Friday, 2 October 2009

مقابلة عصبية مع ساتوري

للأسف الشديد، لا يعرف العالم العربي كلمة "ساتورا"، وتكتب أحيانا "ساطورا"، ولم يستقر الأمر على ترجمة مناسبة لها، وإذا كان ذلك كذلك، فهيا بنا نشرح يا حضرات.

الساتورا فن أدبي، يقوم على السخرية، ترجع الكلمة إلى اليونانية، حيث أطلق اسم الساتورا على كائنات خيالية، النصف السفلي منها ماعز والنصف العلوي إنسان. القالب الأدبي يعتمد على المبالغة في إظهار العيوب وتتفيه المزايا والمحاكاة الساخرة، ظهر بين أوروبا، باليونان القديمة، وفي روما، وأدى ظهور الرواية إلى إعادة ازدهار هذا الفن، والذي يمكن العثور على أثار له في السينما والمسرح والرسم أيضاً. ويمكن عد "كانديد" لفولتير، "الدكتاتور الكبير" لشارلي شابلن، "مزرعة الحيوانات" لجورج أورويل، من الساتيرات المعروفة عالمياً. وفي الأدب الإسرائيلي يعد أشهر من كتب الساتيرا هو المسرحي حانوخ لفين، الذي ترجمنا له فصلين من ساتيرته الشهيرة "ملكة الكبانيه". وكذلك إفرايم كيشون، ويهوناتان جيفن.

وعلى العموم، بسبب كثرة تكرار الكلمة في هذا النص، ولأن النص يقوم بالتنظير لهذا الفن، في إطار ساتيري أيضا، بالمناسبة، يمكن للقارئ العربي غير المتآلف مع المصطلح، أن يتخيله فنا كاريكاتيرا ساخراً، مكتوبا أو معروضا على المسرح. ببساطة. الحياة دائما بسيطة جدا.

مؤلف النص، عيدان لاندو، ولد عام 1967، مقيم في تل أبيب ويدرس علم اللغة في جامعة بن جوريون، يصف نفسه في موقعه الشخصي بأنه متشكك بشكل عام، تم حبسه عام 2001 لرفضه الخدمة العسكرية.


النص الفكاهي، الحوار المتخيل، الساتورا، مأخوذ من العدد الخامس والأخير من دورية "داكا".


عيدان لاندو

ترجمة: نائل الطوخي

مقابلة عصبية مع ساتوري

- سلام لضيفنا، الساتوري، وسلام للسادة المستمعين في البيت.

- سلام سلام، ليس هناك سلام.

- اعتدنا أن نبدأ مقابلات كتلك بسؤال: "في رأيك ما هي درجة تأثير الساتورا؟"، وأن نتلقى الإجابة المعتادة: "صفر"، ولذلك فسوف نقفز للسؤال التالي: "ما هي الصفة الأهم في الساتوري؟"

- ساتوري بلا صفات هو أفضل من ساتوري لديه صفات.

- بمعنى؟

- الصفات تشوش الرؤية، يفضل إزاحتها.

- وما الذي يراه الساتوري؟

- الفجوات بين الادعاءات والإنجازات.

- هذا يسري أيضا على مدرب التخسيس.

- صح. الفارق الوحيد أن مدرب التخسيس يطمح لرفع الإنجازات لمستوى الادعاءات، لكن الساتوري يشكك في الادعاءات من البداية.

- ولكن الناس تحتاج الادعاءات، هي نوع من إشارة مرور، علامة طريق.

- والناس تحتاج أيضا إلى صفعات على وجوههم، هذا نوع من التمرين، صحصحة في منتصف الطريق. العلامة التي ليست صحصحة ستنتهي بالسنكحة. (وسامحوني على النحنحة).

- الساتوري، إذا سمحت لي، هو إنسان لا يمكنه التسامح مع الضعف الإنساني.

- نعم، ولذلك يندر أن تجد ساتورا يمدحها القساوسة والراهبات. ومع هذا، فليس أي ضعف هو ما يخرج الساتوري عن شعوره. فقط نقاط الضعف التي تحدث ضررا في الحيز العام.

- مثلا؟

- مثلا، فلان يذهب البحر مع أصدقائه، ويرفض الدخول في الماء بحجج مختلفة فقط من أجل إخفاء معلومة أنه لا يعرف السباحة. وفي مقابله، علان يرسل جنودا حتى يُقتلون في الحرب، فقط لأنه لا يملك شجاعة دفع ثمن السلام، وهو التنازل عن الأرض، عن الشرف، عن عدالته النقية. ضعف فلان يثير الشفقة، أما ضعف علان فعلى الأقل جدا يثير الغضب.

