Friday 15 January 2010

لا زلت أحب وأحيا، لا زلت حمقاء: محبات ليئا جولدبرج

ليئا جولدبرج

ترجمة: نائل الطوخي


بمناسبة مرور أربعين عاما على رحيل الشاعرة العبرية الكبيرة ليئا جولدبرج، ننشر هنا فقرات من يومياتها.

هذه الفقرات من يومياتها منشورة عام 2005، أي بعد وفتها بخمس وثلاثين عاما، وأثارت لدى نشرها جدلا كبيرا، تمحور حول سؤال إن كان يمكن أن تنشر على العلن تفاصيل حرص صاحبها على إخفائها طيلة حياته، خاصة أن كثيرا من هذه اليوميات يصف علاقات مرت بها ليئا في حياتها، ومشاعر حب كانت تكنها تجاه أشخاص بعينهم.

***



حب ليئا جولدربرج لطبيب الأذن الخاص بها، د. رودي فيرت


31.7.55

بالأمس، عند الفيرتيين (عائلة فيرت) في الحديقة. جيد أنني سأغادر تل أبيب. لدي جميع الفرص لكي أكون مثيرة للسخرية. لم أرغب حتى في كتابة هذا، ولكنني لم أستطع.

لم أنم في الليل.

أسمع برجوازيا صغيرا يقول: "يا للشعراء"! البرجوازي الصغير معه حق. الفعل هو مركز الاهتمام، خارج أي قصيدة. النموذج الأكثر ابتذالا لهذه المرأة التي تحب في سن الرابعة عشر مدرسها وفي سن الرابعة والأربعين تحب طبيبها... ولكن شعور التحجر لا يخص إلاي.

أهذا عزاء؟ أم تبرير؟

لو كنت قد بدأت، فسأكون صادقة مع نفسي إلى النهاية، ربما يكون هو الرجل الوحيد الذي أريد الزواج به. آمل أن تتبخر هذه المشاعر بعد أيام أو أسابيع.

بيننا تعاطف عميق للغاية – هذا هو ما سيتبقى.. مثلما كان الأمر دائما.

بعد الظهيرة

كل هذا مرعب ورهيب. أنا مضطرة لشرح شيء، على الأقل لنفسي. فهذه الأوراق يمكن اقتلاعها من الكراسة. كنت أثق ثقة كاملة في أنني لن أعود لكي أكتب أبدا حماقات كتلك. والآن ها أنا نفس البنت ذات الخمس عشرة عاما.

أعرف جيدا على أية هيئة رآني ر. (د. رودي فيرت) على طاولة التحليل. بدون أسنان. أعرف جيدا كيف تنظر لي الممرضة الجميلة المساعدة. أعرف آلاف الأشياء الأخرى، ولا أوهم نفسي بأشياء. ولكنني مجنونة تماما. أعرف أنه برغم هذا فهو لم يتحدث بالأمس إلا لي، وكل البقية لم يكونوا موجودين بالنسبة لنا، رأيت بأي عينين دافئتين وطيبيتين تطلع لي عندما حدثته عن أمي. رأيت وسمعت كيف ضحك لأي نكتة أقولها. هذه أيضا حقيقة. وأنا لا أبالغ، في هذه الأشياء أنا لا أبالغ أبداً. بالعكس، تعودت على أن أعتقد أنني أتخيل أشياء. ولكنني هذه المرة لم أكن أتخيل.

برغم هذا، إذا فكرنا في الأمر بفكر صاف، فمن الواضح أنه لن تخرج من هذا "قصة حب" سطحية. وهذا جيد. والآن، للمرة الأولى في حياتي، أقول: أدعو الله ألا يكون هذا إلا موضوعا شعريا. أتمنى ألا أعاني، أتمنى أن يكون هذا مجرد جنون عابر، أتمنى أن لا يكون هذا إلا شهادة على وجود شيء مازال شاباً بداخلي (أو – على العكس، هل تحب العجائز هكذا؟) وأنا، مع كل هذا، سوف أقوم بحركة جنونية وأرسل له "الحرب والسلام" اليوم. ليفسر الأمر كما يعجبه.

لماذا لا أرتكب حماقات. لا زلت أعيش. لا زلت أحب. لازلت حمقاء كما كنت دائما.

صوته غير الناضج eine schleppende Stimme – صوت "رخيم" بالألمانية – مضحك، كل شيء، كل شيء يعجبني فيه.

سوف أقطع بعد فترة ما هذه الصفحات. سوف أقرأها ويحمر وجهي وأقطعها.

