ولد بني تسيبار في تل أبيب عام 1953 لأبوين هاجرا من تركيا. متزوج وأب لثلاثة. تسيبار هو واحد من أشهر الصحفيين الإسرائيليين في العالم العربي بشكل عام وفي مصر بشكل خاص بسبب زياراته المتكررة لها. وواحد من أسباب شهرته أيضا هو مدونته بموقع صحيفة هاآرتس التي يكتب فيها بشكل استفزازي عن مواضيع حساسة وكثيرا ما يعلن فيها احتقاره لليهودية ولدولة إسرائيل. واحد من الاتهامات التي توجه له على الدوام هو احتقاره أيضا لليهود الشرقيين، وتعلقه بالثقافة الأوروبية، وبالتحديد الفرنسية – واحد من أسباب حبه للقاهرة مثلا هو أنه يراها مدينة أوروبية أكثر بكثير من تل أبيب! - واتهام آخر هو مثليته الجنسية التي يصرح بها أحيانا وينكرها أحيانا، مما يزيد من ارتباك المتلقين حول شخصيته. هذه المواضيع كلها حاضرة في القصة المترجمة هنا والتي قام بنشرها في كتاب بعنوان "المحرر الصحفي الذي يتخطى الحدود"، والذي قامت بتحريره تالما أدمون وضم قصصا مختلفة لكتاب مختلفين. يتلاعب تسيبار في القصة بشخصيته وهويته الحقيقية.
يمكن الاطلاع على بعض مقالاته هنا وهنا.
من كتبه "عصفور يغرد في الرأس"، 1978، نثر شعري، "مارش تركي"، 1995، رواية، "تسيبار ومن على شاكلته"، 1999، رواية عن الحياة المثلية لاثنين، "اسطنبول من الألف للياء"، 2000، كتاب رحلات، "صعود المحرر الأدبي للسماء"، 2005. يقوم بتحرير الملحق الثقافي الأسبوعي لصحيفة هاآرتس منذ عام 1988.
بني تسيبار
ترجمة: نائل الطوخي
كل المتطفلين يلتصقون بي. "أرسلت لك قصيدة للنشر ولم ترد عليّ." أو: "لماذا تنشر دائما لنفس الأسماء. ألا تقرف؟" و: "ملحقك هو أول شيء أقرأه يوم الجمعة." لدي إجابات جاهزة وابتسامة جاهزة لكل واحد من هذه النماذج. كانت هناك حالة واحدة أقل إثارة للتعاطف. كان الرجل مضطربا تماماً. ادعى أنه يعرفني من ماضيّ الطلابي وكان يعتقد أنه دائماً مدين لي بشيء ما ويزعجني بلا توقف. الحالات المشابهة تنتهي برضاهم بفكرة اللقاء بي. يمكنهم أن يحكوا بعد ذلك أنهم التقوا بالمحرر الأسطوري بذاته (من كلمات قيلت في حوار مع "معاريف" بعد صدور كتاب بني تسيبار "صعود المحرر الأدبي إلى السماء".)
إيلكايام:
الرجل "المضطرب تماماً"، الذي أشار إليه تسيبار في الحوار – وهو شخص مضطرب لا يستهان به بطبيعته، وثمة شواهد على هذا - هو أنا. لهذا الأنا اسم، برغم أن تسيبار الخرا يفضل ألا يكون هناك أي اسم وأن يغرق في هاوية النسيان: الاسم هو آفي، إلكايام آفي، شركة ومحل استيراد النجف الكريستال ومستلزمات الإضاءة، 22 شارع وولفسون، تل أبيب. في ظهيرة يوم الثلاثاء بهذا الأسبوع رغبت في الحمص. تسيبي، سكرتيرتنا، قالت أنهم فتحوا محل حمص جديدا غير بعيد، في زقاق المصنع. كنت أعرف طول الوقت أن هيئة تحرير "هاآرتس" قريبة منا، ولكنني لم أتخيل أنني سوف ألتقي بتسيبار بعد خمس وثلاثين عاما لم نلتق فيهما. لم يعرفني. كان منغمسا كله في طبق الحمص الخاص به. غطى صحن الحمص بجسمه كأن الحمص كله في العالم قد انتهى، وكأنه يخاف أن يخطف منه أحدهم الطبق من تحت أنفه. هذا الوسخ قطع الرغيف بيديه وجفف الحمص في الطبق بسرعة وشهية، بدون الانتباه أن بعضه قد التصق بأصابعه. ثم تذكر طبق الحمص. بأصابعه السمينة، المدهونة بالحمص، أمسك بشريحة خيار مخلل وألقاها في فمه. أدخل بعدها ورقة كرنب مخلل في فمه. في النهاية لحس الباقي الذي تجمد على يده، وبعضه على ظهر يده أيضاً، والقليل بين أصابعه.
هذا هو تسيبار الشهير. محرر الملحق النخبوي الأدبي في "هاآرتس"، والذي لا يستحسن فكرة نشر القصائد والقصص التي أرسلها له منذ سنوات، ولا يجهد نفسه ولو بالرد. قل كلمة يا بني آدم، كي لا أجلس لأسابيع وأقرض أظافري مترقباً. قل أنني كاتب خرا، أنني أرتكب أخطاء إملائية، فقط قل. وأنا أجلس أمامه وأنظر له وهو يُظهر أنه لا يعرفني. أنا من وجهة نظره لا شيء، لا يهمه إن كنت أو لم أكن، أنا ذرة رمل، أنا العمود السينمائي الطارئ الموضوع هناك من أجله. لأنه حتى تكتمل متعة ابن الشرموطة هذا بالحمص فهو يحتاج ديكور من الناس البسطاء، الذين يدورون حول الطاولات من حوله، هؤلاء البسطاء، من بينهم أنا، وأنا شخص غير معروف، عمالة صغيرة كما يقولون، يعيش على عمل غير ذهني ويهتم بأمر هذا الشيء القذر المسمى المال.
