Monday 12 April 2010

ولكن ثدييّ لن أسمح لأحد بأن يعضهما

أميرة هاس، واحدة من أهم الشاعرات الممتثلات للشرق في إسرائيل ولفكرة "النسوية الشرقية". من أصل عراقي، ولدت في بغداد، وهاجرت لإسرائيل عام 1951، كتابها الأول "وقمر يقطر بالجنون"، فاز بجائزة لوريا. نشرت قصائدها في دوريات أدبية، مثل "عيتون 77"، "موزنايم" "هاكيفون مزراح"، وتمت ترجمتها للإنجليزية والألمانية واليونانية والأسبانية والروسية. تسكن اليوم في القدس. القصيدة الأولى المترجمة هنا منشورة في موقع "مآراف"، والثانية منشورة في "هاآرتس". وللتوضيح ليس إلا، فهي ليست الصحفية بهاآرتس والتي تقوم بتغطية أخبار السلطة الفلسطينية، عاميرة هاس. العمل الفني المرفق بالقصيدة الأولى هو للفنان السوري ابن قرية مجدل شمس بالجولان المحتل، فهد حلبي.



أميرة هاس

ترجمة: نائل الطوخي

ولكن ثدييّ لن لأسمح لأحد بأن يعضهما

قلبي من الغرب يصرخ يا شرق يا شرق

أشرقتَ علينا وأظلموك

أشرقت علينا وكبش فداء جعلوك

كس أمك

كس أمي هو رحم رائع

قيل عن بوسيها أنه تافه..

وانا البوسي كات

أنا تهتُ في أنحاء الجحيم

أبحث لي عن حضن يد ممدودة

ولكنهم مدوا سيفا باتجاهي

وأنا بالرماح سأتحدث

وسأفتح فم التنين:



دراكولا يتحدث بالمسمارية الآن

يرسل

نار الجحيم

في أنحاء صحراء الأرواح

الباحثة عن مادة

المتلونة في عيون الأطفال الصغار

والذين استطاعوا أن يصبحوا أطفالا جيدين

ناجحين

يتدفقون كالنهر

ولكن

مثل قرصة الوشم



أجواء شريرة

تخلق لدى الطفل مخاوف بلون الرهبة

هذه ليست رهبة مقدسة

في أرض المسامير المثبتة على شرائح الروح المحترقة.

قل أن أطفالاً يزعقون: يا عرص

أطفال يزعقون يا فريحة[1]

عن أي فريحة سيقولون فريحة، هل عن تلك من قازاخستان

أم تلك التي تبدو مثل وردة مفقودة في الجدار الشرقي للدولة؟



عن أية دولة يتحدثون

عن زوجة أب تقتل السكان

وتثير غباراً في لبنان

وتحول الرياح إلى شراميط تزني من تلقاء نفسها

وأنت لا ترى إلا الكراهية في العيون؟

لأنك تسكن بداخل شعب الأشباح

ولا تفكر

لأن تريد التفكير في أننا تداوينا

أننا ضُمدنا

أننا لِنّا بدون زيت حتى

وأيامنا محروقة بالنار

***

يا ناس هذه ليست قطة في الحقيبة[2]. أرواح تمت عبرنتها لتصبح عمياء في الطريق، انفتحت فجأة لترى:



عينان محترقتان. هنا يبكي يهودي حقير

صغير وبائس



قصة حكتها لي أختي عن عروض الأفلام التي قامت بها أختي الكبيرة أوضحت لي قصة أخت أخرى، ليست من لحمي ودمي. الدبة الكبيرة. وقد قمت بتضفير الواحدة بالأخرى، ورأيت الخطوط المتعرجة التي يحاول الناس ربط نفسهم بها بيننا: بإدخال كائنات مثل ليبرمان بيننا. روسيا لن تكون في مكان أختي. هي ليست من العائلة، وهو لم يرضع من حلمتها اللبن البودرة المتبقي. لقد أخذنا جميع خبز المعبد الخاص بنا. ولكن ثديي لن أسمح لأحد بأن يعضهما. ليحترس الجميع. دير بالك[3].

مَن هذا، الرجل الذي بلا قضيب. من هو القضيب الممحو الذي قفز على قضيب شارون قبل أن يدخل في الغيبوبة. هذا هو شارون الذي كان بلدوزر ذات مرة. وأراه الرب أنه في كل إنسان، ولا يفرق وزنه، ثمة انهياراً داخلياً. عندما راح منه الزب، عندما راح من أولمرت، زبه المستعار، المتخيل، ارتبك، بحث ووجد بيضتين[4] من الحديد. وقام بأخذ ليبرمان، الذي لا نعرف من هو. سوف يأخذ أولمرت قضيبا فعلاً، ولكن على حساب من. ليس كل الناس مستعدون للتراجع.

