Thursday 28 October 2010

كذبة العمال الأجانب

يقدم هنا الشاعر الإسرائيلي ألموج بيهَر تحليلاً اقتصادياً، سياسياً وخطابياً، لأزمة "طرد العمال الأجانب" المشتعلة الآن في إسرائيل. المقال مهم للغاية، سواء للمنتمين إلى اليمين أو لليسار أو اليسار الناقد لليسار وغيرهم، كما يلقي الضوء على واحدة من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام الإسرائيلي الآن. لذا فلقد تم نشره في المدونة ، التي يفترض ألا تهتم إلا بما هو أدبي، على الرغم من طبيعته الاقتصادية. المقال منشور في هاآرتس تحت عنوان "كذبة العمال الأجانب".


كذبة العمال الأجانب

ألموج بيهَر

ترجمة: نائل الطوخي

في النقاش الذي دار بالأشهر الأخيرة حول طرد أبناء مهاجري العمل المختلطين ثمة كذبتان: في اليمين يتم نشر الكذبة التي تتحدث عن معضلة قومية، أما اليسار فيستخدم الادعاء الكاذب بأن الحديث هو عن معضلة أخلاقية أو تتعلق بالصورة. المعضلة الأساسية، الاقتصادية، تختبئ في الملاحق الاقتصادية. من المريح للطرفين أن يتمترسا خلف مواقف معدة مسبقاً، وأن يخفيا الحقيقة من خلف تناطح متبادل، ويجعلاننا نفكر أنه أخيراً يتصارع موقفان مميزان وأيديولوجيان.

دخول مهاجري العمل إلى إسرائيل كان مرتبطاً بعمليتين: الأولى، انفصال الاقتصاد الإسرائيلي عن العمال الفلسطينيين واستبدالهم بعمال أجانب، يُتوقع ألا يثيروا مشاكل (وألا تكون لديهم مطالبات إقليمية). والثانية هي انضمام إسرائيل للاقتصاد الدولي النيوليبرالي (العولمة).

أتاح دخول مهاجري العمل خفْض أجر العمل في إسرائيل وخلق طبقة عمال المقاولات، أتاحوا بدورهم المرونة الإدارية التي تتوق إليها في الاقتصاد الرأسمالي القوى الاقتصادية الكبرى، ومن بينها الحكومة، التي تتيح لهم أن يقوموا بالتعيين في لحظة وبالرفت في أخرى، أن يجلبوا عمالاً وأن يطردوهم، دون الانشغال بأشياء مقززة مثل منظمات العمال، اتفاقات كيبوتسية[1]، تأمينات أو معاشات. في الطريق تم تدمير نقابات العمال وخلق طبقة واسعة من العمال الإسرائيليين الفقراء.

دخول مهاجري العمل شد بالفعل من أزر الاقتصاد الإسرائيلي، فاستغلال العمالة الرخيصة يقوى دائماً الأغنياء على الجانب الذي يقوم بالاستغلال: تم بناء الكثير من البيوت وشق الكثير من الطرق وجني الكثير من الثمار وحظى عجائز كثيرون بالعلاج. حدث نمو كبير دفعنا ثمنه رخيصاً وبالقليل جداً من العرق الإسرائيلي. هكذا تدار اليوم غالبية أمور العالم الأول أمام العالم الثالث، وهكذا في الواقع فلقد انضمت إسرائيل إلى العالم الأول، قبل انضمامها الرسمي للـ OECD بكثير. وأصبح ممكناً الجلوس في مقهى بتل أبيب والشعور كأنك في نيويورك، بينما غاسل الصحون يتلقى أجراً مشابهاً لأجر نظيره في نيودلهي.

ما أنكره اليمين أثناء انضمام إسرائيل للعالم الأول وللاقتصاد النيوليبرالي كان أن الحديث هو عن اقتصاد دولي، بل وما بعد وطني. العالم ما بعد الاستعماري يتميز، من بين ما يتميز به، بأمواج هجرة من العالم الثالث إلى الأول، تتيح قوة عمل رخيصة للدول المهتمة بالوصول إلى التوازن بين حياة ثرية بالمنتجات والخدمات الرخيصة.

