Friday 16 October 2009

يورام كانيوك: رحلة اليهودي الأخير


مايا سيلع

ترجمة: نائل الطوخي

كان يمكن ليورام كانيوك أن يكون الإسرائيلي المطلق، النموذجي. ولد عام 1930 في تل أبيب، كان بياليك هو أباه الروحي. وأبوه، موشيه كانيوك، كان السكرتير الشخصي لمئير ديزنجوف والمدير الأول لمتحف تل أبيب للفنون. مربيته الخاصة كانت زوجة برينر. معلمته في الحضانة كان حفيدة فريشمان. وتشرنيحوفسكي كان طبيبه في المدرسة. كان مقررا له أن يكون الصبار الحقيقي [الصبار هو اليهودي المولود في فلسطين، العبراني، القوي، وفق الصورة الشائعة.. المترجم]، الوسيم وناعم الشعر، وصحيح أنه وسيم وحارب في حرب الاستقلال، ولكنه بدلا من العودة منها يحمل سكينا بين أسنانه فلقد عاد مصدوما وتنتابه الكوابيس. لأن كانيوك لم يرغب بالفعل في أن يكون الإسرائيلي المطلق، لقد أراد دوما أن يكون يهودياً من "هناك".

في هذه الأيام، بعد ثمانية وعشرين عاما من صدوره للمرة الأولى في دار نشر "هاكيبوتس هامئوحاد"، يرى النور كتابه "اليهودي الأخير" عن دار "يديعوت سفاريم. هو كتاب معقد، مركب، مشحون، يتحرك للخلف والأمام ويقف في مكانه. ومثل محجر، معدن أو ألماس، فمن غير الواضح كيف خلق ولا متى، ولا من أي المواد هو مصنوع. أحيانا ما يبدو وكأنه دوما كان هناك.

لم يدخل كانيوك أبدا ضمن كلاسيكيات الأدب الإسرائيلي، لم يكن منتميا أبدا، دوما ما كان غير شائع، وربما وحشياً أكثر من اللازم، خارج القوانين. في السنوات الأخيرة حظت كتابته بحياة جديدة وشباب كثيرون وجدوا بها ما فوته أباؤهم على أنفسهم. يقول كانيوك: "فجأة أكتب بأسلوبهم، ولكنني كتبت هذا منذ أربعين عاماً. أنا لست أديبـ"نا"، وإنما الأديب الخاص "بي". لا أكتب باسم شخص آخر وأنا حاد جدا أحياناً." يذكرني "مرة كتبت عني أنني أديب متشرد ، وهذا أعجبني بالتحديد. لم أسر أبدا بجانب الحائط. لم أجد نفسي."

كتب "اليهودي الأخير" على مدار سنوات طويلة، بالتبادل. عندما رأى الكتاب النور لأول مرة، كان كانيوك قد أصبح أديباً يحقق مبيعات عالية وحظت كتبه "حيمو ملك القدس"، "آدم ابن كلب"، و"حصانخشب"، بنجاح ولكن وفق كلامه، فـ"اليهودي الأخير"، أهم بالنسبة له من سائر رواياته.

في عام 1982 كتب البروفيسور جفريئيل موكيد في "هاآرتس" أن هذه هي "إحدى الإبداعات المذهلة المكتوبة في العقود الأخيرة بالسرد العبري"، وكذلك وصف طابع العمل بقوله: "أمامنا صندوق نفسي ومفاهيمي كثير الأبعاد يحاول مبدعه أن يجمع فيه كل واقع القرن العشرين.. وبشكل خاص الواقع اليهودي الإسرائيلي."

