Friday 7 August 2009

إيلي، إيلي، لماذا شبقت عاموس كينان

عاموس كينان، أوري أفنيري

ت: نائل الطوخي


رحل يوم الثلاثاء الماضي عاموس كينان، وهو واحد من أهم الأدباء والشعراء والنحاتين الإسرائيليين، بعد أن عاني لعشر سنوات من مرض الزهايمر. هذه التدوينة عنه، وله.

ولد كينان عام 1927 في تل أبيب باسم "عاموس لفين". شارك في شبابه بحركة "هاشومير هاتساعير" وتنظيم "لحي" وهو أحد التنظيمات الصهيونية المسلحة قبيل حرب 48، المعروفة عبريا باسم حرب الاستقلال، درس العهد القديم في الجامعة العبرية بالقدس، شارك في حرب 48 وجرح في مذبحة دير ياسين ضمن إطار القوة الإسرائيلية التي هاجمت القرية العزلاء. وكان قد انضم قبل الحرب إلى حركة "الكنعانيين" والتي ظل تأثيرها واضحا عليه طوال مسيرته الفنية والأدبية. وعبر عنها بشكل واسع في كتابه "سوسنة أريحا، أرض إسرائيل: البيئة والهوية والثقافة."، 1998. وهي حركة حاولت الربط بين الشعوب التي كانت تعيش في فلسطين منذ ألف عام، وبين الشعب العبري، وليس اليهودي بالضرورة. في الأعوام 1950 – 1952 كتب العمود السريالي الساخر "عوز وشوث" في صحيفة "هاآرتس" من بعد بنيامين تموز، والذي كتب هذا العمود قبله. أثرت مقالاته الساخرة على أسلوب الكتابة الإسرائيلية. وفي جزء كبير منها كان يوجه سهامه ضد المؤسسة الدينية.

..............................

في عام 1952 تم إلقاء القبض عليه بتهمة إلقاء قنبلة على بيت وزير الاتصالات دافيد تسيفي بنكاسن، وهو الوزير الديني عن حزب "هامزراحي"، واتهم سويا مع شئلتيئيل بن يائير بإلقاء القنبلة احتجاجا على القانون الذي يمنع حركة السيارات الشخصية أيام السبت لتوفير البنزين. تم تبرئة الاثنين، ولكن زوجة كينان، الناقدة نوريت جيرتس، والتي كتبت عنه كتابا بعنوان "بحسب نفسه"، أوردت في كتابها اعتراف بن يائير بأنه شارك زوجها في تدبير الحادث، وكذلك شهد النشط السياسي ومؤسس حركة "جوش شالوم"، أوري أفنيري بأن كينان وبن يائير هما من نفذا الحادث، في شهادة نقدمها اليوم في المدونة. وبرغم تبرئته فلقد ترك كينان صحيفة هارآرتس وغادر إسرائيل إلى باريس والتي مكث بها تسع سنوات وظل يكتب هناك في صحيفة "هاعولام هازيه"، ولدى عودته بدأ الكتابة في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، وهي الكتابة التي كانت مرفقة برسومه.

.........................................

بعد حرب 1967 بدأ كينان في معارضته لسيطرة إسرائيل على أراضي الضفة الغربية وغزة وأقام عام 1970 حركة "مجلس السلام بين إسرائيل وفلسطين"، وذلك في الوقت الذي كانت فيه كلمة "فلسطين" تعد تعبيرا متطرفا.

كتب كينان عددا من الأعمال المهمة، منها "الطريق لعين حارود" وهو عمله الأكثر نجاحاً، يصف فيه حبكة متخيلة عن دولة إسرائيل التي تسيطر عليها حركة عسكرية متشددة وسعي نشط سري للوصول إلى مستوطنة عين حارود الحرة. تم تحويل الرواية إلى فيلم في عام 1990. كما كتب مسرحية "الأسد" التي أخرجها في باريس. وعدت مسرحيته "أصدقاء يتحدثون عن يسوع" واحدة من أكثر أعماله إثارة للجدل. تم منعها من العرض عام 1972 بدعوى أنها تستفز مشاعر المسيحيين، وأثارت نقاشات صحفية كثيرة حول "هل يمكن السخرية من الله على خشبة المسرح"، و"حدود حرية التعبير."

كينان هو أبو الصحفية شلومتسيون والمطربة رونا كينان، والتي غنت ألبوما كاملا من أشعاره ومهدى له، هنا نجد رابطاً لحديثها حول الألبوم مع صحيفة يديعوت أحرونوت وتدريباتها على الغناء له.