- هل على الساتوري أن يكون غاضبا حتى يكون فعالاُ؟

- هل على المحاوِر أن يكون سخيفا حتى يكون فعالاً؟

- ما الذي يمكنه تهدئة الساتوري؟

- البلبلطة في بحيرة الحقيقة.

- إذن فليبلبط.

- لا يمكن. الإنسان يكذب على نفسه بلا توقف.

- وما المشكلة في هذا؟

- المشكلة تبدأ عندما يبدأون في تفكيك هذا "الإنسان" إلى أجزاء. عندئذ يتضح أن هناك من يكذب واعيا، وهناك من يكذب غير واع، وهناك من يكذبون عليه وهو يعرف، وهناك من يكذبون عليه وهو لا يعرف. وعلى قدر ما ينزلون على سلم المسئولية والمعرفة، تصبح الأكاذيب أكثر إيلاما.

- ما الذي يهم الساتوري في وجود أناس يستمتعون بالمعاناة؟ ليدعهم يعانون.

- وماذا عنه؟ ما الذي يهم الناس في وجود ساتوري يستمتع بمعاناة كتابة الساتورا؟ ليدعوه يكتب.

- بمعنى أن الساتورا هي نوع من علاج الذات حتى قبل أن تكون إصلاحا للجمهور.

- كنت أقول أنها نوع من إفساد الذات حتى قبل أن تكون إهانة الجمهور.

- ما الذي يريده الساتوري؟

- القليل من عرائس تسومي، هذا هو كل شيء.

- وإلى جانب هذا؟

- أن يقيم الساقطين وأن يوقظ النيام.

- الحق في السقوط والحق في النوم هما من الحقوق الأساسية للهدوء الإنساني.

- أنت تقصد الصلف وليس الهدوء. أيضاً الحق في الصراخ والحق في الإدانة هما من الحقوق الأساسية. الصلف، أية كلمة مكروهة! الساتورا تراه وفورا يصعد الدم إلى رأسها.

- لماذا يجهد إنسان عاقل نفسه في الاستماع لساتوري؟

- لأنه داخل كل إنسان عاقل يختفي عفريت صغير اسمه عدم التعقل. والساتوري يبث رسائله فوق العقلية في أذني هذا العفريت. يزرع بذور الاضطراب في قلب الصلف.

- هذا أمر مدعٍ قليلا.

- أشرت أنت من قليل إلى أن الناس يحتاجون الادعاء. وكذلك الساتوري، برغم المظهر المخادع، هو إنسان.

- من كلماتك يتضح أن الإنسان العاقل، إذا استمع للساتورا، فهو يفعل هذا ضد رغبته الواعية.

- الساتوري لا يعنيه إن كان الناس يريدون الاستماع له أم لا. كذلك لا يهمه جدا أن يتفقوا معه أو أن يفهموه. فقط تهمه الخطوة الأولى: التشكيك، إخراج الجمهور عن توازنه..

- لهذا فهو يوزع الإهانات؟

- الإهانات هي البضاعة الرخيصة للساتوري. الساتوري لا يقيم وزنا كافيا لمستمعيه حتى يهينهم.

- ومع هذا فالناس يشعرون بالإهانة من حين لأخر على يد الساتورا.

- الحقيقة مهينة. أي مرآة ستخبرك بهذا.

- هذا تشبيه ديماجوجي. الساتورا ليست مرآة، لأنها قائمة على التشويه والمبالغة.

- فقط كي تتوازن مع التشويه والمبالغة المتضمنين بعمق فيما تطلق أنت عليه "الطبيعية."

- وحتى الآن، فالساتوري يركز على جوانب معينة من الواقع ويتجاهل جوانب أخرى.

- ومن منا لا يفعل هذا؟ بمجرد أن تفتح عينيك في الصباح فأنت تبدأ في أن تكون انتقائيا، السؤال: "ما هو المبرر الذي يقف خلف اختياراتك في أن ترى أو لا ترى."

- وما هو هذا المبرر؟

- قبل أي شيء – هاجم السلطة، القوة. الساتورا الجيدة تقسو دائما على الأقوياء بينما تسامح الضعفاء. تسخر منهم ليس بوصفهم أشخاصا محددين (أي أن لهم لهجة أو تسريحة شعر مثيرة للسخرية)، وإنما بوصفهم وظائف للقوة. الساتورا السيئة لا تميز بين الضعفاء والأقوياء. والـ"أنتي – ساتورا"، أي الرسولة الإضافية للقوة، لا تسخر إلا من الضعفاء.