في مقدمة الطبعة الجديدة يكتب عوزي فايل: "اليهودي الأخير"، هو أقل كتاب قرأته في حياتي، والأكثر أيضاً." ويضيف: "اليهودي الأخير يتواصل حتى اليوم. يحدث طول الوقت. الكتاب لا يزال يُكتب." الأديب دفير تسور كتب في كلمة ظهر الغلاف أن كانيوك "وضع في مركز "اليهودي الأخير" الأماكن النائية والمُبعدة للغضب والحزن اليهودي وربطها بشوق لا يتوقف في نهايته تحدث السقطة المؤلمة."

مؤخرا تمت ترجمة الكتاب إلى الفرنسية وفي نقد عن الكتاب منشور في فرنسا مكتوب: "هذا عمل إعجازي للإسرائيلي يورام كانيوك، لم يكن قد ترجم حتى الآن للفرنسية، ليس فقط بسبب القوة الصادمة للمواضيع التي ينشغل بها الكتاب – وهي مواضيع واقعية اليوم حتى أكثر مما كانت عليه قبل عشرين سنة – وإنما على ما يبدو بسبب العمل الكثير الذي تحتاجه الترجمة: يستخدم كانيوك كل مستويات اللغة وأغلب الأشكال الأسلوبية، ولكنه أبدا لا يخرج عن حرفة الكتابة شديدة القوة لديه. إنها متاهة من الذكريات التي تتكوم الواحدة على ظهر الآخر، بدون انحرافات زائدة عن الموضوع وبلا أية ثرثرة."

الأديبة والناقدة الثقافية سوزان سونتاج قالت مرة أنها من بين كل الأدباء المترجمين الذين قرأتهم، فأكثر من تعجب بهم من الأدباء هم جابرييل جارثيا ماركيز، بيتر هندكه ويورام كانيوك. كُتب وقتها في "سيركيس ريفيو" أن الكتاب هو عمل إعجازي ثري، متطلب، ذو منطق فوكنري، أما في "بوكليست" فقد تمت مضاهاة الكتاب بـ"عوليس" لجيمس جويس وبـ"عندما نمت ميتة" لفوكنر. "اليهودي الأخير"، كما هو مكتوب هناك، يطلب من قارئه طلبات صعبة، يضطره للعثور على الصلات والمعاني في الإنجازات المشققة والحيوات الملتوية للشخصيات.

المسيح العبراني

في قلب "اليهودي الأخير" ثمة عائلة تحمل أحداث حياتها الهويتين اليهودية والإسرائيلية، الحرب وفظائعها، ألمانيا والهولوكست وأميركا والتصوف اليهودي، وهناك في الرواية الخلاص والخسارة، الثكل، الفشل واليتم، كما حاول كانيوك أن يضم بين الصفحات كل مصير الشعب اليهودي، الأمل وخيبة الأمل، العجز والقدرة، الحماقة والحكمة، والأسف شديد العمق والقدرة على البقاء وومضة الحياة.

يحكي الفصل الأول من الكتاب عن بوعاز، شاب يتجول في الشوارع بعد عودته من الحرب محطماً تماماً. يمكننا أن نرى فيه كانيوك نفسه. يحكي كانيوك أنه كتب هذا الفصل في 1964، بعد عودته هو وزوجته ميرندا للبلد من الولايات المتحدة. "الصفحات الخمسون هذه عالجت موضوعا كان يزعجني لسنوات طويلة، الإتجار بالمعاناة والإتجار بالموت. طول الوقت كان يأتيني أناس ويطلبون مني أن أكتب كتباً عن أبنائهم، هناك آلاف الكتب التي أنفقت عليها العائلات المال الوفير ولم يقرأها أحد."

بعد أن كتب هذا الفصل، كتب كتباً أخرى. عاد إليه في 1970، عندما انتقل مع عائلته للسكنى في حي موراشاه برامات هاشارون. "بالقرب مني كان يسكن السيد جلبرت وزوجته، كلاهما كان في أوشفيتز ولكنهما لم يتعرفا على بعضهما البعض هناك. كل منهما فقد عائلته. هي فقدت زوجاً وأطفالاً وهو فقد زوجة وأطفالاً. وفق هذه القصص فلقد بقى لسنوات طويلة في أوشفيتز لأنه كان يصنع كل أنواع العلب الصغيرة، والتي كان النازيون يقومون بإهدائها لعائلاتهم في الأعياد. كان يحكي كيف رأى بنتيه تختفيان."

