هتاف للديمقراطية
إلياهو نافي
ترجمة: نائل الطوخي
بعد النطق بالحكم في قضية التحكيم الدولية بين إسرائيل ومصر، والتي قررت أن منطقة طابا على شاطئ البحر الأحمر تنتمي لمصر، لم يتبق خلاف فيما يتعلق بخطوط الحدود بين الدولتين. في أحد الأيام خرج طاقم المسّاحين الإسرائيليين والمصريين، بصحبة ممثلي الأمم المتحدة، لوضع الحدود بشكل نهائي، عبروا بجانب الخط، في رمال رفح، نصبوا الأوتاد كعلامات، ثم جاء العمال الذين نصبوا الجدار السلكي.
في الأرض الواقعة جنوب رفح كانت تتجول بالحقل عدة حيوانات لم يعرف أحد لمن تنتمي، وتم طرح السؤال عن أي جانب من الحدود ينبغي وضعهم فيه. لم يكن ثمة شخص يمكن سؤاله في المحيط القريب، فقرر ممثلو الأمم المتحدة أنه يمكن للحيوانات نفسها اختيار في أي جانب من الحدود تحب الحياة.
في البداية سألوا الدجاجات، والتي أجابت كلها بنفس واحد: "مصر!"
"لماذا مصر بالتحديد؟" شعر ممثل إسرائيل بالإهانة.
"لأنه ما الذي لدينا لنفعله في إسرائيل؟ إنهم يحتفظون بنا في الحظائر، ويضيئون الحظائر بنور كهربائي يبهر أبصارنا كي لا نميز الليل من النهار، ولا يكون علينا إلا أن نضع لهم المزيد من البيض، والبيض الذي نضعه لا نحظى برؤيته، لأنه في اللحظة التي يخرج فيها عن جسمنا يتم وضعه على سير متحرك. الدجاجة، منذ خروجها من الحضّانة وحتى وصولها للمذبح لا تقابل ديكاً ذكراً ذا عُرف، أما هنا، في مصر، فنحن نرقد على البيض، نتجول مع الكتاكيت وننبش في الأعشاب بحثاً عن دود، ومن أي تل ينادينا ديك وهو يهز جناحيه، وتريد منا بعد ذلك البقاء في إسرائيل؟"
قاموا بنقل الدجاجات للجانب المصري وتوجهوا للأبقار التي كانت ترعى في المروج. "مصر!" أجابت الأبقار بلا تردد. "ما السيء في إسرائيل؟" تساءل الممثل الإسرائيلي.
"في إسرائيل؟" احتجت الأبقار، "في إسرائيل يتم الاحتفاظ بنا في الزريبة، وهي ليست إلا معتقل، بينما رأسنا معلقة بآداة تعذيب حديدية مربوطة في سلسلة بالسقف، يطعموننا خليطاً بلا طعم لا يعرف أحد مما يتكون سوى الرب الطيب والكيمياويون، يحلبوننا بمضخات كهربائية ثلاث مرات في اليوم، وعندما نتهيج، نتلقى حصصاً من التعشير الصناعي بحقنة بلاستيكية بدون أن نرى في حياتنا ثوراً ولو لمرة واحدة. لا نرضع عجولنا ولا نحظى بلحس جلدها بعد ولادتها. هنا نتجول في الحقل ونلحس العشب الأخضر، تتقافز العجول على سطح التلال بين رضعة ورضعة ونحن أحرار في نفسنا. هذه هي مصر، أرض الحرية، وهنا نريد الحياة!"
في الحقل تبقى بهيمان، جمل وبغل، ولدى سؤالهما عن أي من جانبي الحدود يفضلان أجاب البهيمان بإجابة حاسمة: "إسرائيل بالطبع."
"ما الجيد كل هذه الدرجة في إسرائيل؟" سأل الممثل المصري.
"في إسرائيل ثمة ديمقراطية"، أجابا.
"ديمقراطية؟"، سأل المصري بسخرية، "ومالكم، يا بهائم، بالديمقراطية؟"
"الديمقراطية في إسرائيل للجميع"، أجاب البهيمان. "هل تتخيل أن تكون في مصر ثمة فرصة للبهائم في أن يتم انتخابها في البرلمان؟"
زيارة الرئيس المصري لبئر سبع
في مايو 1979 عندما كنت رئيس بلدية بئر سبع، زار مدينتنا الرئيس المصري محمد أنور السادات. تفقد في ساحة البلدة طابوراً احتفالياً من القوات البرية، البرية والجوية لجيش الدفاع الإسرائيلي. بعد الطابور دعوت الضيف إلى منصة الشرف مع نائبه محمد حسني مبارك، والذي أصبح فيما بعد رئيس مصر، والرئيس نافون، ورئيس الحكومة بيجن ووزير الخارجية الأمريكية سيروس فانس. ألقوا خطابات أشارت إلى نهاية الحرب، "نو مور وور"، وبداية عصر السلام. ساحة جراج البلدة تم ترميمها ونصبت فيها كراس للمدعوين ولعائلة الضيف، بينما من حولنا، في ساحة ياد لفانيم وبيت ياد لفانيم، تجمع آلاف من سكان المدينة لمشاهدة الحدث التاريخي.