- لا أستطيع تجاهل مفرداتك العنيفة، صفعات على الوجه، هجوم، سخرية. هل الساتوري هو إنسان عنيف؟

- ليس أكثر من الآخرين. العنف يحرر. وفي هذه الحالة، فعنف الساتوري يحرر جمهوره.

- سيتساءل البعض هل العنف هو الطريق السليمة لتحريك الناس وللتأثير عليهم.

- فعلا هناك الكثير ممن يتساءلون، وبعضهم عنيفون بشكل مخيف.

- والمعنى؟

- هذا الموقف للشخص المحتار للأبد، الذي يسعى دائما خلف عرق الذهب، الموقف الذي يجتهد طول الوقت ليكون متعاطفا بشكل متساو مع جميع الأطراف في أي صراع، وهو موقف عنيف.

- أنت تتحدث بشكل فيه مفارقة.

- أبدا. لأن هذا الادعاء بتقسيم العدل بشكل متساو بين جميع الأطراف بالضرورة سوف يظلم الذين معهم القدر الأكبر من الحق، لصالح الذين معهم قدر أقل من الحق (دائما هناك طرف معه قدر أكبر من الحق). لأنه يطلب من الذين مهم قدر أكبر من الحق (بمعنى المظلومين أكثر)، أن يكبحوا أنفسهم وأن يتقبلوا بتسليم تسوية غير عادلة، باسم توازن ما مقدس وهش.

- أحيانا تكون الحياة أكثر تعقيداً من أن تنقسم بين أبيض وأسود.

- هذا التعقيد هو امتياز الأحرار والشبعانين. من تصرخ بطنه من الجوع وهناك حذاء مكسو بالمسامير ملقى على رقبته يرى الحياة ببساطة تامة. المطالبة بأن أكون معقداً، وبالتالي أن أخفي الظلم الواضح، البارز، هي مطالبة عنيفة، أكثر عنفا بكثير من الفعل الساتيري.

- على الأقل هي مصاغة بهدوء. الناس يفضلون أن يتم التحدث إليهم بشكل جيد.

- الناس يفضلون أيضا أن يأكلوا لحم الخنزير والأيسكريم بالكريمة والتحديق في برامج التسلية التليفزيونية. الساتوري لا يعمل عند "الناس" ولا يأخذ منهم مرتبه.

- ولكنه يريدهم أيضا أن ينصتوا له، أليس كذلك؟ هو لا يريد أن يهرب الجمهور منه.

- إذا دخلت فكرة جديدة إلى جمجمة الجمهور قبل أن يهرب، فهذا كاف. الساتوري لا يريد من الجمهور البقاء، البقاء المتواصل بجانبه سيجعل الساتوري يشعر فقط بعدم ارتياح مؤذ.

- هذا شعور متبادل.

- ممتاز. لصالح جميع الأطراف.

- لا يبدو لي أن هناك من الجمهور من سيرغب أبدا في البقاء مع ساتوري كهذا.

- هذا واضح. لأن جوهرة تاج الساتورا الممتازة هي بالطبع هذه: إدانة القارئ.

- ظننت أن المقصود هو إدانة الأقوياء.

- صح، ولكننا لن نترك القارئ بريئا. عليه أن يشعر في مكان ما بأنه شريك في الظلم أو النفاق الذي تهاجمه الساتورا. هكذا يجعل الساتوري القارئ يعمل ضد نفسه. وإلا فليس هناك من مستقبل للكلام عن "الإصلاح"، فالأقوياء في الواقع لا يسعون بالطبع لقراءة الساتورا.

- من الذي وضع في يد الساتوري سلطة الإدانة أصلا؟

- نفس القارئ بالتحديد. الساتورا تدين الشر في الإنسان باسم الخير في الإنسان – نفس الإنسان بالضبط. وحتى لو كان الشر هائلا والخير صغيرا – فالساتورا سوف تجد لها نقطة أرشميدس التي تحرك بواسطتها الأول بواسطة الثاني.

- يبدو أحيانا أن الساتوري لا يعتقد بوجود الخير في الإنسان.

- أنت تخلط بينه وبين الشخص العدمي. ليست هناك ساتورا عدمية.

- على أي حال، فالساتوري ينجذب إلى القبح، بل وينصهر معه بشكل مَرَضي بعض الشيء.

- هذا نوع من التمرد على طغيان الجمال.

- ربما يكون من المناسب الكف عن شعارات الزن هذه.