- نعم -

9.9. 55

لن أقطع هذه الصفحات من الكراسة. لماذا؟ كل ما كتبته هنا أصبح غير مهم بعد يومين. ربما يبهجني قليلا عندما أعود وأقرأه فيما بعد.


ليئا لجولدبرج ليوسف أوفين (غير مؤرخ)


العزيز يوسف

اليوم استلمت خطابك الذي جاء من خلف كل هذه المسافة البعيدة، ليست المسافة الجغرافية لـلـ"حولاه" فحسب، وإنما، على ما يبدو، الأمر أكبر من هذا. عرفت أنه لا يمكن أن يكون الأمر على غير ما هو عليه الآن، ومع كل هذا فأنا حزينة. وحتى الكلمات الأخيرة عن قصائد "شخص قريب" تبعدني مسافة أدبية ما. عرفت، أنه لهذا لم ترد على خطابي الأخير. كان أحمق للغاية هذا الخطاب. كيف حدث لي هذا الأمر؟ أنا، التي دائما ما كنت أفسر علاقة الآخرين بي على المحمل السلبي، أخطأ خطأ كهذا وأبالغ وأحلل الأمر على النقيض! هذا السور من العزلة المضروب حولي، الذي عشت فيه سنوات طويلة للغاية – لماذا هيأ لي الآن أن فجأة أن شخصا ما قد اخترقه؟

هذا الإحساس "بأنني أملك شخصا ما" تسلل لي خوفا من عدم الفهم، خوفا من عدم الفهم أثناء قراءة خطابك، والذي كان غامضا جدا ومفاجئا جدا. لفترة بسيطة قلت أن هذا هو الأمر. عندئذ جاء صمتك الطويل ردا، وفي النهاية خطابك الأخير هذا. لأجل خاطر الله، يا يوسف، عندما ترد على خطابي هذا، لا تكتب لي توصيات بأن "أكون شجاعة"، ليس هناك ما أهو أفظع من هذا. أنا، ببساطة، بعد تردد طويل جدا، قررت الحديث بشكل صريح في المرة الأخيرة، وليست لدي أية ادعاءات أو أية طلبات، فقط طلب واحد: اكتب لي، بدون أي بلاغة، أنت تريد علاقة صداقة بيننا، علاقة صداقة فحسب. وأنا سوف أعود لأكون صديقتك كما كنت، وسوف أتغلب (أنا أعرف كيف أتغلب) على كل الأشياء التي كانت بيننا. فمن الواضح بالنسبة لي (لولا أنك كتبت بعدم حذر جملة "ماذا كان بيننا؟" في خطابك الأخير)، واضح لي أن كل شيء كان من جانبي وأنه يكفي. وسوف أتمكن من عدم الإشارة إلى أي شيء لك للأبد. ألم أستطع من قبل التصرف هكذا، ففي الليلة التي "أنقذنا" فيها تلك الشابة، كنتُ مرة ثانية، كما تريد، مجرد صديقة، كما كنتُ قبل تسع سنوات. والآن يمكن لكل شيء أن يستمر، لولا أنك كتبت هذا الخطاب الذي لم أستطع قراءته.

أعرف، يا يوسف، أن هذا الخطاب مؤلم بالنسبة لك وأتمنى لو كنت قد امتنعت عن أن أتسبب لك في عدم ارتياح. لديك، كما يبدو، ما يكفي بدوني. ولكن الأشهر الأخيرة كانت قاسية جدا عليّ، أكثر مما يمكنك أن تخيل، واليوم انفجر كل الأرق، وتحول إلى خطاب. متيا حكا لي أنك انتقلت للعمل في بستان، وأنكما كنما سويا في صفد، وأنك سعيد بالعمل الجديد، وتنوي الاستمرار فيه طويلا. لم يكن سهلا جدا عليّ أن أسمع كل هذا من الطرف الآخر وأتظاهر أن كل شيء جيد وسلس. ولكن يبدو لي أنه حتى ناقدة مسرحية حادة ووقحة مثلي لم تكن لتجد عيبا في لعبة لامبالاة الأصدقاء. أصلا، كل هذا ينتمي للماضي. أنا قلت كثيرا جدا، أكثر بكثير من الحاجة. هل الأمر فعلا رهيب لهذه الدرجة.