ننشر أيضاً هنا مقدمة كتابه بعنوان "كتاب المتع" 1970، وهي مقدمة ساخرة تقدم كثيرا من سمات أسلوبه العدواني والمحبب. كما ننشر مقالة أوري أفنيري في رثائه. وقطعة صغيرة من كتابه "تاريخ اليأس" عن يسوع المسيح والمسحاء الكاذبين. ويمكن لمن يحب العثور على مواد إضافية في صفحة معجبيه على موقع الفيسبوك.


مقدمة "كتاب المتع"، 1970

نطلب من ربة البيت المجتهدة ألا تقرأ كتابنا. هو ليس لها. ولن تجد به أي محتوى عن كيفية استخدام بقايا البنجر المخلل الموجود منذ الأمس. وخلطة الجزر المطبوخ مع شوربة أول الأمس، سويا مع بقايا لبنة يوسي الذي لم يرغب في إكمالها، وكل هذا سويا يوضع في فطيرة مسكرة. لا، لا نريدك هنا، يا ربة البيت. اشتري لك كتاباً آخر، رجاء. كتابنا يتوجه للمرأة المبذرة، الطائشة. للمرأة التي تصحو متأخرا، واهتمامها الأول هو التطلع في المرآة، وليس في زوجها بالذات. نحن نتوجه ليس للمرأة التي تتمنى فقط في سرها العثور على حبيب، وإنما التي نجحت أيضاً في الحصول عليه. وإذا علمنا هذه المرأة شيئا عن أسرار المطبخ، فنأمل أنه ذات يوم، في عطلة نهاية أسبوع سرية، سوف تطبح وجباتنا لحبيبها بالذات. أما زوجها فيمكن لها أن تترك له بقايا البنجر.

نعم، كتابنا يتوجه للرجل الذي لا يشكل صريخ الأطفال بالنسبة له الذورة الموسيقية. والذي لا يتذكر بدقة عيد ميلاد زوجته، وإنما هو مشتت قليلا في هذا الموضوع بالذات. نتوجه للرجل الذي ربما يكون قد ربى كرشاً، ولكنه لا يحاول بالضبط أن يبرزه. لرجل جشع، كريم، طائش ويحب الحياة. رجل ليس عضوا في الويتسو – [المنظمة الصهيونية العالمية]. رجل لا ينتظر 20 سنة حتى يترقى للمرة الأولى، و15 سنة لكي يسافر لأول مرة في الأجازة بدون زوجته، و35 سنة لكي يتجرأة على مضاجعة قحبة، عندما يكون قد أصبح عاجزاً.

باختصار، من هو قارئنا العزيز.

هو أنتِ، يا فتاتي، سيدتي الرقيقة، امرأة غير تقليدية، ملهمة الشعراء، أم سيئة لا تضحي بحياتها من أجل أطفالها وتؤمن بأن الأطفال سينجحون حتى بدون هذه التضحية، وأنها تضحية بلا جدوى. الله يعلم كم شخص قد يكره أماً تضحي بكل شيء من أجله، وكم شخص قد يحب ويحترم أما لم تضح بكل شيء ولذا فهي لا تطلب أيضا التضحية من أولادها. نعم، نعم، نتوجه لامرأة جذابة في أي سن، الطبخ عندها ليس واجبا كريهاً لمد الحيوانات المفترسة التي تسكن عندها بالطعام، وإنما فن، متعة وتضييع رائع للوقت. وباختصار، نتوجه لامرأة عصرية، ونعرف أن امرأة كتلك موجودة.

ورجلنا؟

هو واحد قد تكون له امرأة محبوبة، محبة وذكية، أو ربما يكون محبطاً، مطلقاً وبارداً. في الحالتين، هو لا يعزل نفسه عن متع الحياة. لا يغض بصره عندما تمر بنت جميلة في الشارع، ويستطيع في أي سن الاستيلاء على قلبها، وبالطبع جسمها كذلك. رجل ليست السيارة هي مصدر جاذبيته، ولا حساب البنك هو الذي يمنحه الأمان في حياته. رجل مستعد للمغامرة حتى لو كانت خطرة فعلاً، رجل يتساءل الرجال بغيرة وباحتقار عن سبب حب النساء له. رجل طائش، مبذر، مخادع قليلاَ، محبوب، مبتسم، يحبه الأطفال من جميع الأعمار وتحذّر سيدات البيوت أنفسهن وبناتهن وكناتهن منه. أنتم، والآخرون جميعاً، كل هؤلاء الذين يرغبون ويعرفون، وليسوا واثقين، واثقون ولكنهم يفرحون بأي تصديق على رأيهم، أنتم القراء الأعزاء لهذا الكتاب، الذي نقدمه لكم بحب.