- هذا اضطرار. شرب السم بجرعات صغيرة ومركزة. على أي حال، الساتوري يتشكك من البداية في الناس ذوي الأحاسيس الجمالية المبالغ فيها. حيث أن الحساسية الجمالية ("أوه، كم أن هذا فظ وقبيح!") تستخدم مراراً لتحييد وخز الضمير، لخلق حاجز محايد بين الظلم وبين المشاهد. القبح يستخدم كحجة كاملة لتوجيه النظر بعيداً، لذا فالساتورا تقوم برفع القيمة البصرية للقبح إلى درجة الإعجاز.

- هناك سؤال عما هي القيمة الأخلاقية السامية لهذه الدرجة في الإحساس بالقرف.

- هذه مسألة ذوق. بنفس القدر، هناك سؤال عما هي القيمة غير الأخلاقية في الإحساس بالسمو الجمالي.

- أنت تلعب بالكلام.

- الساتوري يشمئز من اللعب بالكلام. بشكل عام، الكلمات في رأيه تتمتع بتوقير مبالغ فيه. هو يفضل أن يراها تعود لأبعادها الأكثر تواضعا.

- كيف؟ إذا كانت الكلمات هي سلاحه الأساسي.

- وسيط ليس إلا، ليس أفضل ولا أسوأ من الوسائط الأخرى. الناس يطورون علاقات حميمية بشكل مخيف مع الكلمات – فترات الصمت، الغضب، الامتعاض. كل هذه عوائق أمام الساتوري، الذي يسعى لإبعاد القارئ عن قيود سياقاته الشخصية، وجعله ينفتح أمام العالم. وهناك بالطبع الحنبليون.

- من؟

- الذين يصرون على تمييز الفتحة من الكسرة. دائما سوف يجدون طريقة للتنصل من رسالة النص والتركيز على الاستخدام "الصائب" أو "غير الصائب"، "الدقيق"، أو "غير الدقيق" لكلمات معينة. تحدثهم عن الأخلاق، وهم يردون عليك بعلم الدلالات. لن يثير بهم أي جندي تحول إلى قاتل ذلك الغضب الذي يردون به على فتحة تحولت إلى كسرة ضالة. هذا نوع من العمى الإرادي تم الحصول عليه هنا، مثل علم الجمال.

- إذا كان ذلك كذلك، فالساتوري يكرس جهده لتمزيق الغلالات التي تحجب بين الضمير وبين الواقع.

- الآن أنت تخطأ في حجم الادعاء. الساتوري لا يمكنه افتراض أن جميع قراءه يتمتعون بالضمير.

- ولكن إذا كان حرفته يائسة لهذه الدرجة! فلسوف ينزلق بسرعة في طريق العدمية.

- ليس بالضرورة، يمكن للساتوري أن يفترض على الأقل أن قراءه يتمتعون بعقل سليم وباستياء غريزي من التناقضات. لهذا فهو يضعهم أمام التناقضات التي يفضلون نسيانها، ويجبرهم على الاختيار.

- ولكن إذا كانوا بلا ضمير، فـ....

- ليس هناك ضمان بأنهم سوف يختارون العدل أو الظلم. صحيح، وحتى الآن فالساتوري يفضل الاختيار الصريح للظلم، الاختيار الذي يتم في نور النهار، عن الاختيار الذي يتم في الظلام وتغطي عليه الكلمات الحلوة. مصارعة عدو ظاهر هي أكثر سهولة وإخلاصاً من مصارعة عدو خفي ومضلل.

- مرة ثانية: "عدو"، و"مصارعة"، مرة ثانية هذه الروح الصارمة والممرورة. يبدو لي الساتوري ككائن معزول، شائك وبائس.

- يبدو لي المحاور ككائن فضولي وتواق للمعرفة.

- كلام فارغ. هذا عمل يبدو كما لو كان عن عمل آخر.

- بالضبط.

- يقوم به أناس عاديون، لأسباب عادية، ليس من أجل الوصول لشيء ما.

- بالضبط.

- لا أعرف إن كان هناك شخص سيقرأ هذا الكلام؟ هل سيفهم؟ هل سيرد؟ لا. ليست لدي فكرة. ومع كل هذا فأنا أواصل محاورتك. مثل أحمق يفكر أن الناس يعملون كي يحققوا إنجازات. الناس يعملون حتى يعيشوا. ويعيشون... ليس بسبب.. ليس من أجل. يعيشون من أجل الحياة، نعم نعم – الحياة! الحياة هي الموضوع ذاته. كم أن هذا مخيف.

- بالضبط، فهمتني. هل يمكنني الذهاب؟


3 comments:

comment ya khabibi