يحكي كانيوك عن علاقته بجاره: "أصبحت أنا المسيح العبراني له. كان يهتم لأمري. كان يخرج مرتديا طاقية صيادين ومعه سكين مطبخ تحسبا لحالة إذا ما صنع له شخص ما، لا قدر الله، أي شيء. كان يدعوني السيد كانيوك. وعندما كان يحكي لي كانت زوجته تخرج من الغرفة. لم يحك الكثير ولكنه حكى لي كيف نجا، وذات مرة قال لي: "لم يكن هناك راديو، ولم تكن هناك أية صلات مع العالم وقلت لنفسي أنني بالتأكيد سوف أكون اليهودي الأخير."

وهكذا ولدت لدى كانيوك فكرة الكتاب. إحدى الشخصيات هي أديب ألماني، أديب يأتي للقاء اليهودي الأخير. هذا الوضع أيضا لم يحدث فقط في العقل المتأجج لكانيوك، وإنما في الواقع المتأجج لدولة إسرائيل. "الأديب هاينريش بُل زار البلد، ولسبب ما أراد الالتقاء بي. أقاموا له وليمة في بيت حانوخ برتوف." قبل أن يذهب للوليمة انهمك كانيوك في حوار مع جاره، جلبرت، حوار لن ينساه أبدا كما يقول: "سألني "سيد كانيوك هل تخرج اليوم؟، قلت له نعم. "إلى أين أنت ذاهب إذا أمكنني السؤال"، أجبته بأنني ذاهب إلى وليمة"، "عند من؟"، عند حانوخ برتوف"، "وعلى شرف من هذه المأدبة؟" قلت أنها على شرف هاينريش بل. قال: "آه. من هو؟" قلت أنه أديب. "أي أديب؟" ألماني. سألني: "هل هو شخص جيد؟" قلت أنني لا أعرف ولكنني أظن أنه شخص جيد. عندئذ توقف للحظة وقال لي: "قل له أن يعيد لي بناتي."

اتصل كانيوك ببرتوف تليفونياً وحاول اختراع مرض. "قلت له أن حرارتي ارتفعت إلى 48 درجة." ولكن برتوف أصر، ومضطرا ذهب كانيوك إلى المأدبة. "كان هناك أناس كثيرون. أدباء وهكذا. وعندئذ رأيت بُل، رجلا ضخما. طول الليلة كنت أتهرب منه، لم أرغب في لقائه، لأن كل كلمة يقولها جلبرت كانت مقدسة بالنسبة لي. لقد كان أحد الأشخاص الذين كنت مرتبطا بهم نفسياً." ولكن هاينريش بل لم يتنازل. اقترب من كانيوك وسأله إن كان يتجاهله لأنه ألماني. "أجبت بالنفي، وقلت له أنني قابلت جونتر جراس عندما كان هنا، وأن هذا غير ذاك." أصر بُل وسأله عن السبب. وقال له كانيوك "اسمع، سوف أضطر لأن أخبرك شيئا ما ليس لطيفا للغاية أن أقوله. ولكن لدي جار اسمه جلبرت، وهو طلب مني شيئا أنا مضطر لفعله. لقد أرادني أن أطلب منك إعادة بناته له". وعندئذ قال لي بل شيئا لطيفا بشكل خاص، قال لي أنه ربما قد يكون جاء لأرض إسرائيل بسبب هذا."