تم من البداية في إسرائيل إنكار عنصر الهجرة في العملية الجديدة، ولذا تم تبني اسم "العمال الأجانب" بدلاً من اسم "مهاجري العمل". كان التوقع هو أن يظل هؤلاء أجانب طالما هم عمال، وعندما يتم استنزاف عملهم يتم إرسالهم رجوعاً لبلدانهم. ولكن الحقيقة هي أن غالبية عملية الهجرة لا يمكنها أن تدار بإحكام كهذا، ولا يفرق مقدار صلابة شرطيي وحدة عوز[2] أو وزير الداخلية. بعض من المهاجرين يتزوجون في المكان الجديد، يلدون أطفالاً و"يتم استيعابهم".

يتجاهل اليمين الواقع الذي يخلق فيه تناقض بين اليمين القومي واليمين الاقتصادي، ويتبنى سياسة منافقة تعتمد على الباب الدوار – طرد العمال من جانب والإتيان بآخرين من جانب آخر، من خلال إثراء الشركات التي تقوم بالوساطة. هذا اليمين لا يريد التنازل عن الثمار الاقتصادية التي يأتي بها إليه مهاجرو العمل، وولاؤه الظاهري للعرق النقي يثبته في عملية الطرد الدعائية، والتي لن تغير في الواقع التأثيرات بعيدة المدى لموجة الهجرة المتواصلة.

غالبية أحزاب اليسار، على الناحية المقابلة، لا تقدم بديلاً فعلياً للواقع الاقتصادي الجديد للعمل الأجنبي. هو يسار لم يدر منذ وقت طويل أي صراع من أجل جمهور العمال المسحوقين في إسرائيل، باستثناء دعوات متقطعة على غرار "الرأسمالية الخنزيرية". هو يدعم في الواقع أيضاً التطور الذي أتى به مهاجرو العمل. هذا يسار بعد أن تخلى عن فقرائه، مواطني إسرائيل، لا يمكنه بالتأكيد أن يرى أن في هذه المرحلة التي يقع فيها الاقتصاد متعدد الجنسيات، مسئولية ما من العالم الأول تجاه العالم الثالث، تنبع من حقيقة استغلاله.

كل ما تبقى لهذا اليسار أن يفعله من أجل استبعاد الحاجة للتعامل مع المعضلة الاقتصادية الحقيقية، هو الخروج في صراع متحمس من أجل أطفال العمال الأجانب، وهو صراع يمنحه الصورة الجميلة والليبرالية التي يهتم بها. برغم أن هذا الصراع هو صراع عادل، فهو يشكل مهرباً من معضلات اقتصادية تقع في العمق وتخلق الوضع القائم، ويشكل مهرباً من طرح بديل اقتصادي لعمليتي الاضطهاد المتوازيتين- المقلوبتين والمعلقة إحداها بالأخرى – اضطهاد الفقراء "الداخليين" واضطهاد فقراء العالم الثالث. مرة ثانية سوف يتم رسم صورة اليسار بوصفه أخلاقياً و مرهف الروح، ومثلما في معضلات الاحتلال، سيفضل أغلب الجمهور الكذبة القومية عن الكذبة الأخلاقية، بدون الانتباه إلى أن الحقيقة الاقتصادية أيضاً مغروسة فيها.



[1] اتفاقات يتم عقدها بين نقابة العمل وبين مكاتب عمل وتنشغل بقبول شخص للعمل أو رفته منه، ظروف العمل، حقوق وواجبات المنظمات الموقعة على الاتفاق.

[2] الوحدة التنفيذية في وزارة السكان، الهجرة، وعبور الحدود في إسرائيل.

1 comment:

  1. بعد أن يلتحم الجميع في مناقشات و جدليات سخيفة لا طائل من ورائها، ستظل تروس المصانع في حركة مستدامة تسحق من لم تسلحه ظروفه أو ذكائه بالقدرة على التطور، و سيظل اليمين يحصد النجاح الاقتصادي، و يحافظ على النقاء العرقي بقدر الإمكان، و سيظل اليسار يعوي و يصرخ بلا معنى، أعرف انك يساري، لكن معذرة، إذا كان اليمين هو توزيع الفرص و الثروات بشكل غير عادل ظاهرياً، لكنه عادل في جوهره، فإن اليسار هو توزيع الفقر على الجميع، و منح الكسول و المجتهد نفس الأنصبة بتساوٍ مخلّ

    ReplyDelete

comment ya khabibi