الآن يصارع تل الحمص الأخير في الصحن، والذي يهدد بأن يُغرق بداخله الرغيف الأخير. سيدي الفاضل، من أجل هذا اخترعوا الشوكة. لا. هو يستعين بأصابعه ويقبض على تل الحمص بيده ويبلعه ويلحس شفتيه. ويجذب من الجهاز المفارش المطبوع عليها بالأحمر كلمة "شهية طيبة"، مفرش ومفرض ومفرش، ويجفف فمه، ومفرش آخر ومفرش آخر من أجل اليد التي تجمدت عليها المادة الصفراء الرمادية وانفجرت مثل أرض الراسب الطفالي في الصيف. هذا، يا سادتي، هو المحرر الأدبي، الذي يجلدنا ليلا ونهارا لأننا لسنا أوروبيين بما يكفي من أجله. هذا الذي لا يتحدث في التليفون مع من هو أقل من شوبنهاور.
أغرز نظراتي به ولا يرد. لا يخطر على بال هذا الخرا أنه يمكنني مقاربة مستواه، وأنه يمكنني أن أدير معه حوارا عن ألبير كامي. نعم، أنهيت لتوي قراءة ألبير كامي وأستطيع الحديث معه عن "الطاعون". وفق رؤيته الثابتة ، ففي المناطق الصناعية لا يوجد إلا جهلاء مصيرهم هو العمل بيديهم والحديث بلكنة متدنية[1]، لأنه لولا جهلهم ما كان ليوسخون أيديهم بالأعمال القذرة.
حتى الآن لم أعبر عن ألف باء غضبي على تسيبار ومن على شاكلته. لأن تسيبار ليس هو الحقير الوحيد في نوعه. هو في نهاية الأمر مظهر من محاولة واسعة للغاية لمحونا. لجعلنا شفافين. لجعلنا ديكوراً يمكنهم التنهد حسرة عليه والشكوى من أن كل شيء هو شرقي هنا، وكم أنهم يعانون من هذا وكم يصارعون من أجل الإبقاء على الوجه الأوروبي لدولتنا المتدهورة.
انظروا انظروا. ها قد أصابته زغطة. يحبسها بفمه ويعيدها لحلقه، لأنه فقط البربريون من أمثالنا تصدر منهم الزغطة إلى الخارج في صخب. يبدأ في النقر على الطاولة بنفاد صبر، مترقبا الحساب. أكره الناس الذين يدقون على الطاولة بنفاد صبر. هذا أمر غير مهذب وفق أي معيار. ولكنه مسموح بالنسبة له.
فهو من أجل هذا ينزل إلى الشعب، لأجل الاستمتاع بفظاظة الناس العاديين، والذي يصدرون الزغطة بدون حساب ويتحدثون بعبرية ريانة متبلة بكلمات مثل "أخي" و"كفارة". كل هذا يمكنه أن يخدم تسيبار في كتابته. لنفترض أنه لم يكن لديه غدا موضوع لمقاله الأسبوعي الضحل والممل. عندئذ سوف يتذكرنا، نحن الشعبيين، وسيكتب بالقدر المناسب من التعاطف الممزوج بالاحتقار عن التشوهات التي أصابت عبريته الغالية.
من هو المتوحش هنا؟ نحن أم هو؟ هو مقتنع بأنه هو النموذج، الكامل، المركز، ونحن المتوحشون الذين هبطوا لتوهم من فوق الأشجار. وهو يأخذ على عاتقه وظيفته التعليمية بدون أي حس ساخر. يقوم هو بتشغيل سخريته على كل شيء بخلاف نفسه.
دفع الحساب وقام. لاحظ أنني أتطلع به وهز رأسه محيياً. خرا مثلك. وجهك لا يزال مغلقا. حركة الرأس التي أومأت لي بها كانت حركة ميكانيكية قصدت أن تقول بها: "أنا أستهين بك، ولكن المتحضرين مثلي يتعاملون باحترام حتى مع القرود. حركة الرأس هذه ليست شيئا شخصيا ولا تخدع نفسك بالظن أنها تدل على أي نية من جانبي للتقرب منك." هو لا يعرفني في الحقيقة. هو لا يتذكر في الحقيقة. وربما هذا هو الأفضل. سوف تكون له فيما بعد فرصة للتذكر. سوف يندهش عندما أحكي له أنني جلست أمامه في مطعم حمص ولم أقدم نفسي. "لماذا فعلت هذا؟" سوف يسألني بدهشة. الناس على شاكلته غير قادرين على فهم أنه حتى نحن لدينا رغباتنا الضارة، وأننا نستمتع بالتربص بمفترسنا ولحس شفتينا في رضا وتخيل طعم اللحم الذي مازال بعض منه مغروزا بين أسناننا. ثم رأيت أنه ترك بقشيشا سخياً، الخرا المسكين. هذا التعاطف، الذي يثير الاستفزاز، على كل "المساكين" من وجهة نظره، فقط لكونهم يعملون في مطعم حمص وليس في جريدة، هذا التعاطف يخرجني عن شعوري. هو أكثر سوءاً من البخل. أفضل ألا يترك بقشيشا أبداً. في هذه الأماكن البقشيش مرتبط بالسعر. إذن فهو يلعب هنا دور السخي المعروف.
