Friday 27 March 2009

ثعلبان

بوعاز لافي

ترجمة: نائل الطوخي


وضعوا الثعلب في السجن، كأنه مجرم كبير، ولكنه في الحقيقة كان بريئاً تماماً. لشهور ظلوا يتعقبونه، يضبطون أجهزة التصنت في سماعات تليفونه. قرفوه في حياته. دائما كانت تسير خلفه سيارتان أو ثلاثة، دوما كانت بيضاء، ودوما ما يركب فيها رجلان، متعبان للغاية ولهما نظرات حزينة. في النهاية قبضوا عليه، بالبداهة، بسبب غلطة ما، لقد عبر الطريق والإشارة حمراء، وبصق على الرصيف بجانب المعبد. قبضوا عليه في منتصف الليل، كما يقبضون على الجميع، وعرف هو فورا إلى أين هو ذاهب وكم سيمكث هناك.


هل ندم على شيء ما؟ نعم. كان لديه موضوع غير منته مع ثعلب آخر. قصة قديمة وطويلة. كان يعرف أنه إن لم يخرح من السجن خلال، لنقل خمسة أو ستة أشهر، فهناك احتمال كبير أن يذهب الثعلب الآخر لمكان بعيد، أو يموت. وعليه أن يلتقي بالثعلب إياه، أن يعترف أمامه، وأن يطلب منه الغفران. والأجازات لم تسمح له إطلاقاً بهذا، لقد وضعوه في قسم الإكسات، ساعة يومية من التجول في فناء داخلي، وتليفونات إلى العائلة. لم تكن له عائلة: كان يتحدث مع المحامي، قسيس ألماني، نصف كفيف، ليس فقط أنه خسر القضية، كما هو متوقع، أمام العصافير والإوز من ممثلي الادعاء، وإنما عقد حياة الثعلب أيضاً بملف إضافي، جعله يقضي من 10-12 سنة أخرى على الأقل. ولكن القسيس الألماني كان يعرف قنديل بحر، وكان قنديل البحر يعرف تمساحاً، والتمساح، مقابل مبلغ مناسب، كان مستعداً لإخراج الثعلب من السجن لمدة 24 ساعة. وأخرجه.


في الساعة الرابعة وعشرين دقيقة صباحاً، وفي داخل سيارة فورد قديمة على الطريق القديم إلى حيفا، سأل التمساح الثعلب: "أنا أعرفك جيداً جداً يا ثعلب، حتى بدون أن أقابلك مرة واحدة. أعرف أنك لم تفعل أي شيء في حياتك لأي شخص. ليس عليك أن تشرح لي هذا. ولكن شخصاً ما عليه أن يكرهك حتى يفعل فيك هذا. شخص ما عليه أن يكرهك لدرجة أن قتلك يصبح بالنسبة له أمراً تافهاً. ماذا فعلت لهذا الشخص حتى يضعوك في هذا المكان يا ثعلب؟"


"ذات مرة كنتُ ثعلباً"، هكذا قال الثعلب، ونظر شرقاً، إلى الأشجار السوداء: "كنتُ ثعلباً. كنت ببغاء. كنت حلزوناُ، صخوراً من كل الأنواع. ما تريدني أن أكونه كنته. ولم أبدأ بكوني ثعلباً. قبل هذا كنت عدة أشياء أخرى، إنساناً، حصاناً، أشجاراً. كنت شجرة زنزلخت، نخلة، وكنت أيضاً، ما اسمها، نباتات متسلقة. ولكن في البداية، قبل رحلة كل هذه الأشياء، كنت ثعلباً مرة أخرى. يمكنك القول أنني كنت ثعلباً قبل كل شيء. وعندئذ أصبحت الكثير من الأشياء، ثم ثعلباً مرة أخرى. ثم عدة أشياء، وهاأنا مرة ثانية ثعلب. أصبحت ثعلباً للمرة الثالثة، إذا أردت التفكير فيها هكذا."


لم يواصل الثعلب الحديث. والتمساح لم يسأل. في كريات بياليك أوقف التمساح السيارة وخرج الثعلب ليلتقي بالثعلب الآخر في شقته. كان الثعلب الآخر ينتظره، كان يعرف أنه سيأتي. وكانت الشمس قد أشرقت، جلس كلاهما في البلكونة. أما التمساح فقد نعس في السيارة.