شارب بيريتس، بيضتا الليبرمان ونقود جايدماك، التي سوف ترن في آذان الكل، وسوف يكون هنا بيج بيج سون أوف آ بيتش بلا ساعة. فقط ضجة قوية في المدينة.

مرتاحو البال لا يسمعون الضجة. الشعراء الدجالون يجولون في مشكنوت شأننيم[5]، يقيمون مهرجانات. احتفالات.

يجولون بعيون كاذبة مدنسة، بشفاه مدهونة بالفودكا. يحسنون شكلهم بشد وجوههم، وبالشد بشكل عام، بما فيه الأرواح، لتصبح مثل البسكويت الناشف-

يحلقن بخيالهن، في إحدى صالات الجيم البائسة، يحاولون تقريب أجسادهم وأرواحهم من روح الرب. حاشا لله. حاشا لله. لا إله إلا الله[6]. لتحل عليهم غرامة ممتلكات الأرواح، ليقولوا لهم: السارق عقابه الشنق. لن تقوموا بعد ذلك بشنق الضوء والنيون اللذين يصرخان بأسمائكم في هذه القبور المظلمة الرهيبة.

السارق عقابه أن يشنقوا أحشاءه حتى تتيبس، ويطبخوا أمعاء محشوة بحجارة أساس روحه الصلبة. ليست هنا روح. في مشكنوت شأننيم شعراء متآمرون يصنعون ألحانا على أوتار بقايا الحريق.

ولكنني أنا الشبح الميت لحزقيال النبي، والذي تهاجر روحي حتى هنا، حذرت جميع الفروع العفنة، أن أغصانها هي عش الديك. ديك ينادي على الدجاجة.

لتبكروا في الصباح وفي الظهيرة حيث الشمس تحرق بشدة الهند تركيا. ومن الداخل ليأكلكم أساس روحي حديدي. دمار ألمونيومي وهليوني وليس من غاز نقي يفوح من أبخرة الفودكا.



شخصية غير مبنية لتوائم هذا الواقع

وقفت في المطبخ لكي أطبخ، حيث سقطت زجاجة الكاتشب وتحطمت. صوت التحطم، الشظايا واللون الأحمر الذي اندهنت به أرضية المطبخ أسرى الرعشة وضربات القلب باتجاه أدوات الكتابة، الموجودة في الغرفة القريبة. النتيجة كانت القصيدة الآتية التي أستشهد بها من ذاكرتي، نسيت بدايتها ونهايتها كذلك. تمت كتابة القصيدة في بداية الثمانينيات:

... وفجأة سقطت الزجاجة وتدمرت

وسائل أحمر غطى الأرضية وغطى يدي

أنا خائفة الآن.

نهر دجلة والنيل ينزفان الأحمر

رجاءً، بلا معجزات وعلامات

فقط بلا علامات.

وما هي الأنهار، بينما فقط زجاجة هي ما تحطمت.

لا تقم بإرسال الغضب

وها أنا أقف

كل واحد من كفيّ بجانب الآخر

أنظف الشظايا

انجرحتُ بخفة، بخفة شديدة.

وفجأة بدأت في قول كلمة حيث كنت خائفة

وبدأت في المتابعة والقول:

ضفادع، قمل، برد[7]

قادم الكثير من البرد ليغسلنا

ويصنع أنهارا رائقة

بحيرات شفافة

أناساً يتحركون يتحركون

ويستكينون في أنهار ذهبية

رائحة أتذكرها

وأضواء إحدى الليالي

التي لن تهرب مني في نهر نازف.."

عندما كُتبت هذه القصيدة كنت في مرحلة "وكان كنار محبوسة في عظامي..." اليوم، إذ أصبحت شخصا أكثر وعياً مما كنت، أميل لتفسير "وكان كنار محبوسة في عظامي..." بالنظر إلى الأوضاع النفسية والبدنية والصوفية التي انضفرت سويا لتشكل مادة مشتعلة في مرحلة الإبداع.

كنت في الولايات المتحدة عندما اتصل بي زوجي وحكي لي عن موت داليا رابيكوفيتش. بعد صمت طويل، انخرست فيه الكلمات من فمي، أجبته وأنا أبكي: "لن تفهم بكائي، نحن الشعراء مثل عائلة واحدة. لا أعرف إن كان هناك من يمكنه الفهم" (وفهم هو).