قام وخرج. جذب البنطلون الذي انزلق من تحت كرشه لأعلى وغرز بداخله القميص الذي خرج عن البنطلون من الخلف. وقف وألصق يديه بوسطه للحظة وفرد ظهره. ثم بدأ في السير مع الرصيف الضيق لزقاق المصنع.
انتظرت قليلا ثم خرجت في أعقابه. سار بثقل كشخص ما على وشك فقدان توازنه، ومن حين لآخر كان يمد ذراعيه إلى جانبيه من أجل عدم التعثر في صف الموتوسيكلات الحديثة بجراج موتوسيكلات سوزوكي، والذي أغلق المعبر واضطره للهبوط إلى الطريق. من ظهره بدا أكثر كهولة من عمره الحقيقي، عجوز تقريباً، يثير الشفقة تقريبا، برغم أنني لا أشعر بالشفقة تجاهه، تجاه هذا الكائن القذر. تمنيت له أن يتعثر. ولكن ألا يكسر شيئاً ما. ليس بعد. في هذه المرحلة يكفي أن يتوسخ بنطلونه بالتراب، فقط كتذكرة له بأنه ليس إلا كائن من لحم ودم، وأنه سيعود للتراب مثلنا جميعاً. سرت وراءه وقلت لنفسي: "سأدعه يسير بهذا الإيقاع البطيء الذي يسير به. في نهاية الأمر يمكنني تعقبه ودفعه بخفة من جانبه، كأن الأمر غير متعمد. ولكنني لن أفعل معه هذا لأنني لست حقيرا مثله وأيضا لأننا، نحن القرود، نحترم كبار السن ولا نتعقبهم في الجنوب."
أعرف أنه يشعر بأن شخصاً ما يسير من خلفه وأنه يعطله. يحاول إمالة رأسه للخلف كي يرى من هذا، ولكن رقبته العجوز والمتحجرة، مثل رقبة قرد عجوز، لا تسمح له بفعل شيء أكثر من التحول جانباً ثلاثين درجة.
قبل دخوله إلى البيت رقم 22، قبل لافتة معهد الكرة بقليل، توقف والتصق بالباب وأشار لي بيده أن أسير وراءه. لم أسر وراءه. مد ذراعه اليمنى إلى الخلف وتحسس منطقة مؤخرته كي يطمئن أنه لم يتم نشله. اندهش أنه لم يشعر بحضوري ينفخ في قفاه. غطى بيده عينيه أمام الشمس وتطلع إلى شيء ما أثار فضوله في السماء، ربما سرب من العصافير الجائلة من أوروبا، مهد حضارته.
"حاول أن تتذكرني"، هذا ما خططت لأن أقوله له أثناء مروري به. في هذه المرحلة ضيعت اللحظة. فرصة أخرى يا ابن الشرموطة. في هذه الأثناء سأواصل بلورة وتنميق كل كلمة من كلمات الحوار الذي سيدور بيننا عندما تأتي اللحظة المناسبة للتعارف. مثلما كان الأمر مع يوسف وإخوته قبل تعارفهم. كان لدى يوسف أبينا صبر الجبال كي ينتظر مجيء هذه اللحظة. "حاول أن تتذكرني"، ستكون هي كلماتي الأولى. سوف يقول لي: "من أنت؟" أو ربما: "من أي مكان أعرفك؟" سوف أجعله يتوتر قليلاً. ليس أكثر مما يجب، حتى لا أدمر التوتر. سوف أرمي له علامة أولى. علامة بسيطة. سأقول له: "شفياه"، "شفياه". سأعطيه وقتا للتركيز كي يرى أمام عينيه وادياً مصمتاً، فاغراً، كبيراًً، بين الجبال، وصفوفاَ ومربعات من الأخضر والبني والأصفر. عنباً. كان هناك عنب. ولمحة عن نايلون الصوبات ، التي تبدو من بعيد مثل مخازن مياه مجمدة. في شفياه، في مدرسة البنات التي كتب بياليك عنها قصيدته "إلى بنات شفياه"، عام 1971، شاركنا في مؤتمر لجنة الطلبة من جميع الجامعات في البلد. نعم، كنتُ طالباً، ولو للأدب العام. شفياه. كان الجو حاراً هناك، لأنه في كل العالم فإن الطلبة يثورون، وفقط نحن كنا أطفال القدس الجيدين، الذين يطيعون الأوامر عندما يؤمرون بالتجند في الجيش ولا يفكرون أكثر من اللازم في النتائج.
جولدا مائير زارتنا لتلقي هناك محاضرة، رميتُ عليها بيضة مسلوقة تبقت من الإفطار وحفظتها في جيبي. ربما يتذكر إذا قلت له "بيضة مسلوقة"، لأنه كان عليه أن يقذف البيضة الثانية، ولم يقذفها. برغم أن الخطة كانت خطتنا نحن الاثنين، وأننا عملنا على أدق تفاصيلها ليلا، في الغرفة. قال لي: "في البداية اعتقدت أنها نكتة وكنت واثقا أن كل شيء هو دعابة منك وأنه بديهي أننا لن نكون أغبياء لدرجة قذف بيضة مسلوقة على رأس جولدا." خائن.