عند انتهاء الخُطب دُعي جميع ضيوف الشرف لاستقبال تم تنظيمه في مكتبي. تحدث الضيوف في الغرفة بالإنجليزية، بينما جلس إيلان نافون، السادات وأنا جانباً وتحدثنا بالعربية. حديث أصدقاء متدفق بدون قلق، لأن كل من حاول الانضمام لم يفهم كلمة وسارع بالخروج. عبّر الرئيس السادات عن انطباعه الجيد من زيارته لإسرائيل: "لم تحدث مفاجآت لي. عرفتُ كل شيء عن إسرائيل، المجتمع، الاقتصاد، السياسة، السلطة، وكذلك الطريق الذي اجتزته من العريش لبئر سبع رأيته في صور من الجو، ولكن شيئاً واحداً فاجئني اليوم: اللغة العربية السليمة التي ألقيتما بها خطبكما. خطب لا تخجل قائلها لو ألقاها في مؤتمرات رؤساء وقادة الدول العربية".
"ما العجب"، ابتسم نافون، "كلانا، رئيس البلدية وأنا، كبرنا في الشيخ بدر، وهو حي يهودي عربي بالقدس واللغة العربية كانت لغتنا الأم"، "إذا كان هذا صحيحاً"، تساءل السادات، "إذا كنتما قد رضعتما اللغة العربية من نفس المصدر، فكيف أن عربيتك قريبة للهجة المصرية أما عربية الـ"عمدة"، رئيس البلدية، قريبة للسورية الفلسطينية؟"
"هذا بسيط"، أجاب نافون. "أنا كبرت في القدس كطفل يرتدي نظارة، "أبو أربعة". طفل ذو نظارة لا يلقي الأحجار ولا يضرب، ولا يلعب كرة القدم، لا يقفز على الجدران لسرقة الفاكهة.. تعلمت العربية من الكتب، أما "العمدة"، رئيس البلدية، فلقد تلقى العربية من الأرض، من "الزعران"، متشردي الحي."
كان هذا هو اللقاء الأهم في حياتي وكان من المناسب أن يتم كتابة مضمون الحوار بتفاصيله، بشكل خاص عندما تنبأ الرئيس المصري أنه لن يموت ميتة طبيعية: "أنا أرسلت الجنود للموت من أجل فكرة، وأنا لست أفضل منهم."
كشف السادات عن معرفته بتطور بئر سبع، بل وأشار إلى أن واحداً من أعضاء مجلس البلدية مولود في مصر. عبر عن أسفه لأن يهود الشرق، بمن فيهم يهود مصر، لا يحبون العرب. "أنا واع أن الثلاثين عاماً الأخيرة في حياة يهود مصر كانت قاسية، ولكن هل كانت كافية لمحو ذكرى ثلاثة ألاف عام تمتع فيها اليهود بالحقوق المتساوية بل وأسهموا بدور في تطوير ثقافة مصر واقتصادها، وفي فترة محددة كذلك أسهموا بدور في الدفاع عن حدودها؟" ثم توجه لي بسؤال: "هل نبع اختيارك لرئاسة البلدية من كون جذور أغلب سكان بئر سبع ترجع للبلدان الإسلامية؟ ماهي نسبة أبناء طائفة الشرق في بئر سبع مقابل الإشكناز؟"
"هذا سؤال يصعب الرد عليه"، أجبت.
"يارب"، هتف السادات بذهول، "كل شيء عندكم سري؟ هل سألتك كم قنبلة نووية عندكم؟ أين قواعدكم الاستخباراتية والتجسسية في مصر؟ سألت عن عدد الإشكناز مقابل السفاراد. هل هذا سر حربي أيضاً؟"
بالتحديد في هذه اللحظة دخل الغرفة صهري الذي كان يحمل لي بطاقة من بروريا. "هل ترى هذا الرجل؟" أجبت، "هذا الرجل صهري. ولد في إسرائيل، أبوه جاء من المغرب، شمال أفريقيا، وأمه مولودة في فيينا. هو زوج ابنتي المولودة في إسرائيل أيضاً، أمها مولودة في ألمانيا، وأنا، أبوها، ولدت في العراق. بنتي الآن حامل، كيف إذن ستصف الجنين في بطنها، هل هو إشكنازي أم سفارادي؟"
"هذا يحتاج لأكبر كمبيوتر في القاهرة"، أجاب السادات بابتسامة.