عندما عدت للبلد وقرأت في ملحق "شفعاه ياميم" التقرير الذي حفظه لي زوجي كي أقرأه لدى عودتي، شعرت أن كل كلمة تقريباً قالتها داليا رابيكوفتيش كان يمكن لها أن تخرج من فمي. وضع الانقطاع، عدم الانتماء، الهشاشة، الإحساس بأنه يمكن لك أن تتحطم في أية لحظة. مثل الزجاجة في القصيدة. معنى انكسارها وقتها عبر عن "وضعي الزجاجي"، الخوف من الانكسار، الانشراخ، القابلية للجرح من أي حدث ولو كان أخف الحوادث. عندما يكون الجسد والروح في الوضع الشفاف للماس، فإن الإنسان يرى من خارج الشفاف ومن داخله. الشفاف هو إناء للمرايا التي تجتمع بداخله كل نصف ثانية. أحيانا تخرج في عملية تسامِ على هيئة قصيدة أو إبداع ما، وأحيانا ينشرخ من المرايا ومحتوياتها. ويمكن القول أن الرجل الزجاجي يرى كل شيء في نفس اللحظة، أحيانا من كثرة المرايا يرى الناس كل اللاشيء. وكل اللاشيء هو لا شيء. هذا الرجل الزجاجي هو أيضا الأرضية الزجاجية لنفسه.

في يوم ما بالمدرسة الثانوية درسنا موضوع تعبير. عندما انتهيت من قراءة موضوعي قال المدرس، وهو السيد موشيه هيلمان يرحمه الرب: :"هذه الشابة لا تنتمي لقرننا. في سن الخمسين سوف تجري في الحقول وتقرأ القصائد."

عندئذ لم أكن أعرف أنه فعلا، فإن الناس في حياتي القادمة سوف يتعاملون معي كشاعرة. الحقيقة هي أنني أبداً لم أعرف نفسي. أبدا لم أعرف من أنا. وأيضاً ليس واضحاً بالنسبة لي ما معنى أن يكون المرء شاعراً. بدرجة ما أنا شخص قتالي وأحب الشجار مع نفسي، وضد نفسي، وخارج نفسي. أنا ببساطة في الخارج.

في طفولتي كتبت قصائد وفي واحدة من أوقات الغسق، وهو وقت هش مليء بالحنين والشوق لأي شيء "لا تصله اليد"، كتبت قصة أسميتها "شجرة الوحدة".

ومثل هذا، فقد قدمت لمدرسي في المدرسة الثانوية أنواعاً من المحاضرات التي طولبت بإلقائها في مواضيع معينة. تحولت هذه المحاضرات لموضوع مختلف تماما، نبع من داخل أعماق قلب "الرجل الزجاجي". ملاحظات مثل ":حسناً، لقد كتبتِ أشياء مثيرة للاهتمام، ولكنها لا ترتبط بالموضوع"، أطلقها المدرس الذي نظر إليّ نظرته إلى كائن غريب.

لكي أختصر في موضوع العمل الأول ومعناه وقتها واليوم، يمكنني القول: "لقد نبع من حتمية شخصيتي أو كياني الشاذ. شخصية غير مبنية لتوائم هذا الواقع. وهذه الصعوبة ربما تُنتج ما لا أعرفه بوضوح أحياناً. أنا شخص لا يعرف. أحاول ضبط التفاهمات أو إساءة التفاهمات، داخل التعقيد الذي يبدو أحياناً بسيطاً للغاية، إلى درجة مخيفة."



[1] الفريحة لفظ عبري حديث مأخوذ من لكنة يهود المغرب، لفظ عنصري يشير للمرأة المبهرجة ذات الصوت العالي، ويستخدم حصرا لوصف المرأة اليهودية ذات الأصول الشرقية.

[2] اسم برنامج إذاعي للأطفال تم بثه ما بين 1970-1986.

[3] تكتب الكلمة العربية بحروف عبرية. "دير بالك" هي واحدة من التعبيرات الفلسطينية الدارجة في العبرية الحديثة.

[4] مثلما في بعض العاميات العربية، فالمقصود الخصيتان.

[5] واحدة من مشاريع الاستيطان (مشاريع التطوير بحسب الوصف الإسرائيلي) الأولى في مدينة القدس الجديدة وهي الحي اليهودي الأول في فلسطين خارج حدود مدينة القدس القديمة. تلعب الشاعرة على التشابه اللفظي بين كلمة "مرتاحو البال" وهي بالعبرية "شأننيم" وبين "مشكنوت شأننيم".

[6] بالعربية بحروف عبرية.

[7] استرجاع للضربات العشر التي عاقب بها الرب المصريين في العهد القديم.



2 comments:

comment ya khabibi