* من "كتاب المتع"، 1970.

_____________________________________

حوار يجريه إيهود مانور مع كينان ويظهر فيه مشهد مسرحي كتبه للمثل الإسرائيلي الكوميدي شايكه أوفير.




إيلي إيلي لماذا شبقتني


جميع المسحاء [جمع مسيح] الكاذبين كانوا مسحاء حقيقيين: الله هو وحده الذي سمع صرختهم من أجل الخلاص. أول المسحاء الكاذبين والأكبر كان هو يسوع. تنبأ يسوع بملكوت السماء، الذي لم يقم وأشك في أنه سيقوم يوماً. يسوع وجميع المسحاء الذين جاءوا بعده تمسكوا بالإيمان أن هناك إلها وأن الإله يسكن في السماء وأنه يدير كل العالم الذي خلقه.

أول من تجرأوا على التشكيك في ماهية العناية الإلهية، ولو بصورة مقنعة وغير مباشرة، كانوا أنبياء إسرائيل.

عندما تنبأ ميخا بآخرة الأيام التي سيجلس فيها الذئب مع الحمل، بدا من كلامه أن الخلق الأول معيب.

صرخة يسوع: "إيلي، إيلي، لماذا تركتني"، أنبتت ديناً توحيدياً جديداً، أصبح بموجبه يسوع هو ابن الله الذي تركه.

وليس فقط أنه تركه: عبارة "إيلي، إيلي، لماذا شبقتني"، تصور يسوع وكأن الرب، أباه، قد قتله.

ثورات العبيد الكبرى في الأيام السابقة، وكذلك في أيامنا، تتوجه أيضا ضد القدر القديم الذي يلعب دورا في الواقع وفي وضع الإنسان. عندما يتجاهل الله الإنسان ولا يلعب دورا في العناية بوضعه، فإن الإنسان يثور عليه، الدين الجديد ليس ثورة، ولكنه بما أن الثائر هو الإنسان، فإن الدين الجديد أيضا يتحول إلى دين مؤسسي، وكل شيء يعود والعياذ بالله.

كل مسيح هو ثائر.

الحنين لمملكة السماء هو ثورة على الأرضي، المادي، وربما كذلك على الخلق نفسه. ثورة على من خلقه على هذه الشاكلة.

* من كتاب "تاريخ اليأس".



كلمة النشط أوري أفنيري عن رحيل رفيقه

أنا حزين اليوم. بالأساس لأن عاموس كينان ينتمي للثقافة العبرية التي أقمناها وخلقناها في السنوات السابقة لحرب الاستقلال. كانت هذه هي ثقافة تلك الحرب والبلاد حتى عشر سنوات بعد الحرب. بعد هذا احتضرت وقتلت، وبدلا منها جاء ما هو موجود اليوم. لذا فحقيقة أنه بدا غير موجود في السنوات الأخيرة هي حقيقة شبه رمزية. لأن الثقافة التي كان يمثلها لم تعد قائمة في الدولة اليوم. الثقافة العبرية، غير اليهودية.

كينان، مثلي، آمن أننا أمة جديدة، عبرية، ولدت في هذا البلد، ولذا فهي تنتمي له ومتجذرة فيه، وأن الشعب الآخر الموجود في البلد هو حليفنا بطبعه. عرفته على مدار حرب الاستقلال عند الأديب ميداد شايف، والذي أعجبنا به نحن الاثنين، ومنذ ذلك الحين بقينا صديقين على المستوى الشخصي، ولكن بالأساس أيضا شريكين في السياسة.

كان من أوائل من آمنوا بفكرة أننا نحتاج السلام مع الفلسطينيين، في فترة آمن فيها 99.9 % من الشعب بأنه ليس هناك من شيء كهذا مع الفلسطينيين أبداً. في 1957، بعد حرب سيناء التي عارضناها بحدة، قمنا، وآمنا سويا أن المستقبل يكمن في التحالف مع العالم العربي، أننا نخلق أمة عبرية جديدة ولذا فمستقبلنا هو مع الشعوب الأخرى في هذا الحيز.

شاركنا سويا في "منشار هاعفري"، وهي الخلفية التي تحدثت لأول مرة عن إقامة دولة فلسطينية، ما يسمى اليوم بـ"دولتين للشعبين"، وفوراً، بعد حرب الأيام الستة شارك معي في منظمة اسمها "فيدرالية إسرائيل – فلسطين"، تدعم إقامة دولة فلسطينية بجانب إسرائيل وخلق فدرالية بين الدولتين.