سوف أقول له في النهاية "خائن" بوقاحة. وعندئذ سيستوعب. سوف يقوم مخه فجأة برحلة العودة الطويلة تلك بصحراوات الذاكرة إلى الوادي الفاغر بين الجبال وإلى الليلة إياها، والتي ضجت بالبعوض وكل أنواع العثة. ورائحة زبل الطيور، رائحة الطليعيين الذين لا يخونون أهدافهم برغم الحرارة الثقيلة والعثة والبعوض. أعددنا خططاً لتحريض الشباب على الثورة على هذا النهج. تبادلنا الأراء عن داني الأحمر[2]، عن مسرح العبث وبيكيت، عن يونسكو. خائن. خائن. كم كنت مغفلاً. أعجبت به. كل الكتب التي ذكرها لي ذهبت لقراءتها. قرأت سارتر، قرأت ماركيوز، قرأت كارل ماركس.
جولدا حتى لم تتلق البيضة في رأسها. سقطت البيضة بين الجمهور، بين الصفين الثالث والرابع، شيء ما كهذا، وانفجر الجميع في الضحك. واصلت جولدا إلقاء محاضرتها بلا توقف. لم تندلع ثورة طلاب إسرائيل. وأنا أتهمك، أيها المحافظ البائس. على شخص ما أن يكشف عن وجهك الحقيقي المختبئ خلف قناع المحارب الذي ترتديه. وإذا تطلب الأمر أن يمزقه من على وجهك مع جلدك، وأن يشرب الدماء، فلن يهمني. انظروا إليه. سمين كالخنزير، راض عن نفسه، يخطب وده جميع الجميلين المسحورين به وباستفزازيته. كله على الورق، يا ابن الشرموطة.
تسيبار:
(بصوته، كما سجلته مسجلة مراسل "معاريف"، رُويْ وولمان، جزء من الحوار تم نشره في الصحيفة).
آفي ألمكييس، هذا هو الاسم، إذا كنت أتذكره جيداً. وقد يكون إلكابتس. أتعثر بأسماء كثيرة جدا ويمكنني الخطأ. كان أكبر مني سنتين أو ثلاث. كنت في السنة الأولى وهو كان في السنة الثالثة وكنت أنظر إليه كأنه الله. كان وسيما في نظري. عينان بنيتان داكنتان تصوبان إليك نظرات نافذة، وشعر أسود. كنت وحيدا في نهاية الأمر، لم أعرف أحداً في الجامعة، أغلب الوقت كنت أقضيه بالمكتبة. عندما اقترب مني وبدأ في محادثتي شعرت بفخر شديد لأن شخصاً ما قد انتبه لي، وأنني أساوي شيئاً. كان يدخن وأنا لا. أعتقد في نهاية الأمر أن ما جذبني إليه كان رائحة السجائر التي انبعثت منه، وأنه قد يكون مدمنا بدرجة معينة. اقترح أن نذهب للسينما سوياً. عندئذ كانت موضة وودي آلان قد بدأت وهو يموت في وودي آلان. ذهبنا لمشاهدة "كل ما ترغب بمعرفته عن الجنس ولم تجرؤ على السؤال". كان هناك مشهد لشخص ما يمارس الحب مع عنزة، لو كنت أتذكر بشكل سليم. هذا لا يفرق. الرسالة هي أن كل شيء متاح. كل ما يمتعك متاح. عندما خرجنا من الفيلم، سألني: "ماذا تقول؟" قلت: "أنا أيضاً أريد ممارسة الحب مع العنزة." فتح أزرار قميصه وأراني شعر صدره الكثيف. "أنا عنزة"، قال. لم أعرف ماذا أقول. سكت. كنت لا أزال ساذجا بشكل رهيب. لم تكن لدي أية مشكله مع جسده ولا معه. بدا لي رمزا للصحة النفسية. كان يحكي لي عن الفتيات التي كان معهن.
مكان اللقاء الثابت لنا كان في كانتين سائقي التاكسيات في أينشتاين ناصية بارت. بدت لنا رامات أفيف عندئذ كمدينة تنمية في قلب الرمال، وهذا الكانتين كان المحطة الأخيرة قبل السهول اللانهائية التي كانت متجذرة في الشمال، منقطة بعدة جزر مستوطنة. كنت آتي محملا بالكتب من المكتبة المركزية، وكان يأتي هو بالقصص. أحياناً كنت أطلب بيرة. وقتها كان شرب البيرة هو أقصى ما وصلته من جرأة. جاء في أحد الأيام وأعلن أنه سيتزوج. سألته: "بمن؟" أجاب: "لا تعرفها." كان عصبيا وكان يشعل سيجارة من طرف سيجارة. تعصبت للغاية ولكنني قلت له أنني سعيد لسعادته وسوف أسعد بلقاء العروس. فقط عندئذ فهمت أنني لا أعرفه في الحقيقة ولا أعرف خلفيته. حكى لي أن والديه غير راضيين عن قضائه وقته في الدراسة الزائدة بالجامعة. أبوه أراده في العمل العائلي. كانا يونانيين، لم يكونا ناجيين من الهولوكست بالتحديد. فقط يونانيين، رغم أن الأم كانت إشكنازية، إذا لم أخطئ. هذا لا يفرق. عندما رأيت العروس فكرت أنها غير جميلة. ليست قبيحة ولكنها أيضاً ليست جميلة. قلت لآفي أنها "لطيفة جداً". قال لي أنها دافئة، وغمز بعينيه.