ما الذي قيل هناك، في البلكونة؟ من الصعب الاستماع: البرد تسلل بعمق إلى العظام، وصخب المولد الكهربائي في الشارع القريب أصم آذان العالم. كان يتم حفر بئر هناك. ولكن الثعلبين تحدثا. الثعلب الآخر عرض على الثعلب الهارب قهوة. ودخنا سجائر إسرائيلية. بدا أن الحادثة التي كانا يتناقشان بخصوصها حدثت قبل أي شيء آخر. وليس من شك في أنها حدثت قبل المرة إياها، الأولى، التي كان فيها الثعلب ثعلباً. لسبب ما، أراد الثعلب ألا يحكي عن هذا للتمساح، حتى برغم أن هذه المرة إياها، الأولى، لم تكن أولى، وقبل هذا كان الثعلب ثعلباً لمرات لا نهائية. وهكذا، بينما كان التمساح نائماً، جلس الثعلب مع الثعلب الآخر في الشرفة وتحدثا مع بعضهما البعض. كانا قد التقيا في الشرفة سابقاً، وعندئذ أيضا كان التمساح نائماً. وكان البئر يتم حفره في الشارع القريب، كريات بياليك كانت قد استيقظت ذات مرة على صباح كهذا. الثعلب الآخر، العجوز، كان ينصت لكلمات صديقه الشاب، ويهز رأسه بحزن. نعم، كان يعرف كل شيء، لم يفاجئه أي شيء، ولكنه أراد أن يسمعه بأذنيه، وأن يرى الثعلب يتحدث.


"انتهى، أغلق"، قال في النهاية الثعلب العجوز. وكانت تلك هي العلامة، وعرف الثعلب الهارب أنه مُنح الغفران. قام من الكرسي. "ستعود الآن إلى الداخل؟"، هكذا تسائل العجوز. "نعم" قالها الثعلب، "التمساح ينتظرني."


قال العجوز: "الزمن، في الداخل يمر أشد بطئاً من الزمن في الخارج، ربما تعرف هذا. عندما تخرج من هناك، ستعرف أنه قد مرت عليك 1000 عام، ولكن في الخارج، عشر، عشرون، ثلاثون سنة. من يجلس، يحظى بحياة طويلة. اعلم أن متوشالح جلس تقريبا طول حياته. حياة طويلة."


في طريق العودة كان التمساح صامتاً، ولكن الثعلب لم ينتظر أن يلتفت له. لقد ضحك وغنى، لم يشعر أبدا أنه ممتلئ بالحياة بهذا القدر، سعيد بالركض بهذا القدر.



_________________________________________



يعمل بوعاز لافي كاتبا للسيناريو في محطات تليفزيونية مختلفة، ويحرر قسم السينما في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية. نشر قصصاً قصيرة في دوريات أدبية. يترجم من الإنجليزية، وكتب عدة نصوص لمعارض فنية مختلفة. قام مؤخراً بكتابة وإخراج الفيلم القصير "بحيرة". النص المترجم هنا مأخوذ من دورية "معيان" الأدبية.

5 comments:

  1. طوبي للثعلب الساعي لنيل الغفران, ,الجالس مكانه في حضرة الصيرورة ,الرابط الجأش في وجه العود و التكرار لأن الرب يعطيه أياما كثيرة , يثبته في تحولات الكينونة , و تقلبات الوجود , ينجيه من مكائد العصافير و الاوز و من عسف المخبرين و تواطؤ رجال القانون و القسيسين
    :)
    جميلة قوي يا نائل , تسلم ايديك

    سامح

    ReplyDelete
  2. طبيعي ألا يطلب الثعلب الغفران سوى من ثعلب آخر،و ربما كان هذا الآخر هو ما سيصير إليه الأول بعد عدد من السنين ..ربما 1000سنة يقضيها في الداخل ، و إلا كيف عرف الثعلب العجوز أن الزمن في الداخل يمر أشد بطئا من الزمن في الخارج

    ReplyDelete
  3. قصة جميلة فعلا
    أعتقد إنها مكتوبة (بلغة عبرانية جميلة) بس أحسن من عجنون
    تسلم إيدك بجد

    ReplyDelete
  4. يدور الثعلب في دوائر مغلقة تتحكم في مصيره وكينونته
    ويتأرجح بين كونه ثعلب او نباتات متسلقة او حتى شجرة زنزلخت
    وخروجه من العالم على يد الثعلب العجوز كان لابد ان يحدث حتى يحصل على الغفران وحصوله عليه يوضح حالة السعادة والانطلاق التي شعر بهما بعد دخوله مرة اخرى رغم تضحيته بالخلود وبحياة طويلة وحبه للداخل حتى لو هايكون في السجن

    بس يعني ايه قسم الاكسات؟
    ترجمتك حلوة قوي يا نائل، بجد استمتعت
    اميمة صبحي

    ReplyDelete
  5. عجبتني النهاية

    ReplyDelete

comment ya khabibi