________________________
ولد إلياهو نافي، عام 1920 في البصرة بالعراق. هاجر لفلسطين عام 1926، وكبر في القدس. هو مستشرق متخصص في الواقع العربي، والرئيس اليهودي الثالث لبلدية بئر سبع، قام بهذه الوظيفة في الأعوام من 1963-1986، وهي فترة الخدمة الأطول في تاريخ هذه المدينة. كما عمل مذيعاً في الإذاعة باسم "داود الناطور"، وهو الاسم الذي يوقع به قصصه أيضاً. بدأ عمله في الإذاعة العربية عام 1947 في إطار محطة "صوت الهاجاناه". حيث كان يقدم فقراته في برنامج "أكتواليا" بالعربية العامية ويتحدث باستخدام أمثال وأقوال مأثورة عربية. استمر عمله في هذا البرنامج حتى بعد إعلان قيام دولة إسرائيل، في إطار "صوت إسرائيل بالعربية"، وذلك حتى عام 1957 حيث عمل قاضياً.
له مجموعتان قصصيتان. الأولى هي "قصص العرب"، 1972، والثانية "قصص الشرق الأوسط القديم"، 2010.
القصص المترجمة هنا مأخوذة من كتابه "قصص الشرق الأوسط القديم"، وهو كتاب يجمع عدة قصص مضحكة عن العلاقة بين إسرائيل والعرب. وقامت صحيفة معاريف بنشرها في هذا الرابط.
كلمات "العمدة، أبو أربعة، الزعران" مكتوبة في الأصل بالعربية بحروف عبرية.
نصٌ حميم مفعم بالأسماء و الإشارات المألوفة
ReplyDeleteجميل جدا يا أستاذ نائل
ReplyDeleteسأعلق على مضمون النص، بغض النظر عن قيمته الأدبية (التي أعجز عن رؤيتها) فالنص هنا ليس سوى دعاية فظة للأفكار الصهيوني التي أعلنت إفلاسها:
ReplyDeleteمغزى الفصة الأولى - مستوى المعيشة في إسرائيل منخفض لكنها ديموقراطية لذا فهي أفضل.
مغزى القصة الثانية - اجترار لأسطورة "بوتقة الصهر"
وحتى من الناحية الفنية لا أرى في القصص ما يميزها لا من ناحية الشكل أو المبنى.
عذرا على تعليقي، ولأننا شعب لا يقوى على الكسر دون الجبر أقول بلغة المنتديات، مشكوووووووور يا أمير على الترجمة الروووووعة
شكرا يا عزيزي. اتفق معك تماما فيما يخص مغزى القصة الثانية واجترار "أسطورة الصهر"، خاصة أن أعمالا أدبية كثيرة تنقض هذه الأسطورة، بعضها تمت ترجمته في هذه المدونة وبعضها لم تتم ترجمته، أما بالنسبة لمغزى القصة الأولى فأختلف معك فيه، فالكاتب في رأيي يورد هنا الديمقراطية للسخرية من الحياة البرلمانية الإسرائيلية
ReplyDeleteنائل
حلوة قوى كالعادة يا نائل .. بس ليا سوأل : الراجل ده له اعمال مترجمة انجليزى نعرف نقراها ؟
ReplyDeleteآخر أيام الخريف
ReplyDeleteمش متأكد إن كان له نصوص بالإنجليزية أم لا. يمكنك البحث عن اسمه بالإنجليزية
Elyahu Navi
لي ملاحظة أخرى، لاحظت في مدونتك ميل لترجمة أعمال جديدة تميل نحو اليسار الصهيوني أو الما بعد صهيونية. لا بأس بذلك لكنك تتجاهل أدبا صهيونيا تقليديا قد يكون من الناحية الأدبية مهما في تطور الأدب العبري.
ReplyDeleteأي لو كانت مدونتك المصدر الوحيد للقارئ العربي عن الأدب العبري لكان تصوره مشوها... أقول هذا مع حفظي لحقك باختيار النصوص التي تراها مناسبة ومع إدراكي لصعوبة مجرد تقبل الترجمة عن العبرية فكم بالحري ترجمة الأدب الصهيوني.