تصادق كانيوك وبل وفي أعقاب هذا تضخمت معرفة كانيوك بالأدب الألماني. "هو أديب ممتاز، ولكن خطرت على بالي فكرة: في الأدب الألماني التالي للحرب والذي كتبه هؤلاء الشجعان، جراس وبل وآخرون، لا يظهر يهودي واحد، بينما هم قد نشأوا مع اليهود. بُل حكى له أن جميع أصدقائه كانوا يهوداً، وجراس حكى لي أنه نشأ في دنتسيج ورأى الأطفال اليهود يؤخذون، وبرغم هذا فلم يظهر اليهود في كتبهم، لم يتمكنوا من مقاربة هذا، وهذا ليس بسبب الخوف، هذا ببساطة لم يكن في عقلهم، هذا لم يؤلمهم. لقد تسبب لهم بالحزن وليس بالألم. لو كان يؤلمك فسوف تكتب عنه، ولن يساعدك أي شيء. جوتة كتب أن الظلم مفضل على الفوضى، إنها جملة مخيفة."

الخصلة هي المهمة

لم يكن لقاء كانيوك بجاره هو لقائه الأول بالناجين من الهولوكست. "عندما كنت أبلغ 17 عاما تركت الصف الثامن وتطوعت للخدمة في السرية البحرية للبالماح، لأجل الإتيان باليهود لأرض إسرائيل، لم أعرف من هم اليهود ولكنني رغبت في الإتيان بهم. في البداية كنت أكرههم، كانوا يبيعون ويشترون ويقومون بكل الصفقات، وفجأة أحببتهم. أحببت قدرتهم على البقاء. كانوا يعيشون في هذه السفينة تحت وطأة ظروف رهيبة، لا يمكن وصفها، 3000 شخصاً كانوا ينامون مثل السردين، كانوا يقفون في طابور للوصول إلى الحمام، وكان الواحد منهم ينادي الآخر. وقفت هناك ورأيت شابة تقف في الطابور، تنتظر لساعتين أن تدخل. أخرجت شيئا مثل مرآة صغيرة بحجم علبة صغيرة، تطلعتْ بها وسوت خصلتها. كان جميلاً جدا أن أرى هذا."

يحكي أنه عندما تم القبض على المهاجرين بشكل غير شرعي وسؤالهم عمن هم، أجابوا كما تم تلقينهم "نحن يهود من أرض إسرائيل". عندئذ بدأ في التفكير أيضا في نفسه باعتباره يهودياً من أرض إسرائيل. "منذ ذلك الحين وصاعدا، عندما سيسألونني من أنا، لن أقول إسرائيل أبدا، لأنني لا أعرف من هو الإسرائيلي."

قبل عدة سنوات عرضت على مسرح جيشير مسرحية "آدم ابن كلب"، المأخوذة من روايته. انضم كانيوك للمسرح عندما سافر لعرضها في بولندا، في لودج. "وضعوا الخيمة أمام الجيتو. لست بولنديا، أبي جاء من أوكرانيا، من جاليتسيا، ولكنني فجأة شعرت كما لو كنت في البيت. كانت أول مرة في حياتي أشعر أنني في البيت. لألف سنة كنا نعيش في أوروبا الشرقية. ماذا تسوى مئة عام من الصهيونية؟ هي لا شيء."

تحدث عن إحساسه بتضييع الفرصة، تضييع فرصة المنفى: "لم أحب أبدا التين الشوكي، لم أحب الكومبوت، في البالماح كنت أبيعهما من أجل صحن حساء. الجميع أرادوا أن يأكلوا الموز أما أنا فأحببت السبانخ، أن يحب إسرائيلي السبانخ فهذا شيء ما حقير جدا. كنت مقلماً هكذا، لم أنجح في طي البنطلون بالشكل السليم. وهكذا لم أنجح في أن أكون صبارا أكثر مما كنت. لم أنجح في أن أكون اليهودي الذي أردت أن أكونه."