بالنسبة لي كان كل هذا ساحراً. كان هذا هو لقائي الأول بالحياة الحقيقية لأناس حقيقيين ليسوا أدباء. دعاني لحفل الخطوبة. بدا لي أبواه عصبيين من فرط الخوف وكان يتصرف بشكل مضطرب تماما عندما يكون برفقتهما ويدخن ويزعق طول الوقت. كان مختلفا تماما عن الوضع الذي رأيته عليه عندي في البيت، والذي كان بيتا إشكنازيا وهادئا ومرتباً. جلس الضيوف هناك حوله في الصالون. خلعت خطيبته خاتم خطبتها الجديد، الذي أعطاه لها آفي، ومررته على الضيوف، ولدى كل منهم كان هناك شيء يقوله عنه، سواء كان تهنئة أو دعابة تافهة. وعندئذ تساءل شخص ما: "ما الذي اشتريتيه للعريس." استل آفي من جيب قميصه قلما ذهبيا مرصعة رأسه بألماسة. وقام القلم بجولته بين الضيوف. في النهاية سألتُه إذا كان سيستمر في الجامعة على الأقل حتى نهاية العام. ربت على كتفي وقال: "أكيد، أكيد"، ولكنني رأيت أن ذهنه كان في مكان آخر.
اللقاءات في أينشتاين ناصية بارت صارت نادرة. أصبح يحدثني عن حمويه، وعن المشاكل التي يتسببان فيها في موضوع المشاركة بتكاليف الزفاف. حاولت إبداء اهتمام بهذا، ولكنني في النهاية شعرت بالملل من هذه القصص. ذات يوم أمسكت يده في وسط كلامه وهتفت بشكل طفولي: "بعد الزواج، هل ستسمح لك بالذهاب معي للسينما." احمر وجهه قليلا. ثم قال: "لا تقل لي أنك تغار. أمي تغار علي وهذا يكفيني." جذبت يدي وأملت رأسي. قلت: "أنت تفهم بالضبط ما أقصده.". قال: "نعم".
آفي إلكايام:
(متأخرا أكثر، بالتليفون)
تريد التبول، أم ماذا يا تسيبار؟
تسيبار:
سيدي، كم مرة سأكرر أنني لا أعرف عم تتحدثون؟ لم أستلم أية قصة من النوع الذي تصفونه. ما أقترحه عليكم هو أن تفحصون إذا كنتم قد كتبتم العنوان السليم لهيئة التحرير. ربما عاد الخطاب وهو ينتظركم الآن في فرع البريد. صبري بدأ ينفد، لدي أشياء أخرى لأفعلها غير الاستماع لاتهامات بلا نتيجة. لا، يا سادتي أنا لا أنشر فقط للشعراء الإشكناز. أنا أنشر ما يعجبني وما يبدو لي مناسباً وجيداً. وإذا كان بالصدفة كاتب القصيدة إشكنازيا، فالله يبارك له. أنا رجل رسمي. نعم. من وجهة نظري، الجميع مقبولون طالما أنهم يكتبون جيداً. ما الذي أعتبره كتابة جيدة؟ هذا سؤال غير سهل. أنا أبحث عن كتابة فيها لمحة من العبقرية. بدلا من هذلا فأنا أستلم مرارا وتكرارا نفس المادة المريعة وأعيدها مرفقة ببطاقة مهذبة، وأنتم لا تفهمون الإشارة الخشنة وتعودون لتجربة حظكم. تخترعون لكم أسماء جديدة وهويات مختلفة كي لا أعرفكم. أنا أشم عدم موهبتكم من على بعد كيلومتر، برغم الشكل الذي تكتبون به العنوان على المظروف، وبرغم خطكم. حسب السطر الأول الذي يخرج من تحت يدكم. الأمر الرهيب أكثر من أي شيء آخر هو تباهيكم بالتفكير في أن شخصا ما عليه أن يقرأ أكثر من سطر واحد منكم للتأكد من طبيعة كتابتكم الغبية.
رغبتكم في أن تكونوا أدباء. من أدخل في عقولكم العصافيرية أنه يكفي الركض وراء أديب وكتابة كتاب كي تكونوا أدباء؟! لكم مرة سأكتب وأكرر الشرح، أن الأديب قبل أي شيء عليه أن يرفض أن يكون أديباً. عليه محاربة هذا الميل بكل قوته كي يكون مناسباً لحمل اللقب. فقط بعد أن يتضح له بدون أدنى شك أنه لا يستطيع مقاومة المرض وأن أي انفطام لن يداوي إدمانه، فقط عندئذ. وحتى هذا ليس مؤكداً.