واضح أن هذه القصائد كتبها شخص أقرب بكثير مما اعتقدتَ، وماذا فيها؟ أرجوك ألا تكون هذه الأمور حاجزا بيننا يا يوسف. لا تعتقد أنك خسرت شخصا جديد: ليس لدي أي سبب للغضب، أو لشيء ما مشابه. دائما سأسعد بأن أكون بقربك، فقط قم من أجلي بهذا المعروف، اكتب لي بمنتهى البساطة ما تريده، لا اعترافات. لا. (ما الذي يمكن أن يغيره الاعتراف؟ وحتى لو كان شيء ما يضايقك، وحتى لو كان الضيق كبيرا، هل يمكن لأي شيء أن يغير علاقتي بك؟ ها أنت قلت أخيرا الحقيقة، بالنسبة لي فكل شيء جاهز ومستعد لأن أكون بقربك كما كان الأمر). لا، اكتب، ارم الكلمات القليلة: لم يكن هناك شيء وينبغي أن يكون كل شيء كما كان قبل "عدم الفهم" هذا. أليس هذا واضحا؟ أم أن خطابي هذا يثقل عليك، ثم ستقول لي كلمات أكثر صراحة من اللزوم عن رغبتك بإيقاف الصداقة؟ ومع هذا، اكتب لي أيضا هذا الأمر، لأنه يمكنني احتمال كل شيء بهدوء، فقط لن أحتمل صمتك لنصف عام آخر.

طيب، ها قد كتبت الآن خطابا تكتبه طالبة صغيرة. من كان يصدق أنني أكتب خطابات كتلك؟

لتكن بسلام، ولا تغضب، كل الخير لك، الكثير الكثير من الخير يا يوسف. هذه هي المرة الأخيرة التي أكتب لك فيها.


المخلصة، ليئا.

***


ولدت ليئا جولدبرج عام 1911 في بروسيا الشرقية، ألمانيا (روسيا اليوم)، وتوفت عام 1970 في إسرائيل. في الحرب العالمية الأولى هربت عائلتها إلى منطقة سرتوف في عمق الأراضي الروسية. وعادوا إلى لتوانيا حيث قام جنود لتوانيون بتعذيب أبيها المتهم بالشيوعية في ذاك الوقت، على مدار عشرة أيام.

درست ليئا الفلسفة واللغات السامية في جامعات كوبانا، برلين وبون. وأعدت رسالة الدكتوراه عن اللهجة السامرية في جامعة بون، بإشراف المستشرق الشهير بول كاهله، ولدى انتهاء إعدادها للرسالة عادت إلى لتوانيا، حيث عملت في تدريس الأدب بالمدرسة العبرية.

هاجرت لفلسطين عام 1935 بمساعدة الشاعر أفراهام شلونسكي وانضمت لجماعة "سويا" التي كان يرأسها شلونسكي مع الشاعر الكبير ناتان ألترمان. وفي هذا العام صدر ديوانها الأول "خواتم من دخان"، بعدها بعام هاجرت أمها إلى فلسطين، وانتقلت الاثنتان للسكنى في تل أبيب.

في عام 1950، وعندما عرض عليها العمل في الجامعة العبرية بالقدس، انتقلت للسكنى هناك مع أمها، وفي الجامعة العبرية تم تعيينها كأستاذة، وقامت بتأسيس قسم الأدب المقارن هناك.

في بداية عام 1970، توفت ليئا جولدبرج بالسرطانن وهي تبلغ 59 عاما. دفنت في القدس. وحصلت على جائزة إسرائيل بعد وفاتها، واستلمت الجائزة أمها تسيلا، والتي واصلت الحياة بعدها بـ13 عاما. وقد أوصت تسيلا بأن تنقش على قبرها أربعة كلمات بالعبرية، تعني: "أم ليئا جولدبرج."

ووفق بحث أجراه د. يفعات فايس من جامعة حيفا فلقد توفى أبو ليئا جولدبرج في الهولوكست.

من دواوينها: "قصيدة في القرى"، "من بيتي القديم"، 1944، "حب شمشون"، 1952، "برق في الصباح"، 1955، "مع هذه الليلة"، 1964، "بقية الحياة"، نشر بعد موتها، 1971.

بالإضافة إلى رواية سيرية بعنوان "هو النور"، المنشورة عام 1946، وأعيد طبعها عام 2005.

3 comments:

  1. السلام عليكم

    لأول وهله أظن أن ما تكتبه عن تلك الشخصيات لا يعنينى

    ولكنى كلما توغلت أكتشفت أن ما تكتب مهماً لدرجه كبيره
    كى نعرف عدونا أكثر وأكثر وكيف يفكر ويحلم

    ودمت بخير حال

    ReplyDelete

comment ya khabibi