج للسكنى بها وللحصول على القليل من الدودات الصهيونية، أرضاً تتقبل بتسامح لا نهائي كل ضلالات المعماريين، الذين سيعلنون حربا عالمية على ماهية الدائرة الحجرية التي تم الكشف عنها بالأمس في سلوان.
ليست ضرورية هنا الإجابة الحاسمة بخصوص مجال استخدام هذه الأرض – سواء كانت هي المؤسسة الخدمية الأقدم في العالم أو أنها كانت تنتمي لبيدر من أيام اليبوسيين – ليست ضرورية أبداً عندما تكون هناك درجة من الزركشة، ومن فوقها مبسوطة عريشة عنب. نحتاج مكاناً – مساحة ذات بواكي – يمكن فيه الارتياح والتنهد على وسادتين أو ثلاث واحتساء من حين لآخر قهوة سوداء تم غليها في الفنجان.
على هذه الأرض، في هذا البيت العتيق، نحن الأربع مغروسات جيداً. نقول: "بيت مقدسي"، وفوراً تنتصب بالأمر ثلاث أشجار سرو، ترتعش ظلالها برقة وتميل فوق بيت مغطى بالأحجار. عندما نرسم صورة مناخ مقدسي، فإن القلب الأحمق يقوم على الفور بتسيير قوافل من الحجاج، وثيران من ذوي القرون المذهبة التي تحرك آذانها في إيقاع متناغم. نساء من كل العالم يتم تصويرهن على أبواب بيت المقدس، ومن أسفلهن دخان ذهبي يطرد الرائحة الرهيبة للأضحيات.
جوقات من الأطفال المزيفين من جميع أنحاء البلد يحجون لـ"القدس الذهبية"، يشحنون التاريخ على أكتافهم الدقيقة و يزقزقون مراراً وتكراراً في الهواء الرائق كالنبيذ. الهواء. ما الذي يمكن إضافته عن الهواء الطيب للمدينة؟ عن الهواء المنعش الذي يطوف على ظهر الريح الطيبة، والتي تغير أحياناً توجهها وتجلب معها عطراً صحراويأ؟ نعم. عندما نتحدث عن القدس، من المهم أن يكون هناك ثمة "عطراً"، ومن المرغوب أن يكون "رائقاً".
عندما نعمل على الإكليشيهات فينبغي لنا التصرف كما لو كنا في معمل، ينبغي ارتداء قفازات معقمة، لأنه لا يمكن معرفة ما الذي سينفجر، أو أية زجاجة سوف تحرر أسراراً مظلمة. من المهم أن ندرس بحرص شديد: هل الهواء فعلاً رائق لهذه الدرجة؟ في أي جزء من المدينة؟ وبشكل عام، عن أي نوع من النبيذ بالضبط نتحدث؟ هكذا ينبغي العمل بحرص. من المناسب أن نلتقط الروائح بأنف مفتوح. وألا نتسمم أبداً، أبداً، لا من الأنبياء الذين يتجولون على أبواب يافا، ولا من شجرة الغرانيوم أو القبار. كم هو صعب أن نكتب عن القدس. كم هو صعب أن نفعل هذا بدون التباكي على صخرة وجودنا إياها، وعلى الضوء الذي في آخر النفق إياه. صعب أن نفعل هذا بدون أن تخترق مؤخراتنا عشرات من أشواك الصنوبر ذات الرائحة الطبية النفاذة.
إذن، فمما أو من أين نبدأ؟
ربما من هاتيك الأيام، أيام ما قبل التاريخ الخاص بنا، عندما لم يكن بعد "بيع الأراضي يدق الباب"، كما غرّد بعذوبة أحد المقاولين مرة وتلقى صفعة من جدتي. ربما من تلك الأيام التي لم تكن تجذب فيها رائحة الفرن المرشدين السياحيين. ربما عندئذ، عندما كنا عائلة غريبة – ليس إكزوتيكية. عندما كانت أحجار البيت تدافع عنا، ولم تكن "تعيد النور الرقيق للقدس". عندئذ، بينما كنا نسير، ولم نكن "نتجول في الأزقة".
