Saturday 18 June 2011

عن الغيرة بين الأدباء نتحدث

عن الغيرة بين الأدباء نتحدث

سهرا بلاو

ترجمة: نائل الطوخي

1

"أنتِ سخية جداً"، قال الكاتب الشاب الموهوب، "شكراً على الإطراء".

اذهبي واحكي له أن هذا الإطراء مغروز الآن في حلقك، وأنه يمكنك أن تري أمام عينيك سواء النقد الذي يمتدح كتابه "الرائع"، و"الذي يحقق طفرة"، و"الذي أعاد الثقة في الأدب الشاب بإسرائيل"، بينما أنت تجلسين وتحصين السنوات التي مرت منذ صدور كتابك الأول. ولكنك تطرينه، بالتأكيد. أن تقولي كلمات حلوة في آذان زهرة الأدب الشابة هذه، فهذا سهل جداً، دوماً ما كنتِ جيدة في هذا، ولكنت تعالي نراكِ هنا تكتبين اسمه واسم كتابه الناجح. أنت غير قادرة على هذا، صح؟

2

قرر حكماؤنا أن "غيرة الأدباء تزيد الحكمة"، (باب باب بترا في المشنا)، ولا يغير الأمر أن عصرهم لا يفاخر بغيرة الصحفيين، غيرة مذيعي التليفزيون، غيرة الأكاديميين، أو غيرة عارضات الأزياء. لقد عرفوا جيداً أن غيرة الأدباء هي الأخطر والأكثر تدميراً بين كل هذه الغيرات. اعترف أحد الأدباء ذات مرة بأن: "ماذا تبقى لنا بعد كل هذه السنوات هو العمل القاسي والمستنزف؟ لا نرى أموالاً من هذا، كل ما تبقى لنا هو الاحترام."

ولكن الغيرة هي الشعور الأكثر احتقاراً وإدانة بين الجميع.

3

يمكننا أن نكتشف تسامحاً معيناً تجاه التعبير عن الشر، الغضب، التباهي، الجشع، الكراهية، ولكن الغيرة دائماً سوف تعد هي الأخت غير الشقيقة. مرات كثيرة نختار ترجمتها إلى شعور آخر، نقول "أنا غاضب منه"، أو "لقد أحبطتني"، ولكننا لن نعترف أمام أنفسنا أن الحديث هو عن الغيرة من النوع المعتاد والقديم.

لماذا تحول إحساس بسيط كهذا إلى إحساس غير مشروع؟ هل لأنه يكشف عن شيء ما داخلي، غريزي ومظلم؟ هل لأن الحديث هو عن إحساس قديم جداً، بدائي جداً، بقايا قديمة من الصراع على البقاء؟

احتجت لسنوات للاعتراف أمام نفسي أنه يمكنني أن أغار، وأحياناً بقوة شديدة. نوبة الغيرة تشبه في جوهرها نوبات الخوف. عندما تهجم بكامل قوتها، عليك إغلاق عينيك والانتظار حتى تختفي. وسوف تختفي. دوماً ما سوف تتركِك ضعيفة وخاوية. ليس صدفة أنه يقال "قاسية كالجحيم الغيرة". الغيرة بالفعل هي جهنم على الأرض. ليمت من يغاروا؟ كانوا يريدون، صدقوني، ولكن بدلاً من هذا فلقد حكم عليهم بأن يواصلوا الحياة والغيرة.

4

والحياة في ظل الغيرة، ليست حياة.

