كلوديا، بطلة "رواية للمبتدئين" لليلاخ سيجان، هي محررة صحفية في الثلاثينات من عمرها، لا تتمكن من فعل شيء من البداية للنهاية، تشتاق لطفل، ولكن كل تجارب الحمل التي تمر بها تنتهي بالإجهاض. تأخذ في الابتعاد عن زوجها الغريب، والذي تشاركه حياة زوجية كابية. ولكن ذات يوم تلتقي بوكيل أدبي يجعلها تستجمع قواها وتغير واقعها. ليلاخ سيجان أديبة وصحفية وكاتبة مقالات، من كتبها السابقة "الحنين لماكس"، و"الآلهة الجدد." هنا فصل من "رواية للمبتدئين"، منشور بالأصل في يديعوت أحرونوت تحت عنوان "سارقة الأحلام".
رواية للمبتدئين
ليلاخ سيجان
ترجمة: نائل الطوخي
وقفت كلوديا أمام طاولت أدوات التجميل في سوبر ماركت مشبير، وجربت أقلام أحمر الشفاه. وحّدت شفتيها في دائرة ودهنتهما ببطء بلون بني بنفسجي. ابتسمت كمن تحاول إغواء نفسها، كشفت عن أسنانها، والتي بدت بجانب أحمر الشفاه الداكن فجأة أكثر بياضاً من المعتاد، نظرت بعينيها الخضراوتين اللتين انعكستا عليها من المرآة الصغيرة، وفهمت فجأة: هي تسرق أكثر من اللازم في الآونة الأخيرة.
لم يمر يوم منذ أسبوعين بدون أن تأخذ شيئاً ما. حسناً، ليس الأمر بالضبط أنها تسرق، قالت لنفسها. ليس فقط أن لون قلم أحمر الشفاه كان درامياً أكثر من اللازم، أحيانا تكون تعريفاتها على هذه الشاكلة. دائماً ما كانت ترغب في أن تسمي هذا كلبتومانيا، لأن هذا الاسم يبدو أكثر أناقة من "سرقة" أو من "اختلاس"، وأكثر رومانسية أيضاً. ولكنها في أعماق أعماقها كانت تعرف جيداًً جداً أن هذا لم يكن كلبتومانيا لا إرادية، مرضية ومهووسة تداهمها. وإنما كان شيئاً ما مختلفاً تماماً. شيئا ما لا يزال يتطلب التعريف.
فيما بينها وبين نفسها كانت تعترف أنها تحب السرقة. لسنوات طويلة لم تخلص لهذه الرغبة، حتى شعرت بالحنين لها قليلاً. وعندئذ، وفجأة، قبل حوالي أسبوعين، حتى بدون أن تشتهى هذا فعلاً، شعرت أنه عليها أن تسحب شيئا صغيراً في السوبر فارم، وكان أول ما وقع في يدها قلم آيلاينر. لم تقم بتحديد عينيها ولا مرة، لأن رموشها الداكنة والطويلة لم تحتج لدعم صناعي. إذن فلماذا في الواقع تحتاج لقلم آيلاينر؟ حتى اليوم لم تشعر بالحاجة لإزعاج نفسها بالعثور على إجابة جيدة لهذا السؤال.
ولكنها انتبهت فجأة الآن إلى أن هذه الرغبة قد تفاقمت على مدار هذين الأسبوعين. داهمتها الرغبة في كل ركن. خلف أي رف في السوبر، في محلات الكتب، وحتى في بقالة شلومو سرقت يوم الثلاثاء الماضي علبة لبان بدون أن تدفع، دفعتها بسرعة إلى جيب الجينز عندما استدار لينزل لها علبة سجائر من الرف المرتفع. ومن شلومو لم تسرق من قبل أبداً.
كانت لديها عدة مبادئ. قبل أي شيء، أن تأخذ فقط الأشياء التي لا تحتاجها، والتي لن تحتاج لها بشكل بديهي. حرصت كذلك على أن تكون صغيرة وليست غالية. لم يخطر على بالها أي شيء يزيد سعره عن الثلاثين شيكل. وبالطبع، فالقاعدة الأكثر أهمية أن تأخذ ممن لن يشعر، ممن له العديد من الأشياء بحيث لا ينتبه لغياب قلم أحمر شفاه درامي واحد. لن يضار أي شخص من هذا في الواقع. هكذا، كانت لصة ذات ضمير.
في هذه الأثناء، لم يتم الإمساك بها أبداً. كانت حريصة للغاية. كانت تجهّز قصصاً تغطي عليها مسبقاً، تحضراً لحالة إذا ما رآها شخص ما مع كل هذا، أو حالة أن تمسكها الكاميرات الخفية التي تتلصص من ثقوب صغيرة وغير مرئية في السقف. حرصت في كل الأحوال أن تُسقط المادة المختارة داخل جيبها أو الدوسيه في شرود، كأنها لم تنتبه، كأنها كانت تفكر فعلاً في شيء ما آخر، وفي نفس الوقت كانت تعد مسبقاً جملتها: "أوه، لا أصدق، لم أنتبه لما أفعل... ياللفضيحة، آسفة فعلاً... أنا حتى لا أحتاج له".