كان ياما كان، منذ قديم الأزل، كان هناك بيت ضربت الطحالب جذورها فيه. أشجار القبار تلوت على حوائطه وأخذت تعض الأيدي. أشجار التين العجوز كانت تنزف الحلوى في الفناء. وفي البيت: أب وأم وتوأمتان، متشابهتان جداً أو مختلفتان جداً. وجدة عجوز كانت تأتي في الصباح للزيارة مرة في الشهر، من مدينة بعيدة كل البعد.
ببطء ببطء، بمنخارين واسعين ورطبين. ينبغي التعامل مع الكليشيه بحذر ومكر، ينبغي الانتظار حتى يذوب.
بيتنا الشرقي – لكي نشعل خيالكم: سجاجيد حمراء، خدم بسراويل علاء الدين، طاسة نحاسية مليئة بالكؤوس الزجاجية الصغيرة. في الفرن تنضج فطائر المعمول، ورائحة ماء الورد المتصاعدة منها تدلل البيت – بيتنا الشرقي هذا ليس بيتاً نموذجياً.
هكذا، لا يرحب البيت بأي شخص. ولا حتى بيهوديت، الجارة الهندية التي تحاول مداواة الجدة بفطائر من نبتة سانت جون، ولكنها تجعل الوضع يسوء فحسب. ربما نبدأ من المنظومة الدفاعية للبيت. الجدة لا تؤمن بالطبيعة الخيرة للإنسان، ولذا فبيتنا مبني على هيئة قلعة صليبية.
ثمة مذراة معلقة على عمود المدخل، تلوح تجاه السماء كشيطان غضبان. معلقة عليها باقات من اللافندر اليابس، ينبغي أن نعرف الآن، قبل الغوص بداخل البيت، فمثلما أن الأم تكره الجرانيوم، فإن الجدة تحب اللافندر، اللافندر من جميع الأنواع، عندما يكون بلغارياً، فرنسياً، إنجليزياً، ليكن طحلبياً، شائكاً، شهيراً، صحراوياً، مشعراً، ليكن ناردوس، من أباء أباء نبات الناردين، من عطريات البخور. البيت لدينا مصنوع كله من اللافندر، ومليء به.
أمام الضيف تهبط درجات سلم حتى باب المدخل، الثقيل والأحمر، المصنوع من خشب خشن. أحيانا ما تفرش الجدة أمامه سجاجيد السيارة – مقلوبة – وتسكب عليها زيتاً.
عند نهاية السلالم يمكن التوجه يميناً حتى حديقة المفاجآت. نحن لا نطلق عليها هذا الاسم في الحقيقة. عندما يطلق شخص على حديقته هذا الاسم، فإن هذا يدل على شعوره بالملل منها. آخر شيء يمكن قوله عنا أننا نحتاج المفاجآت. في وسط الحديقة تنمو شجرة بن، سربتها لنا يهوديت من الجمرك عندما عادت مرة من زيارة لجذورها في الهند. تلقت أمي تحذيرات من جميع أنواع العلماء الذين مروا في المحيط: الشجرة لن تصمد في القدس، هي تحتاج الدفء، والبن الجيد – يمكن شراؤه من السوق، وهذا مرغوب. اقترح العلماء: قوموا بتربية أشجار الزيتون. أشجار التين. وماذا عن الغرانيوم؟
رداً على هذا فإن الشجرة تثمر حبات البن الأفضل في البلد، وعندما نطحنها في مطحنة أمي ببطء وبشكل مكتمل، فإن ليالي بيضاء تكون بانتظارنا. النبات الأقدم في حديقتنا هو الأرغن الذي أتت به جدتي من المغرب. قبل أن يتم تسجيله بوصفه براءة استيراد في البلد بثلاثين عاماً، كانت الشجرة عندنا، مغروسة عميقاً في الأرض.