إلكايام:
نسيتني، نسيت نفسك يا تسيبار. غبت عنك في عالم النظريات وأنا طول هذا الوقت داخل عالم الأعمال الصلب، حافظت في عقلي على صورة لكلينا ونحن نخرج من سينما "مغربي" ونسير باتجاه سوق بتسلئيل لشراء فلافل. حكيت لك أنني كنت في حمام ليلي مع شخص ما. سألتَني بفضول إذا كنا عريانين. حكيتُ كل شيء بأدق التفاصيل. في الواقع فلم أكن في أي حمام ليلي. تخيلت هذا بشكل ناجح تماما لدرجة أنني بدأت في الاقتناع بالكذبة واستمررت فيها واستمررت. ألا يدل هذا على أنني أديب جيد؟
تسيبار:
سينما "مغربي" اختفت، وما الذي تبقى من سوق بتسلئيل؟ وحلوى كبولسكي في شارع اللنبي، حيث في الشتاء تستقبلك رائحة المعاطف المبتلة لدى دخولك وفي الصيف يغطي بخار البرد الفاترينا التي تكشف عن فطائر الكريم. والبحر، هناك بالأسفل، كان لا يزال قريبا جدا من أعمدة التنزه، وفي أيام العاصفة كان يغرق الرصيف ويقطر رذاذا وحشيا على النظارات. كل موجة كانت قارباً محطماً، محملا ب لفات الأقمشة الدقيقة، البيضاء والزرقاء والخضراء والبنية والرمادية، وفي المساء تصبح حمراء وبنفسجية. ولكن قل لي أنت، يا إله الزمن الذي يمر بلا عودة: هل صحيح أنه لكي أظل شخصاً صادقاً ومستقيماً مع نفسي، فعلي تجديد العلاقة مع هذا الأحمق، الذي يتعقبني كظلي وأنا أحاول التظاهر بأنني لا أذكره.
أنا كبير السن الآن، ذاب سحري الذي كان يتدفق مني في تلك الأيام. أنا تغيرت أيضاً، نظرتي للعالم تغيرت. هذا هو الأمر، انتهى. كلنا قام بخطوات معينة، وعلى حدة. لستُ متعالياً أو متكبراً. في لحظات المعاناة، ربما تبدو النفس أمام الخارج وكأنها متسامية جدا، ولكن هذا ليس إلا وهما. بخلاف هذا، انظر كيف تلبس، يا إلكايام. بنطلون تريننج وتي شيرت مبطن، يبرز رقبتك المجعدة فحسب. في سننا لا نسير بتي شيرتات يا حبيبي. وبالتأكيد ليس ببنطلونات تريننج. أنا أراك تتشاجر مع زوجتك. تزعق، وهي صامتة، أو ربما ترد عليك بالزعيق، أو تبكي، وأنت تترك البيت صافقاً الباب وتخرج للتدخين، لأنها لا تسمح لك بالتدخين في البيت. رائحة السجائر لا تكيفها. وحتى مغادرتك المنزل بشكل درامي لا تكيفها. لفترة ما ترتعد رقبتك المجعدة غضباً. لا تتوقع مني التعاطف. في رأيي، لم يكن عليك الزواج شابا لهذه الدرجة، لم يكن عليك الاستسلام لوالديك وللمال ولبريق الكريستال. لو كنتَ قد سرتَ في الطريق الذي تراه مناسباً، لكنت قد أصبحت اليوم شخصا ما من المفيد إجراء حديث معه. بدلا من هذا أصبحتَ عبئاً محبَطاً يظن نفسه مثقفا ومتحضراً.
زوجة إلكايام:
آفي، ماذا أعد اليوم للغداء؟ هناك شنيتسال أو لحم مطحون مع باستا. ولكن البيوريه انتهى. أحضر اثنين لبن وأنت راجع.
إلكايام:
قل لي يا تسيبار، صحيح ما يقولونه عنك من أنك مثلي؟ بالأمس تناقشت حول هذا مع شخص قال لي أنه قرأ في مكان ما أنك مش مظبوط[3]. قلت أن هذا غير ممكن وأنني أعرفك أفضل مما تعرف أنت نفسك وأنك قلت هذا لأجل الاستفزاز. أصر وقال أن هذا مكتوب، قلت له أن يغلق فمه. ولم يغلق فمه فبهدلته. إذن كرر، يا تسيبار، أنا أطلب منك، لأنه إذا كان هناك من لا أحتملهم أبداً فهم هؤلاء المثليين الذين يتحدثون مثل المثليين ويتحركون مثل المثليين ويريدون طول الوقت أن يلفتوا النظر إليهم. يا تسيبار، أنت تجلب على نفسك الأزمات. أنا لا أفهم أبدا ما هي القصة الكبرى في أن تكون مثلياً. إذا كنت فعلا تنوي أن تكون مثليا، فكن على علم أن حياتك في خطر. لأنه شخصياً، يؤذيني أنك خدعتني وأكاد أجن فقط من فكرة أنه كان لي ذات يوم صديق مثلي وأننا أكلنا من نفس الطبق وشربنا في نفس القهوة وعرّفته بزوجتي وحكيت له أشياء عني وطول هذا الوقت كان مثلياً. أنا أرتجف من فكرة أنك فتحت مؤخرتك لرجل. أشعر أن فمي يتوسخ فقط من هذه الكلمة. الآن، اسمعني يا تسيبار. كن عملياًَ ببساطة، إذا أردت ألا يحدث لك أي شيء سيء، ففكر في الفرصة، لا تنقصك فرص الكتابة، واعلن بشكل علني أنك لا، لأجل إزالة الشكوك. وحتى لا أسمع مرة ثانية عبارة "مش مظبوط"، تخرج بسخرية من فم شخص ما.