على مدار سنوات تغلبت على هذه الرغبة. حاولت تذكر إذا كانت قد سرقت شيئاً ما منذ عامها الرابع عشر، وتذكرت فجأة المرة إياها مع ليئورا، عندما كانت حاملاً للمرة الأولى وكانت تمتلئ بالسذاجة والاعتقاد بأن أي حمل ينتهي برضيع، وفي إحدى العصريات تغلبت على الخجل ودخلت لأول مرة في حياتها محلاً للمقاسات الكبيرة، نظرت إلى الجانبين لتتأكد أن أحداً لا يراها بخلاف ليئورا.
دخلت كابينة القياس ومعها حوالي عشرة قمصان وفستان أو اثنين منتفخين. قامت بقياس قميص وانتبهت فجأة إلى أنه غير موصل بجهاز إنذار مغناطيسي. نظرت إلى نفسها في المرآة وحاولت لم صدرها المتغير. شعرها البني الطويل كان كثيفا ولامعاً أكثر من المعتاد بسبب هرمونات بداية الحمل، وساقاها اللتان كانتا تطلان من تحت البلوزة الكبيرة لا تزالان تبدوان طويلتين ورفيعتين، ولكن البلوزة بشكل ما لم تكن مناسبة.
كانت كبيرة وواسعة جداً. ومع هذا، فلقد داهمتها الرغبة. كانت تعرف أنها إذا لبست السويتشيرت المتهدل الخاص بها على القميص وحلّقت بخفة إلى خارج المحل، فلن يعرف أي أحد. ولكن سعر البلوزة كان يزيد عن الثلاثين شيكل، والمحل كان خاوياً، وكلوديا لسبب ما حكمت بأن البائعة لها مظهر أم ولدت مرة واحدة، لأنها في اللحظة الأخيرة أخفت الخطة، وبدلا منها اشترت بسعر فاحش فستاناً واسعاً للحوامل بلون باذنجاني.
كانت في نهاية الشهر الثالث فحسب، ولكنها شعرت كأنها ثمرة قرع عسلي تورمت لأبعاد غير طبيعية بعد أن قاموا بسقيها أكثر من اللازم. وبرغم أنها دائماً ما عانت من الشعور بالسمنة، إلا أنها فيما بعد وجدت نفسها تشعر بالحنين لهذا الإحساس.
عندما خرجت اعترفت لليئورا: "تعرفين، تقريباً تعرضت لأغواء أن أسرق تيشيرتاً من هناك"، ابتسمت.
جحظت عينا ليئورا الخضراوتان أمامها، مضفرتين بعروق حمراء. "لا أصدق أن أشياء كهذه تمر على ذهنك أصلاً، الأمر لا يساوي هذا أبداً". قالت في نبرة وعظية غير واضحة.
ندمت كلوديا على أنها قررت أن تحكي لها. ما أهمية القصة؟ في نهاية الأمر اعتقدت أنهما ستقتسمان بينهما لحظة حميمية من لحظات البنات.
"تخيلي لو كانوا قد قبضوا عليك"، واصلت ليئورا بلا شفقة. "أنا أتخيل من الآن العناوين في الجرائد، محررة صحفية كبيرة يتم القبض عليها وهي تسرق بلوزة تريكو بسيطة".
"الحقيقة أن ليس هذا ما ردعني"، عادت كلوديا، "ما أخافني فعلاً هو أن يكون مكتوباً: "محررة صحفية كبيرة يتم القبض عليها وهي تسرق بلوزة تريكو بسيطة في محل للمقاسات الكبيرة". ضحكت كلتاهما ضحكة قصيرة. وبعدها أضافت كلوديا أيضاً أنها لا تعتقد أن شخصاً ما كان ليصفها بالمحررة الصحفية الكبيرة. في نهاية الأمر هي نائبة محرر ملحق نهاية الأسبوع. صحيح أنه ملحق الصحيفة الأولى في الدولة، ولكن مع كل هذا، فهي في نهاية الأمر نائبة. واتس ذي بيج ديل؟
هي بالصدفة وصلت هنا، ومن البديهي أنها في يوم من الأيام سوف تذهب أبعد. لم ترد ليئورا. كلوديا كانت تعرف أن ليئورا تمسك نفسها عن أن تأمرها بالتوقف عن طلب الإطراءات، وهو ما قالته لها كثيراً جداً، حتى انفجرت كلوديا ذات مرة وطاحت في ليئورا قائلة أنها بصفتها صديقتها الأقرب فعليها فهم أن هذا ليس هو الأمر، وأنها في نهاية الأمر تشركها فيما تعتقده. وهكذا، دار الجدال الافتراضي بينهما وحده، تجَوّل ذهاباً وإياباً في رأسيهما وهما تسيران في صمت.
آه هذه جيّدة جداً
ReplyDeleteأعتقد أنه نوع من أدب الاعتراف