يفسر هذا بأنه لم يتحدث لغات أجنبية، وأنه لم يأت هنا بنفس حمولة اليهود إياهم الذين التقاهم: "تدريجياً دخلت في هذه الحمولة ولكن عن طريق أشياء أخرى." أحد الأشياء التي ساعدته على الدخول في وجهه اليهودي كان تعلم القبالاه. "عندما عدت من الحرب كنا نجلس في مقهي "كاسيت"، وهناك عرفت أفراهام حلفي، أحبني وكنا نتنزه سوياً. كانت كوابيس الحرب وقتها تنتابني، وذات يوم قال لي "عليك بتعلم القبالاه" [فرع من فروع التصوف اليهودي.. المترجم]. ذهبت للدراسة عندئذ في القدس في بتسليئيل، وخلال سنة كنت تلميذا حرا لدى جيرشام شالوم. تعلمت الشبتائية، وأثارت اهتمامي. تدريجيا دخلت في هذا بدون معرفة الجمارا، بدون معرفة الأساس اليهودي الحقيقي، وإنما الأساس الحسيدي والقبالي، كل ما لم يكن موجوداً في التلمود."

عجنون الملك

وفقاً لكلامه، فكل ما حدث في حياته وكل ما كتب عنه تم جمعه في كتاب "اليهودي الأخير." "لـ13 عاما كنت أعمل على هذا الكتاب بالتناوب، أنهيت كتابته عام 1980، عندما غادرنا موراشاه. ألكسندر ساند، والذي كان محررا بدار نشر هاكيبوتس هامئوحاد، أحب الكتاب ونشره." ولكن في الأكاديمية لم يكونوا ينتظرون كانيوك بالذات. "هم أصلا لم يستقبلوني أبدا. أنا متشرد ، أليس كذلك؟ المتشردون لا يمكنهم أن يندرجوا في كلاسيكيات الأدب." يقول أنه في البداية شعر بنفسه مهانا ولكنه تعود منذ ذلك الوقت. "حتى تندرج ضمن كلاسيكيات الأدب فعليك السير في مكان آمن بشكل كاف، مكان عجنوني. [ في إشارة لشموئيل يوسف عجنون، الأديب الإسرائيلي الوحيد الحائز على جائزة نوبل بالمناصفة.. المترجم] هناك أدباء ممتازون يقومون بهذا، ولكن الأمر معكوس بالنسبة لي. لماذا؟ لا أعرف."

وفقا له، فكل ما لا يقف في "صف عجنون" تم محوه ببساطة. "قرأت منذ فترة قصيرة كتبا لآشير بيريش والذي تم نسيانه تماما. حاييم هزاز اختفى. أفيجدور هامئيري. يـ. لـ. بيرتس كتب أدبا أكثر حداثة مما يكتبونه اليوم. وهناك أديب آخر شعرت بالقرب منه وهو بشفيس زينجر ولم يتم قبوله هنا. هو لم يكن متوائما مع العجنونية، عجنون كان هو الملك."

يحكي أن الباحث في الأدب جرشون شاكيد لم يكتشفه إلا وهو على حافة الموت. "تطلب الأمر منه عشرين عاما حتى يتصل بي تليفونيا، اتصل بي وقال لي "قرأت اليهودي الأخير. إنه كتاب مذهل. قلت له: "أنت كتبت تاريخ الأدب العبري بدون أن تدرجه فيه. وقال لي: "هذا غير جيد، صحيح." وحاول إصلاح هذا الأمر."

في "الحق في الصراخ"، وهي مقالة نشرها شاكيد عن إبداع كانيوك بدورية "عخشاف" عام 1998، قارن كانيوك ببرينر وكتب: "الخبرة التي يتعامل معها كانيوك هي المصير اليهودي العبثي، وعبثه مضاعف: اليهود قريبون من الثقافة الغربية التي خططت ونفذت إبادتهم. هم أكثر قربا لمن ضحوا بهم، من قربهم للثقافات الأخرى. الدولة التي أقامها اليهود قائمة، عند كانيوك، على التضحية بشعب آخر، وهكذا فالعبث التاريخي هو أن الضحايا تحولوا لجلادين. هذه الظواهر الخارجية تحولت إلى مشاكل داخلية تمزق نفس أبطال كانيوك ونفس مبدعهم إرباً."