أردت مراسلتك حول هذا الموضوع منذ مدة لكن الكسل عقيدتي والتقاعس هوايتي.
معك حق، أحاول طول الوقت البحث عن نصوص صهيونية لترجمتها، لأني لا أريد أن تكون المدونة مكانا لعرض الآراء ما بعد الصهيونية فحسب. أحيانا أجد وأحيانا لا أجد، أنا أيضا محكوم بالنصوص التي أجدها متوافرة على النت، وهذه في غالبيتها نصوص جديدة لكتاب جدد، على العموم يمكنك المساعدة مشكوراً بأن ترسل لي روابط تجدها مناسبة للترجمة. نائل
ReplyDeleteهنالك ويكي مصدر العبرية، مثلا هذه صفحة لمؤلفات بيالك
ReplyDeletehttp://he.wikisource.org/wiki/מחבר:חיים_נחמן_ביאליק
بحبش في الموقع وقد تجد ما يعجبك لكن اعلم أن الحديث عن نصوص ملك عام (أي مات مؤلفها قبل ٥٠ عاما)..
يوجد أرشيف لصحافة عبرية قديمة هنا
http://www.jpress.org.il/view-hebrew.asp
أغلبها قديمة جدا لكن أيضا يوجد أرشيف دافار حتى عام ٦٩ (دافار لسان حال مباي قبح الله وجهها). وفيها قد تجد بعض الأدب، ابحث عن أسماء كتاب تعرفهم أو تسكع في أرجاء الموقع الرحبة ولا بد أن تجد بعض الكنوز.
أحيلك إلى مقالة كتبها عاموس عوز بعد عدة أشهر من حرب تموز طالب بها بالانسحاب من الأراضي المحتلة... لم أقرأها بعد ولم أقيمها (يحي الكسل) لكنني أخمن أنها صهيونية المعدن وإن كانت يساروية. على كل المقالة اسمها שר הבטחון ומרחב המחייה ونشرت في ٢٢ أغسطس ٦٧ ص ٤ من دافار.
الآن للأسف "شعب الكتاب" (وهو التسمية المسروقة من أهل الكتاب حرفوا معناها ليثبتوا تفوقهم المتخيل) لم يسمع بقرصنة الكتب ولا أعرف مواقع تنشر كتبا أدبية أو نصوصا أدبية عليها حقوق نشر... لعله فقر في ثقافة اللطش (رغم أن للتاريح رأي آخر) ولعلي لا أعرف السراديب التي يتبادلون فيها هذه البضاعة الممنوعة... على كل حال لو حصلت على ما يحرز فسأشاركك به... أنا شخصيا غير مطلع على أدبهم بما فيه الكفاية
مصادر أخرى:
ReplyDeletehttp://www.benyehuda.org/
http://www.daat.ac.il/daat/bibliogr/bookN.asp
http://hebrewbooks.org/browse
http://aleph500.huji.ac.il/nnl/dig/bk_sub.html
غالبيتها تحترم القانون
ربما يمكنك البحبشة أيضا في كتب جوجل... ولو وجدت المزيد فلك حصة مضمونة
هنا يوجد منهاج الأدب لليهود (غير المتدينين) جوجل عناوين القصائد أو القصص وقد تجد ما يسرك:
ReplyDeletehttp://www.daat.ac.il/daat/sifrut/tochnit/06.htm
عثرت مثلا على هذه:
http://www.teachers.org.il/data/hay/files/8061/69964.htm
من جوجلتي لاسم القصيدة
أيضا وجدت هذه المجلة: http://stage.co.il/
قصيدة أخرى:
http://cafe.themarker.com/post/1542104/
قصيدة أخرى ليهودا عميحاي:
http://www.planetnana.co.il/safrut_yb4/%D7%90%D7%9E%D7%99%20%D7%90%D7%A4%D7%AA%D7%94%20%D7%9C%D7%99%20%D7%90%D7%AA%20%D7%9B%D7%9C%20%D7%94%D7%A2%D7%95%D7%9C%D7%9D.doc
القصيدة جزء من امتحان... عادة في الامتحانات يضعون نص القصائد لذا ابحث عن امتحانات في موقع teachers.org.il أو www.mivhanim.com
شكرا جدا لك يا عزيزي
ReplyDeleteهذا الموقع نقل ترجمتك (ولا أعلم باتفاق معك أو دونه)... على كل أحببت إعلامك... ربما تتفقوا على شيء ما
ReplyDeletehttp://www.qadita.net/2010/12/لماذا-لا-أكتب-قصائد-حب-إسرائيلية-ماتي-ش/