إليكم مثالاً، تشاركين في واحد من تلك الأحداث الأدبية بمناسبة أسبوع الكتاب، هذا حدث كبير، احتفالي ومليء بالأدباء، وأي إعلان جميل نشروه في الجريدة! الأيدي مرسلة والعيون مرتجفة على أسماء المشاركين: عاموس عوز، أ.ب. يهوشواع ودافيد جروسمان (حسناً، واضح أنهم سيفتتحون بالثلاثي الأدبي الشهير)، وهاهو أيضاً يورام كانيوك، ميئير شاليف، تسرويا شاليف، يوخي برندس، حاييم بئير، ليئا إيني... القائمة تستمر، والآن يأتي الأدباء من الصف المتوسط. لا تتوقعين أن تجدي اسمك بينهم، تواصلين القراءة، هاهم الأدباء الشباب (ما أجمل مهنة الأدب، والتي تعد فيها أديبة في عمر الثامنة والثلاثين أديبة شابة)، ولكن أين اسمي، أين هو؟ عيناك تتعثران باسم شخص تعرفينه، وقهوة الصباح توشك أن تنسكب على الجريدة، ما الذي يفعله هذا الأمي هنا؟ وكيف كتبوا اسمه قبل اسمك؟ تواصلين القراءة وأنت تصرين على أسنانك وهاهو.. لا، لا يمكن أن يحدث هذا! المقالة انتهت. اسمك لا يظهر، أو ما هو أسوأ من هذا، إنه يظهر تحت العنوان المرعب "وآخرون". ها أنت جزء من هؤلاء الـ"وآخرون"، هؤلاء معدومي الاسم الذين يذيلون طرف المقالة. ربما كان يمكنك احتمال هذا بشكل ما، ولكن اسم هذا الشخص الذي تعرفينه والذي يلوح هنا بكامل مجده الأمي يمزق أمعائك.

5

على الأقل فإن الحديث هو عن إنسان تعرفينه وليس عن إنسانة تعرفينها. على قدر ما يكون موضوع الغيرة مشابهاً- فإن الغيرة تصبح أشد. ليس هناك أسهل من إطراء عجائز القبيلة، الأدباء المخضرمون الذين يمنع سنهم ومكانتهم من وجود أي عنصر تنافسي، الحكمة الحقيقية هي إطراء من يشبهك، من ينتمي لنفس الأرض، هذا الذي يمكن لنجاحه أن يأكل نجاحك. هكذا يكون دوماً إطراء أديب كبير أسهل من إطراء أديب شاب، وإطراء الرجل أسهل من إطراء المرأة، إطراء العلماني أسهل من المتدين. الأخطر دوماً من وجهة نظري هن الأديبات الشابات الآتيات من خلفية دينية واللاتي يهتممن بالهولوكست ويبدأ اسمهن بالسين. اندهشوا، هناك من هن على هذه الشاكلة، لا طبعاً، لا تحلموا بأن أذكر حتى مجرد اسم واحدة منهن.

وهناك أيضاً تلك الزاوية في التليفزيون، والتي أوصي فيها من حين لآخر بكتب جديدة رأت النور. لو كان فقط الأمر ممكناً كنت لأوصى بالكلاسيكيات المعاد نشرها فقط، ليس هناك أروع من إطراء الكتاب الذين لم يعودوا من الأحياء! كم إن الأمر يتوجك أيضاً بهالة المثقف. ولكنني أحاول محاربة غريزتي الأولية والتوصية بشكل حار بالتحديد بالكتاب الشباب (والشابات). "رائع"! أهتف أمام كاميرات الاستديو، "كتاب يمثل طفرة!"، أبتسم بعذوبة. وهكذا أصبح مرتبطة بهم، وهكذا لن يتوجه نجاحهم ضدي، وإنما على العكس، سوف يكون نجاحهم هو نجاحي، وأنا أوصي بالجميع، بالجميييييييييع! حتى تنتهي جميع سياط ضميري، أقسم لو أن ليل الغضب قد مر عبثاً[1]...

6

والأمسيات الأدبية، هي الأمسيات الأدبية التي تقام في أنحاء البلاد أمام جمهور مستمع. أجد نفسي وقد أخذ يشد من أزري أديب آخر، أتحدث بلطف عن الأدب، الإبداع، وغيره.