ولكن بالطبع فبجانب عمله السياسي، لم يقل نشاطه الأدبي أهمية. لقد كان واحد من المواهب العظمى في جيلنا. لم يصل أبدا إلى كتابة الرواية العبرية الكبرى التي انتظرناها جميعاً، لكنه كتب عدة أشياء قصيرة لا تنسى، وهنا ظهرت موهبته. هكذا ففي عموده الساخر – الساطيري "عوزي"، الذي خلق مدرسة كاملة في أعقابه، كنب عملا كلاسيكيا عبريا واليوم لا تغيب كتاباته عن أية أنطولوجيا عبرية.

أثناء قضية إلقاء القنابل على بيت الوزير دافيد تسيفي بنكاس، عرفت من البداية أنه هو من فعل هذا. لم يخف هذا عني أبدا. عندئذ، اضطر لترك جريدة "هاآرتس" إلى جريدة "هاعولام هازيه". كان فنان اللغة العبرية، الصبارية الجديدة، واستخدمها بصورة محكمة لأجل التعبير عن أفكاره الأكثر عمقاً.

لقد أظهر أنه يمكن، على خشبة المسرح وفي الأدب، التحدث باللغة العبرية الجديدة، البسيطة، المحكمة التي نقلها عنه جيل كامل. لقد كان مجايلا لبن آموتس، أوري زوهير وكل مبدعي جيل حرب الاستقلال. وليس صدفة، على ما يبدو، أنه غادرنا بالتحديد في عصر أطل فيه برأسه كل ما كان يعارضه. سوف يترك مكانه فارغاً جداً.


* عن صحيفة "هاآرتس"

....................................

* الصورة المرافقة لقطعة "إيلي إيلي لماذا شبقتني" هي عمل نحتي لكينان باسم "المسيح".

5 comments:

  1. كتابة بديعه......... لافكار شريرة
    الامة العبرية اقل سخفا من الشعب اليهودي
    :)

    ReplyDelete
  2. معرفة لا ضرر منها
    والجهل بها عيب كبير
    شكرا أستاذ نائل

    ReplyDelete
  3. دون التعرض لأدب عاموس كينان ومواقفه المؤيدة للسلام في فترة متأخرة من حياته لا بد من التوضيح أن الليحي لم تكن مجرد "مجموعة صهيونية مسلحة" بل كانت منظمة إرهابية عرفت أيضا باسم عصابة شتيرن وقد كانت مسؤولة (على سبيل المثال لا الحصر) عن تفجير السرايا في يافا، مجزرة (وليس معركة) دير ياسين، اغتيال الكونت برنادوت (الذي كان ممثلا للأمم المتحدة) عدا عن محاولتهم التحالف مع ألمانيا النازية ضد بريطانيا عام ١٩٤٠ (لا أدري لماذا لا يتهمهم اليهود بالنازية كما يتهمون الحاج أمين الحسيني)....

    في الثمانينات انضم كينان إلى حزب شارون شلوم تسيون (الذي كان على اسم بنت كينان) وقد تحالف هذا الحزب في نهاية الأمر مع حيروت وكتل أخرى لينتج حزب الليكود.

    أنا لا أحكم على أدب كينان لكن استفزني تعبيرا "مجموعة مسلحة" و"معركة" دير ياسين كأنهم كانوا مناضلين لتحرير بلادهم من الاستعمار...

    ReplyDelete
  4. ليس في تعبير مجموعة مسلحة ما يفيد بطابع المجموعة النضالي، أو الاستعماري، هي مجموعة مسلحة، قد تكون عصابة، قد تكون إرهابا، وقد تكون ميليشيا مقاومة. الكلمة هنا اراها موضوعية
    بالنسبة لكلمة معركة فهي فعلا خطأ من جانبي، دير ياسين كانت مجزرة تجاه قرية عزلاء، ولم تكن معركة متكافئة، لذا قمت بالتصويب. شكرا لك

    ReplyDelete
  5. بجد بهنيك على المدونة لأنك بتطلعنا على الآداب العبرية باللغة العربية و ده تقريبا مش بيحصل عندنا إطلاقاً بما أننا منعرفش أي حاجة عن الأدب الإسرائيلي أما بالنسبة للأمة العبرية و أو اليهودية أو وات إيفير فده سخف و نظرة واحدة على إختلاف الجذور و الأصول توضح ده

    مشكور على مجهودك

    ReplyDelete

comment ya khabibi