يقدم كانيوك شهادة عن كتابه: "هذا نوع من خلط اللغات والكلمات. لا أستطيع كتابة ما يجب كتابته. كتبت عن طريق عدم معرفتي بالكتابة. أنا أكتب عجزي. أغلب الأدباء الإسرائيليين الجيدين يكتبون بحيث يمكنك قراءتهم بسهولة أكثر. بينما عندي يرتبك القراء.ابنتي قالت مرة أن الأدب يهدف لإعطاء الشرعية للعبث. هذا بالنسبة لي سر الكتابة. لهذا فأنا أحب يوجين يونسكو بشدة، وتوماس فينشون."

وفقاً لكلامه، فهو لا يحب من يخترعون القصص. "كثيرون من أصدقائي الأدباء يخترعون القصص. إذا أرادوا الكتابة عن الغيرة، يقومون بالبحث، لأنهم أبداً لم ينيكوا من الخلف ولم يسيروا أبدا في الشوارع الجانبية، كلهم كانوا أطفالا جيدين درسوا الأدب في الجامعة. أنت تقرأهم، بعضهم جيد للغاية، وترى أنهم يخترعون. بالنسبة لي، أرى أن الأديب الذي لم يمر بتجربة قاسية في الحياة سيكون من الصعب عليه أن يخترع تجربة."

يعتقد أنه ليست هناك حاجة للحكم بشأن أي تيار تنتمي له رواية "اليهودي الأخير"، وبأي أسلوب تمت كتابتها، أو كيف تتطور الحبكة. "أنا أقرأ من العهد القديم يوميا على مدار خمسين أو ستين عاماً. أحب القصص العبثية. أبراهام الذي يقدم زوجته مرتين باعتباره أخته، ثم يرسل ابنا لكي يموت في الصحراء ويرسل ابنا آخر لكي يقدمه قرباناً. على ما يبدو فهو لم يحب إلا هاجر، ولكن لا ينبغي الحديث عن هذا. في النهاية هو أبو الأمة. هذا هو جمال الأشياء، صح؟ لا أحد يشرح هذا لأنه لا يجب شرح كل شيء. أنا لا أكتب في علم النفس. أنا لا أفسر."

في غرفة عمله، في شقته المؤجرة بوسط تل أبيب، ثمة صورة كبيرة، متر ونصف في متر، لرودولف فالنتينو الوسيم، هدف إعجاب النساء في وقته، البطل الأخرس للفيلم. يقول كانيوك: "دوماَ ما أحببته. شخص ما جاءني بهذه الصورة منذ فترة طويلة. عندما طلب مني المصور الخاص بكم أن أنظر باتجاهه، فهمت فجأة، للمرة الأولى منذ أربعين عاماً، أنه يشبهني عندما كنت شاباًَ للغاية. لسنوات كنت أظن أنني قبيح وبائس وكنت أنظر إلى رودولف لأجل العثور على بطل. وفي الحقيقة فلقد كنت عندئذ، أو أنني ربما، عميقا في داخل عقلي، رغبت في أن أكونه."