في الافتتاح أقدم نقاط ضعفي مثل أحدب يلوح بعاهته، "نشرت كتاباً واحداً والثاني في الطريق، وبجانبي الأديب X الذي أصدر خمسة كتب"، أبتسم ابتسامة مذنبة ويمر الحوار بلطف. بلطف جداً، حتى مرحلة الأسئلة. هذه المرحلة التي أبدأ في الارتجاف عندها، الأديب المحبوب الجالس بجانبي يتحول إلى عدو. من منا سوف يتم توجيه الأسئلة الأكثر إليه؟ من بين الجمهور سوف تشهد أسئلته على أنه قرأ الكتاب؟ ذات مرة، عندما توجهت أسئلة الجمهور واحداً وراء الآخر فقط للأديبة (الممتازة، ينبغي الإشارة)، التي جلست بجانبي، كان التوتر على وجهي واضحاً للغاية حتى إن أحد المشاركين أشفق عليّ، "سؤالي لسهرا"، قال وتنهد الجمهور كله بارتياح: "ما الذي تعتقدينه بخصوص كتابة م"؟

7

ولكن هذا لم يكن مقرراً له أن يكون هكذا. التفسير الأصلي لـ"غيرة الأدباء تزيد الحكمة"، يشير إلى التنافس الذي يجعلك تُخرج من نفسك الأفضل، وإلى الأحاسيس الإيجابية في أساسها التي تؤدي للترقي والإلهام. حدث ذات مرة أن امتلأت بالإلهام من كتابة الأدباء، ولكن الآن، فإن الحديث هو عن الغيرة، وأول غيرة في العهد القديم انتهت بالقتل.

الحكمة هي الاعتراف بهذا الشعور ومحاولة استغلاله لصالحك. في الواقع يمكن تعريف الغيرة بأنها الأخت الصغرى والقبيحة للدافع، القوى المحركة. لولا الغيرة، لم أكن أبداً لأنجح في أن أجلس وأكتب. كنت لأواصل القفز بين حفلات توقيع أصدقائي الأدباء بينما أتطلع إليهم بعيون خاوية، بيدي كأس من النبيذ الحلو وبحلقي طعم حمضي. ولكنني أردت، أردت جداً! وهذه الغيرة الحارقة، دفعتني لأن أفعل فعلاً. في لحظات الانكسار أثناء كتابة الكتاب، كنت أردد أمام نفسي مراراً وتكراراً "هل تريدين الذهاب لحفل توقيع جديد! تريدين الوقوف هناك مع نفس كأس النبيذ بيدك بينما تبتسمين نفس ابتسامتك الخاسرة للأبد؟ هل هذا ما تريدينه؟" هكذا ربما يكون عليّ أن أشكر هذا الشعور الصغير الحقير والمدان، الغيرة.

8

اسم الكاتب الشاب والموهوب هو مَتان حرموني والكتاب هو "شركة النشر العبري."

___________________________

ولدت سهرا بلاف عام 1973 في مستوطنة بني باراك لعائلة متدينة برجوازية. أديبة وإعلامية إسرائيلية. ولدت باسم "سارة" وأضافت الهاء -اسم الرب - في اسمها علامة على تدينها. تعمل في معهد دراسات الهولوكست في حيفا، حيث توثق حكايات الناجين من الهولوكست منذ ما يقرب من عقد. في عام 2007 أصدرت كتابها الأول "غريزة الأرض"، والذي يدور حول امرأة خلقة دمية شبيهة بالرجل. مقال بلاف منشور تحت عنوان "شركة النشر العبري: سهرا بلاو تتحدث عن الغيرة"، في صحيفة هاآرتس، تجدونه بالعبرية هنا.



[1] " حتى تنتهي جميع سياط ضميري، أقسم أن ليل الغضب لن يمر عبثاً "من أبيات قصيدة "النذر" للشاعر أفراهام شلونسكي، وهو من رواد الشعر العبري، كتب قصيدته ليصف الهولوكست.

1 comment:

  1. عودة الطوخي مرة اخرى- بعد غيبة ثورية ، لعله كان في ميدان التحرير حتى بعد ما قفلوه !- لاتحافنا بكل ما لذ وطاب من اختياراته من الأدب العبري ..وهذا دور هام الان في مصر والعالم العربي حيث تستعر النعرات العنثرية ورفض الآخر بدون اسباب مقنعة سوى الشيفونية والعنصرية والتعصب الديني والعرقي
    رءوف مسعد

    ReplyDelete

comment ya khabibi