يشكو نسيبار للشرطة من إلكايام بسبب خطاب التهديد. الخطاب لم يثر انطباعات قوية لدى الشرطة، ولكنها تدعو إلكايام للقِسم، وهناك يأخذه أحد الضباط لحوار بين الرجال، ويخبره بأنه إذا هدأ، في رأيه، فسوف يرى الموضوع منتهياً. يتعهد إلكايام بالابتعاد عن تسيبار. ويدعو الرب في قلبه بأن يحرق تسيبار. يسمع الرب كلام إلكايام، ويقرر فرض السلام بين الاثنين.
كلمة الرب:
درست واكتشفت أن تسيبار وإلكايام يوشكان على شراء خبز من نفس المخبز الحديث في شارع إيفين جفيرول، غير بعيد عن المدينة، والتي على خلفيتها يتردد صدى كونشرتي لبيانو رحمانينوف وموتسارت. استاء إلكايام جداً في ذلك اليوم. وجهه كان شاحبا للغاية. لم يكن وراء هذا سبب معين، بخلاف رغبتي في أن يبدو هكذا. تسيبار، الواقف إلى جانبه، طلب من البائعة، التي ترتدي طاقية الشيفات البيضاء المصنوعة من ورق وقفازات نايلون شفافة، الخبز سبعين في المائة شيفون الذي طلبه إلكايام. قالت البائعة: "آسفة، لقد طلب السيد الرغيف الأخير قبلك." اضطر تسيبار عندئذ أن ينظر إلى السيد الذي تتحدث عنه وذهل لشحوبه. وقال إلكايام لتسيبار: "من فضلك، لا يهمني التنازل عن الخبز من أجلك." وقال تسيبار لإلكايام أنه غير رأيه وأنه في الحقيقة يفضل الخبز القروي الفرنسي المصنوع كله من القمح. لدى البشر مواضيع يردون عليها منذ أن لعنتُهم وفرضت عليهم الأكل من عرق جبينهم.
"أهذا أنت؟"، تساءل إلكايام بنبرة مترددة في الظاهر، لأنه واقعيا كان يعرف بوضوح أنه هو. وهتف تسيبار: "آفي!" وقال في قلبه: "إنه يبدو كمصيبة. أتمنى ألا يموت هنا من فرط التأثر". وبصوت عال: "ماذا حدث معك؟ كل هذه السنوات. لم تتغير أبداً." عندما صافحا بعضهما البعض، لاحظ تسيبار أن يدي إلكايام دافئتان ولاحظ إلكايام أن يدي تسيبار باردتان مثل يدي الميت. "أنت بارد كالثلج"، قال إلكايام. وقال تسيبار: "أنت تبدو مثل شخص ما مصاب بالأنفلونزا." غرز إلكايام عينيه الواسعتين في تسيبار وانتظر أن يقول شيئا ذكياً وحكيماً يُنقش في ذاكرته. لم يفعل تسيبار غير أن يتساءل مرارا وتكرارا: "كل شيء على ما يرام؟" وفي النهاية انهار إلكايام وقال: "راحيل، زوجتي، ماتت من السرطان قبل أقل من شهر. ألم تر؟ نشرت إعلانا في هاآرتس." هز تسيبار رأسه بالسلب. وقال في قلبه شيئا ما ساخراً، لا يمكن قوله بصوت عال، إذن فأخيرا نُشر لإلكايام نصٌ بقلمه في هاآرتس.
"سمنتَ قليلا"، قال إلكايام. تسيبار يكره من يلاحظون سمنته لأنها نقطة حساسة لديه، ويدعي أن ملاحظات كتلك تكشف قلة ذوق من يلاحظ. ولكنه سامح هذه المرة وقال: "من يأكلون خبزا كل يوم هم أصحاء." وتساءل برقة، وذوق شديد، إذا لن يزعج حداده أن يجلسا لشرب شيء ما في القسم المخصص لهذا من المخبز. لم يستطع الامتناع عن الملاحظة: "لأنني أعرف أنه لديكم تحرصون كثيرا على طقوس الحداد." بهذه الملاحظة، اعتقد تسيبار أنه ينتقم من آفي لزواجه من امرأة لم يحبها ولاستسلامه لأوامر عائلته اليونانية. أدرك آفي بالضبط الضربة من تحت الحزام ورد عليها: "قل لي، أتمنى أن تكون مستريحاً مع حياتك المضطربة." تساءل تسيبار عن قصده. شرح إلكايام: "المثليون وكل هذا. طول الوقت اسمك في عناوين الأخبار. أفهم أنه ليس لديكم سن معين لهذه الأشياء." أراد تسيبار أن يقول شيئا ما ولكنه كبح نفسه. بدلا مما أراد قوله، قال: "كنت أريد تحقيق الثورة التي حلمنا بها عندما كنا طلبة ولكن هذا ما حدث. أنت أمسكت نفسك في اللحظة المناسبة وقفزت من القطار وتزوجت وأصبحت برجوازياً." "أنا أصبحت برجوازيا؟" ثار إلكايام، "أنا لم أحقق الثورة؟ بحياتك، من قذف البيضة المسلوقة على جولدا، أنت أم أنا؟ لا تأت الآن وتشوه الحقيقة." أمال تسيبار رأسه. في النهاية خرجت منه كلمات: "تعرف بالضبط ما أقصده." قال إلكايام: "لا، لا أعرف." وتسيبار، بعينين مليئتين بالدموع: "كنت أحبك. كنت أرغبك. وأنت هربت من كل هذا إلى الزواج."