إذا لم تكن الكتب موجودة، ليقرأوا قوائم المطاعم إذن

يورام كانيوك هو واحد من بين قلة من الأدباء وقفوا ضد شبكة "تسومت سفاريم" وعمليات البيع التي تقوم بها، وكان ممن يؤيدون قانون مراجعة أسعار الكتب، والمسمى أيضاً بالقانون الفرنسي، والذي يهتم بتحجيم الخصومات على الكتب في أول سنتين لصدورها. يقول أنه أصيب بخيبة أمل لأن الأدباء الإسرائيليين لم يقفوا بجانبه. "هذا ضايقني. الأدباء المندرجون في كلاسيكيات الأدب يمكنهم السماح لنفسهم بفعل هذا من أجل أدباء يربحون 40 أجوداه على الكتاب. كيف أن أحداً منهم لم يقف بجانبي؟ مم يخافون؟ حتى كتبي يبيعونها في "تسومت سفاريم" وأنا وقفت ضدهم. القانون لن يمر لأنه ليس هناك دعم من قبل الأدباء."

وفق تقرير المبيعات الأخير لكانيوك، فعلى مدار الشهور الخمسة بين أغسطس وديسمبر 2008 بيع 1348 نسخة من كتبه، وربح هو من هذا 7878 شيكلاً. وحتى لو كان قد تلقى السعر الكتالوجي المثبت على الكتاب، كان سيلاقي صعوبات معيشية.

  • ما الذي تعتقد أنه بإمكان الدولة فعله حتى تساعد الأدباء؟
  • "قبل كل شيء، عندما يصدر كتاب جديد لي يبيع عدة آلاف. "عن الحياة وعن الموت" بيع منه 7000 نسخة مثلاً. انظري، أنا لا أؤمن أن الدولة ستفعل شيئاً. ربما تتشاور الحكومة مع وزير الثقافة السوداني من أجل معرفة ما سيفعلون في دولة أخرى متقدمة مثلنا. ليست هناك دولة في العالم الغربي تستثمر أموالا قليلة لهذا الحد مثل إسرائيل. في فترة حزب مباي كانوا يستثمرون، ولكن مباي لم يعد موجودا."

رنا فربين، محررة الأدب الأصلي في دار يديعوت سفاريم، نشرت هذا الأسبوع في "يديعوت أحرونوت" تقريرا عن سعر الكتب في فرانكفورت وقالت فيه أنها اكتشفت أن القانون الفرنسي له عيوب كثيرة. مثلا، حقيقة أن سعر الكتاب في ألمانيا هو 20 يورو. وهو سعر مرتفع للغاية بالنسبة لأغلب السكان، ومعناه أن المعرفة صارت هي النصيب الأساسي لأصحاب الثروات، مثلما في العصور الوسطى بالضبط. وحتى في فرنسا، كما تقول، فأغلب الناس لا يمكنهم السماح لنفسهم بشراء كتاب في السنتين الأوليين لصدوره، كتبت قليلة فحسب هي ما تتبقى على أرفف المكتبات أكثر من سنتين.

يعترف كانيوك أنه من الأفضل للقراء ألا تكون هناك مراجعة وأن تكون هناك خصومات وعروض. "ولكن من سيزودهم بالمادة التي يقرأونها؟ لن يكون هناك أدباء. هناك الكثير من الناس في فرنسا وألمانيا يتحدثون عن هذا القانون باعتباره قانونا رائعاً. أنا أرى هذا أيضا في تقارير المبيعات التي أستلمها من ألمانيا وفرنسا. الوضع أفضل بكثير مما هو هنا."

  • المشكلة هي أن الأدب قد يتحول إلى اهتمام الأثرياء فحسب.
  • "لو كان الأمر هكذا، فسوف يدفع القراء القليل جداً ولكن لن يكون هناك كتاب ومترجمون. ينبغي العثور على الحل الوسط. صحيح أن يمكن العيش بدون كتب يورام كانيوك، ولكن لا يمكن شراء كتب بدون أن تكون هناك كتب، وكيف ستكون هناك كتب لو كان الكاتب لا يمكنه الاسترزاق. أي شيء هذا؟ ليأخذوا قوائم المطاعم المفلسة إذن وسيكون لديهم عندئذ ما يقرأونه."

عن "هاآرتس"

No comments:

Post a Comment

comment ya khabibi