نجا الأرغن من السفينة، من مبيد الدي دي تي ومن استغراب الموظفين. زيت الأرغن يشبه زيت الزيتون في مذاقه، ولكنه أكثر رقة ودغدغة. من تحته تمتد حديقة الفاصوليا الخاصة بأمي. أمي هي البستانية الوحيدة في حديقتنا، ولكنها تحب الفاصوليا أكثر من أي شيء آخر. الفاصوليا – السيئة والملتفة – تلتوى عندها على جدار ليس مبنياً من الحجر المقدسي، وإنما من صبار عنيف بالتحديد.
على الجانب الأيسر من السلالم يقف خيال مآتة ذو تعبير غاضب. خيال المآتة لا يخيف العصافير، ولا هو مخصص لهذا الغرض. خيال المآتة هو جزء من المنظومة الدفاعية للبيت. جدتي تحتفظ به بشكل ثابت: تضع اللافندر في رأسه، تغير له أقنعة عيد البوريم ذات المرأى المرعب، تغرس سكاكين في يده وتضع جمجمة على كتفه. اللص، إن لم يكن قد التقط بعد الرسالة المضمرة في العفريت الواهن، سوف ينزلق بهدوء نسبي ويتوقف بجانب الباب الخشبي الخشن هناك، وسوف يرى الأحمق النسيج الخشبي، وفي هذا الوقت سوف تنغرس آلاف الشظايا الخشبية الصغيرة في كف يده.
الجدة تفرك يديها. هذا الموضوع نافع بشكل ممتاز. بل إنها حتى لا تعرض على فئران تجاربها هؤلاء أن يدخلوا ويهدأوا مع شاي جيد أو بعض العالول المغربي الذي تربيه أمي في صوبة صغيرة من أجل "شللوف للمشروبات". العالول ليس إلا نوعاً من القنب، المفيد جداً في علاقات المقايضة. وهي العمل الوحيد الذي لم تستطع ضرائب الدخل أن تضع يدها عليها. نحن لا نخاف الشرطة. إذا نجح شخص ما غير مرغوب في زيارتنا، فسوف يكون هذا بعد أن ينزلق ويتم وخزه، أو بعد أن يرتعب حتى الموت. في حالة كتلك – فلا يمكن لأي شخص أن يفتح ملفنا.
للانتقال للحديقة ثمة قبو ينتمي مبدئياً ليهوديت الساكنة، ولكنه فعلياً ينتمي لنا. هناك في القبو تقوم جدتي بشكل عملي مع ليليت بعمليات سد الناقص.
نصف القبو مليء بأكياس القمح والأرز والسكر. "أبداً"، تقول الجدة، "أبداً لا يمكن معرفة ما سيحدث." وعندما تقول هذا، فهي تقصد سنوات الضيق التي عرفتها في المغرب، والتي استطاع اليهود الأذكياء الصمود أمامها بشكل جيد، سمينين وصحيين كان اليهود يتجولون في القرية ويطلّعون عين المسلمين. لا يحوي القبو فقط الاحتياجات الأساسية، وإنما يتزين أيضاً بالمشروبات الحريفة.
في حرب الخليج كانت جدتي تتمشى وهي ثملة تماماً، فخورة بخدمتنا الاحتياطية. بفضلها نحن نشرب هذا الخير، تقول، ولن تجرؤ أية واحدة على الاقتراب إليها بهذا القناع، تصاب بالزغطة.
في ما قبل التاريخ الخاص بنا – قبل أن تتحول كتب الدليل السياحي إلى موضة، عندما لم يكن السياح المتحمسون يضايقوننا بعد – فإن نحالات أوشِر، وهو الحي الذي لم يكن إلا زقاقاً، كان يعيش لنفسه.
No comments:
Post a Comment
comment ya khabibi