الألم كان مازال حياً وقاطعاً داخل تسيبار. هو نفسه لم يستطع تخمين مداه. سكت إلكايام. فجأة انتظم كل شيء في رأسه. لهذا تجاهله تسيبار طول هذه السنوات. كان يمكن لكل شيء أن ينصلح قبل خمس وثلاثين عاماً. بدون قصد، خرجت نهاية فكرته بصوت عال: "بسبب مصة لم تحدث، أليس كذلك يا تسيبار." ابتسم تسيبار ابتسامة خجول وأومأ برأسه. إلكايام، من جانبه، عاد ليصبح الصديق المحبوب في السنة الثالثة، الذي يعرف كيف يصيغ الكلمات بحدة وشجاعة. واصل إلكايام. قال: "نحن نعيش في خيالات، طول الوقت، كل الحياة." ارتشف تسيبار رشفة قهوة وقال: "لم تشرب القهوة حتى الآن. برِدَتْ." وبدون انتظار انتقل للموضوع الآخر، لأنه رأى إلكايام يشعل سيجارة: "لا تزال تدخن كما كنت سابقا؟ هذا ليس جيدا لصحتك."
إلكايام: ولكن اعترف أنه يثيرك. قلت لي مرة هذا.
تسيبار: أنا قلت لك شيئا كهذا؟
إلكايام: نعم. في شفياه. هل تذكر تلك الليلة؟ الحجرة التي تكاد تنفجر من فرط التوتر. تعتقد أنني لم أستوعب؟ لففت ودرت مع كل الرموز. أشرت إلى كاتب ما مثلي.
تسيبار: أندريه جيد.
إلكايام: وإذن، كل شيء يبدأ وينتهي بالقضيب.
تسيبار: هل يمكنني لقاءك مرة أخرى يا آفي.
إلكايام: قم، تعالي نذهب من هنا.
تسيبار: إلى أين؟
إلكايام: لا أعرف، هل تذكر الكانتين في رامات أفيف؟ كان مكانا لطيفا. رأيت أنه تم تحويله أيضاً إلى شيء مبهرج.
وجد كل منهما طريقه لقلب الآخر. وهكذا أيضا انتهى تدخلي في هذا الأمر، كلمة الرب.
سقط تسيبار في الفخ الذهبي الذي أعده له إلكايام ووافق على الصعود معه إلى البيت. قبل أن تمرض زوجته، انتقل إلكايام معها لشقة أبويها في طريق عمانوئيل الرومي. فكر تسيبار في أن هذه الشقة مشبعة بمذاق صادم ولكنه لم يقل شيئاً. بحماقته كان لا يزال يأمل أن يحدث شيء ما، عندما قال له إلكايام أن ينتظره قليلا في الصالون. عاد إلكايام ومعه ملف ثقيل يحوي إبداعات من أنواع مختلفة، قصائد، قصصاً، مقالات، تقارير، خواطر. أخذ تسيبار الموضوع بجدية وبدأ في التصفح والدراسة والتقسيم لمجموعات "جيد جدا"، "متوسط" و"سيء". بعد الفهرسة الأولية، أخذ مجموعة الـ"جيد جداً" وبدأ في غربلتها هي أيضا. في النهاية تبقى نص واحد قرأه باهتمام. "إنه شيء جيد جداً." قال في النهاية لإلكايام، الذي جلس منغمساً في الكرسي ينتظر الحكم. "ما هذا؟" تساءل إلكايام ومد يده إلى مجموعة الأوراق. وعندما رأى ما هذا، هتف: "لن أوافق أبدا على نشره."
"هذا هو الشيء الأفضل بين كل ما رأيته حتى الآن"، قال تسيبار.
"أنا أفهم بالضبط لماذا أحببته، ولكنني لا أستطيع، بحياتك، لدي ثلاثة أولاد وحفيدان."
"توقف"، قال تسيبار.
"لا يمكنني أن أفعل هذا لذكرى راحيل"، قال إلكايام.
"جيد"، قال تسيبار، "أنا بالتأكيد لست ذلك الرجل الذي يجعلك تدنس ذكرى زوجتك."
قام قائلاً أن عليه العودة للعمل. اتفقا على اللقاء من الآن وعلى احيان أكثر تقاربا. وكلاهما كانا يعرفان أن هذا كذب.
________________________________________________
صور بني تسيبار هي لدان كينان وهي منشورة في الأصل بصحيفة يديعوت أحرونوت
[1] التعبير الذي استمعله الكاتب هو "التعبير بالحاء والعين"، في إشارة إلى الحروف التي لا يستطيع إلا اليهود الشرقيين في إسرائيل نطقها ، وهو ما يشير إلى تدني اللكنة.
[2] الاسم المعروف به دانيال كوهين بنديت، واحد من قادة اضطرابات الطلبة عام 1968 في فرنسا. الآن هو رئيس المجموعة الخضراء ببرلمان الاتحاد الأوروبي.
[3] التعبير الأصلي يعني "خرجت من الصندوق"، ولكنه في العامية العبرية يشير إلى أي ميل جنسي غير ما تم التعارف عليه بوصفه الميل "الطبيعي"، وبالتالي تدخل في ذلك المثلية الجنسية.
هايل يا استاذ
ReplyDeleteVery impressive story and translation.
ReplyDelete